أبرز أساتذة وباحثون، اليوم السبت، بالجزائر العاصمة، الأهمية الجيو-استراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وتحولها إلى فضاء تنافس بين القوى العظمى الساعية لتوسيع نفوذها وفق أجندات سياسية وأمنية، ما أسفر عن ظهور النزاعات وانتشار الإرهاب والسلاح وتفشي الجريمة العابرة للحدود. وخلال ملتقى دولي حول "الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا: المشاكل واقتراح الحلول"، التي تنظمه جامعة الجزائر (3) من 8 الى 9 ديسمبر 2018، أوضح المتدخلون أن الموقع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتوفرها على الثروات الطبيعية والبشرية جعل منها "منطقة صراع على النفوذ بين الدول العظمى، وأصبحت ساحة ل+حرب باردة+ بين الولاياتالمتحدةوروسيا". وفي هذا السياق، قالت الاستاذة عتيقة بن يحيى (جامعة تيارت)، إن النظام الدولي واجه تحديات عديدة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، وانفراد الولاياتالمتحدة في صناعة السياسة الدولية، خصوصا بعد التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق، إلا أن ظهور الرئيس فلاديمير بوتين، كما حللت، "أعاد أمجاد روسيا و ولد وعيا لدى واشنطن بالخطر الذي تشكله موسكو على مصالحها في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وحول هذه المنطقة إلى ساحة ل+حرب باردة+ بين القوتين". وأضافت بأن الأزمة السورية هي "أقوى دليل على هذه الحرب"، بحيث أجهض التواجد الروسي في سوريا المحاولات الامريكية لإسقاط النظام، إلى جانب سعي الدبلوماسية الروسية لمواجهة تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الايراني وانعكاسات القرارات أحادية الجانب للرئيس الامريكي، دونالد ترامب، بينها قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس. وفيما يتعلق بمنطقة شمال افريقيا، قالت المتدخلة، إن النفوذ الروسي أقل مقارنة بالأمريكي، حيث كان حلف الناتو سباقا للتدخل في ليبيا، إلى أنه لا ينفي استمرار موسكو في محاولة التموقع عبر المشاريع المعطلة في ليبيا على غرار الطاقة والسكك الحديدية، لغرض إيجاد موطئ قدم في المنطقة ككل، مما يلغي أي محاولة لاستبعاد الدور الروسي في صناعة قواعد اللعبة السياسية الدولية. من جانبه، قال الأستاذ، أنيس بوقيدر (جامعة الجزائر3)، إن سوريا خرجت من سياق ما يعرف بالربيع العربي، وتحولت إلى منطقة صراع بين روسياوالولاياتالمتحدة، وساعد على ذلك موقعها الجغرافي الذي يكسب أي طرف نفوذا في المنطقة ككل، خصوصا بعدما تمكنت روسيا من استرجاع التعددية القطبية وكسر الانفراد الأمريكي على الساحة الدولية. وعن منطقة شمال افريقيا وليبيا على وجه الخصوص، أوضحت الاستاذة أمغار سيليا (الجزائر3)، أن ما يعرف ب"الربيع العربي" في تونس وليبيا أسفر عن تغييرات أمنية انعكست على النطاق الاقليمي والدولي، بحيث ساعد على "انتشار الارهاب وتمركز العناصر الارهابية التي كانت تنشط في سوريا والعراق في المنطقة". وأضافت، أنه بعد انهيار نظام القذافي في ليبيا، وتدخل حلف الناتو بقيادة الولاياتالمتحدة، أصبحت البلاد "سوقا سوداء" لتجارة السلاح أثرت على الساحل والشرق الأوسط، إلى جانب "انتشار الجماعات الارهابية وتردي الوضع الامني، في ظل غياب مؤسسات دولة قوية، مما أثر على دول الجوار بينها الجزائر". == صراع النفوذ و التحديات الجديدة == وأجمع مشاركون في الملتقى على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي تمزقها النزاعات والصراعات وتشهد "تنافسا على الزعامة" إلى جانب تباين في ممارسة الحكامة واعتماد الديمقراطية، والأهم من ذلك بقاء القضية الفلسطينية دون حل، ستكون في "مواجهة أزمة اللاجئين وإعادة إعمار مناطق النزاعات وتوزيع الثروة بشكل منصف". وحول انعكاسات الصراع في المنطقة على الجزائر، قال الأستاذ جمال بوزادية (جامعة الجزائر3) إن الجزائر، ومن خلال تجربتها خلال سنوات العشرية السوداء "التي بدأت بعزلة وانتهت بحصار"، أثبتت للمجتمع الدولي أن الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود، وستكون لها تأثيرات على عدة دول عبر العالم. واعتبر أن مبدأ الجزائر الرافض للتدخل الاجنبي في شؤون الدول، قابله نقيض في دول أخرى تحت مسمى "الحماية"، ما أجبرها على مواجهة التهديدات الحالية عبر توظيف الدبلوماسية وإرساء الشراكة مع افريقيا والولاياتالمتحدة وأوروبا من خلال "تبادل الخبرات والتدريبات لمواجهة ظاهرة الارهاب والجريمة العابرة للحدود خصوصا في منطقة الساحل". وحذر الاستاذ بوزادية، من محاولات إجهاض المشروع العربي، خصوصا بعد قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الخاص بالقدس، معتبرا أن الوقت قد حان لتترك الدول العربية خلافاتها السياسية جانبا، وتعمل على التخلص من سياسة التآمر التي تستهدفها. وتستضيف كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية مؤتمرا دوليا حول"الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا: المشاكل واقتراح الحلول"، تنظمه جامعة الجزائر (3) من 8 الى 9 ديسمبر 2018، برئاسة مدير الجامعة، رابح شريط، وبمشاركة أساتذة وباحثين من 23 جامعة وطنية و3 جامعات أجنبية. وتخللت اليوم الاول للمؤتمر، عشرات المداخلات التي حاولت تحليل الأسباب الحقيقية وراء النزاعات القائمة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وتداعياتها الاقليمية والدولية، فيما ينتظر أن تركز المداخلات في اليوم الثاني على عدة مواضيع. وأبرز ما يتضمنه جدول الاعمال من محاور: "الرهانات الجيو-استراتيجية للتوجهات الروسية الجديدة في منطقة الشرق الاوسط"، "التحديات الامنية الاقليمية وتأثيرها على الامن القومي الجزائري"، "التطرف والارهاب في ظل ما يسمى ثورات الربيع العربي" و "التعاون العسكري في شمال افريقيا في مواجهة ظاهرة الارهاب: التعاون العسكري الجزائري -التونسي".