أضحى بناء اقتصاد متنوع وتنافسي ضرورة ملحة تشكل في سياق تراجع إيرادات النفط و تبذبذب أسواق المحروقات العالمية أحد رهانات السيادة الوطنية. فالأوضاع الحساسة للتوازنات المالية تستوقف الجزائر من أجل مباشرة إصلاحات اقتصادية جدرية للانتقال من اقتصاد ريعي مرهون بالمحروقات بنسبة 98 بالمائة الى اقتصاد قوامه الإنتاج و الإنتاجية. و قد أبرز رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة هذا الواقع في رسالته بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال61 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة. و قد تطرق رئيس الدولة لخطورة الوضع المالي و الاقتصادي الحالي و وصف المرحلة بانها "صعبة" و أنها قد تدوم مدة من الزمن مبرزا في الوقت ذاته أن الجزائر "تملك من المكسبات ما يمكنها من تجاوزها". حسب بيانات بنك الجزائر فقد تراجعت احتياطات الصرف الجزائرية بأزيد من 33 مليار دولار منذ بداية انخفاض أسعار البترول لتستقر عند 160 مليار دولار في نهاية شهر يونيو الفارط مقابل أزيد من 193 مليار دولار السنة الماضية. و يضاف إلى هذا عجز الميزان التجاري المسجل بداية سنة 2015 بعد فائض تجاري سجل على مر سنوات عدة. لكن يمكن للجزائر أن تتجاوز هذه المرحلة الصعبة إذا تمكنت من بناء اقتصاد ناجع من خلال استغلال مكتسباتها و ذلك ما يستلزم التزاما و مسؤولية من طرف الدولة ليس فيما يتعلق ببعث التنمية الاقتصادية فحسب بل و كذلك في وضع أدوات ضبط الأسواق و تنظيمها. كما أن سنة الحوار بين الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين تشكل عاملا أساسيا لتعزيز التوافق و مرافقة الإصلاحات الاقتصادية الضرورية, والحفاظ على ديمومة العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني. و في هذا المضمار تشكل الثلاثية (حكومة-نقابات و منظمات أرباب العمل) أبلغ مثل على هذا الحوار. لكن الدولة عازمة على مواصلة جهود التنمية من خلال الحفاظ على ديمومة العدالة الاجتماعية. و كان رئيس الجمهورية قد أكد ذلك خلال موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون المالية لسنة 2016 حيث صرح أن الجزائرستستمر في تخصيص 40 بالمائة من نفقاتها للاستثمار العمومي و أكثر من 20 بالمائة من ميزانيتها للتنمية البشرية و رفاه العائلات. تندرج الاستثمارات المقررة في مختلف القطاعات ضمن السياسة الاقتصادية و الاجتماعية التي بوشر في تنفيذها منذ سنة 1999 بهدف دعم قدرات الإنتاج المدرة للثروات و الشغل و ترقية المرفق العمومي لاسيما في مجالات الري و النقل و عصرنة البنية التحتية و تحسين إطار عيش المواطن و التنمية المحلية و تطوير الموارد البشرية. فالأمر يتعلق إذن باستغلال المكتسبات التي تمتلكها الجزائر لبناء اقتصاد متنوع على أسس جديدة و التخلص من ضعفها حيال الصدمات الخارجية. فكسب هذا الرهان سيسمح للجزائر بتكريس استقلالها و سيادتها الاقتصادية و الاندماج في العولمة.