يبدو أن الفلسطينيين الذين تتفاوض مصر مع البعض منهم من أجل المصالحة بين فتح وحماس، هم الفلسطينيون الذين تتكامل في حصارهم وقتلهم جوعا مع إسرائيل، فمبادرتها للصلح بين غزة والضفة الغربية لتوحيد الصف الفلسطيني ليكون أكثر قوة وهو يواجه مفاوضات لن تنتهي من أجل السلام وإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف، قد زاوجتها بمبادرة أخرى تنسف السابقة وهي إقامة الجدار الفولاذي فوق الأرض وتحت الأرض حتى لا يبقى للفلسطينيين متنفسا، وهو عمل يدخل تحت شعار "أمن مصر القومي" الأمن المصري في عزل سكان غزة وحرمانهم حتى من تهريب لقمة العيش التي حرموا منها ولسنوات أمام أنظار الجميع. المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية الورقة التي تلعب بها مصر في الوقت الضائع، والمرفوقة بلقاءات مع القادة الصهاينة والإعداد لتسويق مبادرة أمريكية جديدة تتغاضى عن كل الممارسات الاسرائيلية وتحدياتها وتركز على ترويض أركان السلطة الفلسطينية لتعطي نفسا جديدا للصهاينة حتى يواصلوا عملهم التهويدي للقدس وما جاورها، هذه الجهود التي تبرز على أنها جهد مصري من أجل فلسطين يقابلها موقف مصري غريب لقافلة شريان الحياة التي يقودها النائب البريطاني جورج غلوي، من أجل كسر الحصار على غزة والتي لا تزال حتى الساعة تصطدم بالعراقيل المصرية. مصر التي وقفت إلى جانب إسرائيل وهي تحرق سكان غزة في شهر جانفي من العام الماضي بكل أنواع الأسلحة الفتاكة بالإنسان والجماد وأقفلت المعابر التي فتحها المواطنون عنوة تريد أن تبقي الورقة الفلسطينية بين يديها لتكمل بها المبادرة في تفريط ما لم يتم التفريط فيه بعد. مصر التي أدانت الصمود الرائع للبنانيين في مواجهة الغزو الصهيوني لجنوب لبنان سنة 2006 قد تألمت للإنتصار المميز الذي تحقق على يد المقاومة اللبنانية الذراع العسكري لحزب الله واعتبرت ذلك تمردا يجب معاقبة أصحابه لأنهم زجوا بالأمة العربية - على حد تعبيرهم - في معركة ليس هذا أوانها. مصر التي ناورت حتى النخاع في قمة الكويت الاقتصادية السنة الماضية وأفشلت قمة الدوحة وارتهنت الجامعة العربية لتسير في تنفيذ مخططاتها هي اليوم تريد الإبقاء على النمط البائد لنظام الجامعة العربية لتستمر في الاستحواذ على منصب الأمين العام. إن الدعوة التي برزت في قمة الجزائر سنة 2005 من أجل تعديل ميثاق جامعة الدول العربية وتدوير منصب الأمين العام يجب أن يعاد طرحها في القمة القادمة شهر مارس بطرابلس، فإذا كان العرب قد سلموا سابقا بالوضع الذي كان سائدا فلأن مصر كانت تلعب دورا قوميا، أما وأنها تحولت الآن لتكون منفذا لسياسة اسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية ضد المصالح العربية وضد القضية الفلسطينية فلم يعد من حقها أن تقود العرب وتلزمهم بالتزاماتها. الأمين العام لجامعة الدول العربية ليس حكرا على الجنسية المصرية، بل هو حق مشاع بين كل الدول العربية، وعملية التدوير هي تخليص للجامعة العربية من أن تكون ملحقا للخارجية المصرية. كم هي المواقف والمناسبات التي كانت فيها الجامعة العربية بعيدة عن ممارسة دورها سواء بالنسبة لفلسطين أو لقضايا عربية كالحرب على العراق أو الحرب على لبنان، أو المجازر الرهيبة التي ارتكبت في فلسطين وجنوب لبنان والعراق، كانت كالمتفرج الذي يتلذذ بما يجرى. لنراجع معا ذلك الموقف المخزي للجامعة العربية من خلال أمينها العام في منتدى "دافوس" أين انسحب رئيس الوزراء التركي بعد التطاول من الرئيس الاسرائيلي وشاهدنا الأمين العام لجامعة الدول العربية مترددا في الانسحاب ثم جلس في مقعده على مقربة من رئيس الكيان الصهيوني وكأن شيئا لم يكن.. أبعد كل هذا لا يزالون أهلا لمنصب الأمانة؟؟