أساطير كرة القدم الجزائرية (الحلقة ال12) إعداد: كريم مادي مختار عريبي.. مات أعزبا من أجل الوفاق سنواصل عبر هذه النافذة التاريخية تسليط الأضواء على الأسماء التي صنعت مجد كرة القدم الجزائرية وسنتعرف اليوم على مسيرة صانع أمجاد وفاق سطيف ليس كلاعب بل كمدرب إنه الراحل مختار لعريبي الفقيد الذي أحب الوفاق فمات من أجله أعزبا. ترى من هو الراحل مختار عريبي؟ كيف صنع للوفاق اسما في سماء الكرة الجزائرية؟ لكن قبل أن نتعرف عن مسيرة مختار عريبي هيا بنا نعود إلى تاريخ 04 سبتمبر 1989. 04 سبتمبر 1989 سطيف وعين الفوارة والكحلة.. والجميع يبكي مختار عريبي نحن الآن في صبيحة الرابع من شهر سبتمبر من عام 1989 السطايفيون وكما يعرفون يستيقظون مبكرا مع بزوغ شمس الخريف بدأت حركة المرور تدب في الشوارع المقاهي تمتلئ البعض يحتسي فنجان قهوة والبعض الآخر يطالع الجرائد اليومية وما حملته عن أخبار سارة عن الوفاق واستعداداته للموسم الكروي 89/90 بعد نكسة نزوله إلى القسم الوطني الثاني وهو النزول الذي أبكى الراحل عريبي حرقة الى ان رفعت روحه إلى العلي القدير. بعد صراع مع المرض (على مستوى الأذن اليسرى) منذ شهر ماي من تلك السنة. فجأة واذا بخبر ينزل على السطايفيين كالصاعقة وفاة ابن الوفاق وصانع امجاد الكحلة والبيضاء مختار عريبي الكثير لم يصدق الخبر وكل واحد راح يسال الآخر سمعت راهم ايقولو عريبي مات وفعلا الخبر تأكد قبل منتصف ذلك اليوم الرابع من شهر سبتمبر لقد غادرنا عريبي مختار والى الأبد لتلبس مدينة سطيف وما جاورها الثوب الأسود لكن الثوب التي لبسته أكثر من مرة عين الفوارة بمناسبة تتويجات الوفاق بالكؤوس والألقاب الوطنية لم يكن هذه المرة ثوبا لإقامة الولائم والأفراح بل ثوب الحزن وياله من يوم بكى فيه السطايفيون كبيرا وصغيرا حتى الجنس اللطيف منهم راح يبكي بكاء الأمهات حرقة على رحيل صانع أمجاد الوفاق مختار عريبي. الخامس من سبتمبر 1989 دموع عين الفوارة جفت حزنا على عريبي في اليوم الموالي أي في الخامس من شهر سبتمبر تحولت مدينة سطيف إلى ملتقى للآف من الجزائريين الرياضيين منهم والسياسيين والفنيين جاؤا من كل حدب وصوب من اجل إلقاء آخر نظرة عن مختار عريبي قبل أن يوارى التراب. بعد صلاة الظهر سارت جنازة الراحل مختار عريبي إلى مثواه الأخير بمقبرة سيدي الخير في الخامس سبتمبر ولاعبو الوفاق يحملون نعشه وهم بلباسهم الرياضي تماما كما أوصى به عريبي قبل وفاته وسط أجواء حزن وحداد جماعي كيف لا والوفاق فقد أحد ركائزه الجميع بكى حرقة لوفاة عريبي الرجل الذي أفنى شبابه حدة للكحلة والبيضاء الذي رفض الزواج حبا في عشيقته العمرية الكحلة والبيضاء الوفاق السطايفية الأمر الذي زاد حبا في وجدان السطايفيين. وتأثرا لفقدان الوفاق لأحد أعمدته أصدر المطرب السطايفي بشير عبد الغني (صاحب أغنية سيدي الخير وعامر لحرار) أيام من وفاته شريطا غنائيا يصف فيه مظاهر الحزن التي عمت مدينة سطيف عقب وفاة عريبي ومن مقاطعها ما تبكيش يا زرفان دموعك سالت وديان وهي الأغنية التي حفظها السطايفيون على ظهر قلب ولا زال الكثير يردد مقاطع منها إلى وقتنا الحاضر.. 29 سنة من بعد مات عريبي ولم تمت ذكرياته حتى وأن رفعت روح مختار عريبي إلى الرفيق الأعلى في الرابع من شهر سبتمبر 1989 إلا أن ما صنعه بالوفاق على مدار ربع قرن من الزمن لم تمح وستبقى مسجلة بأحرف من ذهب. عرف وفاق سطيف في عهد الراحل مختار عريبي الكثير من التتويجات الوطنية وجعلت لمدينة سطيف رموزا ثلاثة (عين الفوارة سيدي الخير ووفاق سطيف) لذلك كان رحيل عمي المختار مؤثرا للغاية في كل المدينة ونواحيها خاصة وأنه صنع مجدا حقيقيا للكحلة والبيضاء التي مكّنها كمدرب من نيل: كأس الجمهورية لسنوات (63 68 و80) بطولة الجزائر (68 و87) وكأس إفريقيا 1988 وحتى الكأس الأفرو آسيوية (جانفي 1990) وكأس الجمهورية (جويلية 1990) يعتبرهما المختصون ببصماته لأنه ترك تشكيلة قادرة بعد وفاته. عشق الوفاق.. مختار عريبي مات أعزبا إذا كان الراحل مختار عريبي قد فارقنا إلى الأبد في الرابع من شهر سبتمبر عام 1989 عن عمر يناهز 65 سنة فإن مولده كان سنة 1924 في مدينة سطيف ظل طوال حياته مغرما بفريق الوفاق الأمر الذي أنساه في إتمام نصف دينه حيث مات أعزبا. ظل الراحل مختار عريبي طول حياته كلما سئل لماذا لم تتزوج فيرد قائلا ألست متزوجا بالعمرية السطايفية الوفاق كان مختار عريبي مغرما إلى حد الجنون بفريق الوفاق إلى درجة انه كان لا ينام حين ينهزم. ومما كان يعرف عن الشيخ مختار عريبي انه كان بفضل ألانطواء والعزلة تأثرا بالخسارة كان عريبي لا يرضى الا بالفوز وإذا فازت معشوقته الكحلة والبيضاء فيحس بسعادة لا مثيل لها الأمر الذي تجده يجوب شوارع عين الفوارة يفتح قلبه للصغير والكبير. من اتحاد سطيف إلى مولودية العاصمة بداية مختار مع الكرة المستديرة بداية الراحل مختار عريبي مع الكرة المستديرة لم تكن مع الوفاق كون هذا الفريق لم يكون موجودا إبان الاحتلال الفرنسي حيث تأسس مع استقلال الجزائر عام 1962 لكن من هو أول فريق لعب له عريبي؟ أول فريق لعب له الراحل مختار عريبي كان مع فريق إتحاد سطيف وعمره 18 سنة وكان أبرز لاعبي USFMS (الياساماس حاليا) ورغم صغر سنه ألا أن عريبي تمكن ان يبهر المتتبعين آنذاك بفنياته وطريقة أدائه المميزة الأمر الذي جعله محل إعجاب الكثير من النوادي في عصر كفريق الغالية ومولودية العاصمة وريد ستار الجزائري وشباب قسنطينة لكن مختار عريبي فضل اللعب لعميد ألأندية الجزائرية المولودية العاصمية وعمره لا يتجاوز العشرين سنة حيث لعب لهذا الفريق موسمين صنع فيها لمحات كروية رائعة جعلت منه اللاعب الجزائري الأكثر طلبا من طرف أشهر النوادي الفرنسية. من عام 1943 إلى عام 1954 عريبي والمسيرة الاحترافية في نهاية الحرب العالمية الثانية فاز الراحل عريبي بعقد إحترافي مع نادي سات الفرنسي (الذي إلتحق به فيما بعد مخلوفي وكرمالي) حيث لعب له مدة سبع سنوات كاملة من عام 1943 إلى عام 1950 حيث توج معه مرتين بكأس فرنسا ليغادره بعد سقوطه إلى القسم الثاني إلى نادي كان لمدة سنتين ثم لانس الذي احتل معه المرتبة الثانية في بطولة فرنسا وفي 1954. لعب مختار عريبي في منتخب شمال إفريقيا إلى جانب المغربي العربي بن بركة لسعيد براهيمي ومحجوب بوبكر أمام منتخب فرنسا ليتعاقد في سنة 1955 مع نادي حمام الأنف التونسي كلاعب ومدرب لموسم واحد عاد بعدها إلى أفينيون الفرنسي كمدرب ولاعب أيضا حتى سنة 1958. سنة 1958 عريبي يلبي نداء الجبهة ويلتحق بالثورة أثناء وجوده ضمن صفوف أفينيون الفرنسي كمدرب ولاعب لبى مختار عريبي نداء الثورة التحريرية والتحق بمنتخب جبهة التحرير الوطني بتونس عام 1958 بعد قرار قادة جبهة التحرير الوطني توسيع قاعدة الثورة ونقلها إلى ميادين الفن والرياضة كلف الراحل مختار عريبي بحمل مشعل الكرة والتنقل إلى مختلف بلدان العالم للتعريف بالقضية الجزائرية حيث بدأ المهمة من أرض المستعمر الفرنسي بالاتصال بالنجوم الجزائرية التي تنشط ضمن الأندية الفرنسية طالبا منهم التنقل إلى تونس وكان خمسة منهم يلعبون في المنتخب الفرنسي الذي كان يحضر لخوض نهائيات كأس العالم في السويد سنة 1958 حيث تجمع اللاعبون بالعاصمة الفرنسية باريس منتصف الليل وانتقلوا إلى سويسرا على متن قطار بقيادة مختار نفسه قبل أن يتنقلوا إلى تونس وفي الصبيحة استيقظت كل فرنسا على ضجة إعلامية كبيرة تتحدث عن اختفاء العديد من اللاعبين الجزائريين من بينهم الراحل عبد الحميد كرمالي سعيد عمارة رشيد مخلوفي محمد معوش ومصطفى زيتوني واستطاع مختار عريبي بفضل تجربته وموهبته الفذة أن يقود الفريق ويخوض برفقته العديد من المباريات في تونس تحت اسم جبهة التحرير الوطني قبل أن ينتقل إلى المغرب وليبيا ومصر والأردن والعراق فكان له شرف حمل لواء الثورة الجزائرية إلى ملاعب البلدان العربية. سبتمبر 1962 في تونس سقط عريبي في غرام الوفاق مهما كان عدد الفرق التي لعب لها عريبي رحمه الله ودربها كاتحاد سطيف (منتصف الثمانينيات) ملعب سطيف (63 / 64) النادي الصفاقسي التونسي 1965 المنتخب الوطني الليبي 69 و70 ومنتخب الجزائر للأواسط الذي قاده إلى نهائي كأس فلسطين الثانية (سنة 1985) إلا أن مختار عريبي ارتبط اسمه بوفاق سطيف ارتباطا كبيرا منذ اللقاء الأول بين عريبي و الكحلة الذي تم في العاصمة التونسية على هامش مشاركة الوفاق في دورة نظمها مستقبل المرسى التونسي يومي 15 و16 سبتمبر 1962 وكان الوفاق يومها دون مدرب وتم الإنفاق مع عريبي الذي أعجب بالفريق وحصل معه بعد سبعة أشهر فقط على أول كأس للجمهورية وبذلك كان مشوار عريبي-الكحلة قد بدأ في سبتمبر 1962 وانتهى في سبتمبر 1989 (27 سنة بالتمام والكمال). فاز بثلاثة كؤوس وطنية وواحدة قارية عشق الوفاق فعشقته السيدة الكأس في مطلع سنة 1963 أي مباشرة بعد الاستقلال قاد الراحل مختار عريبي قاطرة الوفاق الذي كان له الشرف في تأسيسه نادي وفاق سطيف حيث تحصل معه في نفس السنة على أول كأس للجزائر واستطاع أن يجعل من هذا الفريق اختصاصي في السيدة الكأس حيث نال معه الوفاق ثلاثة كؤوس وطنية سنوات ( 1963 1968 و1980) من مجموع الستة كؤوس التي تحصل عليها الوفاق منذ نشأته كما نال لقب البطولة مرتين سنتي 1968 و1987 قبل وفاته منح مختار عريبي الكأس الإفريقية للأندية البطلة الوحيدة لمدينة سطيف والثالثة للجزائر بعد المولودية عام 1976 وشبيبة القائل عام 1981 بعد أن أبكى كل مصر بملعب القاهرة الدولي في لقاء إياب نصف النهائي من الكأس الإفريقية للأندية البطلة حينما تأهل رفقاء سرار على حساب الأهلي المصري وحارسه الكبير الدولي احمد شوبير وأرمادة من نجوم الكرة الفرعونية أمام أزيد من 80 ألف متفرج لتأتي بعدها ملحمة ملعب الشهيد حملاوي (17 جوان سابقا) بمدينة قسنطينة في تلك الامسية الباردة حين انتزع الوفاق الكأس الإفريقية عن جدارة أمام فريق إيوانوانيو النيجيري برباعية لا تزال راسخة في أذهان كل عشاق النسر الأسود. من 1979 الى 1989 موسم لكرمالي وآخر لعريبي المعروف عن الوفاق إلى غاية نهاية الثمانينيات أنه لم يشرف على حظوظه سوى المدربين الهادي بن محمود بن كنيوار والبلغاري فيكور والروسي بيلوف لكن لفترات وأشهر قليلة فقط لأن تدريب الوفاق آنذاك كان يتم بالتناوب بين مختار عريبي والراحل عبد الحميد كرمالي وإذا لم يكن المدرب كرمالي مع الوفاق فإن الراحل عريبي هو المدرب والعكس ودام هذا الحال طويلا وحتى السنوات الأخيرة لوفاة عريبي -رحمه الله- أين درب عريبي الوفاق في 79 / 81 ثم كرمالي (81 / 83) ثم عريبي (83 / 84) فكرمالي (84 / 86) فعريبي من بداية موسم (86 / 87) إلى غاية وفاته في سبتمبر 1989 وأصبح اسم عريبي وكرمالي الأكثر ارتباطا بأسطورة كحلة وبيضاء . بعد وفاته بشهرين الوفاق يهدي الكأس الآفرو آسيوية لروح عاشقه حاز الوفاق السطايفي تحت قيادته على كأس أندية أبطال إفريقيا في لقاء تارخي لعب بملعب 17 جون بقسنطينة حيث سحق آنذاك زملاء الرئيس الحالي للفريق عبد الحكيم سرار نادي ايوانوانيو النيجيري برباعية تاريخية مما سمح له بملاقاة بطل اسيا السد القطري وكان الوفاق نجم اللقاء بعودته بالانتصار من قطر ب3/1 لينتزع الكأس الآفرو آسيوية (1990) التي أهداها اللاعبون لروحه وفي ذات السنة توج بسادس كأس الجمهورية. بعدها مر ّ الوفاق بمرحلة فراغ إلى درجة انه لعب مرتين في الدوري الثاني لكن وكما يقال الأندية الكبيرة لا تموت حيث عاد الوفاق من بعيد بفضل سرار الذي أكد مرارا وتكرارا أنه يواصل المشعل الذي تركه إياه الراحل عريبي الأمر الذي مكنه الموسم الماضي من انتزاع ثنائية تاريخية لقب البطولة وكأس دوري أبطال العرب لأول مرة في تاريخ الكرة الجزائرية الأمر الذي ذكر السطايفيين بابن الفريق مختار عريبي وستبقى كل الأجيال تتذكره كما تذكرناه نحن في هذا العدد الذي يستحق منا أكثر من هذه الوقفة.