أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أنه لا يؤمن إلا بالحراك "الأصيل والمبارك"، الذي تجاهل "الأصوات" التي كانت تدفعه للذهاب إلى مرحلة انتقالية. وأضاف الرئيس تبون في حديث لصحيفة "لوبوان" الفرنسية قائلا "إنني لم أعد أستخدم هذه الكلمة (الحراك) لأن الأمور تغيرت". وأوضح رئيس الدولة أن الحراك الوحيد الذي أؤمن به هو الحراك الأصيل والمبارك الذي جمع بشكل عفوي ملايين الجزائريين في الشوارع مضيفا أن هذا الحراك اختار طريق العقل بالذهاب إلى الانتخابات الرئاسية (12 ديسمبر 2019)، مؤكدا أن هذا الحراك "لم يستمع للأصوات الناعقة التي كانت تدفعه للذهاب إلى مرحلة انتقالية، و اختار عشرة ملايين جزائري الذهاب للتصويت. وشدد الرئيس تبون على أن "أقلية رفضت الانتخابات، وأعتقد أن لكل جزائري الحق في التعبير عن رأيه، لكنني أرفض إملاءات الأقلية. كما أشار الرئيس تبون إلى أنه "اندهش" من رؤية ديمقراطي يرفض صندوق الاقتراع و يدعو إلى التعيين. علاوة على ذلك، -يضيف رئيس الدولة- "سأكون دائما مندهشا لكون ديمقراطي، الذي يعرّف نفسه على هذا النحو، يرفض صندوق الاقتراع ويدعو إلى التعيين. وعندما لا يرفض رأي الأغلبية، وهو في حد ذاته رأي غير ديمقراطي. ولماذا تريدون تعييّن أشخاص لقيادة البلاد، ومن أنتم؟ لما هذا الغرور/ أنت الذي لم يسبق أن رأيناك حاملاً السلاح، لاستعادة "السيد" ((Le Cid، كما تساءل الرئيس تبون. وذكر في ذات السياق أنه "عندما كانت المسيرات، بعد الانتخابات الرئاسية، لا تزال تعد ما بين 20 إلى 25 ألف متظاهر عبر البلاد"، كان "أول من مد يده إلى الحراكيين واستقبالهم". وأضاف أن "حكومتي الأولى، كانت تضم خمسة وزراء منهم"، وهم أشخاص رأيتهم يهينونني في مقاطع فيديو. ثم بدأنا في إطلاق سراح سجناء لنصل إلى 120 شخص اطلق سراحهم. واستمر الناس في انتقادي و لكنني واصلت القيام بالتفاتات مؤكدا بالقول "أظن أن ذلك فسر على أنه ضعف. و اعتبر الناس أننا في موقف صعب، لقد كانوا على خطأ". وأشار من جانب آخر إلى أن "المتظاهر والشرطي الذي يحافظ على النظام العام هم أبناء نفس الجمهورية". وأكد رئيس الجمهورية "لا يحق لي ان اتركهم يتشابكان خاصة وأن الدعوات للعنف كانت واضحة وطالما كنا في مرحلة الأفكار لم تكن هناك مشكلة، لكن الدعوات إلى العنف، شيء آخر". أضاف رئيس الدولة إننا "نجد كل شيء اليوم، فيما تبقى من الحراك، فهناك من يصرخون +دولة إسلامية!+ وآخرون يهتفون +لا إسلام!+ قد يكون المتظاهرون يعبرون عن الغضب، لكنه ليس الحراك الأصيل. إن ذلك غير متجانس للغاية. وردا على سؤال حول تصنيف الجزائر لرشاد و الحركة من اجل تقرير مصير منطقة القبائل (ماك) كحركتين إرهابيتين، قال الرئيس تبون، "إنهم هم من اعتبروا أنفسهم كذلك". وتابع قائلا أن رشاد بدأت بالتجنيد في جميع الاتجاهات و إعطاء التعليمات لمواجهة الأجهزة الأمنية والجيش، أما الماك فقد حاول القيام بعمليات باستعمال سيارات مفخخة. وأمام الدعوات الى العنف فإن الصبر له حدود". أما بالنسبة لمراسل صحيفة ليبرتي في تمنراست، الذي تم توقيفه ووضعه رهن الحبس المؤقت، بسبب مقال صحفي، فقد أشار رئيس الدولة إلى أنه "قام بتأجيج الوضع في معالجته لموضوع حساس للغاية" واصفا ذلك "بالأمر الخطير جدا". وعن سؤال يتعلق بأوضاع البلاد التي سبقت الانتخابات الرئاسية لديسمبر 2019، أشار الرئيس تبون إلى أن "البلاد كانت على حافة الهاوية" و لكن لحسن الحظ، كانت هناك الهبة الشعبية، المتمثلة في الحراك الأصيل والمبارك في 22 فبراير 2019، الذي سمح بوقف انحلال الدولة بإلغاء العهدة الخامسة، وهو ما كان سيمكن العصابة، تلك المجموعة الصغيرة التي استولت على السلطة وحتى على صلاحيات الرئيس السابق بالعمل باسمه، من تسيير البلاد". وأضاف "انه لم تعد هناك أية مؤسسات فاعلة، فقط مصالح مجموعة ناتجة عن نظام الفساد"، مؤكدا أنه "لذلك كان من الضروري إعادة بناء الجمهورية، بما يتضمنه ذلك من مؤسسات ديمقراطية". وبالعودة إلى غيابه بعد إصابته بفيروس كوفيد -19، قال رئيس الجمهورية إن ذلك لم يؤثر على ممارسة الحكم، لكنه "أخر برنامج الإصلاحات"، مضيفا بالقول، لم يؤثر ذلك على برنامج الإصلاحات بل أخره. لكننا نجحنا في جعل الدولة تعمل في غيابي. والدليل على ذلك أن إعادة تأهيل المؤسسات التي شرعت فيها قد نجح". كما أشار رئيس الدولة إلى أنه تمكن من تقييم محيطه المباشر والمشاريع التي تم إطلاقها حيث أكد "لقد تمكنت من اجراء تقييم لمحيطي المباشر والمشاريع التي أطلقناها. فقد اعتقد البعض أنه كان الغرق - وأنتم تعرفون من يغادر السفينة في مثل هذه الحالات - لكنني لاحظت، بكل فخر، كل وفاء الجيش و على رأسه رئيس الأركان سعيد شنقريحة"، مؤكدا "إننا كنا نتصل ببعضنا كل صباح". -"تبون + الرجل الصلب + الذي لا يتردد في قول ما يعتقده"- مشيرا إلى مشواره المهني في خدمة الدولة، معتبرا أنه "بعد أن عمل ما يزيد عن خمسين عامًا في خدمة الدولة"، منذ تخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة في عام 1969، فانه "من الصعب للغاية القيام بالمعارضة داخل النظام نفسه"، ومع ذلك، لقد فعلت ذلك، فقد كنت نوعًا من الخروف الأسود. حيث تم إرسالي كوالي إلى مناصب حيث كانت هناك مشاكل كثيرة. و الصق بي اسم +الرجل الصلب+، و ذلك لأنني لم أكن أتردد في قول ما اعتقده". وتابع قائلا "لقد كنت فعلا على قناعة في 2017، بأن الجزائر كانت تتجه مباشرة إلى الهاوية، وأنه إذا استمر تدهور المؤسسات، فان ذلك سيؤثر أيضًا على الدولة-القومية ذاتها، وليس السلطة وحدها" ليؤكد في ذات الصدد "كنا نشبه أكثر فأكثر، جمهورية من جمهوريات الموز، حيث كان كل شيء يتقرر في فيلا تقع في مرتفعات الجزائر العاصمة. فقد أصبحت المؤسسات شكلية بحتة، باستثناء الجيش الذي استطاع الحفاظ على مكانته"، لذلك كان علينا أن نتحرك و أعلنت، كوزير أول، أمام البرلمان، أن الخلاص سيأتي من الفصل بين المال والسلطة. ولقد دفعت أنا وعائلتي الثمن، لكن هذا يعد جزء من مخاطر ممارسة السلطة". واعتبر الرئيس تبون في هذا السياق انه "عندما تبتلى السلطة بمصالح شخصية، فإنها تدافع عن نفسها بطريقتها الخاصة. ويمكن أن تصبح مهاجمة هذا النظام مميتة وخطيرة جدا، مضيفًا أن "جزءًا من الإدارة، التي من المفترض أن تكون محايدة وتخدم المواطنين، وضعت نفسها في خدمة لوبيات الفساد، التي يطلق عليها خطأ +الأوليغارشية+، لأن الأمر يتعلق أكثر بمجموعة من اللصوص". كما أشار الرئيس تبون إلى أنه لم يكن مرشح حزب سياسي، بل مرشح الشعب والشباب الذين يعتبرهما "ركيزتين" يعتمد عليهما كثيراً. وقال في هذا الخصوص، "لم أكن مرشح حزب، بل مرشح الشعب والشباب، وهما ركيزتان أعول عليهما كثيرًا"، معربًا عن أسفه لكون "العديد من أحزابنا لا تمثل تيارًا من الأفكار، لكنها مبنية على شخص يخلد على رأسها، دون أي رغبة في الانفتاح أو الإصلاح"، مضيفا "يجب الانتباه هنا، انا لا أقول بأنني لا أؤمن بالطبقة السياسية، لكنها تمثل القليل مقارنة بالشعب. حيث أن كل الأحزاب مجتمعة لا تتوفر على مجموع 800 ألف مناضل، بينما يقارب عددنا 45 مليون جزائري". "ربما فيما بعد، كما قال، عندما تستعيد المؤسسات مكانتها ووظائفها، وتتحرر من إملاءات المال الفاسد، سنفكر في خلق حزب رئاسي. لكن ليس في الوقت الراهن". وفي معرض رده على سؤال حول عهدة رئاسية أخرى محتملة، أشار إلى أنه لا يفكر في ذلك وأن مهمته تكمن في تمكين البلاد من استعادة عافيتها. "بكل صراحة، أنا لا أفكر في الأمر. إذ أن مهمتي هي تمكين بلدي من استعادة عافيته ومكافحة المحاباة و المحسوبية، وإعادة بناء المؤسسات وجعل الجمهورية ملكًا للجميع. عهدة أخرى؟ لا أعرف. نحن لازلنا في بداية عهدتي". وعلى صعيد آخر، أشار رئيس الجمهورية إلى أن الجزائر بلد "يسهل العيش فيه" وأن "ثقافة التضامن لدينا استثنائية، كما رأينا ذلك خلال الأزمة الصحية: حيث ضاعف المواطنون المبادرات لمساعدة بعضهم البعض". كما أشار إلى أن الصحة والتعليم في الجزائر "مجانيان" و انه "مقارنة بالدول المجاورة، كان لدينا عدد قليل من المجندين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، ولدينا عدد أقل من الحراقة، وفقًا لإحصاءات مراكز الاحتجاز في إسبانيا وإيطاليا". وختم رئيس الجمهورية حديثه بالقول "يمكن أن نكون سعداء، لكن علينا أن نتحلى بالشجاعة لرؤية بلدنا بشكل مختلف. يمكن أن نكره تبون، لكن لا نكره بلدنا".