معك حق يا جوبيه، ولماذا تعتذر؟ ثم، من طلب منك الاعتذار، الأكيد أن الذي طلب منك اعتذارا لم تحرقه نار الظلم الاستعماري، لم يقتل ابنه أو والده، لم تترمّل والدته، ولم تغتصب أخته... الذي حصر العلاقة مع فرنسا في مسألة اعتذار، لم يفقه شيئا في مأساة الجزائر، وعلام ستعتذر فرنسا؟ وبأية جريمة تعترف؟ وعلى أية أخرى ستتحسر وتندم؟ مآسينا متعددة الأوجه، وفرنسا جربت فينا كل ما اكتشفته مخيلة البشر من وسائل التعذيب والظلم. لا نريد اعتذارا، ولا نريد اعترافا، يكفينا أن نعترف نحن لأنفسنا أننا ظلمنا طيلة قرن ونيف، فها نحن نكاد ننسى ماعاشه أسلافنا من مظالم، من تجويع وترهيب وبطش... يكفي أن نرى رسومات "إتيان دينيه" أثناء المرحلة الاستعمارية لنفهم حجم المآسي التي عاشها الجزائريون، يكفي أن نرى نظراتهم الفارغة وثيابهم الصوفية الممزقة، ووجوههم الشاحبة لنفهم حجم المأساة.. مأساة لم تتمكن كل كتب التاريخ من نقل مرارتها، وحدهم الذين عاشوا المأساة ومازالوا يتجرعون مرارتها يعرفون مدى فداحتها، وهؤلاء لا يمكن أن يطالبوا يوما بالاعتذار، لأن في العبارة تقزيم لمأساتهم.. إنها بصق على الذاكرة! الاعتذار، معناه أننا مستعدون لقلب الصفحة وفتح أحضان الصداقة لفرنسا! لا ننكر أن هناك في فرنسا أناسا أبرياء، وأناسا يتألمون للماضي الاستعماري لبلادهم، لكن هذا لا يعني أننا نحن الذين شُرد أباؤنا وسُلبت أملاك أسلافنا، وشردت منا قبائل وعروش خرجت هائمة في أراض غير أراضيها، مستعدون لسماع كلمة اعتذار من فرنسا، أو مستعدون لأن نمحو بجرة قلم سنوات من الألم؟! لا ياجوبيه، لا ياشيراك، لن نريد منكم اعتذارا، ولا نريد أن ننسى! لا نريد صداقتكم، واعلما أننا نتألم شديد الألم كلما ذكرت أمامنا كلمة الصداقة الجزائرية-الفرنسية، وهل يمكن أن تكون هناك صداقة بين حمل وذئاب؟!