رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    بطولة وطنية لنصف الماراطون    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غالب بدر في حوار ل ''صوت الأحرار''
نشر في صوت الأحرار يوم 05 - 01 - 2009

لم أتحدث أبدا عن استعادة أملاك الكنيسة وتدنيس قبور المسلمين مرفوض
لقد اخترت أن يكون لقائي مع الأب غالب بدر أرشفيك الجزائر في هذا التوقيت بالذات ليتزامن مع الاحتفال بعيد ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام الذي نؤمن به كما نؤمن بغيره من الأنبياء والرسل الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم،هذا وللتعرف أكثر وعن قرب على هذا المسيحي العربي القادم من الأردن الشقيق والذي جاء خلفا للأب هنري تيسيه في مهمة الإشراف على الكنيسة الكاثوليكية بالجزائر، كما كانت مناسبة كذلك لمعرفة موقف ممثل المسيحيين بالجزائر من ما يحدث من مجازر لإخواننا في فلسطين وغزة بالخصوص، فتابعوا تفاصيل هذا اللقاء الذي فتحنا من خلاله العديد من الملفات الدينية والسياسية والثقافية.
س) في البداية نرحب بالأب غالب بدر في بلده الثاني و تهانينا لك بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، و سؤالي الأول هو: جئت خلفا للأب هنري تيسيه و قد انقضى على ذلك حوالي ستة أشهر، هل تمكنت من تقييم ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية بالجزائر و كيف كان ذلك؟
ج) أولا أشكر لك هذا الترحيب بالجزائر وشكرا على التهاني بمناسبة ميلاد سيدنا المسيح عليه، والشكر موصول كذلك ل " صوت الأحرار" التي أتاحت لنا فرصة إجراء هذه المقابلة معك، كما أبادلك التهاني بمناسبة عيد الأضحى الذي سبق عيد الميلاد ودخول السنة الهجرية التي سبقت رأس السنة الميلاد بيومين كذلك، وعليه فإن هذا التقارب الزمني يعبر أيضا عن تقاربنا الإنساني ويتجاوز الكرنولوجيا التاريخية، أما عن سؤالك فلم يمض على مجيئي للجزائر سوى ثلاثة أشهر، حيث جئت بتاريخ العاشر من أكتوبر من سنة 2008، و بالنسبة لممارسة الشعائر الدينية سواء بمناسبة الأعياد أو الأيام العادية، لم أجد لحد اليوم أية صعوبة في ممارستها، بل كانت هناك مراسيم استقبال حظيت بها من ممثلين رسميين و سعدت بان وزير البيئة والسياحة مثل سيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في هذا الحفل،إضافة إلى ممثل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وحضور شخص رئيس المجلس الإسلامي العلى الدكتور أبو عمران الشيخ.
س) ما هي قراءتك للقانون المنظم للشعائر الدينية بالجزائر؟
ج) هذا المرسوم الذي يحدد أماكن الشعائر الدينية المخصصة للمسيحيين، هو فعلا يعيق حركتنا، حيث لا يوجد أماكن للعباد حيث يتواجد المسيحيين وبالتالي إقامة أي صلاة خارج هذه الأماكن أصبحت تعد جرما يعاقب عليه القانون، رغم أن نفس الشعائر التي تقام في الكنائس تقام في غيرها من الأماكن، هناك بعض الأماكن لا يتوفر بها أماكن للعبادة، فهل يعني ذلك أننا نترك هؤلاء بدون أداء لشعائر العبادة، ففي هذه الحالات نحن نتوجه إلى السلطات وإلى الوالي عموما بطلب موافقته على إقامة شعائر العبادة في الأماكن التي لا يوجد بها كنائس أو التي استثناها المرسوم لإقامة الشعائر الدينية.
س) و لكن حسب إطلاعي على القانون، فهو يخاطب المسلمين كذلك ويحدد لهم شروطا وضوابط لإقامة شعائرهم الدينية ( لإقامة لصلاة أو لبناء المساجد) والخطاب غير موجه للمسيحيين أو لغيرهم فقط بل حتى للمسلمين الذي هم أصل و غالبية هذا البلد، ألا تتفق معي حول ذلك؟
ج) الفرق هو أن المساجد موجودة في كل مكان يتواجد فيه المسلمون، أما نحن فأماكن العبادة تتواجد فقط في المدن الكبرى، ففي أعياد الميلاد مثلا كان هناك حوالي 500 فلبيني كاثوليكي في منطقة تيزي وزو يعملون في سد مائي ولا يستطيعون لخروج من هذا المعسكر، فهل نتركه بسبب ذلك من دون شعائر دينية، وهذا ما كنت أود الإشارة إليه دون أن يكون القصد هو الإشارة إلى أن هناك تمييز، إذن وفي هذا البلد الواسع الشاسع ليس بإمكاننا بناء كنائس حيث يتواجد بها مسيحيون، وبالتالي يجب أن يكون هناك شيء من الليونة والمرونة في التعامل مع مثل هكذا حالات، كما ذكرت لك حالة الفلبينيين أو الإيطاليين الذين يعملون في الجنوب الجزائري بمحافل البترول، و أمام هذه الحالات لا يمكن أن تحرك حوالي 500 شخص وتحمل إلى الجزائر من أجل إقامة الصلاة، وبالتالي أرجوا أن يكون هناك تفاهم حول مثل هذه المسائل دون أن يفهم أنني أروي ذلك من محل انتقاد، بل إن الأمر كله هو أن تواجد الأشخاص هو الذي يجبرنا على ممارسة الشعائر حيث يقيمون.
س) في ظل ذلك هل تلقيت أي صعوبات أو مضايقات من السلطات المحلية؟
ج) لم يحدث ذلك ولكن كما قلت لك، وإنما يجب طبعا إعلام السلطات المحلية بإقامة الشعائر الدينية.
س) إذا طلبنا من الأب أن يشرح لنا الفرق بين ممارسة الشعائر الدينية والتبشير الذي أثير حوله كثير من النقاشات والسجلات، علما أن المسلمين وفي مقدمتهم رجال الدين يقولون أنهم لا يعارضون المسيحيين في إقامة شعائرهم وإنما هم يعترضون على سياسة التبشير التي يمارسونها مع استغلال للظروف الاجتماعية للبعض واستدراجهم من أجل اعتناق المسيحية وترك الإسلام، وهذا قد يخل بتماسك النسيج الاجتماعي، فهل من توضيح أكثر للمسألة؟
ج) ممارسة الشعائر الدينية تتم مع من هو مسيحي، أما التبشير فهو يتم مع من هو غير مسيحي، وبالتالي فالفرق واضح جدا، وإذا قمت بالشعائر الدينية كمسيحي يجب أن احترم الآخر احترام قناعته وأحترم هذا البلد الذي يستضيفني، وهو أيضا حق من حقوق الإنسان طالما وجد أي مؤمن فله الحق أن يمارس شعائره الدينية، التبشير أيضا كما قلت يتم باحترام الآخر وقناعته وبجانب ذلك يجب أن تحترم حقوق الإنسان وحقوق الشخص في أن يختار ما يشاء وأن يقتنع بما يشاء ولكن في إطار النظام العام، والتالي فقضية الحرية الدينية هي أيضا قضية حرية شخصية في اختيار ما يشاء، في احترام حريته السياسية والمدنية ويجب أيضا حريته وقناعته الدينية ودائما في إطار النظام العام الذي لا يجب الإساءة إليه وأيضا في إطار الاحترام المتبادل بين الأديان.
س) هذا يعني أنك لا توافق على التشخيص الذي مفاده أن المبشرين يستغلون الأوضاع الاجتماعية الصعبة للبعض لترك دينهم الأصلي وهو الإسلام و اعتناق المسيحية؟
ج) استغلال الظروف لا يعني أن الشخص حر، أنا أتعامل مع إنسان، يجب أن أحترم وضعه الإنساني المادي والفكري ولا أستغل ظروفه المادية وهذه في اعتقادي أساليب رخيصة للتأثير على قناعات وحريات الآخرين، و لا يجب استغلال الظروف المادية للإنسان من أجل ممارسة ضغوط على قناعته.
س) لقد قمتم بجولات عبر العديد من مناطق الوطن كما نقلت الصحف ذلك، وقد ذكرتم أنكم ترون أن هناك أملاك تابعة للكنيسة يجب استعادتها، كيف توضحون هذه المسألة؟
ج) أولا بالنسبة لتحركاتي، فمن الطبيعي ومن مهامي وكإنسان نزل لأول مرة بهذا البلد يريد أن يتعرف على مواقع تواجد الأشخاص الذين هو مسئول عنهم، وبالتالي لا يجب أن يثير الأمر أي اهتمام أو تعجب في أنني أزور الآباء في تيزي وزوو غيرها من المناطق، وأعتقد أن أبسط واجباتي في أن أزور من أنا مسئول عنهم وفي أن أتعرف عليهم، ويؤسفني أن وسائل الإعلام تضع تصريحات على لساني وأنا لم أنطق بها، حيث لم أتحدث ولم أصرح بأي شيء مما أشرت إليه، وبالتالي يجب أن تراجع وتصحح الصحف هذه الأقوال التي نسبتها إلي وأنا مستعد لأكذب كل ما نشرته الصحف على لساني حول هذا الموضوع.
س) هذا يعني أنه لا توجد نية أو حديث حول موضوع ما قيل " استرجاع أملاك الكنائس" ؟
ج) قلت، لم أتحدث حول هذا الموضوع مطلقا ولم أقل أي كلمة، و إنما قابلت المسؤولين الدينيين من واجب الزيارة و المجاملة.
س) حينما اتصلت بكم منذ أسبوع تقريبا لتحديد موعد لقاء، قلت أنكم تعودون من جولة إلى المغرب، في أي إطار كنت هذه الزيارة، وكيف وجدتم أحوال المسيحيين هناك بصفة عامة؟
ج) زيارتي للمغرب لم تكن لإقامة الشعائر الدينية ولا للقاء بالمسيحيين هناك، وإنما كانت من أجل لقاء منتظم يجمع بين المسؤولين عن الكنائس في منطقة بلدان المغرب العربي، وقد اجتمعنا في فندق من غرفة واحدة، وهذا اللقاء ينظم مرة في كل سنة في إحدى دول المغرب العربي للتداول حول أحوالنا وأوضاعنا وعن مشاكلنا وأمورنا.
س) ما دام الأمر كذلك، بالتأكيد النقاش دار حول تقييمكم لأحوال المسيحيين في دول المغرب العربي بصفة عامة ؟
ج) نعم ،هو كل شخص يقدم تقييما حول وضع المسيحيين في البلد الذي يقيم، و بالتالي نتبادل الخبرات و المعلومات؟
س) في أي بلد من بلدان المغرب العربي وجدت أن الوضع أحسن و أفضل؟
ج) ليس من حقي ذلك، فكلنا في الهم شرق، فكلنا أقليات مسيحية في هذه البلاد العربية والإسلامية وبالتالي نبحث أيضا عن أفضل السبل للتعايش مع إخوتنا في هذه البلاد وتقديم الفضل ما يمكن من خدمات لهذا البلد أو ذاك، ففي المغرب مثلا هناك حوالي 10 آلاف متعلم في المدارس التي أشرف عليها المسيحيون وبالتالي هذه خدمة تقدم لهذا البلد.
س) بمبادرة من خادم الحرمين الملك عبد الله شهدت هيئة الأمم المتحدة على مستوى الجمعية العامة الشهر الماضي لقاء لحوار الأديان، كيف تقيمون ذلك، علما أن بعض الأصوات وقفت من ذلك الحدث موقفا سلبية بحجة أن الحوار يمتد لعقود طويلة و لم يأت بنتيجة، بل في كل الأحوال دائما المسلمون هم الضحايا والمعتدى عليهم( الاحتلال للأراضي العربية والإسلامية، التهجم على الدين الإسلامي من خلال الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم أو الطعن في القرآن الكريم...)؟
ج) أولا، أنا مع كل تحرك و كل مبادرة لحوار يؤدي أو يهدف إلى التفاهم والعيش المشترك بسلام بين الديان وبين المجتمعات، وهو ثابت من الثوابت التي نتمسك بها، أما ما أشرت إليه فلا بد من التأكيد على أننا نتحاور لأن هناك مشاكل يجب حلها وعلينا أن نساهم في حلها بالطرق السلمية لخير الجميع، فمن الطبيعي أن الحوار من أجل الحوار لا يؤدي إلى نتيجة وإنما يجب أن تتبعه خطوات عملية، ولكن الحوار من حيث المبدأ هو عمل حضاري وثقافي ولكن يجب بالمقابل أن يؤدي إلى نتيجة وهذا ما نأمله من مثل هذه اللقاءات، أما فيما يخص ما أشرت إليه حول مؤتمر نيويورك فنحن مع ذلك ولكن يبقى أنه تحرك من سلطات مدنية سياسية أكثر منها كونها حوار أديان، وإذا أردنا أن يكون ذلك فهناك مرجعيات دينية هي المخولة لمثل هذا الحوار الديني، ومع ذلك أنا مع أن تلتقي المجتمعات وتتحاور، وحتى حوار السلطات السياسية له دور في استتباب السلام والأمن بين الشعوب.
س) ألا ترى أن حوار الأديان يتلقى تحديات كبرى، فبعد حوار الأديان الذي شهدته الأمم المتحدة، تم تدنيس مقابر المسلمين بفرنسا والذي أعقبه حرق مسجد في باريس، ما هي أسباب ذلك وما هو موقفكم من هذه السلوكات التي لا تزيد إلا في إذكاء نار الفتنة التي يستغلها المتطرفون من كل جانب؟
ج) لست متشائما بقدر ما أنت متشائم، أولا، أنا ضد أي عمل يمس بكرامة واحترام الأديان وأماكن العبادة، أو الرموز الدينية لأي دين، وهذا الأمر يجب أن يكون واضحا وثابتا، وما أشرت إليه من الرسوم المسيئة في حق الرسول عليه السلام أو تدنيس المقابر أو التعدي على المسجد، فهو عمل مرفوض مبدئيا وجذريا ومطلقا بالنسبة إلي، وبالمناسبة أكرر أن هذه الأعمال ليست نتيجة الحوار، بل بالعكس هذه الأحداث المرفوضة والمدانة هي التي يجب أن تكون سببا جديدا لنا لأن نلتقي و نتحاور.
س) هذه الأيام التي يحتفل بها بميلاد المسيح عليه السلام، يحتفل المسيحيون في فلسطين و في بيت لحم تحت الاحتلال والحصار ويصيبهم ما يصيب المسلمين، فالعدو الإسرائيلي يتقصف غزة بالطائرات والمدفعية دون رحمة ودون شفقة مستهدفا المدنيين و الأبرياء، ما هي الكلمة التي يمكن أن توجهونها في ظل هذه الظروف؟
ج) في الحصار والمعاناة، ليس هناك من تمييز فكلنا كعرب نتقاسم هذه المحن، وأنا قادم من تلك المنطقة وأعرف ما يعانيه شعبنا العربي المسيحي والمسلم، في الأيام الأخيرة حملت إلينا الأخبار السيئة و المحزنة لما نسمعه و نشاهده، فهناك مطالبة لتحرك عربي وعالمي لوقف العدوان، و الذي أريد أن أقوله أن المعاناة لا تعود على الأيام الأخيرة وإنما هي المعاناة اليومية لشعبنا العربي في فلسطين التي يجب أن نذكر بها في كل وقت وفي حين.
س) من باب حرية التدين والمعتقد، بعض المفكرين والمثقفين ومنهم وزير الثقافة المصري فاروق حسني، دعت للقبول والاعتراف بالديانات الأرضية، ما هو موقفكم من ذلك كرجل دين مسيحي؟
ج) اتفاقنا على أن هناك ديانة توحيدية ثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، لم يتغير وإنما لا يعني أيضا أن هناك من هو خارج هذه الديانات، وبالتالي لا ينبغي تجاهل وجود أصحابها، وكإنسان وإن كان لا يدين بإحدى الديانات الثلاث فله الحق بالاعتراف بوجوده، له الحق في أن أعتبره طرفا محاورا.
س) اسمح لي أبانا من الناحية العقائدية أو اللاهوتية في المسيحية، وأنا كمسلم مطلع على النصوص والأحكام فيما يخص ممن يدين بغير دين الله، ما هو حكم المسيحية في من يعتقد في ديانة أرضية، هل هو مؤمن هل مصيره مخير بين الجنة والنار كما هو عليه في الديانات الثلاث، أم له وضع خاص؟
ج) في الديانة المسيحية، الجنة والنار هي للجميع، سواء كان مسيحيا أو غير ذلك، ويمكن أن يدخل الجنة من هو غير مسيحي، وإنما الحكم ليس لي كبشر وإنما هو لله المخول للحكم على هؤلاء البشر من خلال ما قدموا في حياتهم من خير أو شر(( عقبت على إجابة الأب غالب بالقول: إنشاء الله نكون من أهل الجنة)).
س) في مقابلة له مع موقع إسلام أون لاين قال الناطق الرسمي باسم الفاتيكان( الأب فريديريكو لومباردي): نخشى على هوية أوروبا المسيحية، هل توافقه الرأي في ذلك و مما يخشى على المسيحية ؟
ج) أعرف جيدا الأب لومباردي و هو الناطق الرسمي باسم الفاتيكان ورئيس مكتب الصحافة فيها، أنا أشاطره هذا الخوف لأن المجتمع الأوروبي أصبح مجتمعا علمانيا، يعتر الديانة عملا فرديا خاصا وبالتالي هي حضارة مادية يغيب فيها الله و ليس الديانة المسيحية فقط، وهذه المجتمعات لا تلقي اعتبارا لأي ديانة، وحتى مسلمي أوروبا يرفضون هذه العلمانية المتطرفة والمطلقة التي تريد أن تبني مجتمعا ليس لله فيه مكان، وبالتالي من هنا يأتي الخوف، والأب لومباردي يتحدث كمسيحي ومتخوف على المسيحية، أما أنا فإنني تخوف على الله في هذه المجتمعات التي ليس فيها لله أي اعتبار، وبالتالي نشاهد اليوم ما أوصلتنا إليه من شرور" من إجهاض وشذوذ التي أصبحت مقبولة بشريا" و هي مرفوضة إلهيا.
س) ولكن ألا يلفت نظرك استثناء ولو بسيط من خلال تحركات الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي تحدث عن العلمانية الإيجابية والمقصود بها العلمانية التي تتعايش مع الدين، ولا شك أنك تتبعت الزيارة التاريخية التي قام بها البابا بنديكت 16 لفرنسا والحفاوة التي استقبل بها، ما هو تعليقك على ذلك؟
ج) نعم، فرنسا هي مصدر العلمانية ومنها خرجت، و بالتالي فرنسا تشعر بمسئوليتها لما يحدث في أوروبا، أرجوا أن يكون تحرك ساركوزي في هذا الاتجاه، و أن يعيد الأوضاع إلى مكانها الصحيح، بمعنى أن العلمانية لا تعني الوثنية أو اللادينية، وإنما هي الفصل بين الدين والدولة و هي ما يطلق عليه بالعلمانية الإيجابية وهي ما نادى به سيدنا المسيح" اتركوا ما لقيصر لقيصر، و لله لله" ، و بالتالي يجب أن يبقى الله حتى في المجتمع العلماني و يحترم، و أن تحترم قناعات من يكونون هذا المجتمع العلماني.
س) منذ أسابيع قليلة استقبلت دمشق العميد ميشال عون زيادة على كونه أنه رجل سياسي، أنه زعيم مسيحي، و قد طاف عون بالعديد من الأماكن المسيحية المقدسة، وقال أن الوضع الطبيعي للمسيحيين العرب هو وجوده وبقائهم في أوطانهم، وعبرعن قلقه لما يجري من تصفية للمسيحيين بالعراق دون أن تنكر أن مثل هكذا تصفيات تتم حتى داخل البيت الإسلامي، ما هو تعليقك على زيارة عون وحديثه عن المسيحيين، وهل يخشى الأب بد على المسيحية والمسيحيين في العالم العربي والإسلامي؟
ج) إذا كنا نتكلم عن رئيس دين مسيحي فهناك من يمثل مسيحيي الشرق، وميشال عون هو شخصية سياسية وليس دينية، ولا يستطيع أن ينطق، بل نحن نرفض كمسيحيي الشرق أن يكون هو الناطق باسمنا، وبالتالي يمكن أن نعتبر زيارته زيارة دينية مسيحية، فهو قائد سياسي يمثل حزبا سياسيا معروفا، إذن له في السياسة أن يفكر كيفما يشاء وأن يزور من يشاء وأن يتباحث مع من يشاء، إنما كقائد ديني أو مسيحي فهذا غير مقبول ما دام هناك من يمثل المسيحيين في الشرق، هذا أولا ، ثانيا، و نحن كمسيحيين في الشرق وهذا قد يهم المسلمين كذلك وأنا جئت من الشرق وأعرف كيف يفكرون فهم لا يريدون هجرة المسيحيين أو لا سمح الله غياب المسيحيين عن حضارة الشرق لأنهم كانوا من المساهمين الأوليين في بناء اللغة العربية والأدب العربي وفي بناء الحضارة العربية، وبالتالي من واجبنا جميعا أن نحافظ على الوجود المسيحي لأنه غنى لمجتمعنا الشرقي وثراء له، فالمسئولين السياسيين كذلك يدركون أن وجود المسيحيين يساهم في بناء مجتمعات منفتحة ومتسامحة.
س) رغم أن النظام العلماني المتبع في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر دولة عصرية وديمقراطية تنادي بحقوق الإنسان وحرية الأديان، إلا أننا لاحظنا أثناء الحملة الانتخابية حساسية دينية من كون الرئيس المترشح لسباق الرئاسة باراك أوباما هو على الديانة الإسلامية و إن كان قد نفى ذلك، أو على الأقل هو من أصول إسلامية، كيف يمكن أن تعلق على ذلك؟
ج) ذكرت كل ما ذكرت ولكنك نسيت أن تقول أن أوباما انتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وهذا ينسف كل ما ذكرته، بمعنى لك أن تذكر ما تشاء ولك أن تصرح بما تشاء ولكن في النهاية الحكم يعود للشعب الذي اختار أوباما رغم ما ذكرته وقيل عنه، وأنا كنت سعيدا بانتخاب أوباما من جميع المنطلقات وهذا من ضعف وعظمة أمريكا في نفس الوقت، فأنت تستطيع أن تقول ما تشاء وتنتقد خصمك كما تشاء في نقطة ضعف تراها مناسبة لك من أجل أن تسحب منه صوتا وتضيف لنفسك ولكن في النهاية كما قلت لك الحكم لقيم هذه الحضارة ولهذا الشعب الذي لم يأبه لكل هذه الانتقادات التي أشرت إليها، وبالتالي أتمنى أن هذا النموذج يسود في العالم كله.
س) ونحن نقترب من نهاية هذا اللقاء، هناك سؤالان لهما طابع ديني لاهوتي محض وإن كنت غير متخصص في ذلك ولكن نتناول المسألة بشيء من التبسيط، وهو كيف ينظر الأب بدر كمسيحي لحكم الردة في الإسلام(( أنت جئت من الشرق وتعرف هذا الأمر دون أن ادخل معك في التفاصيل)) وهل يوجد مثل هذا الحكم في المسيحية في حق من بدل دينه وانتقل من المسيحية إلى الإسلام مثلا؟
ج) ليس في المسيحية من حكم شبيه، وبالتالي إما أن تؤمن بحريتك وقناعتك و غما ألا تكون مؤمنا، والحكم والعقاب هو لله لما اخترته في حياتك، و لك أن تؤمن به أو ترفضه فالحكم لا يرجع إلي كبشر في أن أعاقبه وإنما الأمر كما قلت متروك لله في أن يحاسبه على ذلك كما يحاسبه على أعماله صالحة كانت أم شريرة وعليه فالحرية مكفولة لي إنسان في يدخل المسيحية أو يتركها دون أن يقع عليه أي حكم أو عقاب من السلطات الدينية أو الكنسية في هذا الشأن.
س) ما دامت المسألة بهذا الشكل، هل تعتقد أن حكم الردة في الإسلام يتناقض وحرية التدين؟
ج) لا أستطيع أنا أتدخل وأحترم الإسلام، وسيكون تطفلا مني لو أصدرت حكما حول عقائد الآخرين وبالتالي أنا أبدي احترامي لهذه الحقيقة أو لحقائق أخرى يمكن أن أختلف معها في الإسلام في الحكم، هذا و كل ما في الإسلام من عقائد إيمانية.
س) هناك مسألة أخرى، تتمثل في أننا شهدنا في المدة الأخيرة نشاطا مكثفا من بعض الحقوقيين والقانونيين من يدعوا إلى إلغاء حكم الإعدام سواء داخل أو خارج الجزائر، الأمر الذي خلق ردود فعل رافضة لهذه الدعوة وبالخصوص من المرجعيات الدينية في الإسلام التي ترى أن ذلك يتعارض مع النصوص والأحكام الدينية، ما هو موقفكم كرجل دين مسيحي، هل أنت مع الإبقاء على حكم الإعدام في حالات معينة أم أنت مع إلغائه؟
ج) أنا هنا يجب أن أحترم الدين الإسلامي الذي يبيح حكم الإعدام في حالات محددة ومعلومة وبشروط معينة، وغنما انا كإنسان وكمؤمن مسيحي، قناعتي أن الحياة هي نعمة من الله، يعطيها الله ويأخذها الله نفسه، وأن الحياة لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تكون ثمنا يدفع لأية جريمة كانت.
س) حتى ولو كانت جريمة قتل؟
ج) حتى ولو كان القتل، ولكن هنا لا يجوز العقاب، هناك وسائل أخرى للاقتصاص وأخذ حق المجتمع من المجرم، إنما الحياة بذاتها فإنها نعمة من الله فهو الذي يعطيها وهو الذي يأخذها ولا يمكن لأي بشر أن يسلبها ثمنا لجريمة أو عقابا لعمل ارتكب أو جريمة ارتكبت، أضف إلى ذلك أن العقوبات الأخرى هي ربما رادعة أكثر من حكم الإعدام، كالحكم بالأشغال الشاقة مدى الحياة الذي يمكن أن يكون رادعا ومؤلما أكثر من مجرد لحظة تؤخذ فيها الحياة.
س) ما هي الاهتمامات الخاصة بالأب بدر خارج نشاطه الديني، وبمن تتأثر من أصحاب المذاهب الفلسفية والفكرية؟
ج) أنا عالمي الثقافة والإطلاع وهذا خارج الإطار الديني الذي يبقى في حياتي مع الله و لكن اهتماماتي أوسع بكثير من مجرد إقامة الشعائر، فأنا عالمي الثقافة كوني أتقن أكثر من لغة، فأنا مطلع على الأدب العربي وعلى التيارات الفكرية العربية، ومطلع كذلك على الأدب الفرنسي والإيطالي والإنجليزي، وبالتالي لديك أن تختار ما تشاء، واهتماماتي أيضا في مجالات حقوق الإنسان و حوار الحضارات، وأذكر كذلك أنني درست القانون التجاري في الجامعة بفلسطين ولك أن تتصور ردة فعل الطلبة و هم يأتون إلى قاعة المحاضرات وهم يرون رجل دين يحاضر فيهم لا عن دين ولا عن قرآن ولا عن إنجيل و إنما عن الشركات وعن المتاجر والأوراق النقدية، إذن كما ترى أنا رجل دين مقتنع بإيماني ولكنني منفتح على العالم وعلى حضارات العالم ولا أرفض أن أطالع أي كتاب كان وهذا من منطلق أنه يجب أن تعرف والمعرفة هي الطريق لاختيار قناعتك في الحياة.
س) ما دام الأمر كذلك ماذا تقول في دانتي؟
ج) دانتي(( يضحك الأب غالب)) صاحب الكوميديا الإلهية، وقد جاء نتيجة فترة معينة كان فيها الدين والعالم واحد، وبالتالي كتب ملحمته الشهيرة التي تمثل رحلة في عالم الآخرة من جنة وجهنم، إضافة إلى انه بهذا الكتاب قد أسس للغة الإيطالية، والأدباء والكتاب إلى اليوم يعتبرون دانتي هو مؤسس اللغة الإيطالية بمفهومها العصري.
س) كلمة أخيرة بمناسبة عيد ميلاد المسيح عليه السلام؟
ج) طبعا لا يمكن وأمام ما نشاهده ونسمعه إلا أن نتمنى أمنية السلام، والسلام لبلادنا الجزائر، والسلام والأمن بعد كل سنوات الغبن التي عشناها، نحن في حاجة لأن نعيش في رغد و في عافية، و أمنية السلام كذلك لبلادي لفلسطين وبالخصوص في هذه الأيام حيث أتمنى ألا تشرق عليهم السنة الجديدة وهم في هذه المعاناة(( للأسف السنة الجديدة كانت دماء ودموع)) وعلى العرب والعالم كله أن يتحرك لإيقاف هذه الجرائم، و يجب أن يفهم الإسرائيليون أن القوة والسلاح لا تجلب أمنا وسلاما لهم وإنما لا تزيد إلا حقدا وكرها للشعوب الأخرى ضدهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.