الإعلام الوطني أثبت أنّه حصن منيع    ناصري يشارك في الجلسة الختامية    شنقريحة يلتقي وزير الدفاع الكوري    مؤتمر وطني حول عصرنة الفلاحة    مشروع الكابل البحري ميدوسا ينطلق..    سعيود يشرف على تقييم تقدّم الورشات القطاعية    حجم الدمار بغزّة يتعدّى الخيال    جائزة دولية للتلفزيون الجزائري    اجتماع مجموعة الستة محطة مفصلية    الرئيس تبّون يُهنّئ كيليا نمور    ناديان جزائريان في قائمة الأفضل    خضراء بإذن الله..    صالون دولي للصناعة التقليدية بالجزائر    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    24487 منصب مالي جديد في قطاع الصحة    التزام الجزائر ثابت بقيم الشراكة والحوار والتضامن    النظام الصحي الجزائري يقوم على مبدأ مجانية العلاج    جلسات ولائية للجان الأحياء والقرى لإرساء الديمقراطية التشاركية    الخدمة العمومية بوصلة الرئيس تبون لإرضاء المواطن    "الموب" من أجل مواصلة التألّق    "السياسي" يريد نقاط أقبو    تحسين التغطية البريدية وتوسيع شبكة الألياف البصرية    البوليساريو ترفض مشروع القرار الأمريكي    6 فرق تتنافس على "العروسة الذهبية"    من ضبابية التسمية إلى وضوح المفهوم    عدسات تروي حكايات عن البحر الجزائري    عمورة: نسعى للذهاب بعيدا في "الكان" للتتويج باللقب    الحبس لعصابة المخدرات والمهلوسات بسكيكدة    تعرض متمدرس لطعنتين في الظهر    حجز 90 مؤثرا عقليا    الوزير الأول, السيد سيفي غريب, يترأس, اجتماعا للحكومة    إلى 68234 شهيدا و170373 مصابا    إتلاف 38 كلغ من لحوم الدجاج الفاسدة    إستراتيجية التوسع تندرج في إطار تخطيط "تدريجي ومدروس"    الجزائر « تعد جسرا اقتصاديا هاما يربط القارة الإفريقية بالعالم"    تنويه بعمق العلاقات التاريخية الوثيقة بين الجزائر والمملكة المتحدة"    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    المساعدات الغذائية التي تدخل غزة لا تزال غير كافية    كأس إفريقيا للسيدات 2026 / الدور التصفوي والأخير ذهاب : سيدات الخضر يطمحن لتحقيق نتيجة إيجابية أمام الكاميرون    الكاف يكشف: "الخضر" مرشحون لجائزة أفضل منتخب في إفريقيا    عين الدفلى..صيانة شاملة لشبكات توزيع الغاز الطبيعي    سي الهاشمي عصاد:الترجمة إلى الأمازيغية أداة لترسيخ التنوع وتعزيز الوحدة الوطنية    ضمن مبادرة "الغرّة للآداب والفنون" بقطر : "من القلب إلى القلب" ..عروض موسيقية لإحياء المقام العربي الفصيح    مشاركة الديوان الوطني لحقوق المؤلف في أشغال الجمعية العامة للمجلس الدولي لمبدعي الموسيقى بجنوب إفريقيا    "والذين آمنوا أشد حبا لله"..صلاح العبد بصلاح القلب    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    بطولة العالم للجمباز الفني:الجزائرية كيليا نمور تنافس على ثلاث ميداليات في مونديال جاكرتا    البوهالي: الجزائر منارة علم    حملاوي تشرف على لقاء للجمعيات    الاحتلال الصهيوني يحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين    بيسط يشرح مقترح البوليساريو لتسوية القضية الصحراوية    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زوايا الرأي :تأملات / متاهات الكلمات والصور
نشر في الجزائر نيوز يوم 02 - 03 - 2011

هي متاهات تتحلزن في زمن افتراضي تصوغه تكنولوجيا فائقة التطور اللامتناهي· متاهات تدركنا في عالم عربي يتخبط بأغلال متعددة، مرئية ومخفية، أغلال الماضي المؤسطر والممتد ألغاما وعقدا تربط الرجال والنساء، ربطا يحجز عنهم عرسا يؤسس لحياة وأغلال الراهن المنغلق وأغلال تحجز القدرة على تملك المستقبل وإدارته·
هي متاهات تلتهمنا وتتلبسنا في مطلع هذا العام ونحن نعايش بالمشاعر ما يمتد من حراك بدرجات متفاوتة على سلم الثورة والاحتجاج، حراك مس تقريبا كل البلدان العربية وامتد إلى إيران ووصل حتى الصين·
الحراك شحننا بما أعاد رتق ما تفتق من خيوط النسيج، أعاد الحياة لوجدان مسكون بالحرية والكرامة والحياة· الحراك مؤشر حياة والحراك كما كتبنا في مقال سابق ممتد وثمرته تكون بتفعيل ينتقل بحالة التفاعل الانفعالي إلى تفاعل تفعيلي· الحراك يمتد في أدغال متاهات مدارات الأقمار الصناعية والطرق السريعة للشبكة العنكبوتية·
عصرنا ملتبس ومركب، تفاصيل عرضت كل شيء وعرض حجب المعنى فكان كل شيء متضمن للاشيء··· ضوء وصخب، ولكن الصخب فراغ والصناديق الفارغة هي التي تحدث الدويّ كما يقول مثل فرنسي·· ضوء بلا نور لأنه كما قال العقاد: ''ليس المهم أن تكون في النور وإنما المهم أن يكون في النور ما تراه''·
لعبة العرض بالتكرار تخلق حالة من الغياب ويصبح العرض مطلوبا لذاته وليس لما يتضمنه، فتختلط قضايا المصير بلعبة الكرة، وتتسابق المحطات للاستقطاب فتضاعف الجرعات لمتلقي يصبح كالمدمن، وتتسابق المحطات في الشو وفي قولبة كقولبة ما يعرف بتلفزيون الواقع·
المتاهات تتسع والأحداث تتوالى، وينتقل المتلقي من حدث إلى آخر بدون أن يستكمل ما صار إليه الحدث السابق، تختلط الأحداث وتختلط الأرقام والوجوه والأصوات والكلمات· تختلط الأمور على متلقي في بلاد عربية تهندست كالكهف الذي تحدث عنه الفلاسفة، كهفا يجعل المرئي أطيافا تطوف طوافا شبحيا ويجعل المسموع أصداء تتردد كابوسيا··· ثقل الطيف والصدى ترك توقيعه فكان الولوج إلى الإبحار عبر المواقع الإلكترونية والمحطات الفضائية بتلك الحمولة·
1
بعد سقوط المعسكر الشرقي وتبلور معالم ما بعد الثنائية القطبية كان الفضاء العربي هو الركح لعمليات التجريب والخبرة، فبوش الأب تحدث عقب الهجوم على العراق في مطلع سنة 1991عن النظام الدولي الجديد، وهو النظام الذي اتصل بأطروحات تضمنتها أدبيات المرحلة، أدبيات حررها أمثال برنار لويس وصموئيل هنتوجتن وفوكوياما وما كتبه الرئيس الأسبق نيكسون· وارتبطت العولمة المسوّقة بنزعة الإسلاموفوبيا··· فالغرب الذي دخل ما بعد الحداثة، عرف ما يشير إليه الناقد السعودي عبد الله الغذامي باجتماع صورتان ثقافيتان متضاربتان، صورة البروز (القوي للعرقيات والطائفيات والمذهبيات ومثلها القبائلية) وصورة ما يراه الناس (من أننا في زمن العقلانية والعلم والانفتاح الكوني) ويقول الغذامي: (لقد شكل اجتماع الظاهرتين معا، أقصد عودة الهويات الأصولية من جهة، وكوننا في زمن ما بعد الحداثة من جهة ثانية، هذا الذي خلق معضلة معرفية وبحثية، فهو يقع مثلا في بيئة واحدة هي بيئة أوربا المابعدحداثية، وفي الوقت ذاته هي أوربا العرقيات الناهضة من سباتها حتى لتصنع تاريخا حديثا في التطهير العرقي كما في البلقان، وفي الانفصالية السياسية والتقسيمات الطائفية بين كاثوليك وبروتستانت كما في إيرلندا، وفي التمترس الثقافي كما في قانون صون العلمانية في فرنسا الذي هو قانون وقائي لحماية الذات من الآخر، في لحظة زمنية تحاول فيها أوربا أن تتوحد وتصبح كتلة سياسية واقتصادية متجانسة، ولكن النقيض يجاور نقيضه في اتصال غير منقطع، وهذا ما حدا بباحثين أنثربولوجيين كثر أن يقولوا إن العودة للهويات الكبرى والصغرى هي من مظاهر ما بعد الحداثة·
في السياق الذي أشار إليه الغذامي عمم التعولم، فتواصلنا مع المابعد بما ماقبل، ماقبل الحداثة بما بعدها، لم ترس الدولة الوطنية ما كان موعودا وجاء زمن نسف الهويات وتفكيك الدول الوطنية، زمن عولمة بطابع متأمرك، زمن روما الجديدة التي حددت البرابرة وموضعتهم بتحديداتها في محور الشر· بدأت مرحلة وبدأ التنفيذ لمخططات كبارها في بؤرة اختبار محددة هي العالم العربي الإسلامي· عالم ورث عن الزمن الاستعماري صياغات شحنت بالتلغيم ووورث تخطيطات لخرائطه مشحونة بالتفخيخ وتحكمت في مقاليده نخبا وجماعات فاقمت هشاشته وفصلته عن العصر وعن مقتضيات بناء الدولة وتأمين المجتمع بالعقد المحقق للتوازن·
كان عالمنا العربي الإسلامي متموقعا في الموقع المحوري جيو سياسيا وجيو استراتيجيا وكانت موارد النفط الأساسية به· فانفتح شرخ ظل بالتراكم يتسع ويتعمّق، فتح عندما اجتمع الموقع والطاقة مع سلطات لم تباشر ما يؤهل لقيام دول مؤسسات ولم تتح المجال لتبلور مجتمع مدني ولم تضمن شروط تحقق المواطنة، سلطات اعتمدت الارتباطات القبلية والولاءات الطائفية والعلاقات الزبائنية، تم اعتماد الاحتكار للثروة والإقصاء بكل دلالاته فكانت في الجدار الوطني بهذا الوضع الثغرات التي تسمح بتسلل كل التيارات الممرة لشتى الطبخات· وكان سقوط بغداد وسقوط صدام بيانا عن سقوط النظام العربي الذي افتقد مؤهلات البقاء التي هي المؤسسات·
الدول لا تبنى بالأصنام ولا تسير بالآلهة، الدول مؤسسات وقيم تتجاوز الترابطات اللاإقصائية والفئوية والعنصرية والطائفية والقبلية·
2
الثورة لها كالزلازل امتدادتها الارتدادية ولهذا يحضر السؤال الشهير الذي طرحه لينيين: ما العمل؟·
كتب الكاتب الصحفي المصري، فهمي هويدي، في مقاله بالشروق المصرية يوم 28 فيفري: ''إننا مشغولون كثيرا بتفاعلات الداخل، وذلك مبرر لا ريب فيه، لكننا ينبغى ألا نغفل عن ترتيبات الخارج، الذي لن يتوقف عن محاولة توظيف ثورة الشعب لصالحه، وهو التحدى الذي ينبغي أن ينال حظه من الانتباه والحذر''· ما العمل؟ هو السؤال الذي يفرض نفسه في كل حين وتبعا لسياقات كل وضع، فالثورات الكبرى التي عرفتها البشرية من الثورة الفرنسية إلى الثورة الإيرانية، عرفت المسارات التي تستدعي تأملا عميقا حتى لا يجرفنا الانفعال في ما يهدر إمكانات التصريف المنتج بالفعل للتاريخ··
ما تشهده تونس ومصر راهنا يؤكد محورية التبصر حتى لا تتحول حركة واعدة إلى مغدورة بتسلق متسلقين أو التفاف متربصين·
فعصابات شبكات المصالح تتحوّل إلى مافيات تهدد الأمن الوطني والترابطات القبائلية والطائفية والمذهبية تهدد بالحرب الأهلية، وبذلك يسمح الوضع بالتدخل الأجنبي الذي قدم لمن كان غافلا بيانات إنجازاته في العراق وأفغانستان·
3
توقف الأستاذ بوازدية عند حيرة المثقفين وأشار لتصريح بوجدرة للوطن· وعودة إلى التصريح سنرصد أن بوجدرة عام في التعويم ولم يباشر كمثقف نقدي التعاطي مع الوضع، ولم يحلل من موقعه حقيقة غياب من يعتبرهم عائلته الأيديولوجية، ولعب على إيقاع البين بين، وظل يحمل لغة طرح تجاوزتها المتغيرات، لغة التسعينيات، فهو يرى أنه من المستحيل أن يسير مع علي يحيى عبد النور بدعوى أن الأخير دافع عن الإرهاب· وربما الذي أساء أكثر في خرجاته هو ياسمينة خضرة الذي تحدث بكيفية سطحية وبلغة لا تتناسب مع حجمه الإعلامي· وحيرة المثقفين تتشعب إلى أشكال متعددة، منها الانتهازية ومنها الغيبوبة والعجز عن استيعاب تحولات الواقع ومنها الدوغمائية التي تصيب بالعمى· وما توقف عنده الأستاذ بوازدية متصل بحقائق تبلورت بعض معطياتها في مراحل مختلفة وخصوصا في العشريتين الأخيرتين·
4
متاهات بصور تتلاحق وبكلمات تتدفق، يختلط الأبيض بالأسود، فيمتد الرمادي ويعمّ الالتباس· في حرب الخليج من عام 1991 إلى سقوط بغدد في عام 2003 كانت الأحداث تصنع عبر الصورة التلفزيونية، ثم ما تتناقله مواقع الأنترنت، ودفعت الصياغة مختصين إلى التنبيه والتحليل والتفكيك والتشريح، كتب عن ذلك أمثال شومسكي ولايكوف وبيار بورديووبودريار وريجيس دوبري وأمبرتوإيكو··· صور وكلمات تهندس متاهات تجذبنا، تزلزلنا بتفاصيل التفاصيل، وفي التفاصيل يسكن الشيطان كما يقال، التفاصيل تضيع المعنى وبتدفق لا يتوقف، تتوقف قدرة التمييز وتختلط الألوان فنتخبط·
ندرك ضرورة التغيير وأن الجماهير تحملت الكثير وأن ثورتها طال انتظارها·
ندرك أن نضالات تراكمت عبر أجيال ضحت من أجل الحرية والعدالة والكرامة، من أجل الحياة·
ندرك أن قدرات الشعوب لا محدودة وأن الثورات ككل إبداع جمالي لا ترتبط بتوقيت، وأنها كالإلهام لا يمكن التحكم في توقيتها·
ولكننا ندرك أن هناك مخططات وأن السيدة كيلنتون تقول عن التغيير الديمقراطي في المنطقة بأنه ضرورة استراتيجية· والتغيير المقصود منها هو التغيير الذي لا يتعارض مع مصالح أمريكا ومنها أساسا النفط وأمن إسرائيل·
وندرك أن السلطات الفاسدة تفشى فسادها وتوزع جيوبا ورمية، بعضها في الأعصاب الحساسة لبلداننا·
وندرك أن الثورة لا يستقيم أمرها إلا برؤية وبخطة عمل، خطة استراتيجية مفعلة بتكتيكات التحيين المستمر للروح والوعي·
5
علينا أن نواجه الذات بجرأة متبصرة وأن نتحلى بقدر من النزاهة، تحليا يجعلنا نتساءل: هل اكتشف الكتاب والكتبة فجأة ما اقترفه القذافي ومبارك وبن علي؟ لماذا لا يخرج الكلام إلا في لحظات سقوط الطاغية؟ وهناك من طبلوا للقادة ثم تحوّلوا فجأة إلى منتقدين·
إن طغيان الطاغية تفاقم بمن زينوه له ممن لعبوا دور سحرة فرعون الذين يلبسون على الناس الحقائق· الطغاة تعملقوا بأبواق ضخمتهم حتى تملكهم الغرور المفرط· والطاغية يصنع بجينات توارثت بنسق ثقافي وقيمي كرّس الإذعان والطاعة باسم الاحتياط من الفتنة والحرص على الجماعة، وباسم مفاهيم جرى تفسيرها بتمييع وتحريف شرعن الاستبداد والظلم· والمنكر الأكبر أن يتحوّل المطبلون فجأة إلى زعم المعارضة وينتقلون من دور البراح المداح إلى دور الندابة·
دعاة نوّهوا بالقذافي وزاروه، ثم أصبحوا اليوم يصدرون الفتاوى، هل غابت عنهم بالأمس ممارسات العقيد؟ شيخ الأزهر طالب المصريين بعدم التظاهر ونهاهم عن المسيرات ضد السلطة، يطالب الآن شعب وجيش ليبيا بالثورة ضد العقيد، فهل ينقسم الأمر إلى محرم بمصر ومطلوب في ليبيا؟ هل يستطيع القرضاوي انتقاد أمير قطر بسبب قاعدة العيديد؟ هذه التحولات تفاقم الخلخلة وتسهم في هندسة المتاهات·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.