اللقاء الأول بين بن بلة وبومدين تحت صفصافة البرزخ لم يكن فيه الكثير من العتاب بين الرجلين بسبب دهشة سي حميمد من عالم الآخرة ورغبة الهواري في معرفة ماذا جرى بعده في البلد خاصة أن كل الذين يصعدون إليه ينقلون له أخبارا متفاوتة عن الجزائر، كل حسب موقعه ومكانته. فمثلا ما قاله العربي بلخير للهواري يختلف عما قاله عبد الحميد مهري وقبلهما بوضياف أو حتى العماري الذي تعرف عليه عن طريق وسطاء. لكن ليلة 19 جوان قلبت المواجع على سي حميمد، طار النعاس منه فخرج يتجول ليلا وهو يتذكر كلمات العقيد الطاهر الزبيري الذي ولج لغرفته في فيلا جولي، تذكر طرق الباب وكلماته.. سي أحمد أنت لم تعد رئيسا.. وصل سي حميمد إلى حديقة البرزخ جلس متنهدا فإذا به يفاجأ بالهواري يربت على كتفه ويقول له.. أعرف أنك تذكرت تلك الليلة ولكنك لم تترك لي الخيار، استأثرت وحدك بالسلطة وخرجت عن خط الثورة لدرجة أنك أفقدتني صوابي يا رجل! رمق سي حميمد الهواري بنظرات حزينة وصمت.. لكن بومدين واصل كلامه قائلا ومع ذلك عندما بلغني أن الشاذلي عفى عنك سعدت بداخلي وبلغني أيضا أن بوتفليقة ألغى العطلة من يوم 19 جوان وأصبح يوما عاديا إرضاء لك لم أغضب. فجأة مر عليهما بوضياف، ظهر وكأنه يبحث عنهما وما إن رآهما في الحديقة حتى حياهما وقال كنت أعرف أن الواحدة صباحا من هذا اليوم سيكون بينكما لقاء خاصا ومع ذلك أردت أن أهون على أخي سي حميمد وأقول لك أنت كنت أحسن حظا مني، رفيق دربك الهواري لم يفعل بك ما فُعل بي أنا.. أنت وضعوك في إقامة فيلا خاصة، تفرغت فيها للقراءة والمطالعة وهذا بشهادتك أما أنا فقصتي يستغرب لها الجميع.. أطلقوا علي الرصاص على مرأى كل الشعب وحتى بعد أن جئت إلى هنا وجاء بعدي الكثير ممن يعرفون الأسرار لا أحد منهم رضي أن يبوح لي بسر قتلي! ضم بومدين سي حميمد بيده اليمنى وضم بوضياف بيده اليسرى وقال لهما بحدة.. كونوا رجال.. حنا خدمنا البلاد.. ولا أحد يندم على ما حدث له وأنا مثلكم أيضا لا أعرف من تخلص مني بتلك السرعة.. يا لله كم هناك من الأسرار الغامضة؟ لم يتركهم عزرائيل يكملون سهرتهم البرزخية وصاح فيهم جميعا.. هيا هيا أيها الرؤساء انتهى وقت العتاب.. إنه وقت النوم.