وزارة التربية تُقيّم الفصل الأوّل    ناصري يؤكد أهمية التنسيق البناء بين المؤسّسات الوطنية    إحباط محاولات إدخال 26 قنطاراً من الكيف    توفير 500 منصب عمل جديد بتندوف    تنظم منتدى التربّصات بحضور أكثر من 150 مؤسّسة    نقطة تحوّل في المسيرة النضالية للجزائريين    خيام النازحين تغرق في الأمطار    التصعيد العدائي الفرنسي يتزايد    هل يُقابل ميسي رونالدو في المونديال؟    خُطوة تفصل الخضر عن المربّع الذهبي    الوالي يأمر بمضاعفة المجهودات وتسليم المشاريع في آجالها    نجاح أوّل عملية استبدال كلي لعظم الفخذ    بوعمامة في طرابلس    جداريات الأندية الرياضية تُزيّن الأحياء الشعبية    الاستغفار.. كنز من السماء    الاستماع لمدير وكالة المواد الصيدلانية    قمع غير مسبوق يتعرض له الصحفيين وكذا ازدواجية المعايير    إطلاق خدمة دفع إلكتروني آمنة من الخارج نحو الجزائر    الإطاحة بشبكة إجرامية من 3 أشخاص تزور العملة الوطنية    خنشلة : توقيف 03 أشخاص قاموا بسرقة    رئيس الجمهورية يبعث برسالة تخليدا لهذه الذِّكرى المجيدة    سعيود يترأس اجتماعا تنسيقيا مع مختلف القطاعات    إجماع وطني على قداسة التاريخ الجزائري ومرجعية بيان أول نوفمبر    اللقاء يدخل ضمن الحوار الذي فتحته الرئيس مع الأحزاب    المنتخب الوطني يفوز على منتخب العراق 2- 0    عطاف يستقبل من طرف رئيس الوزراء اليوناني    اليمين المتطرّف الفرنسي يتمسّك بنهج المشاحنة مع الجزائر    تبادل الخبرات في المجال القضائي بين الجزائر والكويت    مواضيع مطابقة لريادة الأعمال كمذكرات تخرّج للطلبة    تأكيد على دور ريادة الأعمال والابتكار    موقع سكني بحاجة لثورة تنموية    "الخضر" في طريق مفتوح للمربع الذهبي    قمة واعدة بين "الصفراء" و"الكناري"    المجتمع الدولي مطالب بالتدخل العاجل    الجنوب.. مستقبل الفلاحة والصناعات التحويلية    إلغاء عقود امتياز ل 15 مشروعا لتربية المائيات بوهران    نقاش الإشكاليات بين التاريخ والمعرفة    إزالة 80 توسعة عشوائية بوادي تليلات    بين الأسطورة والهشاشة والهوية الأصلية    حملة تحسيسية لتعزيز وعي المستهلك    صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله    فتاوى : اعتراض الأخ على خروج أخته المتزوجة دون إذنه غير معتبر    إصرار لدى لاعبي منتخب العراق    مجموعة العمل المعنية بحقوق الإنسان في الصحراء الغربية..المجتمع الدولي مطالب بالتدخل لوقف قمع الصحراويين بالمدن المحتلة    ملتقى حول قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية : تغييرات جوهرية في التعامل مع قضايا المخدرات    مولودية الجزائر تُعمّق الفارق في الصدارة    ملتقى علمي حول أصالة اللغة العربية ومكانتها العالمية    إطار جبائي للشركات والبحث في إفريقيا    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المنتخب الجزائري يحسم تأهله إلى ربع نهائي كأس العرب بعد فوزه على العراق    3 رؤى سينمائية للهشاشة الإنسانية    عندما يصبح الصمت بطلا    نحن بحاجة إلى الطب النبيل لا إلى الطب البديل..    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    قرعة الحجّ الثانية اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم بالسّجكن الدّائم على طفلين عمرهما 10 و11 سنة
نشر في صوت الأحرار يوم 01 - 02 - 2010

عاشت المملكة المتّحدة، خلال نهاية الشهر المنصرم، أياما مفجعة على سماع تفاصيل الإعتداء الإجرامي لأخوين عمرهما 10 و11 سنة على طفلين آخرين صديقين تجمعها قرابة عائليّة كانا يلعبان معا عمرهما 9 و 11 سنة. وقد أذاقوهما اصنافا شتّى من التّعذيب لمدّة 90 دقيقة، مع جبرهما على ممارسة أفعال "مشينة". وحكم عليهما القاضي بالسّجن الدّائم، مع تحديد خمس سنوات كمدّة حبس إلزاميّ على الأقلّ، كما يقتضيه القانون البريطانيّ. فكيف كان ردّ فعل المجتمع والمؤسّسات؟
جرت الحادثة في أفريل من السنة الماضية في إيدلنغتن قرب مدينة دونكستر، حيث استدرج الأخوان طفلين صديقين إلى شعبة مشجّرة معزولة حيث أخضعوهما، لمدّة 90 دقيقة، إلى التعذيب سواء بالكدم بالحجر الصّلد أوالآجرّ أوبالرّفس بالأقدام أوالشنق بسلسلة من حديد، كما أجبراهما على التجرّد من ملابسهما وعلى ممارسة كليهما الجنس على الآخر، وهدّدوهما بالقتل. حتّى أنّ أكبرهما أُصيب بجروح بليغة بإسقاط قطعة حوض من السيراميك على رأسه، انتهى في نهايتها بفقد وعيه.
وصرّح الأخوان أنّهما توقفا عن مواصلة التعذيب: "بعد أن خارت قواهما، ولم يعودا قادرين على مواصلة فعلهما." وانصرفا مهدّدين الطفلين بالبقاء في مكانهما تحت التهديد بالقتل. ولكنّ الأصغر سنّا تمكّن من التسرّب لطلب النجدة التي أفضت لإنقاذ صديقه من موت محقّق.
ووصف القاضي تصرّف الأخوين بأنّه: "مفزع وفضيع" وخاطب المجرميْن: "لأنّ تصرّفكما استغرق مدّة طويلة بإصرار، حيث كنتما تتلذّذان بممارسة التعذيب والإهانة... فأنتما تُشكّلان خطرا كبيرا على أمن وسلامة الآخرين."
وقد صوّر أحد الأخوين جزءا من وقائع تلك الجريمة على هاتفه الجوّال. وشاهد أولياء الضحايا تلك اللّقطات، فطاشت عقولهم لِهَوْل ما شاهدوه ولما سمعوه من تفاصيل الجريمة خلال الأيّام الثلاثة. وذالك ما زاد من معاناة ما عاشوه طوال الأشهر التسعة الماضية، خاصّة وأنّ الأولياء ليس لهم من ملاذ أمام الشعور بالذنب لكونهم لم يحولوا دون أن يتعرّض ابنيهما لذلك المصير. وقد سجّل القاضي آثار الجريمة على الصغيرين الذين: "سيعانيان من الآثار الجسديّة والنفسيّة التي ذهبا ضحيّتها وذلك لزمن طويل. كما أنّ علاقة الصّداقة التي كانت تربطهما قد تمّ خدشها إلى الأبد."
أمّا أوّل شرطيّ وصل مكان الجريمة فقد صرّح بأنّ: "ما شاهده كان أبشع صورة مرّت في حياته كشرطي طوال 22 سنة." وقال المحقّق في ملابسات الجريمة أنّها: "أشدّ التحقيقات المروّعة التي قمت بها في حياتي وأكثرها صعوبة وإصابة بالرّهبة."
وقد حكمت المحكمة على الطفلين المجرمين بالسّجن "لأجل غير مُسمّى"، مع تحديد خمس سنوات حبس إلزاميّ تُسمّى في القانون البريطاني "الضريبة"، وهي مدّة من المحتَّم على المحكوم عليه أن يقضيها، وبعدها لن يتمّ إطلاق سراحه إلى أن يُثبت أنّه لم يعُد يُشكّل خطرا على أمن الأهاليّ.
وقد اعتبر بعض الحقوقييين أن "الأجل غير المُسمّى" يشبه الحكم بالسّجن المؤبّد. وقبل إدخال ذلك الشّرط، كانت السلطات عاجزة عن الحيلولة دون إطلاق سراح المجرمين من القُصّر الذين انقضت مدّة حكمهم، مع استمرار تشكيلهم خطرا على أمن وسلامة المواطنين.
وكان طفلان سنة 1993 في سنّ العاشرة قد قاما بقتل الطفل جايمي بولغر، بعد اختطافه في مدينة ليفربول، ثمّ تركا جثّته هامدة على معبر السكّة الحديديّة. ووقتها أصيب المجتمع البريطانيّ بصدمة قويّة وتساءل الجميع عن سبب حصول مثل تلك الفِعْلة في بلدهم. واستغلّ توني بلير تلك الحادثة كرمز لمدى انحدار قيم المجتمع في ظلّ حكم المحافظين.
وكان القانون في تلك الفترة لا يحاسب الأطفال بين سنّ العاشر والرّابعة عشرة إلا إذا أثبت الإدّعاء أنّ الجانيَ يعي بأنّ ما فعَله هو خطأ جسيم، وليس مجرّد شقاوة أو شيطنة. وهذا ما ثبت ضد جايمي بولغر، ممّا أتاح محاكمة فينابل وتومسن باعتبارهما راشدين.
وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، وَوِفْق قانون الجريمة والشغب لسنة 1998، أصبح سِنّ الحكم بالمسؤوليّة عن الجرم محدَّدا ببلوغ العاشرة من العمر، وهذا من أقلّ الأعمار تحديدا للمسؤوليّة الجنائيّة في الدّول الغربيّة.
وقد خضع الأخوان من إيدلنغتن إلى مقتضى ذلك القانون، فاعتُبرا بالِغيْن. ويرى أحد المحامين أنّ أطفال اليوم، بحكم تعرّضهم لوسائل الإتّصال المختلفة وممارستهم للألعاب الإلكترونيّة، لا يمكن اعتبارهم عاجزين عن التمييز بين الخطإ والصّواب عند بلوغهم الثانية عشرة بل وحتى العاشرة.
أمّا فيما يتعلّق بمدّة الحكم، فقد اتّفقت العديد من الجمعيّات المعنيّة برعاية الطفولة على توجيه طلب للمدّعي العام من أجل تمديد سنوات الحبس الدّنيا للأخوين إلى عشر سنوات بدلا من الخمس السارية المفعول الآن. وتُبرّر ذلك ميتشال أليوت، رئيسة إحدى تلك الجمعيات، بمدى الأذى الذي أصاب الطفلين الصغيرين بسبب تعرّضهما إلى: "تعذيب ساديّ لمدّة طويلة."
غير أنّ مدير مركز دراسات الجريمة والعدالة التابع لكينكز كوليج، ريشارد غارسيد، يقول بأنّه إذا لم يكن بِوِسْع الفرد أن ينتخب، ويتزوّج، ويُغادر المدرسة إلى سنّ 16 أو 18، فليس هناك ما يبرّر أن يتمّ تحميله المسؤوليّة الجنائيّة في العاشرة أو 12 من العمر. وفي نفس الإتّجاه، يؤكّد الباحث النّفسيّ للأطفال، أيلين ويزاز، أنّ إثباتات علميّة، حول نموّ الأطفال، تُؤكّد أنّ الطّفل في سنّ العاشرة ليس مؤهّلا بالكامل لمحاكمة جنائيّة.
وقد استغلّ حزب المحافظين المعارض هذه الجريمة للتّذكير بإحدى مقولاته الأساسيّة في استراتيجيّة حملته برسم الإنتخابات العامّة التي ستجري في بداية ماي المقبل، وهي مقولة: "المجتمع المتصدّع"، متّهما حزب العمّال بتسبُّبِه في تحلّل القيم الإجتماعيّة والأسريّة في المملكة المتّحدة.
ولذلك صرّح رئيس حزب المحافظين، دافيد كامرون، أنّ حادث تعذيب الطفلين في دونكستر ليس: "حادثا شيطانيّا معزولا"، بل حالة تُنْبيء عن تفشّي أمراض اجتماعيّة أوسع. وذكّر بالحادثتين المروّعتين لكلّ من الطفل بيتر الذي قتله والداه في السّنة الماضية والطفل جامي بيلغر الذي قتله طفلان في سنّ العاشرة.
وردّ عليه ممثّلو حكومة العمّال بأنّه يريد وصْم سمعة الشّعب البريطانيّ بالسّوء عن طريق: "استغلال حادثة واحدة من أبشع الجرائم،" وإهانة كلّ سكّان دونكستر، والحال أنّ مثل ذلك الإعتداء هو حدث استثنائيّ وليس اعتياديّا.
واعترف دافيد ميليباند الوزير العمّالي بأنّ الكثير ما يزال يجب القيام به لفائدة الفقراء، وفي نفس الوقت دافع عن حصيلة حزب العمّال منذ 1997، حيث، كما قال، انخفضت نسبة الجريمة بشكل ملموس، كما أنّ مصالح الأمن الحظري قد جعلت حياة الأهاليّ أكثر أمْنا، وكذا عرفت نسبة البطالة انخفاظا أكثر بكثير من سنوات الثمانينات والتسعينات"، سنين حكم المحافظين. وأكّد: "أنّ هناك فعلا أُسَرًا متصدّعة، ولكنّ المجتمع ليس متصدّعا... والقول بأن المجتمع البريطانيّ مجتمع متصدّع هو تجنٍّ على الواقع المعيش في هذا الوطن."
وقالت نائبة زعيم حزب العمّال، هاريات هارمن، أنّ الحكومة كبحت مستوى تطوّر الفقر الموروث عن فترة حكم المحافظين، مضيفة: " أنّ العمّال قد أوقفوا اتّساع الهوّة بين الفقراء والأغنياء".
وتأسّفت الصّحافيّة باربارا إيلن، من أسبوعية الأوبسيرفر، لكون أنّ السّاسة لا يتنبّهون لكون المجتمع في أزمة إلا عندما تحدث مثل هذه الوقائع المروّعة. وفي نفس الإتجاه حذّرت الغارديان من المبالغة في ركوب موجة الغضب على غياب الأخلاق. فالمجتمع اليوم أحسن بكثير من عهد حكم المحافظين. وجاء في إحدى افتتاحيّاتها أنّه بالإضافة إلى انخفاض معدّل الجريمة، فإنّ المواطن العادي اليوم يتعرّض بنسبة أقلّ إلى السرقة، وإلى السطو على المنازل، وإلى الإعتداء والقتل مقارنة مع ما كان يحدث منذ عَشْريّة خلت.
وقالت الغارديان أنّ من حقّ المحافظين أن يتكلّموا عن جيوب من المعاناة الثقافيّة والإجتماعيّة في بعض المناطق من بريطانيا ولكنّ ذلك لا يعني أنّ المجتمع بأكمله قد اضمحلّت قيمه. كما أنّ أيّ مسعى من المحافظين لبعث مزيد من الرّوح المدنيّة يجب النّظر له على أنّه مسؤوليّة صعبة يجب أن تستند إلى التضامن الإجتماعي من جهة وإلى دور فاعل للدّولة من جهة أخرى، على خلاف ما يدعو إليه المحافظون من الإعتماد على النشاط التطوّعيّ للقطاع الجمعويّ.
وقد كشفت محطّة البي بي سي الثانية التلفزيّة، استنادا إلى تقرير تسرّبت لها نسخة منه ولم يتمّ نشره كاملا، أنّ الأخوين معروفين بكونهما من المثيرين للشّغب وأنّ المصالح الإجتماعيّة ضالعة في متابعة وضعيّتهما عن قرب.
وكان سبعة أطفال قد تُوفّوا ببلديّة دونكستر منذ 2004، ممّا استدعى تدخّل مصالح المراقبة المستقّلة، وكذا مصالح التقييم الداخليّة على مستوى البلديّة، ومصالح الإدارة المركزيّة للتّحقيق في ملابسات الخلل الذي يكون أدّى لعدم تمكّن مختلف المصالح المعنية من الإعتناء بحالة الأخوين عناية كاملة. وقد تمّ تكليف مجلس حماية الطفولة بالبلديّة للقيام بذلك التّحقيق.
وعلى إثر صدور حكم المحكمة، تمّ نشر ملخّص لذلك التقرير، أكّد أنّ تلك الجريمة كان يُمكن تفاديها. وصرّح رئيس ذلك المجلس أن: "لا أحد في إمكانه أن يتوقّع فداحة الجريمة. ولكنّ التحقيق بيّن أنّ هناك تقصيرا على مستوى المصالح المحليّة."
وقد كشف تحقيق المجلس أن 9 هيئات مختلفة ضيّعت 31 فرصة أتيحت لها للتدخّل في حالة الأخوين مرّت عليها وضيّعتها وذلك طوال 14 سنة.
ويتساءل الصحافي بيتر وولكر على صفحات الغارديان عن سبب تضييع تلك الفرص من طرف مصالح الطفولة في بلديّة دونكستر أو مصالح الشرطة التي كثيرا ما تردّدت على بيت تلك الأسرة، حيث تمّ تعليق جداريّة كُتب عليها: "احذر من الإطفال" على واجهة الحديقة. وكانت أشدّ الإنتقادات موجّهة لمصلحة الطفولة ببلديّة دونكستر المدانة لضعف قيادتها ولغياب المحاسبة، فكان أنّ من بين المقترحات 18، الهادفة لتحسين الممارسات والإجراءات، هناك أربعة منها خاصّة بضرورة تدريب العاملين على مختلف المستويات.
وقد اعتذرت سلطات بلديّة دونكستر إلى أسر الضحايا لتقصيرها الذي أدّى إلى ترك الأخوين يواصلان تصرّفاتهما العدوانيّة. جاء ذلك على لسان مدير شؤون الطفولة بالبلديّة الذي كشف أنّ لجنة مستقلّة جديدة ستتولّى التحقيق للتّأكّد من حجم تورّط الموظّفين في التقصير، حيث سيتعرّض من تثتت مسؤوليتهم في التقصير لإجراءات تأديبيّة.
ويرى المختصّون أنّه كان من المفروض أن تتدخّل مصالح رعاية الطفولة ومرشديها الإجتماعيين مبكّرا في شأن أعضاء تلك الإسرة المنغمسين في المخدّرات والمشروبات الكحوليّة. كما كان من المفروض إحالة الأخوين إلى مركز من مراكز الرّعاية الإجتماعيّة وليس إلى أسرة للإعتناء بهما. وقد تمّ فعلا طرد أحد الأخوين من المدرسة وهو في سنّ السادسة، لأنّه هدّد أحد الأساتذة بالضرب بعصا لعبة البيسبول الإمركيّة. وفي سنة 2007 تمّ تقديم شكاوي بالقيام بحرق الممتلكات وقتل البط بإحدى الحدائق، دون أن تجري متابعات لذلك.
وقد تمّ الآن إيداع هذين الأخوين بأحد مراكز رعاية الطفولة ال 18 الموزّعة عبر البلاد، حيث يقضي القصّر الذين ارتكبوا جرائم في مقام القتل أو الإغتصاب أو الإعتداء الجسديّ الخطير. وكما يقول المختصون على صفحات الأنديباندانت، مثل الدكتورة أيلين فيزار والباحث في علم الجريمة تيم باتمان من جامعة بادفورد، فإنّ المفتاح لمعالجة مثل هذه الفئة هو ببساطة توفّر مقرٍّ آمن ومستقرّ لمثل هؤلاء الأطفال مكفولة به شروط الرعاية الكاملة.
وتذكر الصحف كيف أنّ الولدين الذين قتلا جيمس بولغر سنة 1993 قد استفادا، بدارٍ لرعاية الطفولة، من برنامج للتّربية النفسيّة والتكوين، ضمن محيط من الإنضباط وصلوا في نهايته إلى الحصول سنة 2001 على مستوى الباكالوريا، وتمكّنوا بفضل دفاعهم بكفاءة عن أنفسهم من الإستفادة من الخروج من السّجن قبل انقضاء مدّة الحكم عليهما.
وفي إطار الصّراعات السيّاسية التي أثارتها هذه القضيّة، بادر دافيد كامرون زعيم حزب المحافظين بالتّركيز على ما اعتبره محاولة من طرف رئيس الوزراء غوردن براون "لحجب الحقيقة" برفضه نشر النصّ الكامل للتّحقيق السّالف الذكر. وحجّة كامرون أن نشر الملخّصات في السّابق لم ينجم عنها اتّخاذ أيّ إجراءات جديّة.
كما طالب من جهته زعيم الليبراليين الديمقراطيين بنشر التقرير كاملا، مادامت حالة الطّفل بيتر الذي قتله والداه وقعت أيضا تحت مسؤوليّة نفس السلطات البلديّة. وقد خاضت صحيفة الإنديباندانت حملة قويّة لصالح نشر تفاصيل التقرير.
ولكنّ كثيرين أجمعوا على اعتبار أن كامرون يريد أن يحقّق نقاطا سياسيّة على حساب منافسه المتربّع على سدّة الحكم حاليا. وقد أيّدت المصالح المؤهّلة قانونا قرار عدم نشر التقرير كاملا لأنّ: "المعلومات الحسّاسة يجب حفظ سرّيتها لحماية الأطفال العزّل". وهو نفس الموقف الذي عبّرت عنه غالبيّة الجمعيات المعنية بحماية الطفولة.
وقد التفت الجميع إلى ظروف الأسرة المعيشيّة باعتباره مصدرا أساسيا لما وصل إليه الأخوان من عدوانيّة وما دأبوا عليه من أعمال الشّغب. فقد خاطب القاضي الأخوين قائلا: "إنّكما لم تتلقّيا في البيت أيّة توجيهات حول طريقة سلوككما. لقد جئتما من أسرة مشتّتة حيث المحيط العائلي تمّ وصفه ب "المتسمّم" وحيث لم يُمارس الكبار فيه أيّة قدوة".
وفعلا، فقد كان الأب عربيدا ويُعرّض الأمّ للضرب والإهانة كما كانت الأمّ مدمنة على المخدّرات. وقد عُرف عن الأخوين أنّهما يشاهدان الأفلام الموغلة في العنف وأنّ الطفل الصغير يشاهد أفلام الجنس وأنّهما يتعاطيان الحشيش الذي يزرعه أبوهما ويتناولان السجائر أمام مرأى الأبوين. كما أنّ الأم تُسرّ لهم خبايا مخلّة بالحياء.
وكان قد تمّ نقل الأخوين من بيت أبويهما إلى أسرة ترعاهما، ثلاثة أسابيع فقط قبل قيامهما بالإعتداء على الطفلين. وإذ تمّ انتزاعهما عن والديهما فلأنّه ثبت عجز أبويهما عن التكّفل بهما بكلّ مسؤوليّة، مع بقيّة أخوتهم الخمسة.
وعلى ضوء التصريحات التي وردت أثناء المحاكمة خلال الأسبوع الماضي، ستتولّى مصالح الشرطة التحقيق في "الجوّ الجهنّميّ" العائليّ، ممّا من شأنه أن يؤدّي إلى توجيه تهمة انتهاك حرمة الأطفال أو التقصير في العناية بهم من طرف الأبوين.
وقد قالت الباحثة في حماية الطفولة والرّعاية الإجتماعيّة جوانا نيكولاس أنّ: "النّاس يجب أن يعلموا أنّ طفلا يتربّى في كنف أسرة تعرف الإعتداءات على أفرادها، حتّى وهو في بطن أمّه، سيكون مُخّه مختلفا في بنيته عن طفل ينمو في محيط بدون اعتداءات... ومثل هؤلاء الأطفال ينمون دون القدرة على إدراك ما يُلحقونه بالآخرين من أذى. فهم ليسوا مجرمين. يقومون بأعمال في غاية الإيذاء ولكنّهم هم أيضا ضحايا."
ويرى أستاذ علم الجريمة بجامعة سيتي ببيرمنغهام أنّ التفكير في مساعدة الأخوين يبدأ من مساعدة مثل هؤلاء الأولياء على الخروج ممّا هم مسجونين فيه من وضعيّة. أيّ أنّ حرصنا على الأطفال هو أصلا حِرْصٌ يتجسّد على مستوى ما يتوفّر له من محيط أسريّ نقيّ. فالأطفال الذين يتربّون في محيط من العنف والمخدّرات والخمور والجنس لن يكونوا سوى منتوجا أسوأ لتلك الظروف، وهذا ما حدث فعلا لهذين الأخوين. وإذ ليس هناك وازع ولا ضابط ولا أدنى إحساس بالحدود، يُصبح كلّ شيء مباح، بما في ذلك الإعتداء على الآخرين وعلى حياتهم وعلى ممتلكاتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.