تبدو بعض المنابر الإعلامية في حديثها عن حزب جبهة التحرير الوطني، وكأنها تحرث في البحر، حيث أن ما تنشره يستند إلى التخمينات أكثر من الحقائق، إلى درجة أنها تعطي الانطباع بأن الحزب في أزمة أو أنه يتعرض إلى انقسام أو أنه، في أحسن الأحوال، في وضعية غير مريحة. هذا ما توحي به بعض المقالات المنشورة في عديد الصحف هذه الأيام، من ذلك مثلا ما جاء على صدر الصفحة الأولى لإحدى الجرائد، حيث حمل العنوان التالي: "أسباب صمت سعداني"، وراح كاتب المقال يضرب أخماسا في أسداس، في محاولة للوصول إلى نتيجة مسبقة أو حكم جاهز، وهو أن الحزب في منعرج خطير. وفقا للكتابات المذكورة، فإن الأمين العام للحزب مدعو لقطع الصمت، وهذا للرد على "المناوئين"، وهنا تتساءل تلك الكتابات: متى يقطع عمار سعداني "عطله"- هكذا بصيغة الجمع-. لقد سبق أن أوضحنا، بأن الأمين العام عمار سعداني لم ولن يلتزم الصمت، لأنه في الأصل والأساس، لا يعرف للصمت طريقا إذا كان الأمر يتطلب ردا أو توضيحا أو إبداء موقف، كما أنه لا يمارس الهروب، إذا كانت المعركة تتطلب المواجهة السياسية، وبالأسلحة المطلوبة، وهذا ما تعودنا عليه دائما وهذا ما يشهد به الخصوم قبل الأصدقاء، هذا أولا.. أما ثانيا، فإن الأمين العام لا يتحدث تحت الطلب ولا بالإيعاز ولا لأن هذا المنبر الإعلامي أو ذاك يريد أن يحصل على تصريح أو حوار، بل إن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني يتدخل في الوقت الذي يراه مناسبا، أي عندما يرى بأن الحاجة تقتضي ذلك وعندما يشعر بأهمية التصريح حول قضية معينة، تتطلب رأيا أو موقفا، وهذا ما درج عليه عمار سعداني، منذ أن تقلد الأمانة العامة للحزب. وثالثا، إن مواقف الأمين العام لا تبنى على ردود أفعال، كما أنه لا تعنيه من قريب أو من بعيد، تلك الحملة المركزة، ذات النوايا الخبيثة، التي تتحدث عن " الصمت"، وكأن حزب جبهة التحرير الوطني غائب عن الساحة السياسية أو أنه يمارس نشاطا سريا وأن مواقفه تتخذ بين الجدران المغلقة. ورابعا، لقد تعود الأمين العام على التواصل مع الساحة الإعلامية والسياسية بقلب مفتوح، ليس هناك عنده ما هو محظور أو ممنوع، وكالعادة تتميز مواقف الأمين العام بالصراحة والجرأة، ولذلك فهو يملك سلطة التقدير ومدى الحاجة إلى الحديث ومتى يكون وما الفائدة المرجوة منه. وخامسا، إن الأمين العام لا تجره إلى ساحة الكلام الحملة التي تشهدها صفحات الجرائد ولا تلك التصريحات المنشورة هنا وهناك، أما لماذا، فلأن عمار سعداني يعرف جيدا متى يتكلم ومتى يصمت، خاصة وأنه ليس من طبعه أن يهرب أو يلتزم الصمت، وهذا ما يعرف عنه وهذا ما يشهد به الجزائريون. لذلك كله، فإن الكتابات المنشورة، هذه الأيام، والتي تتحدث عن صمت الأمين العام وعن تحركات "المناوئين"، ليست أكثر من بارود "فشفاشي"، وهي عبارة عن حرث في البحر.