رواة الحديث بعد الصحابة الكرام الفقهاء السبعة من التابعين هم سبعة من فقهاء مدينة النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعوا في زمان واحد معًا هو زمان التابعين واختُلِف في سبب هذه التسمية فقيل: لأنهم الذين انتهى إليهم العلم والفتوى في المدينة النبوية بعد وفاة الصحابة رضوان الله عليهم أو: هم الذين اتخذهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رحمه الله مستشارين له ولذا عُرفوا بأنهم: فقهاء المدينة السبعة أو الفقهاء السبعة من التابعين. وهم: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار واختُلِف في السابع: فقيل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو قول الأكثر وقيل هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وقيل هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. قال الحافظ العراقي رحمه الله في ألفيته : وَفِي الكِبَارِ الفُقَهَاءِ السَّبْعَهْ *** خَارِجَةُ القَاسِمُ ثُمَّ عُرْوَهْ ثُمَّ سُلَيْمَانُ عُبَيْدُ اللهِ *** سَعِيدُ والسَّابِعُ ذُو اشْتِبَاهِ أَبُو سَلَمَة أَوْ سَالِمُ *** أَوْ فَأَبو بَكْر خِلاَفٌ قَائِمُ ولنا وقفة موجزة مع كل واحد من هؤلاء الأعلام: 1- سعيد بن المسيب بن حزَن بن أبي وهب القرشي المخزومي أبو محمد ولد بالمدينة النبوية لسنتين مضتا من خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل: لأربع مضين منها وكان لجدِّه صُحْبة ورغم نسبه القرشيِّ في أعرق بطونها -بني مخزوم- إلا أنه نشأ وترعرع وتعلم في المدينة -عاصمة الخلافة ودرة الأمصار الإسلامية- وظلَّ فيها طوال حياته لم يفارقها أبداً إلا لحج ّ أو عمرة أو جهاد وكانت المدينة بها ثُلَّةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضوان الله عليهم فاستغنى بالمدينة عن غيرها واجتهد في طلب الحديث منذ صغره وسمع من كبار الصحابة: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبا موسى وسعدا وعائشة وأبا هريرة وابن عباس وأم سلمة وخلقا سواهم. كان عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه ولم يكن أحدٌ أعلم منه بأقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى قال عنه قدامة بن موسى: كان ابن المسيب يفتي والصحابة أحياء ولشدَّة اهتمامه بالحديث أحبَّه الصَّحابة جميعاً وأثنَوا عليه وزوَّجه أبو هريرة رضي الله عنه من ابنته واصطفاه بالرعاية والعناية وحمل سعيد بن المسيِّب حديث أبي هريرة كلَّه -وهو الصحابيُّ الأكثر روايةً من بين الصَّحابة- كما اختصَّ سعيد بن المسيِّب بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وحمل عنه علمَ أبيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خاصَّة أقضيته الشهيرة حتى برع فيها وصار النَّاس يسألونه عنها حتى في وجود ابن عمر نفسه. توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة -في خلافة الوليد بن عبد الملك- وعمره خمس وسبعون سنة وكان يُقال لهذه السنة التي مات فيها سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها رحمه الله رحمة واسعة. 2- عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي أبو عبد الله المدني ولد في بداية خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ويُعد من الطبقة الثانية من أهل المدينة من التابعين نشأ وترعرع بالمدينة ثم انتقل إلى البصرة ثم إلى مصر ثم عاد إلى المدينة فتوفي فيها. كان فقيها عالما ثبتا مأمونا ثقة كثير الحديث قال الإمام العجلي عنه: مدني تابعي ثقة وكان رجلا صالحا لم يدخل في شيء من الفتن وكان عابدا جليلا يقرأ كل يوم ربع القرآن ويقوم به في الليل وكان كريما جوادا يثلم حائطه أيام الرطب ثم يأذن للناس فيدخلون فيأكلون ويحملون. توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة عن عمر يناهز السبعين عامًا رحمه الله رحمة واسعة. 3- القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو محمد المدني ولد في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه سنة خمس وثلاثين من الهجرة وتربى في حجر عمته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما بعد موت أبيه الذي كان واليا على مصر من قِبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه. كان إماما حجة ثقة عالما فقيها ورعا كثير الحديث قال يحيى بن سعيد: ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله على القاسم وقال خالد بن نزار: كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم وعروة وعَمرة . اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته والأرجح أن وفاته كانت سنة ثمان ومائة من الهجرة عن عمر يناهز ثلاثا وسبعين سنة رحمه الله رحمة واسعة. 4- خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري النجاري أبو زيد المدني ولد في حدود سنة ثلاثين من الهجرة -لم تُذكر سنة ولادته في أغلب المراجع بل سنة وفاته فقط- وكان جده لأمه سعد بن الربيع الأنصاري أحد النقباء السادة في بيعة العقبة الثانية. كان مشهورا بالعلم والفضل معروفا بالصلاح والعبادة وكان أحد الذين وكل إليهم كتابة المصحف في خلافة عثمان رضي الله عنه وكان يُستفتى في زمنه وينتهي الناس إلى قوله ويقسم المواريث بين أهل المدينة من الدور والنخل والأموال ويكتب الوثائق للناس. توفي بالمدينة النبوية سنة مئة من الهجرة ودفن بالبقيع ولما جاء خبر وفاته إلى رجاء بن حيوة قال لعمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين قدم قادمٌ الساعة فأخبرنا أن خارجة بن زيد مات فاسترجع عمر وصفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: ثلمة والله في الإسلام رحمه الله رحمة واسعة. 5- أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني مشهور بكنيته واسمه على الراجح عبد الله ولد بالمدينة النبوية سنة بضع وعشرين من الهجرة وهو ابن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأمه تَمَاضُر بنت الأصبغ بن عمرو -من أهل دومة الجندل أدركت حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهي أول كَلبِيّة نكحها قُرشيّ- وقد أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق فصارت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خالته من الرضاعة فأخذ عنها كثيرا من الحديث وتفقّه على يديها. كان إماما ثقة فقيها كثير الحديث من رجال الطبقة الثانية من التابعين وكان من سادات قريش وقد ولِيَ قضاء المدينة النبوية حين كان سعيد بن العاص أميرا عليها في عهد الأمويين. توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك وهو ابن اثنتين وسبعين سنة رحمه الله رحمة واسعة. 6- عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله المدني ولد بالمدينة النبوية في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو بُعيدها ونشأ بالمدينة وتفقه فيها ونبغ حتى صار أحد فقهائها المعدودين كان أبوه عبد الله رجلا صالحا تولى بعض الأعمال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فحمِدَ سيرته وأما جدُّه فهو عتبة بن مسعود أخو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين. كان إماما ثقة عالما فقيها كثير الحديث والعلم بالشعر وكان أعمش ضعيف البصر حتى ذهب بصره في آخر عمره قال العجلي: كان أعمش وكان أحد فقهاء المدينة ثقة رجلا صالحا جامعا للعلم وهو معلم عمر بن عبد العزيز وقال أبو زرعة: ثقة مأمون إمام وقال الزهري: ما جالست أحدا من العلماء إلا وأرى أني قد أتيت على ما عنده ما خلا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فإني لم آته إلا وجدت عنده علما طريفا . توفي بالمدينة النبوية سنة ثمان وتسعين من الهجرة وهو ابن بضع وسبعين سنة رحمه الله رحمة واسعة. 7- سليمان بن يسار الهلالي أبو أيوب ولد بالمدينة النبوية في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان مولى لأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها وأرضاها. كان من أوعية العلم ومن أهل الفقه والصلاح والفضل وكان ابن المسيب يقول للسائل: اذهب إلى سليمان بن يسار فإنه أعلم من بقي اليوم وقال مالك: كان سليمان من علماء الناس بعد ابن المسيب قال أبو زرعة: ثقة مأمون فاضل عابد وقال النسائي: أحد الأئمة وقال ابن سعد: كان ثقة عالما رفيعا فقيها كثير الحديث . توفي بالمدينة النبوية سنة سبع ومئة من الهجرة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة رحمه الله رحمة واسعة. 8- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عمر المدني ولد بالمدينة النبوية في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأمه أم ولد وكان سعيد بن المسيب يقول: أشبه ولد عمر به عبد الله وأشبه ولد عبد الله به سالم وهو من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم. كان مرجع أهل المدينة في الفتوى وعُرِفَ في زمانه بزهده وورعه حتى قال عنه مالك: لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: أصح الأسانيد: الزهري عن سالم عن أبيه . توفي بالمدينة النبوية سنة ست ومئة من الهجرة في آخر ذي الحجة وكان هشام بن عبد الملك يومئذ بالمدينة وكان حج بالناس تلك السنة ثم قدم المدينة فوافق موت سالم بن عبد الله فصلى عليه رحمه الله رحمة واسعة. 9- أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني اسمه وكنيته واحد ولد بالمدينة النبوية في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان أبوه من كبار التابعين وأشراف قومه. حاول أبو بكر اللحاق بجيش الزبير وطلحة يوم الجمل لكنه رُدّ هو وعروة بن الزبير لصغر سنهما ثم كُفّ بصره بعدئذ فتفرغ للعلم وتفقّه بالمدينة على يد الصحابة وكبار التابعين. كان إماما ثقة عابدا فقيها مأمونا قال الواقدي: كان ثقة فقيها عالما سخيًّا كثير الحديث وقال ابن سعد: ولد في خلافة عمر وكان يقال له: راهب قريش لكثرة صلاته وكان مكفوفا وقال ابن خراش: هو أحد أئمة المسلمين هو وإخوته يُضرب بهم المثل . توفي بالمدينة النبوية سنة أربع وتسعين من الهجرة يقول عبد الله بن جعفر المخرمي: صلى أبو بكر بن عبد الرحمن العصر فدخل مغتسله فسقط فجعل يقول: والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئا فما علمت أن الشمس غربت حتى مات رحمه الله رحمة واسعة