الفريق أول السعيد شنقريحة:التصدي للحملات المغرضة واجب على كل وطني غيور    محكمة العدل الدولية: الجزائر تشارك في جلسات مساءلة الكيان الصهيوني بشأن التزاماته تجاه المنظمات الأممية في فلسطين    قسنطينة.. إحياء الذكرى ال 64 لاستشهاد البطل مسعود بوجريو    عين تموشنت.. مشروع لربط الحاجز المائي بمنطقة "دزيوة" بمشروع نظام السقي – تافنة    للوقوف في وجه المخططات التي تحاك ضد الأمة..تنويه بدور الجزائر في دعم العمل العربي المشترك    السفير الفنزويلي يشيد بالمستوى الرفيع الذي بلغته العلاقات الثنائية بين الجزائر وبلاده    طاقة: عرقاب يستعرض مع سفيرة البوسنة والهرسك فرص التعاون الثنائي    اللقاء الجهوي الرابع للصحفيين والإعلاميين: دعوة إلى تطوير منظومة التكوين لمواكبة التحولات الرقمية    تجارة داخلية: السيد زيتوني يسدي تعليمات بتكثيف الرقابة على مستوى الاسواق لضمان توازن الاسعار    شهر التراث: افتتاح معرض "تراثنا في صورة" بالجزائر العاصمة    بشار: وضع أربعة قطارات لنقل المسافرين حيز الخدمة على خط بشار- العبادلة - بشار    إن صالح: رخروخ يعطي إشارة انطلاق أشغال صيانة 25 كلم من الطريق الوطني رقم 1 ببلدية فقارة الزوى    صمود الشعب الصحراوي أكد شرعية قضيته وكشف زيف المخزن    كرة القدم/ الرابطة الاولى موبيليس (تسوية الرزنامة): تأجيل المباراتين المقبلتين لشباب قسنطينة    أدرار : التأكيد على أهمية استغلال الذكاء الإصطناعي في تثمين التراث المخطوط    مطار باتنة الدولي: انطلاق أول رحلة لنقل الحجاج نحو البقاع المقدسة يوم 15 مايو المقبل    رئيس الجمهورية يتسلم أوراق اعتماد خمسة سفراء جدد لدى الجزائر    قوجيل يهنئ البطلة الأولمبية كيليا نمور لتألقها في كأس العالم للجمباز بالقاهرة    صناعة صيدلانية: وضع حجر الأساس لمشروع وحدة للعلاج بالخلايا قريبا    تنصيب المجلس الوطني للوقاية الصحية والأمن وطب العمل واللجنة الوطنية للأمراض المهنية خلال السنة الجارية    الجمباز الفني/كأس العالم: الجزائرية كايليا نمور تحرز فضية الحركات الارضية    تطبيع الجريمة الإسرائيلية في غزة    ترحيل 182 عائلة متضررة من انزلاق التربة بوهران إلى سكنات جديدة بمسرغين    درك الوادي يحجز 72 ألف قرص مهلوس    ورشة تشاورية حول إعداد مدونة المهن البيئية في الجزائر    بوغالي: تاريخ الجزائر مصدر فخر    سونلغاز تؤكّد تقديم كل التسهيلات    ندوة علمية بالعاصمة حول مخطوط "كتاب القانون في الطب" لابن سينا    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    تكريم أفضل المنصات الرقمية في الجزائر    ربيقة: على جيل اليوم التحلي بإرادة رجال نوفمبر    وزارة الصحة: لقاء تنسيقي لتقييم أداء القطاع    "الأونروا" تعلن عن نفاد إمداداتها من الطحين في قطاع غزة    متحدث باسم حماس: لا بديل لغزة إلا المسجد الأقصى والتحرير الكامل لفلسطين    عن مسيرة الفنان محمد زينات : العرض الشرفي للوثائقي زينات.. الجزائر والسعادة    لضمان التموين المنتظم للسوق الوطنية.. تسليم وثائق التوطين البنكي لعدد من المستوردين    بداية العد التنازلي لامتحاني "البيام" و"لباك"    رئيس الجمهورية يعزّي عائلات ضحايا حادثة وهران    الجزائر فاعل رئيسي في دعم التعاون الإفريقي    وفد من اليتيمات المتفوّقات بمقر المجلس الشعبي الوطني    ملف مفصل يُرفع إلى الجهات الوصية    الذكاء الاصطناعي والتراث موضوع أيام تكوينية    وصول باخرتين من الأضاحي المستوردة إلى ميناءي سكيكدة وجن جن    مولودية وهران تتنفس    رئيس تونس يُقدّر الجزائر    انطلاق أشغال الاجتماعات الدورية للمنسقين الإذاعيين والتلفزيونيين ومهندسي الاتصال العرب بالجزائر العاصمة    تطرقنا إلى السيناريوهات العملية لإنتاج النظائر المشعة محليا    منتخب المصارعة بخطى التتويج في البطولة الإفريقية    لا حديث للاعبي "السياسي" إلا الفوز    دينو توبمولر يدافع عن شايبي    انطلاق الحجز الإلكتروني لغرف فنادق مكة المكرمة    جاهزية تامة لتنظيم موسم حج 2025    بحث سبل استغلال مخزون لم يكتشفه العالم    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصين تنسج خيطها الحريري الناعم كي تلفه على رقبة شعب نائم؟
"شاينا تاون" في الجزائر
نشر في الفجر يوم 24 - 01 - 2015

حلّ الجيل الأول من الجنس الأصفر في الجزائر قبل 15 عاماً، ليشكل أول كيان يحاكي ”شاينا تاون”، لكن بتعديلات تجارية أيضاً، اقتضت من الصينيين النطق بلسان جزائري مبين وأحياناً التصاهر مع السكان المحليين، ومحو بقية التباينات الراسخة في مجتمعين مليئين بالمتناقضات.
يطل حي بوسحاقي الشعبي في باب الزوار، الكائن شرق العاصمة الجزائرية، كأحد أحياء شنغهاي.. تقودك إليه طريق مهترئة غارقة في الوحل وسط تجمّعات عمرانية تضم عشرات الفيلات ذات الطوابق العالية، حيث أخذت ملامحه في التغير شيئاً فشيئاً في الأعوام الأخيرة مع توسّع رقعة انتشار متاجر ومخازن سرية تحت الأرض يملكها ذوو البشرة الصفراء.
ففي أواخر التسعينيات عندما بدأت الجزائر الخروج من دائرة الإرهاب الذي دمّر البنى التحتية وأنهك الصناعة والاقتصاد عموماً، انتهزت العمالة الآسيوية الوضع بعد أن شجعتها تسهيلات السلطات الجزائرية، لتبدأ في نسج أول خيوط انتشارها في مدينة باب الزوار وجوارها مفضية مع مرور السنوات إلى ولادة ”شاينا تاون” أو مدينة الصينيين في الجزائر.
من هناك يخرج كل شيء من معامل صغيرة تحت الأرض وورش يدوية لصناعة أشكال السلع والبضائع على أنواعها، لاسيما الألبسة والستائر والأحذية، موسومة بعبارة ”مايد إن شاينا” (صنع في الصين)، فتباع لتجار الجملة من جزائريين وصينيين، وتصرّف نحو الأسواق الداخلية.
زواج وأفلام..
وحسب تحقيق أجرته الحياة اللندنية أثناء جولة في الحي الصيني صادفت ”ماو” (58 سنة)، أول تاجر استوطن منذ أواخر القرن الماضي، وكان سبباً في استقدام مئات العمال من مواطنيه الذين يشتغلون في محلات وورشات، وتحوّلوا بعد سنوات قليلة إلى تجار وأصحاب أملاك مستفيدين من تقبّل الجزائريين لوجودهم داخل المنطقة، فهم يقطنون كذلك في الحي.
”ماو” ردد عباراته بلهجة جزائرية داخلتها مصطلحات محلية دارجة، شاكياً من تراجع المبيعات خلال السنوات الأخيرة.
وهو انطباع مواطنته ”صبرينة” أيضاً، كما يلقبها التجار. وهي صينية استقبلتنا في محلها لبيع المفروشات، وتعمل عندها الجزائرية خديجة (21 سنة) منذ 14 شهراً دون أن تجد مشاكل في التواصل معها. وكشفت أن صاحبة المحل استقدمت من الصين عائلتها المكونة من 40 فرداً، وهم يزاولون عملهم داخل الحي، ومنهم من تزوج بجزائرية وأنجبا أولاداً.
”سونغ هان” تعرّف إلى زوجته الجزائرية في أحد ورشات العمل، بعد أن اعتنق الإسلام. ويتقن كلمات كثيرة باللهجة الجزائرية الشائعة ويؤدي ما عليه من فرائض دينية. كما شهدت مدن أخرى ارتباط جزائريين بصينيات لاعتبارات عدة تتوافر فيهن، على رغم العادات والتقاليد والذهنيات المختلفة.
في المقابل، اعتنق جزائريون غالبيتهم من النساء، الديانة البوذية، فقد أفادت تقارير اعتناق حوالى 12 امرأة تتراوح أعمارهن بين 22 و40 سنة، البوذية في أم البواقي بعد أن تزوجن من صينيين يعملون في الجزائر، ومنهن من سافرن إلى الصين رفقة أزواجهن، وإلى منغوليا وتايوان وأستراليا.
ويعتنق حوالي 40 في المئة من الصينيين الديانة البوذية، ما اعتبره علماء دين خطراً كبيراً على الشعب الجزائري. لكن غالبيتهم تبدي احتراماً لعادات الجزائريين خصوصاً في شهر رمضان، وأكد عدد منهم في الحي الصيني التزامه بعدم تناول الطعام أو الشراب حتى إقفال محله تقديساً لفريضة الصيام في الدين الإسلامي.
إقبال على تعلم الصينية..
وغير بعيد عن ”شاينا تاون” الجزائرية، أكد مدير معهد لتعليم اللغات الأجنبية في باب الزوار، تزايد أعداد الجزائريين الراغبين في تعلم اللغة الصينية خلال السنوات الأخيرة. كما يسجل في المقابل إقبال من ذوي البشرة الصفراء على تلقي دروس في أبجديات اللغة العربية، ليؤسسوا بذلك أولى طلائع الجيل الأول، لاسيما أن عدد طالبي الجنسية الجزائرية عام 2013 بلغ مستويات قياسية، إذ تقدّم وفق مصادر حكومية 1531 أجنبي يتصدرهم صينيون وسوريون بطلب الحصول على الجنسية الجزائرية.
ويشترط قانون الجنسية في الجزائر على طالبيها توفر شرطين أساسيين: الإقامة الفعلية في البلاد أكثر من 3 سنوات، وأن يكون لطالبي الجنسية مصدر دخل ثابت. ومثلما شارك الرعايا الصينيون، وهم أول جالية تستوطن الجزائر بهذا العدد في مختلف الأنشطة، على غرار تشجيعهم لمنتخب كرة القدم في كأس العالم الأخيرة، وخروجهم للاحتفال بالانتصارات، كان لآخرين حضور ملفت في المسلسلات المحلية التي بثت في شهر رمضان الفائت، فقد شارك شاب صيني عاش مع عائلة جزائرية، واعتاد على لهجتها وطبيعة عيشها فألفته في حلقة كوميدية، مجسّداً مواقف طريفة تعبّر عن واقع الحال.
الأخصائية ثريا تيجاني: ”الصينيون مجبرون على الاندماج”
وتلفت الاختصاصية في علم الاجتماع، الدكتورة ثريا تيجاني، إلى أن ”اندماج الصينيين ضروري وواضح في المجتمع الجزائري وتعكس الأسواق ونشاطهم التجاري قدرتهم على التواصل باللهجة الجزائرية، ولولا شكل الصيني لما تفطنت إلى وجود فرق بينه وبين السكان، لاسيما مع تصاهر وزواج بين الصينيين وجزائريات وحتى جزائريين وصينيات”. وتضيف: ”إنهم مجبرون حسب الظروف على الاندماج وما حدث من مناوشات سابقة بينهم وبين وأهالي المنطقة أكدّ أن العمل حياتهم، ولا يتحمّلون أن يزايد عليهم أحد”. وحثت الجزائريين على ”تعلّم روح العمل من الصينيين والانفتاح على الآخرين”.
عموماً، يعود حرص الصينيين على التفاني في العمل إلى دولتهم التي ”تعدّهم” قبل الذهاب إلى أي بقعة في العالم. وضربت تيجاني مثلاً باستثمارهم في الصناعات المحلية كإتقانهم صناعة ألبسة ووجبات تقليدية، على غرار الكسكسي الشهير في المنطقة المغاربية. لكنها أشارت في المقابل إلى تأثر بعضهم بسلوكيات سلبية نابعة من الجزائريين، بعد أن رمقت عاملين صينيين ظلا يتحادثان مطوّلاً ويرتشفان الشاي أثناء إنجاز مشروع تبليط شارع في إحدى محافظات العاصمة، مشيرة إلى أن الصيني يرفض قبول وجبة غذاء خلال فترة العمل نظراً ل” تقديسهم لروح العمل”.
مناوشات.. مدينة فحكم
غير أن وجود الصينيين في الجزائر لم يكن دائماً موضع ترحيب، ففي عام 2009 نشب خلاف في حي الزوار (أصبح اسمه حي الصداقة بين الشعوب) بين شابين جزائري وصيني على مكان لإيقاف السيارة، شارك فيه أقارب الطرفين وأصدقاؤهما، ونجم عنه سقوط جرحى ونهب لمتاجر صينية. ولولا تليين اللهجة الديبلوماسية بين البلدين لوصل الأمر إلى حد القطيعة، ونقلت السفارة الصينية في الجزائر كتاباً وجهّه تجار صينيون للشعب الجزائري أعربوا فيه عن أسفهم الشديد إزاء هذا الشجار.
وربما هذا ما دفع الجالية الصينية إلى التقدّم قبل فترة إلى الحكومة الجزائرية بطلب إنشاء مدينة لهم تتجمّع فيها أكبر جالية صينية في العالم العربي. وأوضح سي سيو زي، المستشار الثقافي في السفارة الصينية، أن ”إنشاء الحي الصيني (شاينا تاون) هو رغبة العاملين في مجال التجارة الحرة في الجزائر، وليس مطلب الغالبية التي تعمل ضمن شركات الإنشاء. فبين الجزائر والصين تاريخ وثقافة متشابهين في جوانب عدة، ولا يمكن أن يكون الحي الصيني محاولة للانعزال عن المجتمع الجزائري. فما يسمّى ”شاينا تاون” موجود في غالبية البلدان حيث يعيش الصينيون”. ومن الأسباب الموجبة لإنشاء مدينة صينية التي أوردها المطالبون بها أن بينهم ”أشخاصاً لا يفهمون اللغة المحلية وعادات الجزائريين وثقافتهم” وفق تعبيرهم.
واندماج الصينيين ومطالبهم بكيان يأويهم دون غيرهم، فجّرت قريحة روائي جزائري هو الدكتور أمين الزاوي، الذي توقّع مفاجأة تاريخية على المدى البعيد بسبب النمو الديموغرافي للصينيين وارتفاع معدّل الاستثمار والعمالة المتزايدة في البلاد، تتمثّل ب ”توجه الصينيين نحو حكم الجزائر في المستقبل؟”. وأوضح مؤلف رواية ”الملكة” من حنايا قصة واقعية لامرأة جزائرية فاتنة مطلقة ترتبط بصيني، أنه بنى تكهناته على أساس تصدّر الوجود الصيني المرتبة الأولى في الجزائر، ما يؤدي بلا شك إلى مفاجأة تاريخية على المدى البعيد، وباعتبار أن الصين لم تعد قوة اقتصادية أو سياسية فقط، بل باتت قوة بشرية وثقافية وفكرية كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.