منذ فترة كنت أدافع باستماتة على بقاء جبهة التحرير ليس فقط كحزب فاعل في الساحة السياسية ومدرسة لتكوين الإطارات في هذا الميدان، وإنما أيضا نكاية بالبعض ممن كانت تملي عليهم “إيزابيل شاملة” وصيفة خليدة تومي وكاتبة كتابها “جزائرية واقفة” التي أوصت صاحبتها بأن تقنع الرئيس بحل جبهة التحرير. لكن اليوم صرت مقتنعة وليس كقناعة “شاملة”، بأن هذا الحزب المسكين، لم يعد له من مكان لا في الساحة السياسية ولا في حياة المواطنين، بل لم يعد حتى “تحفة” يليق بنا أن نصفها على رف بالمتحف، لكثرة الأدران التي علقت به من الأيادي الوسخة التي تتشبث به والأقدام الموحلة التي داسته وصعدت فوق هيكله إلى مآربها الخاصة. وللأمانة ليس عمار سعداني وحده الذي ينطبق عليه ما أقول. لكن نتمنى أن يكون آخر من فتح دكانا للمزايدة السياسية بالأحرف الأولى للجبهة. وعلى الرئيس المقبل، أيّا كان، ساندته الجبهة أو لم تسانده، أن يحل هذا الحزب، ويدفن إرثه في كتب التاريخ، لأنه صار في الآونة الأخيرة تماما مثلما صارت الجزائر كالأرملة الغنية الكل يضحك عليها وينهب ثروتها، ويخونها مع غيرها. لم تعرف جبهة التحرير خيانة مثل التي تعرفها الآن، ولم تنزل إلى الحضيض بالشكل الذي نزلت إليه في السنوات الأخيرة، الجبهة التي “أنشفت” ريق الجنرال دوغول وفريقه المفاوض في إيفيان، وجعلته يراجع حساباته ويعدل جلسته ونظاراته بعد أن كان يستصغر مفاوضي الجبهة ورجالها، ليعترف بأنه وجد نفسه أمام عمالقة سياسة ومفاوضين شرسين. الجبهة اليوم تتمسك بحلم، بل بوهم، وأمينها العام بح صوته واحمرت كفاه وهو ينادي بالعهدة الرابعة وبتعديل الدستور، وبمطالب لا طائل من ورائها إلا حماية نفسه من مصير كمصير عبد المومن خليفة. نعم إلى هذا الحضيض نزلت الجبهة بتاريخها وملحماتها ووهجها، بعد أن كانت تحدد مصير وطن ومستقبل أمه، مجرد خرقة باليه يحاول سعداني ومن سبق سعداني أن يغطي بها عورته المكشوفة، وليس غرماء سعداني بأفضل حال منه، ولا أنظف ولا أطهر ولا أنزه، فكلهم يريد “الجمر لكانونه” على حد المثل الشعبي، كل يريدها سجلا تجاريا لا غير. ولهذا وجب بل صار ملحا حلها. فمن هو الذي يملك هذه الشجاعة ويتخذ قرارا ليس ليطلق رصاصة رحمة لأنها تحتضر، وإنما ليصون كرامتها، اعترافا بماضيها وتاريخها ودورها في لم شمل الجزائريين لتقرير مصيرهم. على الرئيس المقبل أن يدرج هذا ضمن أولوياته، وسيكون قرارا شجاعا لا محالة؟