الجزائر تدين الإرهاب الصهيوني    الاستنكار لا يكفي    بداية موفقة للشباب    براهيمي يتألق    هل اعتزلت خليف؟    4 مدن جزائرية في قائمة الأشد حراً    تمزيق وثيقة العار الأممية..؟!    إحياء الذكرى يعد "تجديدا للعهد مع رسالة الشهداء والمجاهدين"    الجزائر توظف ثقلها الإقتصادي في خدمة الشعوب الإفريقية    عبر إدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق فورا في غزة    الجزائر: على العالم إنهاء هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة    دعوة لتكوين إلزاميٍّ قبل فتح المطاعم    خطة وطنية شاملة لمكافحة "إرهاب الطرق"    وفاة 12 شخصا وإصابة 267 آخرين    الناشئة الجزائرية تبدع في المنتدى الثقافي الدولي للطفل بموسكو    محليو "الخضر" يغادرون المنافسة بشرف    ترقية التعاون مع برلمان عموم أمريكا الوسطى    منع إدخال المساعدات إلى غزة فضيحة أخلاقية    استلام 7 مراكز جوارية لتخزين الحبوب    هذا هو المبلغ الأدنى للدفع عبر خدمة "بريد باي"    الجزائر تلعب دورا محوريا وقادرة على الظّفر بصفقات هامة    التحضير لموسم السياحة الصحراوية بإيليزي    تكوت تحتفي بعيد الخريف: سوق تقليدية في أجواء فلكلورية وتراثية    "شان2024" الدورربع النهائي: إقصاء المنتخب الجزائري أمام نظيره السوداني بركلات الترجيح (2-4)    ثلاثي جزائري يرفع سقف الطموحات بسويسرا    "استراتيجيات الثورة الجزائرية في مواجهة الاحتلال الفرنسي"    مصدر من وزارة الخارجية : باريس تتحمل مسؤولية الإخلال أولا ببنود اتفاق 2013    معرض للكتاب المدرسي قريبا    مؤسسة "بريد الجزائر": بطاقة دفع إلكتروني للحائزين الجدد على البكالوريا    اختتام المخيم الوطني لأطفال طيف التوحد    انتشال جثة طفل بشاطئ بونة بيتش    توقيف مبحوث عنه من قبل العدالة    الخطوط الجوية الداخلية: اطلاق أول رحلة الجزائر – تمنراست هذا الاثنين    جامعة البليدة 2 تستعد لاستقبال 6827 طالب جديد    بونجاح يتألق في قطر ويستذكر التتويج بكأس العرب 2021    من أبواب القصبة إلى أفق الصحراء... حوار الألوان بين كمال وماريا    ''نهج الجزائر" قلب عنابة النابض بالتاريخ    منظمة التعاون الإسلامي: المجاعة في غزة "جريمة حرب تستدعي تحركا دوليا عاجلا"    مشاركة فريق جزائري محترف لأول مرة في جولتين أوروبيتين مرموقتين لسباق الدراجات    أمن ولاية الجزائر: عمليات شرطية ليلية واسعة تسفر عن توقيف 288 مشتبها فيهم    جناح الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار يستقطب اهتمام الشركات اليابانية في يوكوهاما    وهران تختتم الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي وسط أجواء فنية احتفالية    الجزائر تتألق في المنتدى الثقافي الدولي للطفل بموسكو    زروقي يشدّد على الالتزام ببنود دفاتر الشروط    معرض التجارة البينية الافريقية 2025 بالجزائر: ريادة اقتصادية في خدمة التنمية في القارة    مجلس الأمن الإفريقي يرسم ملامح استجابة موحدة    سعيود يشدّد على ضرورة ضمان جاهزية الحافلات    رواية الدكتور مومني وأبعاد الهُوية والأصالة والتاريخ    غزوة أحد .. من رحم الهزيمة عبر ودروس    " صيدال" يكرّم أحد أبطال الإنقاذ في كارثة وادي الحراش    وهران: تدعيم المؤسسات الصحية ب 134 منصبا جديدا لسنة 2025    حج 2026: تنصيب لجنة دراسة العروض المقدمة للمشاركة في تقديم خدمات المشاعر    انطلاق الطبعة الخامسة للقوافل الطبية التطوعية باتجاه مناطق الهضاب العليا والجنوب الكبير    هذه الحكمة من جعل الصلوات خمسا في اليوم    فتاوى : هل تبقى بَرَكة ماء زمزم وإن خلط بغيره؟    خالد بن الوليد..سيف الله المسنون    قتلة الأنبياء وورَثتُهم قتلة المراسلين الشهود    مناقصة لتقديم خدمات المشاعر المقدسة في حج 2027    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحدث وتوظيفاته

فرق بسيط جدا بين صنع الحدث وتسويقه ثم استعماله حاملا لنقل الرسائل الاتصالية وتسويق المواقف والسياسات. بعد أن نجح تصميم الحدث إعلاما وتسويقه جماهيريا جرت بسرعة عملية توظيفه حاملا لنقل الرسائل السياسية والتجارية وعلى نطاق عالمي.
على المستوى التجاري اغتنمت الصحيفة الساخرة الحدث وسحبت عدة ملايين لتوسيع مقروئيتها وزيادة عائداتها. لو كانت القضية مبدئية لوزعت النسخ مجانا. فالتوظيف هنا تجاري بقدر ما هو إشهاري. فأعادت الصحيفة المعنية نشر الرسوم وتصدرت إحدى الرسوم الساخرة صفحتها الأولى بشكل يبرز الصحيفة وشخصيتها وخطها الافتتاحي.
وفي الجزائر سارعت إحدى الصحف وقناتها التلفزيونية إلى التموقع في الحدث في رد فعل سريع ارتجله طاقم الجريد دون دراسات ولا تحليل معمق فاتخذ نفس الصيغة التي اتخذتها المسيرة المتضامنة مع الجريدة الفرنسية الساخرة. كلاهما قصد إلى التموقع في الحدث واستغلاله لزيادة المبيعات وقيادة الأحداث إعلاميا وهي إستراتيجية تسويقية معروفة. لكن المشكلة أن شعارات الحملة التسويقية التجارية المرتجلة هذه أصبحت هي شعارات بعض المسيرات التي نزلت إلى الشارع بإيعاز من جهة رسمية. حمل كثير من الأشخاص كتابات تزعم أنهم محمد. هي إساءة إضافية للرسول الكريم.
إستراتيجية التموقع في الحدث لتحويله إلى حامل لرسائل معينة استخدمها أيضا السياسيون في فرنسا وغيرها لزيادة حظوظهم الانتخابية أو لتعديل إستراتيجيتهم السياسية.
فالسياسيون في فرنسا سارعوا إلى الوقوف بجانب الضحايا ومن موقع الضحية أعلنوا الحرب لتبرير التغيير في إستراتيجياتهم العسكرية ب 180 درجة. ما كان بإمكانهم أن يعلنوا ذلك قبل الحدث ب48 ساعة. فإرسال شارل دوغول إلى الشرق الأوسط كان سيثير انتقاد اليمين الديغولي الذي ما كان ليقبل بخضوع فرنسا للإستراتيجية الدولية الأمريكية وهو الذي طالما ناضل لإنقاذ أوروبا من الخضوع للإستراتيجيات الأمريكية الذي تطلبته الحرب الباردة. وناتنياهو سارع إلى باريس مستبقا وزير خارجيته لتصدُّر المسيرة ورفع عقيرته بالبكاء في باريس لزيادة حظوظه عند اليمين المتطرف الباكي على جدران الهيكل المزعوم ببيت المقدس. وتجرا على دعوة اليهود الفرنسيين إلى الهجرة إلى »الجنة« الآمنة التي تحرسها دباباته في تل أبيب. وقد جاءه الرد متناقضا من الساسة الفرنسيين فلم يجرؤوا على الرد المباشر على وقاحته. اكتفى الوزير الأول بإنشاد المارسييز في السيناغوغ.أما وزير الداخلية فضاعف قوات الأمن التي تحرس أماكن العبادة اليهودية لدحض حجة ناتنياهو. وتحدثت وسائل الإعلام العمومية الفرنسية مطولا عن »يهود فرنسا« و»حماة اليهود« في فرنسا وهي لغة تتجاوز قيم المواطنة وقوانين الجمهورية في فرنسا التي لا تسمح بالتمييز على أسس دينية أو عرقية أو ثقافية. وفي مطار بن قوريون انتظم القادة الصهاينة في صفوف لاستقبال جثامين الضحايا القادمة من باريس. توظيف الموت يشيع خشوعا ورهبة على الخداع السياسي في كل مكان. وفي خضم الحدث العالمي المتسارع يستغل لوقف التعاطف مع الفلسطينيين في المؤسسات الدولية وقد يستخدم داخليا في الإقدام على بناء المزيد من المستوطنات أو هدم المزيد من الآثار الإسلامية في القدس بحثا عن الهيكل المزعوم...
ولأن التيارين السياسيين»الإسرائيليين« المتنافسين في باريس جعلا فرنسا ساحة للصراع الإسرائيلي فقد بادر الرئيس الفرنسي إلى »استدعاء"« محمود عباس للتغطية على تحول باريس ساحة صهيونية مما يهدد بجعل سياسة هولاند عرضة لردود فعل سياسية من الفرنسيين أنفسهم أو عرضة لانتقاد العرب والمسلمين. فمحمود عباس هنا هو ذرة رماد لتغطية صراع الصهاينة. وساركوزي نفسه بدا بتأييد الرئيس-في كل ما يقوم به- لكنه زايد عليه بتذكيره بواجب معاقبة الجناة من أجل تصدر تيار المتشددين من أنصار الجمهورية في اليمن الديغولي واليمين المتطرف الفرنسي. تشدد ساركوزي واليمين الديغولي المزايد على اليمين المتطرف دفع بالاشتراكيين أنفسهم »رئيس الجمهورية ووزيره الأول« إلى رفع نغمة المزايدة بإعلان أن فرنسا »في حرب«. وخصص الرئيس الفرنسي وقتا كبيرا في وسائل الإعلام للمراسيم الخاصة بإرسال حاملة الطائرات ولتكريم الضحايا بعد المسيرة الذي أظهرته قائدا للحملة الدولية ضد الإرهاب كما لو كان وريث لبوش الصغير بعد 11/9. هاهو إذن نموذج المستعمر الاشتراكي الحقيقي:نموذج الاستعماري جول فيري»Jules Ferry« في مواجهة نموذج شارل دوغول. من الغزوة الإمبراطورية في إفريقيا إلى قيادة إعادة الانتشار العالمي للقوة الصاعدة فرنسا.
وبالمناسبة سارع قادة العالم على إبراز قدراتهم في التلفظ في المفردات الفرنسية التي يحفظونها ومنهم من تجرا على إلقاء خطاب كامل بالفرنسية. وفي الوقت نفسه سارع الحليفان البريطاني والأمريكي إلى تأييد تام لفرنسا لكنهما في نفس الوقت استغلا فرصة الغضب لدى المسلمين في العالم لتحميل جزء من شحنة الغضب الواقعة عليهما إلى فرنسا. بإظهار شيء من الليونة في المفاوضات على الملف النووي الإيراني.قد يكون ذلك مقدمة لإظهار مزيد من الليونة في الملف السوري والسماح لفرنسا باتخاذ موقف أكثر تشددا مجاراة لأحداثها الداخلية. وقد ظهرت المسيرات المناهضة لإعادة نشر الرسومات في الصحيفة الفرنسية باعتبارها تحولا في »اتجاه الغضب« وزيادة في»شحنته« المناهضة لفرنسا في الباكستان التي طالما كان الغضب فيها موجها ضد الولايات المتحدة الأمريكية التي خاضت حروبا عدة في المنطقة وربما كان ذلك فرصة لإعادة النظر في ترتيب أوراقها في أفغانستان.
في بلجيكا استغلت السلطات الحدث للقيام بحملة اعتقالات واسعة في الأوساط الإسلامية إرضاء للمطالب المناوئة لوجود الإسلام في المجتمع وخاصة في المدن القريبة من الحدود المتهم بتسهيل تنامي النشاط المتشدد. وفي ألمانيا سارعت المستشارة إلى قيادة حملة مضادة للحركات اليمينية المتطرفة المناهضة للإسلام. استغلال للحدث في اتجاهين متعارضين في دولتين متاخمتين لفرنسا بلد الحدث الأصلي.
وفي الفيليبين أطلق بابا الفاتيكان تصريحا يتضمن محاولة إرضاء للطرفين: من يسخر من الناس عليه أن يتوقع لكمة قوية في الوجه. هل هي تبرير للاعتداء؟ هل دفاع عن حرية التعبير مع وجوب تحمل مسؤولية ما؟ الله أعلم بالسرائر في الخطاب البابوي...
وفي الضفة الأخرى بادرت الجزائر إلى إرسال وزير خارجيتها لمسيرة باريس للمحافظة على ميزتها السياسية النسبية في صف المحاربين الدوليين »الكبار« للإرهاب في الوقت الذي أوعز فيه وزير الشؤون الدينية بموضوع »نصرة الرسول« في خطبة الجمعة لدفع الناس للخروج إلى الشارع إرضاء للتيارات المتشددة. وربما كان إرسال رمطان لعمامرة على باريس جزء من إستراتيجية سلطوية داخلية في إطار صنع البدائل: خلق أسماء وقتل أسماء أخرى. لكن الغالب في الأمر هو عدم إحراج فرنسا مادامت تحافظ على المسافة نفسها إزاء الجزائر. فلأول مرة لا يركز الإعلام الفرنسي على الأصول الجزائرية للفاعلين. فالاستخدام الداخلي للحدث في فرنسا يتطلب أن يكون الفاعلون فرنسيين. ولا أحد يدري إن كان الفاعلون مزدوجي الجنسية مثلا على عكس ما وقع في قضية سابقة تدخلت فيها القنصلية الجزائرية باعتبار أن الفاعل يحمل جنسية جزائرية؟؟
وفي إفريقيا بادرت تشاد إلى إرسال قواتها إلى الكامرون لمحاربة بوكو حرام إرضاء لفرنسا بعد أن تراجعت تشاد عن التدخل في ليبيا إرضاء للجزائر.
إن استغلال الحدث على النطاق العالمي تطلب تضخيم الحدث وتوسيع رقعته وزيادة شدة توتره بما يضمن بقاءه متوهجا في الذهان وفي الإعلام وفي السياسات أيضا. وكشف ذلك عن قدرة كل طرف على التموقع في الحدث وتوظيفه لخدمة إستراتيجياته. وما تزال »الوقائع« تتتالى لتغذي ال»حدث« الإعلامي وزيادة شحنته الانفعالية المولدة للمواقف الرافضة لتكميم حرية التعبير في طرف والمولدة للشحنات العاطفية الرافضة للإساءة إلى المقدسات من جهة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.