قوارب الموت ... من الشباب إلى العائلات في الجزائر! أسر تختار الانتحار الجماعي في عرض البحر * إحصائيات رهيبة وتنامي مخيف لظاهرة الحرفة عادت ظاهرة الحرقة بقوة مؤخرا لتعود معها مآسي عائلات تفقد أبناءها إما غرقا في البحر الذي بات مقبرة للشباب أو بين أوضاع مزرية في دول أوربا كما أثارت مقاطع فيديوهات والصور لعائلات على متن قوارب الموت جدلا في الجزائر بسبب تحول الظاهرة من هجرة الشباب البطال أو الفاقد للأمل الى عائلات ترافق أطفالها الصغار رغم ما تحمله هاته الرحلات من مخاطر على حياتهم. فالحرقة باتت راسخة كواقع يجب مواجهته خصوصا بعد ان انتقلت الى النسوة من مختلف الأعمار وحتى عائلات باكملها يئست من الأوضاع المحيطة بها فاختارت الانتحار الجماعي في عرض البحر. مروى رجاج كثرت محاولات الحرقة في الآونة الأخيرة والتي تمس معظم ربوع الوطن ولم يعد الأمر يتعلق بالشبان مثلما كان عليه الحال بل انتقلت الظاهرة إلى الفتيات والنسوة من مختلف الأعمار ومنهن إلى العائلات التي اختارت عرض البحر لترمي عبر أمواجه بمآسيها ووضعيتها المزرية. من حرفة الشبان إلى حرفة العائلات هي آفة تدعو الى البكاء بل النواح على مصير عائلات بأكملها تفر بفلذات أكبادها نحو المجهول ولعل ما جرى مؤخرا في وهران أكبر دليل بعد أن فرّ زوج وزوجته الحامل وابنتهم البالغة من العمر اربع سنوات وقرروا الهجرة الجماعية وبالنظر الى الرياح الهوجاء حسب ما أدلى به اخ الضحية عبر قناة تلفزيونية جزائرية مات الكل ونجت الطفلة البالغة من العمر اربع سنوات بعد عبور سفينة تركية أنقذت ما يمكن إنقاذه ليكون مصير الآخرين الموت المحتم هي فعلا مأساة حقيقية تدفع الى طرح عدة تساؤلات لماذا تحولت الحرقة من الشباب الى العائلات فالشاب كان في الأول يتحجج بالوضعية المزرية والبطالة وشح الفرص فيختار الوجهة الى الضفة الأخرى قصد تحقيق طموحه في الاستقرار والزواج لكن ما هي دوافع الأسر في الحرقة؟ هذا ما سنجيب عليه في هذا المقال: فإن دوافعها من دون شك الظلم و الحقرة و المحسوبية و المعريفة والفقر المذقع والبؤس وانعدام القوت اليومي أن تغامر بفلذات اكبادها وتركب امواج البحر في رحلة نحو المجهول لأنها ذاقت من البؤس والفقر ما يكفيها واختارت الهروب لعل وعسى يتحقق الحلم لكن هيهات فالقارب لا يرحم وامواج البحر تبحث عن المزيد ويكون مصير تلك العائلات الموت المحتم بعد أن اختارت بأيديها الانتحار الجماعي مع فلذات أكبادها. فهذه الظاهرة تحولت الى واقع اجتماعي مزري فخلال السنوات الماضية كان الأب يهاجر دون أفراد عائلته لكن اليوم تغيرت الأوضاع نتيجة تكفل منظمات خيرية وإنسانية بالعائلات التي تهاجر رفقة أطفالها الأمر الذي جعل هؤلاء يطمعون ويجربون محاولة الهجرة الى أوربا رغم المخاطر التي قد تعترضهم. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر هجرة غير شرعية لأب وابنه بغية معالجة ابنه الذي يعاني من مرض السرطان لفقدانه الأمل في بلده فخاطر بحياته وحياة ابنه على أمل ضعيف في الوصول وعلاج ابنه كما رأى محللون آخرون أن المشاكل السياسية والاجتماعية وكذا الاقتصادية عوامل أدت الى زيادة الظاهرة نتيجة شعور المواطن بالحرمان وغياب المساواة. حواء تدخل مغامرة الحرفة لم تعد ظاهرة الحرفة تقتصر على الشباب فقط كما كانت فيما مضى في الجزائر بل ان فتيات ونساء أيضا أرهقتهن الظروف الاجتماعية والاقتصادية بتنا يخترن الهجرة غير الشرعية سبيلا لفرص جديدة خارح حدود بلدهم فخلال الفترة الأخيرة سجلت وحدات خفر السواحل الجزائرية زيادة عدد الفتيات اللواتي يعتقلن مع الشباب على متن قوارب الموت كما ان اقتحام المرأة الجزائرية للحرقة يجلب الفضيحة والعار بالنظر الى مجتمعنا المحافظ التي لازالت فيه المرأة رغم اقتحامها مختلف المجالات لا تخرج عن طبيعتها الأنثوية وعن إحساسها المرهف والخوف وإقبالها على الحرقة يعكس أنها استقلت عن السلطة الأسرية والرقابة الاجتماعية فاختارت ذلك المصير المجهول ومغامرة الموت. الظروف الصعبة المتهم الأول أصبح مصطلح الحراقة متداولا حتى في الأغاني للتعبير عن هاته الظاهرة المستمرة والمتمعن في المقبلين على الحرقة يكشف مدى الواقع المأساوي الذي يعيشونه من خلال الشعارات التي يرفعونها ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود وهو يحمل الكثير من الدلالات من بؤس احباط وكذا الشعور بالاضطهاد والخوف من المصير وعدم توفر الضروريات والعيش الكريم نتيجة الوضعية الاقتصادية وكذا المشاكل الاجتماعية من فقر وبطالة وتهميش كما أن هناك أسباب نفسية تخص الميولات الشخصية للأفراد الظاهرة من خلال المكبوتات والرغبات الشخصية في البحث عن تحقيق التفوق الاجتماعي تحقيق حلم الغربة وتجسيد الطموحات. هذا ما يغذي في معظم المقبلين على الحرقة حب الهجرة حتى وإن كانت بطرق غير مشروعة وأحيانا تخاطر بهم ويكون مصيرهم الموت المحتوم ولكن هناك فريق آخر يرى أن هاته الظاهرة ليست حلا للمشاكل التي يتخبط فيها الشباب الجزائري فقد يواجهون العديد من المشاكل أثناء وصولهم الى أوربا مآلهم السجن ناهيك عن الصعوبات التي تواجههم في البداية من انعدام المأوى والعمل. أرقام مرعبة وتنامي رهيب كشفت آخر الإحصائيات أن الجزائر أحبطت محاولات أكثر من 4 آلاف شخص للهجرة غير الشرعية عبر البحر نحو أوربا خلال هذه السنة وهو رقم قياسي لم يسبق تسجيله. وأوضح التقرير الصادر عن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن خفر السواحل سجل احباط محاولة 3104 شخصا من ركوب البحر سرا من بينهم نساء وقصر وشباب وكذا عائلات كما قدمت أيضا رقما مرعبا عن عدد الحراقة الجزائريين الموقوفين في سجون ومراكز تجميع المهاجرين بأوربا حيث قدرت أكثر من 17 الف شخص اعتقلوا لتهم مختلفة وأكدت الرابطة بأن العدد الحقيقي للمهاجرين الغير شرعيين يفوق 17500 حراق سنويا. لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة أصدر المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر فتوى حول تحريم ظاهرة الحرقة حيث أيدتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف على خلفية تنامي الظاهرة خلال الأيام الماضية فآفة الحرقة محرمة شرعا وخير دليل على ذلك قوله تعالى {لا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة} وفي الختام نشير بأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية أو ما يعرف بالحرقة هي في تزايد مستمر يوما بعد يوم بدعوى الهروب من الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع الجزائري إلا أنه ورغم التبريرات فإنها ليست حلا وتؤدي الى الهلاك والموت.