البنك الدولي يدرج الجزائر مجددا ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل    كرة القدم/ بطولة إفريقيا للمحليين 2024: "الكاف" تكشف عن المجسم الجديد للمنافسة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60332 شهيدا و147643 مصابا    المؤتمر العالمي لرؤساء البرلمانات بجنيف : الوفد البرلماني الجزائري يجري لقاء عمل مع وفد الجمعية الفيدرالية للنمسا    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/: مشاركة الجزائر في ست اختصاصات لحصد أكبر عدد من الميداليات    الجزائر تشرع في تولي رئاسة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي    الألعاب الإفريقية المدرسية/الريشة الطائرة: عناصر المنتخب الوطني تتوج ب6 ميداليات منها ذهبية واحدة    الحماية المدنية تعزز جهود التكوين في مجال الإسعافات الأولية    تضامن وطني: استكمال عملية صب المنحة المدرسية الخاصة في آجالها المحددة    تساقط أمطار رعدية وبرد على ثلاث ولايات جنوبية ابتداء من ظهيرة اليوم الجمعة    الرئيس الفلسطيني يبحث مع رئيس الوزراء الهولندي التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة    العدوان الصهيوني: وكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني تحذر من أن قطاع غزة على "شفا المجاعة"    تمديد أجل إيداع وثائق استيراد وسائل التجهيز والتسيير إلى غاية 15 أغسطس الجاري    جانت : قصر الميزان تيغورفيت أحد المعالم الأثرية والسياحية البارزة في المنطقة    وهران:" ليلة المتاحف " تصنع سهرة بنكهة مميزة    عطاف يستقبل نظيره الجنوب إفريقي    السيد عرقاب يستقبل وزير خارجية نيجيريا لبحث تعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة    اللواء بن بيشة يستقبل سفيرة كندا: محادثات حول مجالات التعاون ذات الاهتمام المشترك    عين تموشنت..محطة شط الهلال ببني صاف تتجاوز حاجز المليار متر مكعب من المياه المحلاة منذ 2009    تنصيب رئيسة جديدة لمجلس قضاء بومرداس والنائب العام الجديد في إطار الحركة القضائية الأخيرة    رئيس الجمهورية يستقبل سفير لبنان بمناسبة انتهاء مهامه بالجزائر    استزراع 20 ألف وحدة من صغار سمك البلطي الأحمر بمزرعة وادي تليلات في وهران    تمديد عطلة الأمومة إلى 150 يوماً مدفوعة الأجر بنسبة 100% في إطار قانون جديد للتأمينات الاجتماعية    مجزرة جديدة في غزة: 86 شهيدًا بينهم 71 من منتظري المساعدات    زيتوني يعاين تحضيرات معرض التجارة البينية الإفريقية IATF 2025 بالصنوبر البحري    الحماية المدنية: 3682 تدخل خلال 24 ساعة بمعدل تدخل كل 23 ثانية    هاتف نقال: ارتفاع استثمارات "أوريدو الجزائر" الى 6ر8 مليار دج في السداسي الأول    الموانئ المغربية في خدمة آلة الإبادة الصهيونية    استذكار مواقف أيقونة النضال والتحرر    رئيس لجنة تنسيق اللجان يشيد بالتنظيم المحكم    زعلاني يرافع لقانون مكافحة الاتجار بالبشر    افتتاح صالون دعم الاستثمار    زيتوني يشدد على ضرورة تعزيز آليات التوزيع    بللو يؤكّد الدور الاستراتيجي لمركزي البحث    رافد استراتيجي لصون التراث الثقافي الجزائري والإفريقي    هولندا تسعى لفرض عقوبات أوروبية على الكيان الصهيوني    ممارسة حقّ تقرير المصير الحل العادل والتوافقي    المنتخب المحلي يطير غدا نحو أوغندا    5 جرحى في انحراف وانقلاب سيارة    "نصف دلاعة" لا يزال يغري المستهلك الجزائري    النخبة الوطنية في مهمة الحفاظ على ريادة الترتيب    آيت نوري يعود للتدريبات مع مانشستر سيتي    مليون و900 ألف مقعد بيداغوجي في الدخول الجامعي المقبل    قسنطينة تكرم أبناءها المتفوقين    9 مراكز لتجميع الحبوب عبر البلديات    إيقاعات بلا حدود في قلب الجزائر    بين عبق التراث ورهانات المعاصرة    تساؤلات وفرضيات حول خفايا موقعين أثريين    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    تمنراست: سيشرع في الأيام القادمة في الإجراءات المتعلقة بفتح مصالح المستشفى الجديد بسعة 240 سرير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الثلجنار" لعبد الرزاق بوكبّة وعادل لطفي
نشر في النصر يوم 21 - 10 - 2014


صَعدت جبال الهملايا مرّتين دون أن أحترق
محمد قسط
الزجل ذلكَ المزاج الذئبي، حين يُفصحُ الماء عن رغبته في الإثمِ والتوبة، وحينَ يتشابهُ على شجرة اللوز الحفيف والصمت، وحين يظنّ البحّار الحزين ضوء القمر لجّة، فيغرق في قارورة المغيب كصوفيّ شارد. ولجت عوالم الدهشة وأنا أقرأ ديوان الزجل "الثلجنار"، التجربة المشتركة بين الكاتب الجزائري عبد الرزاق بوكبة، والشاعر المغربي عادل لطفي اللذين جَمعا في متنِ من خرير، ما لم تقلهُ الطبيعة قبل اليوم، وكأنهما وجدا سبيلا لاستنطاق الذات البشرية، عن طريق مزج عنصر الثلج بعنصر النار، في كيميائية عجائبية، جعلت غير المتوقع واللامعقول ألغامًا تستهدف القارئ وهو يخطو جذلاً بين السطور.
استطاعت الكتابة الزجلية المغاربية بتفرّدها أن تنتقل إلى المستوى التالي، إلى سدرة المنتهى، فجاءت مفخخة بالذهول، متجاوزة الأنماط القديمة للزجل، فبعدما كانت نصوصه تُكتبُ على الشفاه، أصبحت منقوشة على البياض. متخلصا من ثيابه الرثّة القديمة، ومبتكرا مفهوماً جديدا في المخيال العربي، وبكلمة واضحة أصبح الزجل نُخبويًّا بامتياز. وهنا وجب التنبيه إلى أن بعض النصوص المطروحة في الساحة الزجلية المغاربية قد تجاوز مستوى النقد الموجود، ومنه وجب على منظومة النقد أن تتقدّم وتتطور، متماهية مع التجارب الطارئة.
أتقن عبد الرزاق بوكبة دور الثلج، وعادل لطفي أتقن أيضا دور النار، لكن استطاعت التجربة أن تضمّ بين دفتيها انصهار الثلج في النار والنار في الثلج، هناك مصيدة نجت منها التجربة، وهي أن الكتاب المشترك في أغلب الأحيان - رأي شخصي- قد يظلم الكتّاب، فتكون المحصّلة نصوصا لا تصل كما ينبغي إلى القارئ بشكل صحيح. لكن هنا، لا يمكن له أن يكملَ متعة القراءة دون أن يمزج تلوين الثلج بكتاب النار.
تلوين الثلج
اختلفت التجربة الزجلية لبوكبة هنا عن تجربتة الزجلية 'يبلل ريق الما'، والصادرة عام 2013 عن دار فيسيرا (قدم لها الزجال المغربي الدكتور مراد القادري بكثير من الحفاوة) حيث استطاع أن يخلق مسارا آخر لنصّه الزجلي، لم يكرّر نفسه، رغم اعتماده على المفارقة الشعرية في كلا العملين، وأقول بكل تواضع إن نصوصهُ الأولى أكثر عمقا، بينما هي هنا أكثر نضجا وسلاسة، ولو أنني أعرف أن التجربتين كتبتا في فترتين متقاربتين زمنيّا، لكنهما مختلفتان عاطفيا، ،كما أن هناك مسارا تصاعديا في كلّ كتابة.
كيف نلتقط هذه الفكرة؟ تلزمنا أصابع من
ثلج:
ثلجْ
ثلجْ
ثلجْ
والراسْ
فكرة بيضا
تصلّي في
قاع ال
ك
ا
سْ.
كتاب النار
عرفت الشاعر عادل لطفي في فضاءات الفيس بوك، وخبرت إنسانيته العالية، من خلال نصوصه. هناك عمق تتلمّسه برؤوِس أصابعك، يقترف الحرف دون أن يخاف العواقب الوخيمة، على قارئ تعوّد منذ مدّة طويلة على جرعات خفيفة من الشعر، وعلى أنماط جاهزة، متكررة، كرّست ذائقة هابطة.
لاحظت في شذراتهِ تكثيفا رائعا، يوغلُ في روحِ الكلمة، حتى تشفّ عن أسرارها (النَّار اللِّي كْلاَتْ الشّمْعَةّّ/ كَانتْ طَامْعَة فْ الْعسْلْ). يعجن اللغة، ويعيد تشكيلها مثلما يريد، وهنا تكمن روعة الكتابة الجديدة التي تجاوزت اللغة في حدّ ذاتها، خاصة إذا ضاقت الكلمة، وكأن الشاعر يخرج من جسده ثم يعود، وفي طوافه ذاك، يفتح نوافذ أخرى للكلام.
في حضرة النار، قد تكون أنت كُنهها (شرْبْ نَاركْ/ يْفِيضْ السّْرّّ)، ويتلاشى الوقت، ويقتات من أعصابكَ وحش الحيرة (بْلهِيبْهَا جرْحَتْ النّارْ الظّلْمَه /سَالْ الضّو). ويخرج من رمادِكْ طائر العنقاء.
كلّما غصتَ أكثر في التجربة، كلّما سكنتكَ الخواطر الفاحشة بجمالها (مَلِّي تّحرقتْ احْلاَمِي/ لِيلِي مَاتْ/ كفّنْتُه بالسّكَاتْ)، وليس لكَ بدّ من التقلّب في خيرات المعاني السامقة في صورها، والمتناقضة حدّ الانسجام. حيث يجعل من النار ونقيضها شيئا واحداً، فيقف على حدودٍ تكاد تذوب، ويضع القارئ أمام مقصلة، تدخل رأسه في متاهاتٍ لم يختبرها من قبل، متاهات تفتح حواسا جديدة، وتصورات أكثر نضجا.
إن الزجل، من خلال تجاربه المغاربية الجديدة، ومنها تجربتا بوكبة ولطفي هو محاولة أخرى لقولِ الكون، وفهمِ الإنسان، رحلةُ ما ورائية لكشف مكنون اللغة، والرقص في حلقة صوفية لانهائيةٍ. وعليه وجب الاحتفاء بتجربة عبد الرزاق بوكبة وعادل لطفي، ووضعها في سياقها الإبداعي والجمالي، فقد لاحظت في السنة الماضية كيف مرّ المهتمون بالكتابات الأدبية في الجزائر على تجربة 'يبلل ريق الما' مرور الكرام (هل يجوز لنا أن نقول عن هذا النوع من المرور إنه مرور كرام؟) متجاوزين ما خلقتهُ من جماليات جديدة، يشهدها المتلقي الجزائري والمغاربي ،ولقد سُعدت لمدى الاهتمام الذي تشهده الكتابة الزجلية في المغرب الشقيق، وكيف ارتقت من مقام الشفاهي إلى مقام الكتابي، في سابقة أدبية رائدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.