المشهد بدا واضحا في المعادلة المصرية مساء الأربعاء الماضي، بعد يوم من مظاهرة مليونية حاشدة، أمتها القوى السياسية والثورية، نحو قصر “الاتحادية"، في موكب مهيب يتميز بحسن التنظيم وبسلمية تامة، وأعقب ذلك خروج الرئيس من القصر من الباب الخلفي، قبل أن يعود إليه صباح اليوم التالي، ويتابع من خلف أسوار القصر خيم المعتصمين السلميين في محاذاة لدوار القصر، الأمر الذي دفع بالحزب الحاكم، من جماعة الإخوان المسلمين، وبعض القوى الإسلامية المتحالفة معه، إلى قرار الزحف نحو “الإتحادية" لإنهاء الاعتصام بالقوة، وذلك ما صرح به نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الدكتور عصام العريان، الذي دعا في مداخلة تلفزيونية لقناة (مصر 25) التابعة للجماعة، وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي أيضا، دعا فيها أعضاء الحزب والجماعة، إلى الزحف بالألوف نحو قصر “الاتحادية"، من أجل ما أسماه ب “حماية الشرعية" وكأن الاعتصام السلمي ليس حق يكفله القانون، وقال العريان في دعوته: “ادعوا أعضاء الحزب إلى أن يتوافدوا بعشرات الألوف للقبض على المعتصمين أمام قصر الرئاسة" والذين أسماهم ب “البلطجية"، وهي دعوة صريحة للاحتراب الأهلي بكل ما يحمله من معان وتداعيات على الأرض، وهو ذات ما ذهب إليه السيد محمود غزلان، الناطق باسم جماعة الإخوان، عندما دعا شباب الإخوان والتيارات الإسلامية، إلى ما أسماه الدفاع عن “كرامة الدولة وسيادتها وشرعية الرئيس"، طالبا منهم عدم التراجع قبل فض الاعتصام! هذا الموقف الذي أعلن عنه أقطاب الحزب الحاكم في تجاوز صارخ للقوانين والأعراف، وحتى لهيبة الدولة التي تملك مؤسسات كفيلة بمواجهة أي خطر قد يقع على القصر الجمهوري أو أي هيئة من مؤسسات الدولة، وهذه الدعوة التي تحيل إلى الاحتراب والعنف، تحيل بذات القدر إلى إهدار روح القانون، لأنها تؤسس لمنطق القوة، وفرض الأمر الواقع من خلال الدعوة لإقامة ميليشيات تقوم بمهمة فض الاعتصامات السلمية، أو كما اصطلح عليه حماية “الشرعية"، مما يكرس منطق الغاب، من جهة، ويؤسس لدولة الميليشيات التي تحتل المؤسسات، كما حدث السبت الماضي، عندما حاصر إنصار الحرية والعدالة، وحزب النور السلفي، مبنى المحكمة الدستورية، ومنعوا قضاتها من أداء مهامهم، وهي جريمة يعاقب عليها القانون، ولا ينبغي في دولة تحترم القانون أن يفلت هؤلاء دون حساب يستحقونه!. يجري كل ذلك في صمت كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة التي كانت منشغلة بالاجتماع مع من تسميهم ب “أعضاء اللجنة الوطنية" للاستفتاء على الدستور الذي قسم المصريين إلى فسطاطين وجعل دماءهم تسيل على بلاط القصر، حيث يجتمع مرسي ولجنته للإعداد لعرس الاستفتاء المزعوم لدستور أعدته هيئة ينظر القضاء في مشروعيتها، وانسحب نصف أعضائها، ورفضتها القوى الوطنية والثورية!. وكما كان معدُ له في مطابخ الحزب الحاكم، فقد نزلت حشود “الحاكمين" نحو “الاتحادية"، وحدثت الواقعة التي تشبه في المعنى والمبنى، موقعة “الجمل" التي نفذها أنصار الحزب الحاكم سابقا، وأعادها بذات الصيغة والآلية الحزب الحاكم لاحقا.. وكأن التاريخ يعيد نفسه بطريقة درامية مرة أخرى.. أو كأنها لعنة الفراعنة، أو “لعنة الفرعونية" التي تسكن كل من سكن “قصر الحكم" في أرض مصر المحروسة، التي كما يبدو أن حكامها غالبا ما يبدون على شاكلة “ملوك البوربون" الذين لا يتعلمون شيئا ولا ينسون شيئا!. عادت عقارب الساعة مرة أخرى بذات الطريقة وبشكل درامي، فسالت من جديد دماء المصريين أمام قصر فرعون جديد. ومع تسارع الأحداث وسقوط المزيد من القتلى على أيدي الميليشيات التي أتت لحماية مؤسسة الرئاسة، - حسب اعتقادها - نيابة عن الأجهزة الأمنية، وتصاعد حالة الانقسام الحاد في المجتمع المصري، بما يوحي ببروز شبح “الاحتراب الأهلي"، كان الجميع يتوقع أن يخرج “مرسي" عن صمته، وينهي هذه الحالة التي خلقها “الإعلان الدستوري" ثم عمق شرحها ب “الإعلان عن موعد الاستفتاء" على الدستور الذي لم يحظ بالتوافق بين القوى الوطنية.. وبعد انتظار طويل ومكلف، خرج الرئيس بذات ذهنية ملوك “البوربون"، متطابقا مع سلفه، يقرأ من كتابه، فيستهل حديثه عما يعتبره جرائم “قطع الطرق" وتعطيل المصالح، دون أي تقدير للأرواح التي سقطت على مشارف بلاطه الملكي.. يؤكد من جديد أن كل أسباب اندلاع الأحداث ستبقى، بما فيها الإعلان الدستوري، مطلقا “دعوة عامة" للحوار في “القصر الرئاسي" يوم السبت الثامن من ديسمبر، وهي دعوة تشبه دعوات الغذاء أو العشاء التي لا تحدد لها أجندة، ولا أطراف، ولا حتى أهداف عدا شروط المجاملة.. ثم يستطرد مرسي بالقول: إنه غير مصرا على بقاء المادة السادسة من الإعلان الدستوري، إذا كانت تشكل مشكلة عند أحد، أو خلص الحوار الوطني إلى تلك النتيجة! والواقع أن الرجل لم يدرك بعد، أن تلك المادة التي تعطيه صلاحيات شبه إلهية، تشكل خرقا للدستور (وليست مشكلة عند أحد - حسب وصفه - وأن هذه الدماء التي سالت أمام القصر، كانت لإسقاط الإعلان برمته، وبالتالي لا شروط مسبقة لإلغاء هذا الإعلان غير الدستوري.. فضلا عن أن إدعاءه ب “عدم إصراره" على بقاء المادة كان ينبغي أن يؤدي إلى إسقاطها في ذات الخطاب.. لكن الرجل اشترط “عزومة" الحوار للوصول/ أو عدم الوصول لتلك النتيجة.. والأمر الأخطر أنه استدرك في ذلك بالقول: إنه غير مصرا على بقائها “لأن معناها وما فيها مستقر قبل ذلك.." وهذه الإشارة السالبة توحي إلى إمكانية استخدام تلك الصلاحيات حتى في ظل إلغاء المادة، كما أن التبرير بالمعنى المستقر يعني بوضوح أن مرسي لا يتحرج من اعتباره امتدادا لسلفة مبارك.