استضافت مدينة بوو، جنوبفرنسا، قمة لمجموعة دول الساحل الخمس، لبحث سبل التحدي الأمني في المنطقة واحتياجات هذه الدول لمحاربة الإرهاب، في ظل تصاعد وتيرة الهجمات الارهابية الدامية وتزايد أصوات السكان المحليين المنددين بوجود القوات الفرنسية والمطالبين برحيلها. الاجتماع، الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، يجمع الى جانب رؤساء الدول الافريقية الخمس المعنية: ماليوموريتانياوالنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرس، ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي محمات موسى فقي ورئيس مجلس التحاد الاوروبي شارلز ميشال، الإضافة إلى وزراء الخارجية والدفاع والمسؤولين عن الأمن والاستخبارات للدول المعنية. ويركز الاجتماع على الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل ومكافحة الجماعات الارهابية في هذه المنطقة الشاسعة من القارة الافريقية، الى جانب بحث سبل التحدي الأمني في الساحل، خاصة أنه سيتم دعوة قوات عسكرية أوروبية للانضمام إلى جهود قوة برخان العاملة في مالي. وذكرت مصادر اعلامية، أن موريتانيا التي تستعد لتسلم الرئاسة الدورية لمجموعة الساحل، ستشارك بوفد هام في اجتماع بوو دعما للجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار في الساحل. وكانت دول الساحل الخمس قد عقدت قمة طارئة نهاية ديسمبر الماضي بنيامي (النيجر) تمهيدا لهذا الاجتماع، والتي خصصت لبحث سبل مكافحة الإرهاب، وذلك عشية مصرع 71 جنديا نيجيريا في هجوم ايناتيس ، الذي اعتبر احد أكثر الهجمات دموية في الآونة الأخيرة. تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية في الساحل ولا شك أن الأنشطة غير المشروعة، مثل تجارة الأسلحة والمخدرات والتهريب وسرقة الماشية، والاستغلال غير القانوني للمعادن، والصيد غير المشروع للحيوانات، تمثل شريان بقاء الجماعات الارهابية في مناطق الصحراء الشاسعة، ولا سيما على جانبي الحدود. وتمددت المجموعات الارهابية جنوب وغرب المنطقة لتشمل وسط ماليالنيجر وبوركينافاسو، وعلى وجه الخصوص أصبحت منطقة ليبتاكو غورما، وهي شريط حدودي يمتد عبر جميع الدول الثلاث، مسرحا للعمليات المسلحة منذ سبتمبر الماضي، ما ادى الى مقتل ما يقرب من 100 جندي من مالي. وفي ظل مشهد امني دامي تشهده منطقة الساحل منذ فترة طويلة بتنفيذ الجماعات الارهابية لهجمات تستهدف باستمرار المدنيين ومواقع القوات الامنية والعسكرية وحتى مخيمات للاجئين، قتل 25 شخصا، الخميس الماضي، في هجوم على معسكر شينيغودار غرب النيجر على الحدود مع مالي. ويأتي هذا الهجوم بعد شهر من هجوم آخر شنه مسلحون على معسكر إيناتس في القطاع نفسه أوقع 71 قتيلا. وكان 12 عنصرا من قوات الدرك في النيجر قتلوا إثر هجوم استهدف مركزا أمنيا أيورو في منطقة تيلابيري قرب الحدود مع مالي. وفي المنطقة نفسها، أسفر كمين نصبه إرهابيون عن مقتل 8 جنود أمريكيين ونيجريين مطلع أكتوبر الماضي. وقالت الأممالمتحدة إنها أحصت 46 هجوما على الأقل لمجموعات مسلحة في النيجر في منطقة تيلابيري منذ فيفري 2016. وتواجه النيجر ايضا هجمات تشنها جماعة بوكو حرام المتطرفة في جنوب شرق البلاد المحاذي لنيجيريا. أما مالي، فقد تحولت منذ 2012 إلى بلد غير مستقر عقب استيلاء جماعات ارهابية على كل شمالها. وما زالت مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والأجنبية، على الرغم من عملية تدخل عسكرية دولية أطلقت في 2013، وافضت الى دحر تلك الجماعات المسلحة. وكان اخر هجوم استهدف، يوم الخميس الماضي، بقذائف الهاون، معسكرا للجيش في مدينة كيدال شمال شرق مالي، مخلفا إصابة 18 عنصرا من القبعات الزرق، ومدنيين اثنين. وفي تقرير قدمه لمجلس الأمن الدولي اول امس، أوضح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى غرب إفريقيا ومنطقة الساحل محمد بن شامباس، ان عدد ضحايا هجمات الجماعتات المسلحة بدول الساحل الإفريقي تجاوز 14 آلاف قتيل منذ عام 2016. وقال بن شامباس، في تقريره، أن عدد القتلى بكل من ماليوالنيجر وبوركينافاسو تضاعف خمس مرات منذ 2016، حيث وصل حينها 770 مقابل أكثر من 4 آلاف في عام 2019 المنصرم. وقال أن عدد ضحايا هجمات المسلحة في بوركينافاسو، التي تترأس دوريا مجموعة دول الساحل الخمس، ارتفع من 80 قتيلا خلال 2016 إلى أزيد من 1800، عام 2019. إستياء ورفض شعبي للوجود الفرنسي والمطالبة برحيله الوضع الامني المتردي الذي تشهده منطقة الساحل، دفع بسكانه الى الخروج الى الشارع منددين بالوجود الاجنبي، وبالخصوص الفرنسي غير المجدي، حسبهم، وبسياسات الامنية غير الفعالة المنتهجة من قبل بلدانهم في مواجهات التهديدات التي تواجه المنطقة، خصوصا مشكلة النزوح واللجوء. ففي العاصمة المالية باماكو، خرج الاف المواطنون في مظاهرات تنديدا للوجود قوات برخان على أراضيهم، ومرددين هتافات معادية لها. كما شهدت عدد من مدن دول اخرى ضمن مجموعة الساحل مظاهرات مماثلة. ويدفع المشهد الامني البالغة التعقيد بفرنسا باتجاه مستنقع الإرهاب المتنامي في الساحل الإفريقي، بالنظر الى الاستياء الشعبي المحلي لوجودها، اذ يرى الاهالي ان وجود قواتها على أراضيهم زاد الوضع تعقيدا وتأزما ومدد من الانشطة الارهابية، وحتى الطبقة السياسية في هذه الدول، اصبحت توجه للوجود الفرنسي انتقادات حادة وتحمله مسؤولية تفجر المنطقة. وبالمقابل، تدرك فرنسا، الدولة الغربية الوحيدة التي لها وجود عسكري كبير في الساحل، مدى توتر علاقتها بمستعمراتها الإفريقية السابقة، لاسيما منذ العام المنصرم، والمشاعر المعادية لوجود قواتها هناك. ودفع هذا الوضع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الى عدم استبعاد أي سيناريو مستقبلي يتعلق بوجود بلاده العسكري في الساحل، لكن يظل السيناريو الأكثر ملاءمة هو الاستفادة من دعم الحلفاء الأوروبيين في مواجهة الجماعات الإرهابية.