عفوا سيدي .. لقد عقد خبر رحيلك لساني، وشل قلمي وأوصالي .. عفوا إن لم أفك حقك في هذا المقام، الذي كنت من قرائه الأوفياء .. عفوا عبد الحميد مهري، المناضل الكبير، والعقل النير، ورجل المواقف، والوطني الوفي .. عفوا فالمصاب جلل، جلل قدرك ومكانتك في نفوسنا، نحن الشباب الذين كنا نرجع إليك في كل مرة لننهل من نبعك، ونرتوي من تجاربك، ومن رجاحة عقلك الكبير، ونستنير من حبك لهذا الوطن، الذي اليوم لاشك أنه يبكيك دما ودموعا مثلما نبكيك نحن اليوم.. إن كان هناك إجماع بين الأجيال الصاعدة على حب شخصية وطنية، لاشك أن يكون على شخصك وعلى مواقفك الوطنية، وعلى كلمة الحق التي لم تبخل بها يوما، فقد كنت تقول بصوت عال مدو، ما يخاف الآخرون قوله لأنفسهم، سيشهد التاريخ لك، وتشهد الأجيال أنك كنت ومازلت حتى هذا العمر المتقدم توجه النصح والنقد البناء، وتحاول تقويم الاعوجاج الحاصل في السلطة، وتنتقد أساليب الحكم، وكنت صوتا مسموعا، واسما له وزنه، فإذا ما تكلمت أصغى الجميع، وإذا ما كتبت تسابقنا لقراءة ما تقول، فبقراءتك نفهم الحاضر، ونستنير للمستقبل، ونعتز بالماضي، فالدم الذي كان يجري في عروق مهري، دم شباب متقد، فعزيمة جيل الثورة لم تفارقه، فلم يخلد للراحة خدمة لمبادئه، ولم يعرف التقاعد من أجل مساعدة البلاد في الخروج من المحنة.. كنت أسعد كلما التقيتك، ليس للنصائح القيّمة التي كنت تقدمها لي بحب الوالد ومودة الوطني الصادق، بل أيضا لأني كنت ألمس فيك دوما شغف الشباب، فقد كنت ترد على الرسائل الإلكترونية عن طريق الانترنيت، وعلى رسائل الهاتف، تماما مثل الشباب، فلم تكن تبخل علينا بالتصريحات وبالحوارات، ولا ترد سائلا ولا طالب نصح.. معذرة ”والدي” لم ألق الكلمات التي ترقى إلى وصفك، فالمساحة لا تكفي لتروي للأجيال تاريخ مهري.. المصاب جلل، لكن عزاؤنا أنك أديت رسالتك بأمانة، ووفيت بواجبك تجاه الأجيال. فإلى من نتجه عندما يضيق بنا الأفق بعدك، فنحن اليوم أيتامك، وأيتام هذا الفراغ الرهيب الذي أحدثته وفاتك؟ رحمك اللّه سيدي وصبّر قلوبنا لرحيلك.