أزيد من 850 ألف مترشح يجتازون اليوم امتحان شهادة البكالوريا    حجز 85 كلغ من الكوكايين بأدرار    بكالوريا: سعداوي يؤكد ضبط كافة الإجراءات والترتيبات لإنجاح الامتحانات    استشهاد 23 فلسطينيا في قصف الاحتلال    انهيار المحور المقاوم وصعود إسرائيل الكبرى"    بن جامع : الكيان "يتصرف وكأنّ القانون غير موجود، أو لا ينطبق عليه"    مخيمات صيفية لفائدة 2000 طفل من أدرار وتمنراست    تتويج الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"    بعد تسجيل خروقات في استغلال المصنفات المحمية، الوصاية:    تحذيرات ودعوات دولية للتعقّل والتهدئة    نشوب حرب شبه اقليمية بالمنطقة غير مستبعد    المواجهة العسكرية العلنية تستمر    شهادة عدم تقاضي معاش عسكري إلزامية لتثبيت فترة الخدمة الوطنية    تأخير استلام الطائرات الجديدة إلى سبتمبر المقبل    كهربة وسائل النّقل العمومي والفردي.. والتحوّل الطاقوي واقع    وزير الاتصال يعزّي عائلة الفقيد    نحو جمع 90 ألف قنطار من الحبوب بالبليدة    مشاريع تجريبية لإنتاج وقود الطيران    الجزائر تُعرّي انتهاكات الكيان الصهيوني    عطاف يُحادث البورسعيدي    الباك.. تجنّد أمني    إن أمناس: توقيف 3 أشخاص مسلحين من جنسية أجنبية وحجز أزيد من 2ر1 مليون قرص مهلوس    1.7 مليون دولار لتحسين رعاية المحبوسين بالجزائر    العرباوي يشرف على إحياء يوم الفنان    نسعى إلى تطوير الإعلام العمومي    نشر قائمة الوكالات المتحصلة على الترخيص    طقوس وولائم تصل درجة البذخ    عمراني يتحسّس نوايا الإدارة قبل التحضير للموسم القادم    لو كنت في إسبانيا لأقالوني منذ أكتوبر    ''الفاف" توسّع مهمة اكتشاف المواهب محليا وأوروبيا    نصائح للمقبلين على البكالوريا    نورة علي طلحة تبدع في بانوراما الجمال والهوية    "عائد إلى حيفا" في قالمة    الطاووس يتجول بكبرياء بين ضفتي الألوان والأكوان    منع مواقد الشواء في الغابات لقلة الوعي البيئي    نشر القائمة المؤقتة للوكالات المرخّص لها تنظيم العمرة    دراجات /طواف الكاميرون 2025 /المرحلة التاسعة و ما قبل الأخيرة/: الجزائري اسلام منصوري يتقمص القميص الأصفر للمتصدر    الإنتاج الوطني المرتقب من القمح الصلب سيضمن الاكتفاء الذاتي لسنة 2026    وزير الصناعة يدعو من باتنة المتعاملين الاقتصاديين الى الرفع من نسبة الإدماج في مختلف الصناعات    أزيد من 400 أخصائي في المؤتمر الدولي ال38 لجراحة المخ والأعصاب بالعاصمة    الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين تطلق حملة وطنية للتبرع بالدم    بتكليف من رئيس الجمهورية, السيد سايحي يشارك بتونس في أشغال المؤتمر الإقليمي للصحة الواحدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    حوادث المرور: وفاة 10 أشخاص وإصابة 507 آخرين خلال ال48 ساعة الأخيرة    كرة القدم/الدورة الدولية الودية لأقل من 17 سنة /الجزائر-تونس: المنتخب الوطني يواصل تحضيراته بالبليدة    المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية : أي هجوم أو تهديد للمنشآت النووية يعد "انتهاكا للقانون الدولي"    جنوب افريقيا: المؤتمر الوطني الإفريقي يجدد دعمه الثابت للشعب الصحراوي ويفند مزاعم المغرب    الكسكسي في مسابقة دولية    تسليم وثائق التوطين ل 230 مستوردا    سونلغاز في سوريا    مونديال الأندية ينطلق اليوم    وصول أول رحلة للحجّاج العائدين إلى مطار وهران    تحيين 12 ألف بطاقة "شفاء" منذ بدء العملية    اختبار مفيد رغم الخسارة    اللهم نسألك الثبات على الطاعات    القرآن الكريم…حياة القلوب من الظلمات الى النور    فتاوى : أحكام البيع إلى أجل وشروط صحته    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مُدّرس... آيل للزّوال (*)


ابتداءً:
حاله لا تسر النّاظرين مارس عليه النّاس و وزارة التربية كل أنواع القهر و السّادية (مرض التلذُذ بمصائب الآخرين ) هو من جيل العطاء جيل رجال (النّيف) ونساء العفة, درّس جيلاً كان (على الأقل ) التلاميذ فيه سراولهم فوق الخاصرة ؟! يتمتِم و يتهكَّم على حاله هل أُعلِّم اليوم جيلاً كيف يرفع سراويله؟! أم كيف يرفع معنوياته حتى لا أقول كيف يتحدى و يرفع مكانة الجزائر لمصاف الدول الكبرى؟! جيل شكّلوا منه شبه مواطن(لايختلف ذكوره عن إناثه ) إلى إشعار آخر.. لا يعرف مواطن الرجولة ، ويتفنّن في أن يكون مخنّثا و أن يمارس الدُيوثة ألوانا، لم يتحسس ضرب والديه و لا ضرب المعلم, جيل من المدلّلين الله يعلم إلى أين يتجه بسفينة الجزائر في بحر عالم الناس هذا؟
على هامش الحياة:
رأيته يحمل أوراقه يلملِم أشلاءَها المتناثرة على طاولة المقهى التي تشبه طاولات مؤسسة تربوية عتيقة لم يُعد تجهيزها منذ أن فتحت أبوابها في سبعينيات القرن الماضي إلاّ بمكيّفات هواء لا تعمل طيلة السّنة ( للديكور وصفقة رابحة) سلّمتُ عليه بتحية ، فرَدّ بأحسن منها بصوتٍ مبحوح فعلمتُ بعدها أنها بحّة مدّرس مخلص قضى أحسن سنوات عمره يعلم ويعلي صوته ليوصل رسالته للناس أجمعين، فعلمت أنه يصارع الأمرّيْن مرارة الاستهزاء من أترابه في قطاعات أخرى أقل منه مستوى، و مرارة وزارة، الله يعلم كيف يجازيها على ظلمها له، و مرارات أخرى ظلمات بعضها فوق بعض، و مراراة نسوة في المدينة تقول إحداهن (كان ذلك ذات يوم) لابنتها سأزوجك به حتى أجد لك رجلا.. يا للمهازل؟! طلبتُ منه الجلوس بجانبه لوجود الكرسي الوحيد الشاغر في مقهى المتْعبين فسمح لي، حينها فقط تأملتُ أنّي أجلس مع بقايا بشر؟! شخص لا يتعدى صوته شفتيه (البّحة المرض الوحيد المعترف به في أمراض مهنة المعلمين الذي يصيب الأحبال الصوتية في وزارته..يا للرحمة؟!) فماذا فعل هذا الزمن الرديء بهذا الرجل و أمثاله في قطاع التربية؟ بقيت أتأمل تجاعيد الزمن فيه و العينين الغائرتين و رحلة العمر على جبينه مرسومة سُبلها طريقًا طريقًا، رحلة قضاها مع السّبورة و الطبشور و أخيرًا رحلة التسول والبحث عن (الشهرية) أمام بوابات البريد , رحلة يبدو أنه قضاها بسير السلحفاة أو بسرعة السنوات الضوئية، فلقد اختلطتْ عندي كل الموازين في تحديد عمر هذا الإنسان (الهيكل العظمي) الذي أمامي، و فقدتُ كل أدوات الصحافة في كتاباتي و نسيت مدارسها و أبجدياتها لأبقى أتعلّم منه في لحظات تراجيدية وهو بقايا بشر أنهكته معاناة السنين و ألعنها السنوات الأخيرة في وزارة بن بوزيد؟!، طلب قهوةً من النّادل (مزّيرة) مُرّة كحياته التي عاشها، فعلمتُ أنه مصاب بالسّكري (مرض غير معترف به في وزارة بن بوزيد..) و علمت بعدها أنه يلازمه منذ سنوات بعمر عهدة الوزير الأخير للتربية؟!، ثم بلغة غير مفهومة كلّمني فلم أكد أفهم منه شيئًا فلقد ( فُضّ فوه) مما سقط من أضراسه و أسنانه فهو يحمل بعضُ طاقم أسنان (لم تعوضه له المصالح المختصة..) فمخارج الحروف عنده أصبحت غير واضحة، طلب كأس ماء, ثم في خِلسة همس لي و كأنه يُشاطرني الكلام (و أنت واش تشرب يا بني؟ ) و قبل أن يسمع ردي ابتلع قرص دواء و قال لي بهدوء: "الضّغط يا ولدي" فاستحيتُ أن أطلب شيئًا لأنني تعلمت بعض هذا الحياء من أمثاله، لم أطلب شيئًا حتى لا أجرح مشاعره، فقد علمت أنّه مستودع أدوية و جناح مرضى مختلفة أدواؤه ( السكري, الضّغط الدموي, الفم "دقدوقة" ,ألم في الظهر, وضعف في كل القدرات...وماخفي كان أعظم ) و سمعته يُتمتِم بكلمات غير مفهومة حاولتُ أن أسترق السمع منه علّني أطلّع على ما يقول في قرارات نفسه، فلم أسمع إلاّ قوله: "هذي الدنيا الحمد لله" و حينها أردت أن أشاطره همومه فقلت الحمد لله (مازالت البركة) فتبسّم ضاحكًا و لسانُ حاله يقول لي: بورك فيك ولدي الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، و قد رآني أحدّق في الأوراق المتناثرة على الطاولة فقال لي بنبرة حزينة: إنّ هذه الأوراق التي أحملها وتراها هي قصة هذا – الهيكل العظمي – الذي أمامك و هي جزء من روايات الآلاف من أمثالي المقهورين والمقهورات في مدارسنا اليوم ألفها الزمان معي, لتكون حال مدّرس لم يقض عليه الزمان فلم يجدوا كيف يقضوا عليه و على معنوياته و أن يحطّموا كبرياءه إلا بأن وصفوه بأنه (آيل للزوال) في نهاية مشواره العملي، كأي..... منقرض (لن أكتبها) لكنه قالها بمرارة؟! و شدّ على يدي ليقف و يدفع الثّمن وثمن قهوته المُرة بعد أن حلف عليّ أن أشرب "فرارة" (بتخفيف حرفي الرّاء لمن لا يعرفها من غير أهل الجلفة.)ومازلت أتساءل ما الحمكة في تحديده لي ما أشرب.
مدرّس مغبون ..وجزاء السّنّمار:
بين جلستي معه و رحلته عنّي ترك معي خلاصة عمره و عُصارة فكره و تجربته ابتداء من الزّمن الجميل كما يقول: ( زمن المعاهد التكنولوجية و تكوينها و ملتقيات الفكر الإسلامي و معارض الكتاب و...)، و قد رأيت الحيرة في وجهه و هو "يتمتم " المعاهد التكنولوجية كوّنت رعيلا من الذين رفعوا المدرسة الجزائرية بعد أن تسلموها من جيل الأحرار(الذين ليست لديهم قابلية للاستعمار وليست عندهم عقدة النقص أمام الآخرين...) واليوم...؟! و يتحسر على شعلة العلم و التربية التي حملت معاناته في زمن الإرهاب، و يرى أنه أُتهّم زورا بأنّه هو الذي صنع الإرهاب من المدرسة و أنه هو الذي سرّب أسئلة البكالوريا ذات سنة...و هو الذي ساهم في تكوين "القاعدة"، وأنّه كان سببا في كل زلازل العالم، و كل الكوارث الطبيعية التي شهدتها مناطق شرق آسيا، و المعضلة الكبرى مساهمته في تلويث البيئة و خرق طبقة الأوزون و الاحتباس الحراري و أثرها على انقراض بعض الكائنات الحية في إفريقيا، وذوبان الكتل الجليدية في القطب الجنوبي ...وارتفاع نسبة الطّلاق في دول البترول, والمجاعة في دول الساحل... فكان جزاؤه و لزاما (من وزارة التربية) أن ينقرض هذا النوع من المدّرسين لأنه يشكل خطرا لا يعلمه إلا أولئك الذين وصفوه بأنه (آيل للزوال) و لابد أن يحاكم أمام المحكمة لأنه سبّب اكتئابًا للتلاميذ حيث طلب منهم أن يرفعوا سراويلهم فرفعت ضده دعاوى قضائية مختلفة...
و ما بين هذا و ذاك فإن رحلة هذا المدرّس المغبون بين مجتمع ناكر للجميل ..و وزارة تعيّره بأنه "آيل للزوال" و أنه أصبح غير صالح لأية وظيفة حتى الوظائف البيولوجية الأخرى ... غير الانقراض (فلا ترقية و لا مسابقات ولا زواج لمن لم يتزوج ونسي نفسه مع التلاميذ في الأقسام ؟!...) و حتى يلقى مصيره المحتوم كأي "فيل" (معذرة؟!) يموت وحيدا (وللقارئ الكريم أن يعرف كيف يموت الفيل في عالم الحيوان؟!)
لقراء "الجلفة إنفو"
سأنقل بكل أمانة رحلة هذا المدّرس المُداس بأرجل القانون الخاص وقرارات وزارة التربية و (رونجاس) المجتمع المتطور!؟ و حين أنقل هذه الصورة المشهدية فإنّني أنقل صورة فئة من المجتمع قدّمتْ ما عليها لمجتمعها و في أوقات صعبة و بدون مقابل (لأن المقابل كان ثمن بخس دراهم معدودة لا تغني و لا تسمن من جوع و لا تسدد دينا "طيلة الشهر" ولا تشتري علبة الدواء) سأنقل لقراء "الجلفة انفو" ثلاثين حلقة من حلقات مدّرس (آيل للزوال) لأضيف لها حلقتين فتكون بعمر ال 32 سنة (المفروضة فرض عين من الوزارة رغم حساسية مهنة التعليم ومطالب النقابات) التي هي سن التقاعد، فمن سنوات العطاء الأولى في حياته إلى سنوات القهر اليوم الموسومة ب "آيل للزوال" فهي أمانة حمّلني إياها هذا المدرس فسأنشرها كما هي دون زيادة أو نقصان، فإلى بدايتها فلينتظرني قراء "الجلفة إنفو".
انتهاء أقول: إذا ما تطابقت إحدى رحلات هذا المدّرس (الآيل للزوال) فأنا لا أقصد أحدا بعينه تشخيصًا، بل إنّ وحدة المعاناة و الرحلات المتعددة لآلاف المدرسين والمدّرسات قد تكون سمة مشتركة، فمعذرة سلفًا لكل معلم وأستاذ (آيل و آيلة للزوال) مع حفظ المقامات، كما أنّني أقبِّلُ على أيديهم و رؤوسهم احترامًا و تقديرًا و عرفانًا لهم بالجميل مهما كانت مراكزنا و شهاداتنا (و لا ينكر الجميل إلاّ من لا أصل له، أو لم يمر بشارع فيه مدرسة, أو حديث نعمة فاشل في الدراسة, أوشخص يعرف أين تقع تايوان) و لمن أراد أن يشاطرني الرّحلات أن يكمل الصورة التي تبدو غير كاملة في (تأملاتي هذه) لنوثّق لمرحلة انتهت فيها قدّاسة (المعلم) المبجّل والمدرسة التي تُربي وتُعلم ، و للمعلم و الأستاذ الفضل في كل ما وصلت إليه جزائر الاستقلال رجالاً و نساءً، هؤلاء من المدّرسين الذين جاهدوا و رفعوا المدرسة الجزائرية لتكون منارة للعلم (و التي أصبح اليوم الكثير يتشدّق بأنها ليست المصدر الوحيد للمعرفة...) حتى يدّك بنيانها و يقوّض أركانها بدء من إنكار فضل المعلم المثالي و الأستاذ الفاضل ليحمّله صفة (الآيل للزوال) ولكل قاعدة استثناء، و حين تفقد المؤسسة التربوية (مدرسة- متوسطة- ثانوية وحتى الجامعة) رسالتها التربوية الحضارية, فصلِّ على الأمة و كبّرْ أربع، و لكل مدّرس (آيل للزوال) احترام أهل العلم – في كل زمان ومكان- و أظن هذا وسام شرفٍ يعلّق على صدره وهذا يكفيه.
(*) آيل للزوال: مصطلح ابتكرته وزارة التربية الوطنية في القانون الخاص بعمال التربية, ولها حق الملكية الفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.