شهد العراق تطورات أمنية وسياسية متلاحقة، في أعقاب اندلاع مظاهرات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، على خلفية إعلان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري اعتزال العمل السياسي، وسط دعوات دولية لحل الخلافات السياسية عبر الحوار السياسي والطرق السلمية. و تأتي المظاهرات واقتحام المنطقة الخضراء المحصنة والمباني الحكومية, والقصر الجمهوري, عقب إعلان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق اعتزاله العمل السياسي أمس الاثنين, وعدم التدخل في الشؤون السياسية بشكل نهائي, وإغلاق كافة المؤسسات التابعة له. و للتعليق على أحداث العنف التي شهدها البلد خلال الساعات الماضية وأدت الى مقتل 30 شخصا و اصابة أكثر من 700 آخرين, عقد زعيم التيار الصدري, مقتدى الصدر, اليوم الثلاثاء مؤتمرا صحفيا, شن خلاله هجوما لاذعا على أنصاره, وقال: "على أنصار التيار الصدري الانسحاب تماما من المنطقة الخضراء و أمام البرلمان وإلغاء الاعتصام", مضيفا أن "التيار منضبط ومطيع و أبرأ منه إذا لم ينسحب من أمام البرلمان خلال 60 دقيقة". كما انتقد أعمال العنف التي وقعت في العراق منذ إعلانه اعتزال السياسة. وقال مقتدى الصدر : "أعتذر للشعب العراقي لأنه المتضرر الوحيد مما يحدث". اقرأ أيضا : الأممالمتحدة تدعو جميع الجهات الفاعلة في العراق إلى الدخول في حوار سلمي لحل الأزمة و فور انتهاء كلمة الصدر, بدأ المسلحون والمتظاهرون في الانسحاب من المنطقة الخضراء. وذكرت وكالات انباء عالمية انه تم رفع حظر التجوال بعد دعوة الصدر لأنصاره بالانسحاب. و كانت قيادة العمليات المشتركة العراقية اعلنت امس الاثنين عن فرض حظر تجوال شامل في جميع محافظات البلاد. وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان قيادة العمليات المشتركة عن حظر تجوال شامل في بغداد إثر اقتحام المحتجين التابعين للتيار الصدري القصر الجمهوري. كما اعلنت السلطات الأمنية إغلاق المنطقة الخضراء بالكامل من أجل السيطرة على الاوضاع, ووجهت قيادة عمليات بغداد القوات الأمنية بتوفير الحماية اللازمة للدوائر والمؤسسات الحكومية والمصارف ومقرات الأحزاب السياسية, وأبلغت القادة الأمنيين أن أي خطأ أو تقصير في الحماية سيتحمل مسؤوليته القادة الأمنيون. و نقلت تقارير صحفية عن مصادر أمنية عراقية أمس أن "الوضع الأمني في المنطقة الخضراء بات خارج السيطرة بينما تخوض الأطراف المتقاتلة حرب شوارع في أزقتها", مشيرة الى تعرض المنطقة الخضراء لقصف بصواريخ من نوع "كاتيوشا". دعوات دولية الى تغليب صوت الحكمة و توالت أمس الاثنين ردود الفعل الدولية الداعية جميع الأطراف في العراق إلى التهدئة وتجنب التصعيد وتغليب صوت الحكمة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس وضرورة حل الخلافات عبر الحوار السياسي والطرق السلمية. و في السياق, أعربت الجزائر عن "بالغ قلقها" ازاء تطورات الأوضاع في العراق وما انجر عنها من مظاهر خطيرة للعنف. وجاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج: "وإذ تدعو جميع الأطراف إلى تفضيل لغة الحوار وتغليب المصلحة العليا للبلاد حفاظا على الأرواح والممتلكات, فإن الجزائر تجدد تضامنها مع العراق قيادة وشعبا". كما اعربت الجزائر عن "أملها في أن يتمكن العراق من تجاوز المرحلة الراهنة واستعادة أمنه واستقراره بتضافر وتوحيد جهود جميع أبنائه". و بهذا الشأن, دعا الامين العام للأمم المتحدة, أنطونيو غوتيريش, إلى اتخاذ "خطوات فورية" لتهدئة الوضع في العراق وحث جميع الأطراف والجهات الفاعلة على تجاوز الخلافات والمشاركة "دون مزيد من التأخير" في حوار سلمي وشامل لحلحة الوضع. و ذكر المتحدث الرسمي باسم الأممالمتحدة ستيفان دوجاريك أن "ما يحدث اليوم في العراق تصعيد خطير", مشيرا الى أن بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق (يونامي) حثت الجميع على الاستمرار في السلمية والتعاون مع قوات الأمن والإحجام عن الأعمال التي قد تؤدي إلى أحداث لا يمكن إيقافها. كما دعت جميع الأطراف السياسية للعمل على تهدئة التوترات واللجوء إلى الحوار باعتباره الوسيلة الوحيدة لحل الخلافات. البيت الأبيض الامريكي من جهته, عبر عن "قلقه" إزاء الاضطرابات في العراق. و قال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في تصريح إن الولاياتالمتحدة تبدي "قلقها" حيال المعلومات عن تصاعد العنف في بغداد داعيا إلى "الهدوء والحوار" من أجل حل مشكلات البلاد. و أوضح بدوره فيدانت باتيل نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "حان الوقت الآن للحوار ونحث جميع المعنيين على التزام الهدوء والسعي وراء السبل السلمية لإيجاد الحلول". و على الصعيد العربي, حذرت جامعة الدول العربية من انزلاق الوضع في العراق إلى مزيد من العنف والفوضى وإراقة الدماء, داعية كافة الأطراف إلى تغليب المصلحة الوطنية لتجاوز الوضع الراهن الذي يمثل خطورة على استقرار البلاد. و قال جمال رشدي المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية في بيان إن "الجامعة تتابع بمزيد من القلق التطورات المتلاحقة والخطيرة على الساحة العراقية", مشددة على "ضرورة ضبط النفس وتوجيه جموع المتظاهرين من مختلف المجموعات بالابتعاد عن كافة المظاهر المسلحة وتفادي إراقة الدماء". كما دعا البرلمان العربي جميع القوى السياسية في العراق لضبط النفس ومنع التصعيد وإعلاء المصلحة الوطنية للبلاد, مشددا على أهمية عودة الهدوء للساحة العراقية وجلوس كافة الأطراف على طاولة الحوار للخروج بحل سياسي يضع مصلحة الشعب العراقي فوق أي اعتبار. و يشهد العراق أزمة سياسية في ظل تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة و ذلك على الرغم من مضي أكثر من 10 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية. و زادت حدة التوتر أواخر شهر يوليو الماضي بعد رفض التيار الصدري ترشيح محمد شياع السوداني لمنصب رئاسة الوزراء, ومطالبته بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة مقابل تمسك قوى سياسية أخرى باستكمال العملية السياسية المنبثقة عن الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 أكتوبر 2021.