تأهل 81 مشروعا جمعويا من أصل 128 طلبا تم إيداعه    رئيس الجمهورية يرسم السيد غريب وزيرا أول    يترأس اجتماعا تحضيريا مع رؤساء المجموعات البرلمانية    بطولة إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة إناث بوهران: المنتخب الجزائري يستهل المنافسة بالفوز على بوركينا فاسو 26-21    توقيف ثلاثيني بعد ظهوره في فيديو    جيجل : انتشال جثة متعفنة بتاسوست    قسنطينة : مصابون في حوادث مرورية    تثمين دور الإمام في تعزيز اللحمة الوطنية    الجزائر ملتزمة بترقية الديمقراطية وحقوق المرأة    مخطط خاص لتأمين الإقامات الجامعية    مجلس الأمة يفتتح اليوم دورته البرلمانية العادية    مؤهّلات الجزائر قيمة مضافة فاعلة    خارطة طريق للتعاون والتطوير المنجمي    بوغالي يرحّب باعتماد إعلان نيويورك حول حلّ الدولتين    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    تعليمات للتكفّل الأمثل بانشغالات الصيادلة الخواص    قطر تدعو إلى اتخاذ إجراءات "حقيقية وملموسة" لمنع تمادي الكيان الصهيوني بعد هجومه الأخير على الدوحة    وفد صحراوي يبحث بجنيف مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان الوضعية بالإقليم المحتل    رئيس الجمهورية يجري تغييرا حكوميا: تشكيلة حكومة سيفي غريب    المؤسسات التربوية الجديدة تحت المجهر    فان بيرسي يدافع عن أنيس حاج موسى ويتهم التحكيم    نجاح أول عملية إصلاح للصمام التاجي التالف    69 مليارا مستحقات "سونلغاز"    ضيوف إمدغاسن يكتشفون جمال جبال الشلعلع    يوسف بلايلي يثير أزمة جديدة في تونس    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم    أدب السجون.. وثيقة تاريخية وأخلاقية بأبعاد كونية    المالوف من المدرسة إلى العالمية : الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    نظمته "الجاحظية"..لقاء تأبيني لاستذكار خصال الكاتب والمثقف الموسوعي محمد صالح ناصر    لغاية 21 سبتمبر الجاري..مواصلة أعمال الحفر والتنقيب بالموقع الاثري مرسى الدجاج    إصابة عمورة تُهدد جاهزيته لمباراتي الصومال وأوغندا    مذكرة عاجلة من "حماس" لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية    العدوان الصهيوني : ما يحدث في غزة "إبادة جماعية ممنهجة"    الجمباز /كأس العالم 2025 : تتويج كيليا نمور بذهبية جهاز العارضتين غير المتوازيتين بباريس    مناجم: مجمع سونارم يستقبل وفدا تشاديا لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    أمن ولاية الجزائر: الاطاحة بعصابة مختصة في سرقة المنازل وحجز أسلحة بيضاء محظورة    تواصل فعاليات المخيم التكويني للوسيط الشبابي للوقاية من المخدرات بالجزائر العاصمة    معرض الجزائر سيسهم في سد فجوات تنموية    كريمة طافر تترأس اجتماع عمل    تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهما    إفريقيا لم تعد تقبل بالأمر الواقع    غالي يدعو إلى الضغط على المغرب    خطة صهيونية لتهجير فلسطينيي غزّة    سوق أهراس تستقبل الموروث الثقافي لولاية إيليزي    البطولة الإفريقية للأمم لكرة اليد لأقل من 19 سنة إناث: المستوى الفني كان "جد مقبول"    توقيع عقود شراكة خلال أيام المعرض فاقت 48 مليار دولار    المولودية تعود بالفوز    متابعة لمعارض المستلزمات المدرسية وتموين السوق    مؤسّسة جزائرية تحصد الذهب بلندن    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما كانت الأعمال بالنيّات.. وبالأغنيات أيضا
"الفجر الثقافي" يفتح ذاكرة الأغاني الشعبية المرتبطة بالمهن
نشر في الفجر يوم 04 - 02 - 2013

كان يا ما كان، في ثقافة شعبية هانئة أغاني تراثية لكل عمل، كانت الأعمال بالنيات، وكذلك بالأغنيات، أغاني تقاوم التعب، وتجلب الفرح، وتفتح نوافذ الحلم، لم يكن هناك شيء يعكر المزاج، على العكس، لابد من مزاج حقيقي للقيام بأي عمل ما... في هذه البيئة البسيطة والطيبة ظهرت أغاني المهن، وتناقلت بين الأجيال.. لكن لم تنتقل إلينا، لأننا أنانيون وعندما نعمل نفضل MP3 لاحتكار المتعة.
ملحق ”الفجر الثقافي” يفتح هذا الأسبوع ريبرتوار الأغاني الشعبية الخاصة بالمهن، ما الذي أوجدها؟؟ كيف تناقلت؟؟ وما هي دلالاتها اللفظية؟؟ ولماذا اختفت اليوم؟؟ ما الذي حدث حتى قطعنا الصلة بين الفرح..؟ وهل التكنولوجيا هي السبب؟؟ أم أن العالم تغير فعلا ولا مكان للتراث الشعبي سوى في ذاكرة العجائز أو كتب التاريخ..؟

للشعر الشعبي مكانته الخاصة في المجتمع الجزائري، هو الذي جاء من الأندلس على شاكلة ”زجل” ثم تكيف والوسط الشعبي الجزائري العام وقدم لنا القصيدة الشعبية المعروفة، غير أن أغاني المهن أقدم من ذلك بكثير، قد تكون على صلة به ولكن أغاني المهن أقدم بكثير، لأنها تستند على الإيقاع وعلى الألحان التراثية التي يقدر عمرها بعمر ”نوميديا”، وبالتالي لا يمكن ربط أغاني المهن بالشعر الشعبي، لأنها ببساطة أقدم بكثير...
الحاجة سكورة وأغاني جني الزيتون
عمر هذه الأغاني من عمر الطبيعة، والطبيعة تجعل من مهنة جني الزيتون في الجزائر أحد أهم مواسم اللقاء والعمل الجماعي الذي لا يمكن الشعور بحلاوته من دون أغاني خاصة به. عن هذا الموضوع حدثتنا الحاجة سكورة والبالغة من العمر 83 سنة عن هذه اللحظات الجميلة، سكورة تعيش في جبال أقاوج التابعة لتيزي وزو حيث تتواجد أشجار الزيتون منذ قرون، فتقول: ”لا أزال أفعل ذلك، لابد أن أغني حين أجمع الزيتون، هكذا تعلمت وعلى هذه الكلمات كبرت، كل نساء الجبل يعرفون هذه الأغاني، ولكن غالبيتهم رحلوا وتركوا الزيتون من دون أغانيه، في السنوات القليلة الماضية وقبل أن يشتد بي المرض كنت أغني همسا وأبكي في داخلي، لماذا ضاعت هذه العادة الجميلة، حاولت أن أعلم البنات الصغار هذه الأغاني ولكن لا يريدون ذلك.. كنا نقول:
”اي قوران غف ياخفيو
امخثاف اغ فوسيو
كل ثازمورث بداغ فلاس
اتخيلك اسيدي ربي
كل امغبون اعفو فلاس..”
ومعناها:
”ما هو مكتوب على جبيني
العود في يدي
كل شجرة زيتون واقفة عليها
رجاء يا ربي
كل مغبون ارحمه واغفر له”

هذه الكلمات التي تبدو بسيطة تربط بين شجرة الزيتون والقدر، وتدعو للجميع بالرحمة، وهي بالتالي تعكس كل شيء، القناعة والرضا والتقرب إلى الله من خلال الأعمال.
الفخار.. طحن القمح
تواصل الحاجة سكورة حكايتها مع الذاكرة الجميلة: ”لم يكن جني الزيتون فقط الذي يحمل فرح الأغاني، كل شيء نقوم به كنا نغني له، كنا في الحقيقة نشكر الله ونحمده على خيره، كذلك عندما كنا نصنع الفخار أو نطحن القمح كنا نردد أغاني معينة أتذكر بعضها الآن، ولكن أكذب عليك إذا قلت لك أنني نسيتها مع هذا العمر، يستحيل أن يحدث ذلك، لأنها كانت تجري داخلنا كما تجري الدماء، لم يكن هناك شيء غير الطبيعة وعلاقتنا مع بعض.. كنا نغني وكأننا نتحدث إلى بعضنا البعض، اليوم الواحد يتحدث في التليفون، مع أبطال المسلسلات، ولا توجد حقيقة..المهم عند طحن القمح كنا نغني:
طحن القمح
”يما يما زهر اورسعيغ
وين ويغف سنذغ
يناخ روح اعييغ”
ومعناها:
”يما يما ماعنديش زهر
كل من استند إليه
يقول اذهبي أنا متعب”.

كل هذا من شأنه أن يبين لنا العلاقة القوية التي كانت تلازم المرأة والعمل من جهة وكذا الأغنية من جهة أخرى، حيث يبدو لنا في هذا المقطع الأخير والخاص بطحن القمح الحزن الغالب مما يعني أن المرأة كانت تشكو حزنها إلى عملها وهذا ارتقاء كبير لا يمكن فهمه اليوم على الإطلاق.
وفي مناطق أخرى كمنطقة الهضاب العليا سطيف، نجد النسوة تردد عند صنع الفخار ما يلي:
”يما يما راني كي الديس فوق الدار
محروقة من القايلة وزيد صهد النار”
وهي تحاكي نفس الأسلوب الأول وهو الشكوى والعلاقة المتينة بينها وبين العمل.
أغاني الحصاد.. في مدينة قسطل بتبسة
ليست المرأة وحدها التي تغني عند القيام بالأعمال، الرجل أيضا لابد له أن يغني حتى يلطف من أجواء التعب الشاق، من أجل هذا كانت لنا فرصة الوصول إلى مدينة قسطل الواقعة على الحدود التونسية لولاية تبسة، هذه القرية الجميلة يحمل الجميع فيها لقب قسطل، فهم أبناء لجد واحد، ويعيشون هنا منذ آلاف السنين، المنطقة تنتهي بنبع جميل يضمن للدولار الأمن والسلام، قسطل هذه كانت مستعمرة رومانية بحيث تجد آثار ذلك على النبع الذي صنع له الرومان سواقي ممتدة وبطريقة لا تزال صالحة لحد الآن مع بعض التعديلات فقط، التقينا قدور قسطل وكان الوقت آنذاك وقت حصاد، ولأن القرية صغيرة والمساحات المزروعة صغيرة كثيرة يتم كل شيء يدويا، ولكم أن تتصوروا المنجل الذي لابد أن يرافقه الغناء...
يقول قدور قسطل: ”أحب أغاني بڤار حدة عند الحصاد، أنا أفعل هذا ولكنها صعبة على الآخرين، أغاني بڤار حدة ليست في مقدور الجميع، ولكن هناك أغاني تراثية أخرى يعرفها الجميع ويرددها الجميع، مثل هذه الأغنية:
”زف البحري زف البحري
زف البحري زهو الفلاح
هاذي قايلة تحرق فينا
والشهيلي يرمي على للواح”

كذلك لابد أن نتبع كل هذا بالتسبيح، التسبيح والحمد واجب في العمل حيث نقول:
”بسم الله سميت
على النبي صليت
نصبح في البيت
داويلي حالي
جيت الواد الواد
وطريقو بلويات
أرواح تنشدني
على تارك الصلاة
أنا راسي شاب
وخايف من العذاب
الدودة والتراب
تستنى فيا”.

يضحك قدور قسطل وهو يردد الدودة والتراب تستنى فيا، ولكن لماذا بالفعل الدودة والتراب أكلت كل هذا التراث الجميل الذي يجعلنا نأسف بالفعل على هذا.
في هذا الصدد يواصل قدور: ”أنا لا أزال أغني عند الحصاد، ولا أزال أزرع هذه الأرض رغم أنني أشتري السميد من الحانوت وكل هذا لا يلبي احتياجاتي، حيث نصنع فقط به بعض الفريك، الكثير من أبناء الدوار رحلوا وتركوا كل شيء، أنا سأموت هنا.. وفي بالي كل أغاني الفرح”.
نلاحظ الصلة القوية بين العمل والحمد والشكر، بحيث تجمع غالبية الأغاني في طياتها الحمد والشكر.
ماذا فعلت بنا الأغنية الثورية
لعله من بين أهم الأسباب التي ضيعت أغاني المهن هذه هو دخول الأغنية الثورية غلى ساحة الأعمال، حيث أصبحت الأقرب إلى القلوب، في هذا السياق تحدثنا السيدة حضرية من سطيف العالي:
عندما كنا ننسج البرنوس للثوار كنا نغني الطيارة الصفرا، والتي مطلعها:
”الطيارة الصفرا، احبسي ما تضربيش
نسعى راس خويا الميمة ما تضنيش
نطلع للجبل نموت، نموت وما رانديش
الله الله ربي يرحم الشهداء
الجندي لي جانا وطرحنالو الفراش
سمع فرنسا جات، القهوة ما شربهاش
ذاك الشيخ العيفة وانا معرفتوش
الله الله ربي يرحم الشهداء يرحم الشهداء
طريق فرماتو وهب عليك الريح
جنود الشيخ العيفة موتى ومجاريح
خويا فارح للدنيا، ويلا طالت بيه،
وسي يالميمة اسي ما تبكيش،
وليدك مجاهد رايح ما يوليش...
كذلك عندما كنا نطحن القهوة أو نقوم بفتل الكسكسي، كانت هناك أغاني كثيرة مثل أغنية يا نجمة ضوي، ولكن كل هذا ضاع مع الحرب، وبكاء النساء على الشهداء والمجاهدين، كنا نغني ولكن قلوبنا حزينة وخائفة من ضياع باقي الرجال لذا كنا نفضل هذه الأغاني الثورية”.
هذا جانب فقط من الحكاية، حاولنا جمعها ولكن تحتاج إلى ما هو أكثر، إلى بحث أكاديمي يجمع كل تفاصيلها قبل أن ينتهي كل شيء ويغادرنا الأشخاص الذين لا يزالون يحفظون عند ظهر قلب أغاني الفرح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.