العدوان الصهيوني : ما يحدث في غزة "إبادة جماعية ممنهجة"    العدوان الصهيوني على قطر: الصمت الدولي المخجل شجع الاحتلال على التوسع في اعتداءاته دون خوف من العقاب    اسبانيا : مهرجان ثقافي دعما لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    رئيس الجمهورية يعين أعضاء الحكومة الجديدة    الجمباز /كأس العالم 2025 : تتويج كيليا نمور بذهبية جهاز العارضتين غير المتوازيتين بباريس    مناجم: مجمع سونارم يستقبل وفدا تشاديا لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي    أمن ولاية الجزائر: الاطاحة بعصابة مختصة في سرقة المنازل وحجز أسلحة بيضاء محظورة    تواصل فعاليات المخيم التكويني للوسيط الشبابي للوقاية من المخدرات بالجزائر العاصمة    تقديم الكتاب الموسوعي الفاخر "سفينة المالوف .. مدرسة قسنطينة" بالجزائر العاصمة    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    بوغالي يرحب باعتماد الأمم المتحدة قرارا مؤيدا ل"إعلان نيويورك" حول حل الدولتين    81 مشروعا جمعويا يستفيد من برنامج دعم وتمويل الشباب لسنة 2025    أم البواقي.. الانطلاق قريبا في إنجاز مشروعين للماء الشروب بعين كرشة وعين ببوش    غالي يدعو إلى الضغط على المغرب    خطة صهيونية لتهجير فلسطينيي غزّة    إفريقيا لم تعد تقبل بالأمر الواقع    معرض الجزائر سيسهم في سد فجوات تنموية    كريمة طافر تترأس اجتماع عمل    افتتاح الدورة البرلمانية: بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا مع رؤساء المجموعات البرلمانية    التزام ثابت ومقاربات فعّالة لخدمة القارّة    التسجيل في التحضيري يبدأ يوم 28 سبتمبر    تحديد هوية الإرهابيين المقضي عليهما    اليوم الدولي للديمقراطية : مجلس الأمة يبرز الخطوات المحققة لصالح تمكين المرأة في الجزائر    سوق أهراس تستقبل الموروث الثقافي لولاية إيليزي    البطولة الإفريقية للأمم لكرة اليد لأقل من 19 سنة إناث: المستوى الفني كان "جد مقبول"    الأولوية الآن بالنسبة للفلسطينيين هي حشد الاعتراف"    توقيع عقود شراكة خلال أيام المعرض فاقت 48 مليار دولار    توقف 03 أشخاص في قضيتين متفرقتين    ضبط أزيد من 2 كلغ من الكيف المعالج    الرابطة الأولى "موبيليس" (الجولة الرابعة): النتائج الكاملة والترتيب    لا دعوى قضائية من مالي ضد الجزائر    ماكرون في عين إعصار غضب "الخريف الفرنسي"    قسنطينة: مشاركة مرتقبة ل10 بلدان في الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    آدم وناس يسعى لبعث مشواره من السيلية القطري    عوار يسجل مع الاتحاد ويرد على منتقديه في السعودية    تسريع وتيرة إنجاز صوامع تخزين الحبوب عبر الولايات    متابعة لمعارض المستلزمات المدرسية وتموين السوق    "مدار" توقّع مذكرة لتصدير السكر إلى ليبيا    إصابة آيت نوري تتعقد وغيابه عن "الخضر" مرة أخرى وارد    جهازان حديثان لنزع الصفائح الدموية    حفر في الذاكرة الشعبية واستثمار النصوص المُغيَّبة    المهرجان الدولي للرقص المعاصر يعزف "نشيد السلام"    وفاة سائق دراجة نارية    التحضير النفسي للأبناء ضرورة    مشاريع سينمائية متوسطية تتنافس في عنابة    «نوبل للسلام» يقين وليست وساماً    بقرار يتوهّج    مؤسّسة جزائرية تحصد الذهب بلندن    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    حج 2026: برايك يشرف على افتتاح أشغال لجنة مراجعة دفاتر الشروط لموسم الحج المقبل    عزوز عقيل يواصل إشعال الشموع    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محارقُ النّصِّ في " قلق النّواعير"
قراءة نقدية
نشر في الجلفة إنفو يوم 15 - 09 - 2014

هو نصٌّ أيقظ الحلمَ ،وألبسَه السّرَّ المشاكسَ؛سكن غرفةَ اللّغةِ ومدَّها مذاقَ الشّوقِ...شرب من ذاكرةِ الحنينِ حين "عاد القمر" اهتدى لغناءِ المواويل سرًّا ،بعدما عانقَ دروبَ الصّمتِ. هوَ الشّاعرُ الذي هوَى في اعترافاتِ جُرحِ الظّلامِ،كي يستعيدّ طفولةَ النَّهار بل 0سْتأذنَ الرّبيعّ ليُحاورَ أمنياتِ الرّوحِ، وحين يغرقُ في الهدوء يخلعُ عباءتَه على سريرِ القصيدةِ..و اكتفَى يوسفُ بتمزيقِ قميصِ الحزنِ بخنجرِ الحلم,هوَ الشّاعرُ الجزائريّ(يوسف الباز بلغيث).
يبتكر النّصُّ البازيُّ فضاءً قِرائيًا 0سْتثنائيًّا، يحّركُ العلائقَ الدّلاليّةَ،ويلازمُ الدّفقَ الفاعلّ لِلمعنى ،والممزوج بنداءاتِ البوح ,ليرتفعَ بالكلمةِ إلى آفاق التّجاوُزِ،وقد خرجَ من محبس السّائدِ المؤسَّسيِّ ،و واضح أنّ مثلَ هذه الكتابةِ تمنحُ القارئَ مسافاتٍ يصعبُ قطعُها ،و مساحاتٍ يتعذّرُ مَلؤُها,لأنَّ صاحبَها يكسرُ بمهارةٍ خطيَّةَ القراءة .
وإزاءَ تمنُّع النّصِّ الشّعريِّ تتفاعلُ الحقائقُ، وتتداخلُ الإحالاتُ لِتصبحَ القراءةُ قراءاتٍ ؛تنسلخُ من المعنى الرّاسخِ إلى دلالاتٍ ، ويغدُو الشّعرُ حينها بوّاحًا كما يقولُ أدونيس:"هوَ أنْ تخرجَ الأشياءُ مِن صمتِها ,هوَ أنْ تجعلَها تتكلّمُ ,وأنْ تجعلَها دائمةَ الكلام"1 ،وفقَ هذه الهندسةِ يبني الباز معماريّةَ نصّهِ بَدْءًا باللّغةِ الحُبلى كعنوانٍ محمومٍ بالمغامرةِ في بيتِ الكينونة ,ويمكنُ تلمُّسُ التّحوُّلِ في طرحِ الجسَد النّصِّيِّ حين تتجاوزُ المفردةُ لحظةَ الخرْقِ إلى الخلْقِ بعدَ أنْ تقّزّزتْ من الدّلالةِ الأُحاديّةِ،المتوخّاةِ بتعبيرِ نورِ الدّين الزّين,وتستسلمُ لتيهِ الشّهوةِ،لتلتئمَ مع السّياق الإنسانيّ:
"مسَحتُ الغُبارَ
عن السّطرِ..
أبكي ,
ولم أكترثْ برنينِ الرّحيلْ..
ولكنّني حينَ شُقتُ رؤاها بآخرِ سطرٍ ,
هوَتْ عبرة ٌ كصريعٍ قتيلْ ..
و رُحتُ أعاودُ حظّي" 2
ومنَ المؤكّدِ أنَّ الشّعريّةّ البازيّةّ تؤسّسُ لحركيّةٍ، مشحونةٍ بتعرّجاتِ الدّلالةِ ,وقد تفنّنتْ في السّفرِ، بحثًا عن وكْرِها,وفي هذا التّموضُع اللّغويّ نفهمُ أيَّ إجهادٍ تتحمّله الكلماتُ حين تتململُ داخلَ خِدرها الشّعري.
يعمد شاعرُنا في مواقعَ عديدةٍ من الدّيوان مساءلةَ الواقع, والاستئناسَ بفضاءاتِه وتطويعَ موجوداته , بما يتوافق والوجودَ المتخيّلَ وعلى غرار ذلك تتجاذب الثنائيات " الصّورة/التصور,الخيال/التخيل,لتدخل القارئ في مدار اللحظة التي تتراءى فيها الموجودات,وبعد" مراجعة حساب" يغدو جليا الأمل/الحلم الذي يخدش خدر التشاؤم ,كما توضحه المقاطع:
"فالحلمُ أطهَرُ
من هشاشاتِ المُنى
وابقيْ بعيداً
سلِّمِي للأمرِ
منْ قبلِ الفَواتْ " 3
في قصيدة "مراجعة حساب " يقول:
"قرأتُ الجريدةْ..
يُعلِّلني في المَدَى
شبحُ الذّكرياتُ الخُزامَى... ......
......
و رُحتُ أعاودُ حظّي
معَ الجُرحِ عَلِّي
سأقرأُ يومًا بذاتِ الجريدةِ
فصلاً جميل ."4
وفي أمل آخر" عندما تزهقُ ريحي" يقول:
" لا تُغَنِّ ..لا تُناورْ...
مثلَ أسرابِ الحَمامْ..
لا تقُلْ :"..فاتَ الأوانْ..."5
و "عاد القمر" مصطحبًا أملَه في هذا المقطع :
"يا لائمي ,اِنهضْ و قُلْ :
إنَّ القمرْ , مِنْ حُبِّنَا ,
رغمَ الغُيومْ ,
وَجَدَ الطّريقْ.. نحْوَ البشرْ."6
أفضتْ هذه المقطوعاتُ الشّعريّةُ إلى إعداد ديكورٍ، فاخرٍ من لوحاتٍ هجينةٍ بألوانٍ فطنةٍ،ما يكفي لتأثيثِ الشّعر باعتباره "فعلاً مقاوماً لتصلّب شرايينِ الحياة وسقوطِها في يبَاس العادة "7.
الكتابةُ بهذا المعنى ,محاولة جماليّةٌ ،مراوغةٌ تخلقُ من جمراتِ المعنى,لحظةَ مساءلةِ الذّاكرةِ لاوزمازوم الإبداع,لتصبحَ الشّعريةُ العصبَ الطّافحَ بالتّوتُّر منذ الإهداء في الصّفحة الأولى عقِبَ صفحةِ الغلاف إذ يوجهّه:
إلى أملٍ تعَذّبَ في مناهُ إزاءَ إدراكِ جمرتِه
فكان لهُ أنْ يعيشَ
و بَردَ المُشتَهى تحتَ سقفٍ واحدٍ....
وإلى أوجاعِنا ريثما تتنفَّسُ رُؤاها بقايا
فجْرٍ قشيبْ "8
أيُّ شعريّةٍ هذه، تسكنُ العبارةَ، تخلعُ ملابسَها ,لتشقَّ الشّحوبَ الذي ألمّ بتقاطيع الجسد,وبعد أنْ تموّجتْ مع أجراس المجاز ,توارتْ خلفَ ستار الدّلالة,وارتمتْ في سرير الكلمات.
كما باتَ واضحاً منذُ النّصِّ الأوّلِ أنّ الرّجلَ يُحكمُ صلتَه بالعالم,ويحسنُ الإصغاء إلى وجيبِ اللّحظة ,بما يجعل نصَّه سُؤالاً رافلاً باشتراطاتِ الشّعريّةِ ,شغوفاً بكيمياء التّحوُّلِ ,هكذا شعرُه "يؤكّدُ في كلّ لحظةٍ امتيازَه القاسي وقدرتَه الكاشفةَ التي تتجلّى في رؤيةِ ما يخفيه "9
لا تهدأُ لغةُ ( الباز ) في البوح بنشيدِ المتعةِ،حين يحترقُ القارئُ بلفحِ المفردةِ المنقوعةِ بالرّفض؛ وهيَ تقفُ على فضاءاتِ التّرميزِ لتبشِّرَ بنصٍّ مُغايرٍ، يصنعُ هويّتَه على شُحناتٍ معرفيّةٍ ، متحرّرةٍ من الواقع الأبويّ ,ويتمّ بمُوجِبها مباغتةَ الدّالِّ وتبرئةَ المدلولِ ؛هذا ما يفعلُه الشّاعرُ حين يريدُ انتهاكَ ذاكرةِ المَعنى ،وُصولاً إلى معنًى آخرَ ينتظرُه في الضّفّة الأخرى:
"...يبحثُ عنْ مرسًى في الرّوح ِ..
و يسألُ: منْ يُؤوي في الرّوحِ تباريحَ المنفى
أو يرسمُ شمسًا .. في ذاتهْ " 10
"فالشّاعرُ المعاصرُ لا يعي ما يكتبُ، لأنه لا يريدُ - من وراء كتابته - التّأثيرَ في أحدٍ,لأنَّ النّصَّ هو الوحيدُ الذي يريدُ لنفسِه هذه المهمّةَ ؛ فنجدُه يُفرغ تلك الهيُولى المقلقةَ، و التي تعبّرُ عن تكاشُفِ أضدادٍ، و متناقضاتٍ، طالما أفجَعتْه ،وبهَرَتْه؛ غيرَ أنّه يكتبُ تحتَ سُلطةِ الخيالِ، والتّداعِي، لهذا يصبحُ وَعْيُه بلحظةِ الكتابةِ كالحُلم"11,وتغدُو الكتابةُ هاجسًا ،وحراكًا، مولعًا باستضافةِ الوعِي على نخب الرّؤية هناك ....في الجُبِّ:
"لم يكنْ فيها سوى
أنفاسِ نخلٍ ..
بعضِ موجاتٍ ,
وترتيلِ صدًى
ليتها تنقذُ..
( و..ح..ي..ا )
مُنكِرا وجهَ الخفايَا
كسرابٍ فوقَ طينْ"12
ومنَ اللاّفتِ للانتباه أنَّ الكتابةَ البازيّةَ تنفتحُ على اسْتعراضاتِ الصّورةِ ,كيما تشكّلُ سبائكَ جديدةً تُهيِّئُ اللّغةَ للاشتغالِ على نسقِ الإيحاءِ ، وتثبيتِ مفعوليّةِ التّخفِّي للتّلاعبِ الماكرِ بأقنعةِ الدّلالةِ... محاولةً ذكيّةً لترميمِ ما انْهدمَ بديناميتِ الصّدمةِ .. و ثمّةَ دمعتْ عيناها:
"...واستبقتْ صمتَ الحارةْ ..
والظّلمةُ تخنقُ ضوءَ الشّمسِ..
تلوّنُ وجهَ الطّمسِ..
كما الفوضى...
بعد الغارةْ..
دمعتْ عيناها
يا وجعي شمسُ الحارةْ ...
لم يبقَ لها غيرُ الحيطانِ تعانقُها...
والدّمعةُ أضحتْ مثلَ
رسومٍ خلفَ جدارْ" 13
هكذا ينبضُ المشهدُ الشّعريُّ عند الرّجل بالتّساؤلِ, الحيرةِ، القلقِ, الأملِ ....,الذي يحفّزُ الذّاتَ على الانسجام مع إملاءاتِ الكينونةِ ،والتلاؤم مع احتمالاتها الممكنة، قصدَ الخروج من مَحبسِ التّوتُّرِ ومن البرمجة الدّلالية المألوفة.
الهوامش:
1 أدونيس:المحيط الأسود,ط 1،دار الساقي،بيروت، 2005 ،ص 503 .
2 يوسف الباز بلغيث:قلق النواعير,مخطوط,الجزائر، 2011,ص 8 .
3 يوسف الباز بلغيث:المصدر نفسه،ص29.
4 يوسف الباز بلغيث:المصدر نفسه,ص 3إلى8.
5 يوسف الباز بلغيث:قلق النواعير,ص 17 .
6 يوسف الباز بلغيث:المصدر نفسه،ص 34 .
7 أحمد دلباني:موت التاريخ,منشورات فيسيرا, 2010 ,ص117 .
8 يوسف الباز بلغيث:المصدر نفسه,صفحة الإهداء .
9 علي جعفر العلاق:في حداثة النص الشعري،دارالشروق للنشروالتوزيع،عمان/الأردن،2003 ,ص 15 .
10 يوسف الباز بغيث:المصدر نفسه,ص 21 .
11 محمد كعوان:شعرية الرؤية وأفقية التأويل,ط1,منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين،2003,ص30
12 يوسف الباز بلغيث:المصدر نفسه,ص14 . 13 يوسف الباز بلغيث:المصدر نفسه،ص9.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.