الفريق أول السعيد شنقريحة يؤكد: يجب التيقظ والاحتراس و تنفيذ المهام بدقة وصرامة    ممثلا لرئيس الجمهورية: العرباوي يشارك في قمة المؤسسة الدولية للتنمية بكينيا    وزارة التربية تضبط ترتيبات العملية: تعليمات بتسجيل التلاميذ الجدد في المدارس القريبة من الإقامة    بعد الإعلان عن خفْض الفوائد البنكية على قروض الاستثمار: قرارات الحكومة تريح المستثمرين    سونلغاز تفتح أزيد من 550 منصب شغل بولايات الجنوب    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    حراك الجامعات الأميركية يمتد إلى كندا وأوروبا وآسيا    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    تهيئة عدة شوارع للقضاء على مظاهر الترييف: 110 ملايير لربط 1300 سكن بالكهرباء في الطارف    لحماية سكيكدة من الفيضانات: وزير الري يوافق على تسجيل مشروع سد بوشطاطة    وزيرة التضامن كوثر كريكو: الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنين    مختصون يشرحون آليات التدخل ويقترحون حلولا    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    القضاء على إرهابي بالشلف    الجزائر بقيادة الرئيس تبون تساند فلسطين قولا وفعلا    لأول مرة في الجزائر: «اتصالات الجزائر» ترفع سرعة تدفق الانترنت إلى 1 جيغا    الجزائر حققت نجاحات كبيرة للقضية الفلسطينية بمجلس الأمن    اتحاد العاصمة لم يلعب مقابلة أمس    دور الجزائر سمح بتحقيق نجاحات دبلوماسية كبيرة لصالح فلسطين    يعيشون وضعية صعبة مع فرقهم: قبل توقف جوان.. 3 لاعبين يثيرون المخاوف في صفوف "الخضر"    الجزائر-قطر..علاقات متميّزة وتوافق حول أمّهات القضايا    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    اتفاق على استمرار وتوسيع التشاور مع باقي الفصائل الفلسطينية    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    الإنتاج الفكري والثقافي محرك النمو الاقتصادي    الجزائر تصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    مدربون سعوديون لتكوين أعضاء بعثة الحج لأول مرة    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    سارقا أغطية البالوعات في قبضة الشرطة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    مخلفة خسائر في الأرواح والمعدات في صفوف قوات الاحتلال: الجيش الشعبي الصحراوي يستهدف قواعد عسكرية مغربية    مولودية الجزائر تقترب من اللقب و"الكناري" يبتعد عن الخطر    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    قسنطينة: دخول "قريبا" فندق سيرتا العمومي حيز الخدمة بعد إعادة تهيئته    بطولة إفريقيا لكرة الطائرة/ سيدات: فوز مشعل بجاية مام آسيك ميموزا الإيفواري    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    التراث.. ثابت في مكوّنات الهوية الوطنية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: انطلاق ورشات تكوينية في مهن السينما لفائدة 70 شابا    برج بوعريريج.. 7 مخازن عملاقة لإنجاح موسم الحصاد    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    قسنطينة: السيد ديدوش يعاين عديد المشاريع الخاصة بقطاعه    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مختصون يؤكدون في ندوة النّصر: غياب هوية للمدن الجديدة يقود إلى العنف والجريمة
نشر في النصر يوم 01 - 12 - 2018

يُجمِع مختصون في الهندسة والتعمير من الجزائر ولبنان وفرنسا والطوغو، في ندوة النصر التي انطلقت من التساؤل عن آثار المشاكل العمرانية على الجانب النفسي والاجتماعي للسكان، بأن الاختلالات في مجال البناء وعدم مراعاة البعد الحضاري في تصاميم الأحياء الجديدة، التي تنجز بدافع الاستعجال والحاجة الملحة للسّكن، تؤدي إلى خلق تجمعات سكنية تتميز بمظاهر العنف والجريمة، كما تعزز في المنتمين لها "مركب النقص العمراني" والشعور بالعزلة والإقصاء لانعدام فضاء خارجي مهيأ بما يكفي من المرافق العمومية.
جمعها: سامي حباطي/ تصوير: الشريف قليب
وتذهب آراء بعض المشاركين في هذه الندوة إلى القول بغياب هوية ثقافية للمدن الجديدة، في حين يركزّ متدخلون آخرون على أهمية الفضاء العام في خلق حس الانتماء والمواطنة، مع تأكيدهم على أن هذه الأخطاء العمرانية مسجلة في مدن أجنبية ولا تقتصر على الجزائر فقط.
البروفيسور بيار ميرلان من جامعة السوربون
عدم احتواء المهاجرين بفرنسا جعلهم مهمشين مكانيا واجتماعيا
أكد البروفيسور بيار ميرلان بأن السلطات الفرنسية لم تحسن احتواء مجتمعات المهاجرين المتوافدة عليها، ما جعلها مهمشة اجتماعيا ومكانيا، وأدى إلى انتشار الإجرام بينها.
ويرى البروفيسور بيار ميرلان، الأستاذ الفخري بجامعة السوربون والمختص في الهندسة والتعمير، بأن رده على سؤالنا قد يكون تشاؤميا، حيث قال إن ترك المدينة تنمو بطريقة عشوائية قد خلق العديد من المشاكل، تجلت في التمييز العنصري والمساكن غير اللائقة وعدم توفرها على ما يكفي من التجهيزات العمومية القادرة على تحسين حياة الأشخاص. وأضاف البروفيسور بأن العديد من الأخطاء ارتكبت في مرحلة التخطيط للمدن الحديثة، التي بنيت في الجزائر وفي فرنسا خلال السنوات الأخيرة، رغم تأكيده على انعدام سوء النية في هذا الجانب، فقد انتهجت طرق من أجل القضاء على المشاكل المسجلة في الأوساط الحضرية، لكن يلاحظ بأنّ هذا العمران لم يتطور بالطريقة الصحيحة بحسب البروفيسور ميرلان.
وذكر محدّثنا بأنّ آليات تمويل السكن في فرنسا من الأسباب التي ساهمت في التطور الخاطئ لهذه الفضاءات العمرانية، حيث تحدث عن القانون الفرنسي الذي يسمح بملكية السكن من البداية، واعتبره في صالح الأشخاص المنتمين للطبقة المتوسطة، في وقت يقصي فيه هذا القانون الأشخاص الأكثر فقرا، كما قال إن مجتمعات المهاجرين في فرنسا من الفئات التي تعاني من هذه المشكلة أيضا، موضحا بأن السلطات الفرنسية لم تحسن احتواءها، ما جعلها مهمشة مكانيا واجتماعيا، وساهم في انتشار الجريمة في هذه الأوساط.
رئيسة لجنة التعمير بالمجلس الولائي لقسنطينة
البلديات يجب أن تستعين بتقنيين في مجال المدينة
نبهت المهندسة المعمارية ورئيسة لجنة التعمير بالمجلس الشعبي الولائي لقسنطينة بأن بعض الاختلالات والأخطاء قد سجلت في عملية بناء المدن الجديدة في الماضي، لكنها اعتبرت بأنه يمكن تدارك البعض منها.
وقالت لمياء جرادي إن أسباب ظهور البناءات الفوضوية يعود بالدرجة الأولى إلى العشرية السوداء، عندما تنقلت مجموعات كبيرة من المواطنين إلى مدينة قسنطينة، ما أدى إلى ظهور مشكلة البنايات الهشة. وأضافت محدثتنا بأن أولى عمليات الترحيل الكبرى لشاغلي السكنات الهشة كانت على مستوى حي باردو في السنوات الماضية، في حين اعتبرت بأن الصيغ السكنية التي استحدثت سمحت بتقليص المشكلة في ولاية قسنطينة.
وأضافت رئيسة لجنة التعمير بأن أول تجربة لمدينة جديدة في الجزائر قد انطلقت من قسنطينة، حيث صرحت بأن بعض الاختلالات قد سجلت من قبل، ويتم استدراكها اليوم، كما عزت مظهرها العمراني المشوّه إلى الوتيرة السريعة لبنائها خلال عشر سنوات، لكنها شددت على ضرورة إعادة النظر في العديد من القوانين، خصوصا في شروط التعمير، فضلا عن ضرورة أن يكون المسيّرون في البلديات من التقنيين المختصين في مجال المدينة، وليس في مجال الهندسة والتعمير فقط. ونبهت محدثتنا بأنه يمكن إصلاح بعض الأخطاء التي اكتنفت الإنجازات السابقة من خلال إعادة الاعتبار والتهيئة الخارجية.
الأستاذ حسان بيطار من جامعة البلمند بلبنان
الفضاءات العامة قد تكون ذات تأثير تدميري
أفاد الأستاذ حسان بيطار من جامعة البلمند بلبنان بأن الفضاءات العامة تنمي تعلق الأفراد بالمكان الذي يعيشون فيه وتخلق فيهم حس المواطنة، في حين قال إن هذه العناصر المكانية قد تنتج مفعول تدمير في المناطق التي تنعدم فيها الفرص الاقتصادية وتفتقر إلى البنية التحتية. وأبرز الأستاذ حسان بيطار بأن العلاقة بين العمران والسلوكيات الاجتماعية وطيدة، مضيفا بأن هذه النقطة بنيت على أسس علمية، حيث يدرس الخبراء اليوم تأثير طريقة بناء المدن على التصرفات الإنسانية، من خلال مواطنته وحقه في استخدام المساحات العامة، فضلا عن تحليل مستوى التزام المواطنين بالحفاظ على هذه المساحات العامة أو تدميرها. وضرب محدثنا المثال بالمساحات العامة، التي "كانت نواةً لانطلاق شرارة ثورات اجتماعية في بلدان عربية وأصبحت ساحات مشهورة على غرار ميدان التحرير في مصر"، مثلما قال.
وأضاف نفس المصدر بأن هذه المساحات العامة يمكن أن تحمل رمزية كبيرة في نفوس المواطنين من خلال ما تقدمه من قيم تاريخية وروحانية، ما يوطد تعلق الإنسان بأرضه ويحفزه على المحافظة عليها والمشاركة فيها، فالمساحات العامة يمكن أن تكون منمية لحس المواطنة في الأشخاص أو يمكن أن تكون ذات تأثير تدميري، خصوصا في المناطق التي تكون بؤرا للفقر وتغيب فيها الفرص الاقتصادية التي تسمح لأفراد المجتمع بتحسين وضعيتهم المادية، مثلما أكد.
وقال الأستاذ بيطار إن هذه الوضعية قد تؤدي إلى تنامي العنف والانحرافات، حيث قدم محدثنا مثالا بأطراف المدن التي تسجل فيها الظواهر السلبية المذكورة عبر مدن العالم، ويسميها المختصون في العمران ب"حزام الفقر"، لأن البنية التحتية الموجودة في مراكز المدن لم تصل إليهم ولم تمنحهم فرصة متساوية مع غيرهم من أبناء نفس المناطق.
الأستاذة سميرة قايد من جامعة وهران
بناء مدينة جديدة يقوم على خلق الرابط الاجتماعي
اعتبرت الأستاذة سميرة قايد من جامعة وهران بأن بناء مدينة جديدة يقوم في أساسه على إعادة خلق الرابط الاجتماعي وتحقيق الازدهار الفردي والجماعي فيها، من خلال توفير الفضاءات العمومية.
وأوضحت الأستاذة سميرة قايد التي تدرس بقسم الهندسة والتعمير بجامعة وهران، بأن جميع المدن الجزائرية قد عرفت قفزة ديموغرافية كبيرة منذ الاستقلال إلى اليوم، ما خلق الحاجة إلى بناء مساكن جديدة وجعل مساحة المدن تتوسع بصورة كبيرة، على غرار قسنطينة ووهران والجزائر العاصمة. وأضافت محدثتنا بأن هذا التطور قد باعد الأشخاص عن مراكز المدن، التي ما زالت تستقطبهم، حيث ترك هذا الوضع بحسبها، أثرا نفسيا على الأفراد من حيث شعورهم بالإبعاد.
وأشارت الأستاذة قايد إلى بعض أعمال المختصين في العمران، على غرار أليس كولمان صاحبة كتاب "محاكمة اليوتوبيا"، وتتحدث فيه عن تحول المدن إلى مراقد بسبب الحاجة إلى بناء مساكن للأشخاص، في حين أوضحت بأن غياب التهيئة العمرانية والتجهيزات العمومية يؤدي إلى عدم نشوء الروابط الاجتماعية في المكان الجديد، فغياب الفضاءات العامة يمنع تحقيق الازدهار على الصعيدين الفردي أو الجماعي وبناء أحياء بكل المعايير التي تتطلبها.
ونبهت محدثتنا إلى غياب الجانب الاجتماعي العمراني في المدن الجديدة، ما يخلق حالة من الغضب، ويقود، بحسبها، إلى العنف والانحراف، فالمدينة لا تتلخص في المسكن الفردي، كما أن بناء مدينة جديدة يتمثل في بناء الروابط الاجتماعية بين المواطنين. وأضافت نفس المصدر بأن هذه المشكلة مسجلة في البلدان الأخرى أيضا، على غرار فرنسا والولايات المتحدة، حيث عزتها إلى الأخطاء المرتكبة سابقا من طرف المهندسين والمختصين في التخطيط العمراني عبر العالم.
الأستاذة زهية مغنوس إدريس من جامعة قسنطينة 3
المدينة مشروع سياسي قبل كل شيء
ذكرت الأستاذة زهية مغنوس إدريس من معهد العمران بجامعة قسنطينة 3، بأن المدن الجديدة شُيدت في قطيعة تامة مع مشروع المدينة الأم، مشيرة إلى أن هذه المشكلة تؤدي إلى ظهور العنف.
وترى الأستاذة مغنوس، بأن المدن الجديدة في قسنطينة بنيت في قطيعة تامة مع المدينة الأم من ناحية الشكل العمراني، فيما اعتبرت بأن عظمة مدينة قسنطينة تمثل عظمتها وإعاقتها في آن، حيث أوضحت بأن البناءات الجديدة التي شيدت منذ سنوات الثمانينيات قطعت الحبل تماما مع مشروع المدينة. وأضافت محدثتنا بأن المدينة مثل المنزل، ويجب أن يكون فيها الفراغ، الذي تملؤه علاقات الجوار والروابط الاجتماعية، فهو الجانب الملموسُ بالنسبة لسكان المدينة.
وقارنت محدثتنا بين البناءات الفردية، التي يشيدها الأفراد استنادا إلى تصوراتهم رغم هشاشتها وافتقارها إلى معايير تقنية، على عكس المدن الجديدة التي كان ينبغي، بحسبها، أن يمعن فيها الخبراء التفكير في الفترة السابقة لإنجازها وليس بعد الانتهاء منها. وقالت الأستاذة مغنوس بأنّ فكرة إنشاء مدن وأحياء وفضاءات عامة موجودة، لكنها غير مجسدة على أرض الواقع، لأن التخطيط لها قد أنجز دون مراعاة لجميع الأبعاد المتعلقة بها.
وعزت محدثتنا هذا الفشل في تجسيد مدن حقيقية إلى غياب التكوين وعدم التحكم في الإنجاز، لكنها قالت إن السياسة هي من تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، لأن المدينة مشروع سياسي قبل كل شيء، مثلما قالت. وأضافت نفس المصدر بأن أعراض الاختلال المسجل في هذه المدن تظهر في العنف الذي يبديه الساكنون فيها، بسبب شعورهم بعدم احترامهم، حيث استدلت على حديثها ببعض التجارب التي منح فيها أشخاص قدموا من أوساط يغلب عليها العنف سكنات في أماكن لائقة وتراعي الجوانب الثقافية المختلفة فيهم، وأعطت نتائج إيجابية.
المهندس المعماري نور الدين خلفي
المدن الجديدة مراقد ونحن نعيش أزمة إسكان
وصف المهندس المعماري نور الدين خلفي المدن الجديدة بأنها "مراقد" بسبب عدم توفرها على بيئة عمرانية حضرية، مضيفا بأنها تشهد غيابا للانسجام والتناغم مع النسيج العمراني الأصلي.
وأوضح المهندس نور الدين خلفي بأن عزل المختص عن مجاله هو ما يحدث اليوم، مشيرا إلى أن المهندس المعماري وجد نفسه خارج مهمته كمصمم للعمارة بجماليتها، في حين اعتبر بأن مجال التعمير يضم العديد من المجالات ولها مختصون. وقال محدثنا إن التصميم العمراني يجب أن يتضمن الحياة الاجتماعية ويخلق الانسجام والتجانس بين المواطنين في الحي، وهو ما تفتقر له مدننا الجديدة. وقد وصف نفس المصدر هذه المدن بالمراقد، بسبب عدم توفرها على بيئة عمرانية حضرية.
وأضاف نفس المصدر بأن المسؤولين يفسرون هذه المشكلة بأزمة السكن، رغم أنها في الحقيقة أزمة إسكان، مثلما يرى، في حين قال إنه لا يجب الانسياق خلف حجة الضغط على الطلب على السكنات. ونبه نفس المصدر بأن السلطات لم توفر منذ الاستقلال معطيات دقيقة عن حجم الطلب على السكن في الجزائر.
من جهة أخرى، قال نور الدين خلفي إن الأحياء الهشة القديمة انتقلت بنمط علاقاتها الإنسانية وأفرادها إلى المدن الجديدة، مشيرا إلى أن الأحياء التي تبنى بوتيرة مرتفعة ستكون في المستقبل وكرا للانحرافات إن استمر الوضع على هذه الحال، في حين أوضح بأن نفس نمط البنايات يتم إنجازه في ولايات مختلفة دون مراعاة للخصوصيات الثقافية والجغرافية أو تناغم مع النسيج العمراني القديم، مشددا على أن العملية يجب أن توكل لأشخاص مختصين.
الأستاذ وسام مزيان من جامعة صالح بوبنيدر
المنتوج السكني الجزائري لا يعكس جانبا حضاريا
أكد أستاذ العمران وقانون التعمير بكلية الهندسة المعمارية لجامعة قسنطينة 3، وسام عبد الرحمان مزيان، بأن الأحياء السكنية المشيدة منذ الاستقلال في الجزائر لا تمثل جانبا حضاريا، في حين اعتبر بأن "مركّب النقص العمراني" رافق سكان البنايات الهشة إلى علي منجلي بسبب غياب الفضاء العام.
وأوضح الأستاذ وسام مزيان، بأن الشقة ذات الغرفة الواحدة أو الغرفتين ترمي بالفرد إلى الشارع، مضيفا بأن السلطات سعت في سنوات التسعينيات إلى القضاء على البناءات الهشة من خلال السكن الاجتماعي. وأضاف محدثنا بأن أحياء البيوت القصديرية والهشة كانت تمثل جانبا حميميا بالنسبة لساكنيها كما تمنحهم الشعور بالانتماء رغم أنها لم تكن مناسبة، في حين اصطدموا بأماكن تقصيهم اجتماعيا عند ترحيلهم إلى المدينة الجديدة علي منجلي، ما جعل "مركب النقص العمراني" ينتقل معهم من مدينة قسنطينة إلى المدينة الخارجية الجديدة علي منجلي، مثلما قال الأستاذ مزيان. ونبّه محدثنا بأن الشقة المكونة من غرفتين قد خلقت إقصاء مضاعفا، لأنها تلقي بالفرد إلى الخارج بسبب عدم القدرة على التواجد داخل البيت لضيق المساحة، في مقابل فضاء خارجي يفتقر إلى هوية. واعتبر بأن هذا الإقصاء هو ما ولّد العنف.
أما اليوم، فيرى مُحدثنا بأن المدينة الجديدة علي منجلي تعيش طفرة نوعية، بعد أن أدرجت فيها مشاريع جديدة لصيغ سكنية متنوعة من ناحية المساحة ونوع الشقق، مثل الترقوي المدعم وغيرها، فضلا عن انتقال النشاط الاقتصادي من وسط مدينة قسنطينة إليها ويتجسد في المراكز التجارية، لكن ذلك لم يخلصها بعد من إرثها من "العنف"، فرغم أنها مدينة جديدة، إلا أنها لا تعبر عن هوية خاصة بها مثلما يلاحظ على أحياء مدينة قسنطينة العريقة. وضرب محدثنا المثال بغياب أسماء للأحياء في علي منجلي، حيث ما يزال سكانها يعبرون عن الأماكن بأرقام ليست لها أية دلالة. واعتبر نفس المصدر بأن تملّك بع
ض الأفراد لمرافق عمومية مثل الحظائر وساحات الرياضة بطريقة غير قانونية وتحويلها إلى مصادر للرزق، يولد العنف بسبب غياب ثقافة احترام الغير، كما أن احتكار الفضاء العمومي من طرف فئة معينة يخلق التمرد على السلطة والقوانين. من جهة أخرى، قال الأستاذ مزيان إن التأخر في إتمام برامج التهيئة الخارجية وتوفير المرافق يسبب مشاكل كبيرة، في حين أوضح بأن المقاربة الأمنية للتحكم في المناطق الحضرية يجب أن تتجه إلى العمل الجواري ولا تكون مقتصرة على الردع، الذي يجعلها في مواجهة وتحدٍّ دائمين بعيدا عن الانسجام.
الأستاذ كوفي جيغيما من الطوغو
يجب التفكير في استمرارية المدن
شدد الأستاذ كوفي جيغيما في تدخله على ضرورة التفكير في استمرارية المدن عند التخطيط العمراني لها، من خلال مراعاة الجانب الثقافي والممارسات الاجتماعية للأفراد الذين سيسكنون فيها.
وأكد أستاذ المشاريع الحضرية كوفي جيغيما من الطوغو بأن التخطيط العمراني الذي لا يأخذ بعين الاعتبار البعد الثقافي والممارسة الاجتماعية يتسبب في العديد من المشاكل، لأنه يخلق عدم توافق مع النمط العمراني الجديد والطبيعة الاجتماعية للسكان، وقد يقود، بحسب محدثنا، إلى حالات عنف ونزاعات ومشاكل عمرانية، كما أنها قد تمس باستمرارية المدينة، التي يجب التفكير فيها قبل تشييد تجمع سكني. وأضاف محدثنا بأن البلدان الإفريقية تعيش هذه المشكلة، مشيرا إلى أن كثيرا من المدن تبنى لكن يعاد التخلي عنها بعد فترة قصيرة بسبب عدم توافقها مع الممارسات الاجتماعية لسكانها، حيث يرى بأن استمرارية المدينة مرهونة بهذا الجانب.
وعزا محدثنا سبب تغييب الجانب الثقافي للإنسان في بناء هذه المدن إلى الحاجة لتلبية الطلب المستعجل، لكنه قال إن بعض الجوانب غير معروفة أيضا، حتى لدى المختصين في التعمير، الذين لم يعمقوا معارفهم بعد في بعض النقاط المهمة والمتعلقة بالعمران، وهو ما يجب أن يدرج في التخطيط العمراني في المستقبل. وأضاف نفس المصدر بأن صناع القرار لم يتلقوا تكوينا بشأن بعض الجوانب المهمة في إنجاز المدن، في حين دعا إلى تصحيح الأخطاء المسجلة في المشاريع السابقة من أجل بناء مدن لجيل المستقبل وقادرة على الاستمرار لقرون، كما نبه إلى ضرورة مراعاة الجانب البيئي أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.