المطلب الوحيد للشعب الصحراوي هو الاستقلال و استعادة السيادة على كامل التراب الوطني    عيد الأضحى: استجابة شبه كلية للتجار لنظام المداومة    كريكو و دحلب تشاركان مقيمي ديار المسنين وأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة فرحة العيد    سباق ماموث التقليدي لموريس: المرتبة الثانية ليوسف رقيقي    ستة شهداء في قصف للاحتلال الصهيوني استهدف منزلين في مخيم البريج وسط غزة    عيد الأضحى: إلتزام شبه كلي للتجار بنظام المداومة في اليوم الأول بنواحي سطيف و باتنة و عنابة    انتخاب الجزائر في لجنة التراث الثقافي اللامادي باليونسكو "اعتراف" بدور الجزائر في مجال صون التراث وطنيا ودوليا    صندوق ضمان قروض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: مرافقة أكثر من 4000 مشروع بقيمة 532 مليار دج    عيد الأضحى: رئيس المجلس الشعبي الوطني يهنئ الشعب الجزائري    عيد الأضحى: رئيس مجلس الأمة يهنئ الشعب الجزائري    الجزائريون يحتفلون بعيد الأضحى المبارك في أجواء من التآخي والتآزر والخشوع    عيد الأضحى: رئيس الجمهورية يهنئ أفراد الجيش الوطني الشعبي والأسلاك النظامية وعمال الصحة    شرق البلاد: المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى في أجواء إيمانية و روحانية    الكيان الصهيوني يكثف قصفه على جنوب لبنان    رئيس الجمهورية يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بجامع الجزائر    ضيوف الرحمن ينفرون من عرفات إلى مزدلفة    الخطباء يدعون الحجاج الجزائريين بعرفة الى العمل على اتمام مناسك الحج على اكمل وجه    الدرك الوطني يضع مخططا أمنيا وقائيا بمناسبة عيد الأضحى    مشاركة الشباب في الانتخابات فعل حضاري وديمقراطي راقي    إفريقيا: النمو الاقتصادي سيبلغ 3.8 بالمائة في 2024    وزارة الثقافة والفنون: قبول 118 مشروعا فنيا للاستفادة من إعانة مالية بعنوان سنة 2024    الجزائر- إيطاليا: اتفاق استراتيجي لإنجاز مشروع ضخم للحبوب والصناعات الغذائية بتيميمون    تيارت: وضع حيز الاستغلال لمشروع تزويد عاصمة الولاية بالماء الشروب    اتصالات الجزائر تضمن استمرارية خدماتها خلال ثاني وثالث أيام عيد الأضحى    افتتاح الطبعة ال19 لتظاهرة "أندلسيات الجزائر" بالعاصمة    كندا تستضيف قمة قادة مجموعة ال7 المقبلة    الديوان الوطني للتطهير يفعل نظام المداومة لضمان التدخل السريع خلال عيد الأضحى    رئيس الجمهورية يغادر باري الإيطالية عائدا إلى أرض الوطن    رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوسا يفوز بفترة ولاية ثانية    كرة القدم /الرابطة الأولى"موبيليس" : النتائج الكاملة و الترتيب    كرة القدم /الرابطة الأولى"موبيليس" : النتائج و الهدافون    حجاج بيت الله الحرام يتجمعون بصعيد عرفة الطاهر لأداء مناسك الركن الأعظم في الحج    تشغيل الخط الثاني لإنتاج سيارة " فيات دوبلو" محليا    شبح المجاعة يهدد مجددا أرواح سكان غزّة    البعثة الجزائرية للحج أصبحت نموذجية    الجزائر حاضرة ب21 رياضيا ورياضية في البطولة الإفريقية لألعاب القوى بالكاميرون    مولوجي تعلن عن عدة مشاريع جديدة لفائدة الولاية    تصفيات مونديال 2026: صادي يؤكد التزام الفاف بتوفير كل وسائل النجاح لبيتكوفيتش    شركة الخطوط الجوية الجزائرية: إطلاق رقم أخضر لمتابعة عملية نقل الحجاج و المعتمرين    فلسطين تُثمّن قرار الرئيس تبّون    قباضات الضرائب مفتوحة استثنائيا اليوم    سونلغاز ونفطال: توفر المنتجات واستمرار الخدمات أيام عيد الأضحى    الجمارك الجزائرية تفتح باب التوظيف    استعراض فني للتاريخ    أسعى جاهدة لتطوير نفسي أكثر    تسليم قصر الداي وقصر البايات في ديسمبر المقبل    من يستقطب اهتمام المشاهدين؟    الاتحادية الدولية لكرة السلة تؤكد على رزنامة التصفيات    حماد يعلن عن إنشاء منصة رقمية خاصة ب"النخبة"    دعوة إلى تصنيف "الضغط الرئوي" ضمن الأمراض المزمنة    ارتفاع فاحش في أسعار الخضر والفواكه عشية عيد الأضحى    "الأونروا": العدوان الصهيوني سلب أطفال قطاع غزة طفولتهم    إدانة "فيسبوكي" سرّب مواضيع البكالوريا    الحجاج يشرعون في صعود عرفة تحسبا لآداء الركن الأعظم    هكذا أحيى النبي وأصحابه والسلف الصالح الأيام العشر    تساؤل يشغل الكثيرين مع اقتراب عيد الأضحى    نافلة تحرص العائلات على أدائها طمعا في الأجر والمغفرة    الذكر.. مفتاح الرزق وزوال الهم والغم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصين تنسج خيطها الحريري الناعم كي تلفه على رقبة شعب نائم؟
"شاينا تاون" في الجزائر
نشر في الفجر يوم 24 - 01 - 2015

حلّ الجيل الأول من الجنس الأصفر في الجزائر قبل 15 عاماً، ليشكل أول كيان يحاكي ”شاينا تاون”، لكن بتعديلات تجارية أيضاً، اقتضت من الصينيين النطق بلسان جزائري مبين وأحياناً التصاهر مع السكان المحليين، ومحو بقية التباينات الراسخة في مجتمعين مليئين بالمتناقضات.
يطل حي بوسحاقي الشعبي في باب الزوار، الكائن شرق العاصمة الجزائرية، كأحد أحياء شنغهاي.. تقودك إليه طريق مهترئة غارقة في الوحل وسط تجمّعات عمرانية تضم عشرات الفيلات ذات الطوابق العالية، حيث أخذت ملامحه في التغير شيئاً فشيئاً في الأعوام الأخيرة مع توسّع رقعة انتشار متاجر ومخازن سرية تحت الأرض يملكها ذوو البشرة الصفراء.
ففي أواخر التسعينيات عندما بدأت الجزائر الخروج من دائرة الإرهاب الذي دمّر البنى التحتية وأنهك الصناعة والاقتصاد عموماً، انتهزت العمالة الآسيوية الوضع بعد أن شجعتها تسهيلات السلطات الجزائرية، لتبدأ في نسج أول خيوط انتشارها في مدينة باب الزوار وجوارها مفضية مع مرور السنوات إلى ولادة ”شاينا تاون” أو مدينة الصينيين في الجزائر.
من هناك يخرج كل شيء من معامل صغيرة تحت الأرض وورش يدوية لصناعة أشكال السلع والبضائع على أنواعها، لاسيما الألبسة والستائر والأحذية، موسومة بعبارة ”مايد إن شاينا” (صنع في الصين)، فتباع لتجار الجملة من جزائريين وصينيين، وتصرّف نحو الأسواق الداخلية.
زواج وأفلام..
وحسب تحقيق أجرته الحياة اللندنية أثناء جولة في الحي الصيني صادفت ”ماو” (58 سنة)، أول تاجر استوطن منذ أواخر القرن الماضي، وكان سبباً في استقدام مئات العمال من مواطنيه الذين يشتغلون في محلات وورشات، وتحوّلوا بعد سنوات قليلة إلى تجار وأصحاب أملاك مستفيدين من تقبّل الجزائريين لوجودهم داخل المنطقة، فهم يقطنون كذلك في الحي.
”ماو” ردد عباراته بلهجة جزائرية داخلتها مصطلحات محلية دارجة، شاكياً من تراجع المبيعات خلال السنوات الأخيرة.
وهو انطباع مواطنته ”صبرينة” أيضاً، كما يلقبها التجار. وهي صينية استقبلتنا في محلها لبيع المفروشات، وتعمل عندها الجزائرية خديجة (21 سنة) منذ 14 شهراً دون أن تجد مشاكل في التواصل معها. وكشفت أن صاحبة المحل استقدمت من الصين عائلتها المكونة من 40 فرداً، وهم يزاولون عملهم داخل الحي، ومنهم من تزوج بجزائرية وأنجبا أولاداً.
”سونغ هان” تعرّف إلى زوجته الجزائرية في أحد ورشات العمل، بعد أن اعتنق الإسلام. ويتقن كلمات كثيرة باللهجة الجزائرية الشائعة ويؤدي ما عليه من فرائض دينية. كما شهدت مدن أخرى ارتباط جزائريين بصينيات لاعتبارات عدة تتوافر فيهن، على رغم العادات والتقاليد والذهنيات المختلفة.
في المقابل، اعتنق جزائريون غالبيتهم من النساء، الديانة البوذية، فقد أفادت تقارير اعتناق حوالى 12 امرأة تتراوح أعمارهن بين 22 و40 سنة، البوذية في أم البواقي بعد أن تزوجن من صينيين يعملون في الجزائر، ومنهن من سافرن إلى الصين رفقة أزواجهن، وإلى منغوليا وتايوان وأستراليا.
ويعتنق حوالي 40 في المئة من الصينيين الديانة البوذية، ما اعتبره علماء دين خطراً كبيراً على الشعب الجزائري. لكن غالبيتهم تبدي احتراماً لعادات الجزائريين خصوصاً في شهر رمضان، وأكد عدد منهم في الحي الصيني التزامه بعدم تناول الطعام أو الشراب حتى إقفال محله تقديساً لفريضة الصيام في الدين الإسلامي.
إقبال على تعلم الصينية..
وغير بعيد عن ”شاينا تاون” الجزائرية، أكد مدير معهد لتعليم اللغات الأجنبية في باب الزوار، تزايد أعداد الجزائريين الراغبين في تعلم اللغة الصينية خلال السنوات الأخيرة. كما يسجل في المقابل إقبال من ذوي البشرة الصفراء على تلقي دروس في أبجديات اللغة العربية، ليؤسسوا بذلك أولى طلائع الجيل الأول، لاسيما أن عدد طالبي الجنسية الجزائرية عام 2013 بلغ مستويات قياسية، إذ تقدّم وفق مصادر حكومية 1531 أجنبي يتصدرهم صينيون وسوريون بطلب الحصول على الجنسية الجزائرية.
ويشترط قانون الجنسية في الجزائر على طالبيها توفر شرطين أساسيين: الإقامة الفعلية في البلاد أكثر من 3 سنوات، وأن يكون لطالبي الجنسية مصدر دخل ثابت. ومثلما شارك الرعايا الصينيون، وهم أول جالية تستوطن الجزائر بهذا العدد في مختلف الأنشطة، على غرار تشجيعهم لمنتخب كرة القدم في كأس العالم الأخيرة، وخروجهم للاحتفال بالانتصارات، كان لآخرين حضور ملفت في المسلسلات المحلية التي بثت في شهر رمضان الفائت، فقد شارك شاب صيني عاش مع عائلة جزائرية، واعتاد على لهجتها وطبيعة عيشها فألفته في حلقة كوميدية، مجسّداً مواقف طريفة تعبّر عن واقع الحال.
الأخصائية ثريا تيجاني: ”الصينيون مجبرون على الاندماج”
وتلفت الاختصاصية في علم الاجتماع، الدكتورة ثريا تيجاني، إلى أن ”اندماج الصينيين ضروري وواضح في المجتمع الجزائري وتعكس الأسواق ونشاطهم التجاري قدرتهم على التواصل باللهجة الجزائرية، ولولا شكل الصيني لما تفطنت إلى وجود فرق بينه وبين السكان، لاسيما مع تصاهر وزواج بين الصينيين وجزائريات وحتى جزائريين وصينيات”. وتضيف: ”إنهم مجبرون حسب الظروف على الاندماج وما حدث من مناوشات سابقة بينهم وبين وأهالي المنطقة أكدّ أن العمل حياتهم، ولا يتحمّلون أن يزايد عليهم أحد”. وحثت الجزائريين على ”تعلّم روح العمل من الصينيين والانفتاح على الآخرين”.
عموماً، يعود حرص الصينيين على التفاني في العمل إلى دولتهم التي ”تعدّهم” قبل الذهاب إلى أي بقعة في العالم. وضربت تيجاني مثلاً باستثمارهم في الصناعات المحلية كإتقانهم صناعة ألبسة ووجبات تقليدية، على غرار الكسكسي الشهير في المنطقة المغاربية. لكنها أشارت في المقابل إلى تأثر بعضهم بسلوكيات سلبية نابعة من الجزائريين، بعد أن رمقت عاملين صينيين ظلا يتحادثان مطوّلاً ويرتشفان الشاي أثناء إنجاز مشروع تبليط شارع في إحدى محافظات العاصمة، مشيرة إلى أن الصيني يرفض قبول وجبة غذاء خلال فترة العمل نظراً ل” تقديسهم لروح العمل”.
مناوشات.. مدينة فحكم
غير أن وجود الصينيين في الجزائر لم يكن دائماً موضع ترحيب، ففي عام 2009 نشب خلاف في حي الزوار (أصبح اسمه حي الصداقة بين الشعوب) بين شابين جزائري وصيني على مكان لإيقاف السيارة، شارك فيه أقارب الطرفين وأصدقاؤهما، ونجم عنه سقوط جرحى ونهب لمتاجر صينية. ولولا تليين اللهجة الديبلوماسية بين البلدين لوصل الأمر إلى حد القطيعة، ونقلت السفارة الصينية في الجزائر كتاباً وجهّه تجار صينيون للشعب الجزائري أعربوا فيه عن أسفهم الشديد إزاء هذا الشجار.
وربما هذا ما دفع الجالية الصينية إلى التقدّم قبل فترة إلى الحكومة الجزائرية بطلب إنشاء مدينة لهم تتجمّع فيها أكبر جالية صينية في العالم العربي. وأوضح سي سيو زي، المستشار الثقافي في السفارة الصينية، أن ”إنشاء الحي الصيني (شاينا تاون) هو رغبة العاملين في مجال التجارة الحرة في الجزائر، وليس مطلب الغالبية التي تعمل ضمن شركات الإنشاء. فبين الجزائر والصين تاريخ وثقافة متشابهين في جوانب عدة، ولا يمكن أن يكون الحي الصيني محاولة للانعزال عن المجتمع الجزائري. فما يسمّى ”شاينا تاون” موجود في غالبية البلدان حيث يعيش الصينيون”. ومن الأسباب الموجبة لإنشاء مدينة صينية التي أوردها المطالبون بها أن بينهم ”أشخاصاً لا يفهمون اللغة المحلية وعادات الجزائريين وثقافتهم” وفق تعبيرهم.
واندماج الصينيين ومطالبهم بكيان يأويهم دون غيرهم، فجّرت قريحة روائي جزائري هو الدكتور أمين الزاوي، الذي توقّع مفاجأة تاريخية على المدى البعيد بسبب النمو الديموغرافي للصينيين وارتفاع معدّل الاستثمار والعمالة المتزايدة في البلاد، تتمثّل ب ”توجه الصينيين نحو حكم الجزائر في المستقبل؟”. وأوضح مؤلف رواية ”الملكة” من حنايا قصة واقعية لامرأة جزائرية فاتنة مطلقة ترتبط بصيني، أنه بنى تكهناته على أساس تصدّر الوجود الصيني المرتبة الأولى في الجزائر، ما يؤدي بلا شك إلى مفاجأة تاريخية على المدى البعيد، وباعتبار أن الصين لم تعد قوة اقتصادية أو سياسية فقط، بل باتت قوة بشرية وثقافية وفكرية كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.