تحولت العديد من التجمعات السكانية غير الشرعية التي توسعت بطريقة غير قانونية على حساب العقار العمومي غير الممسوح من طرف مصالح املاك الدولة وبعض الأحياء القصديرية المنتشرة بعدة نقاط عبر دوائر وبلديات ولاية بومرداس الى شبه قنبلة موقوتة ونقاط ضغط كبيرة على السلطات المحلية المطالبة في كل الاحوال بضرورة التسوية القانونية لهذه المراكز سواء بشرعنة الوجود القانوني من عدمه لهذه العائلات وبالتالي توفير كافة الخدمات والمرافق الاساسية أو اعادة ترحيلها الى مناطقها الأصلية وهي من الحلول المستعصية التي تحاشتها الإدارة المحلية تجنبا لكل أشكال التصادم، لكن على حساب باقي الفئات الأخرى.. من بودواو وخميس الخشنة غربا حتى دائرة دلس بشرق الولاية الظاهرة نفسها وإن اختلفت حدتها من منطقة الى أخرى، لكننا أردنا من خلال هذه الدراسة أن نتوقف عند حيين معروفين بالولاية الأول ببلدية برج منايل ومعروف لدى سكان المنطقة بحي “باستوس” أحد أكبر الأحياء القصديرية بالبلدية وأقدمها حيث تقطن فيه ما بين 300 الى 400 عائلة، بحسب مصادرنا المحلية، وهو الحي الحاضر بقوة خلال كل حركة احتجاجية متعلقة بالسكن أو التشغيل وبالتالي تحول مع الوقت الى مركز ضغط على المجلس البلدي نتيجة لافتقاد الحي لكل متطلبات وأساسيات الحياة الكريمة كمياه الشرب، الصرف الصحي، والمرافق التي يطالب بها السكان الذين يعيشون وفق مصدرنا في ظروف اجتماعية جد صعبة وغير انسانية مقابل تعذر غرس مشاريع أو عملية التكفل من طرف البلدية بسبب الوضع غير القانوني، وعن أسباب تمسك العائلات بهذه البيوت القصديرية وعدم الرغبة في العودة الى مناطقها الأصلية كشف لنا أحد سكان الحي قائلا.. من الصعب العودة الى مناطقنا الريفية المعزولة التي تفتقد الى مقومات الحياة من مواصلات وهياكل قاعدية نتيجة لغياب مشاريع التنمية والتهيئة اللازمة وبالتالي، يقول مصدرنا تحملنا صعوبة العيش بهذا المكان على العودة ثانية بسبب قرب المرافق الإدارية من مدارس، مواصلات ومراكز صحية وعلى أمل الاستفادة من سكن اجتماعي...، وتقريبا هي نفس القناعة لدى الكثير من النازحين الذين اضطرتهم العشرية السوداء الى التموقع والتمركز على حافة المدن بصفة مؤقتة، لكن مدة الاقامة قد طالت مع الزمن وهي الفترة التي أنجبت أجيالا جديدة لا تعرف إلا حياة الصفيح والقصدير وبالتالي وجدت صعوبة في العودة أو التأقلم مع معيشة أخرى لم يألفوها..، أما الحي الثاني، فهو حي تاقدمت الواقع على مصب واد سيباو والشاطئ الرملي المعروف بهذا الاسم غرب مدينة دلس حيث شكل مع الوقت أكبر تحد للمجلس البلدي الحالي وهو الحي الذي كان وحتى نهاية الثمانينيات لا يحصي أكثر من عشرين مسكنا أو بيتا قصديريا تعود لعائلات أغلبها قادمة من خارج الولاية اشتغلت في فترة سابقة في القطاع الفلاحي، ثم تحولت الى تجارة الرمال مع التوسع السكاني على حساب املاك الدولة بتغيير نمط البناء بعدما تلاشت تدريجيا صفائح القصدير ليتحول المكان الى تجمع سكاني حقيقي، كما رفع لاحقا سكان الحي من سقف مطالبهم الى حق السكن الاجتماعي وحق الاستفادة من مشاريع سكنية مخصصة للبلدية في اطار محاربة السكنات الهشة وهي برامج موجهة في الأصل الى حوالي ثلاثة أحياء بالبلدية معروفة باسم “لاسيتي” تعود الى بداية الاستقلال أو قبل ذلك بالنسبة لحي 300 مسكن بالبساتين... غياب التنمية المتوازنة... أسباب غذّت الظاهرة لقد ربط الكثير من المتتبعين لهذا الملف الشائك والظاهرة التي غزت مدننا عبر كامل التراب الوطني وما أحدثته من خلخلة في جملة البرامج والمخططات التنموية خاصة منها مخططات التهيئة والتعمير للبلديات بمشكلة النزوح المتزايد من المناطق الريفية المعزولة الى المدن، حيث وجدت الكثير من البلديات صعوبة كبيرة في ضبط مشاريعها المختلفة في قطاعات حساسة كالسكن، الصحة، التعليم وكذا صعوبة في ضبط الميزانية غير المنتظمة وكل هذا برأي المتتبعين جاء نتيجة لتعثر إن لم نقل فشل سياسة التنمية الريفية المدمجة التي علقت عليها الدولة كثيرا للنهوض بالمناطق النائية والتكفل بكافة انشغالات المواطنين وتطلعاتهم من أجل المساهمة في تثبيتهم بمناطقهم وهي سياسة تسعى الى تجسيد مخطط التجديد الريفي وترقية التنمية الاقتصادية للبلاد والانصاف في الاستفادة من الخدمات القاعدية اللامركزية وتقوية الترابط الاجتماعي مع المساهمة في إحياء المناطق الريفية بتحسين ظروف التشغيل وإعادة الحياة للسير الاقتصادي من أجل المحافظة على عالم الريف حي وفعال من حيث حماية واستغلال كافة القدرات الفلاحية والطبيعية المتوفرة، وقد سجل بالمناسبة تقرير لجنة الفلاحة والصيد البحري والري التابعة للمجلس الشعبي الولائي لبومرداس عدة ملاحظات عن أسباب تعثر هذا البرنامج ومنها عدم التنسيق في وضع المخططات الخاصة بكل منطقة وعدم التنسيق أيضا بين المصالح المكلفة بإدارة البرنامج وهي خلية التنشيط، البلدية، محافظة الغابات، الدائرة والولاية بالاضافة الى نقص الاندماج بين القطاعات الاجتماعية الحساسة، الصحة، التربية، النقل والري مع جهل المواطنين لهذه الصيغة نتيجة لنقص الاعلام والحملات التحسيسية. في الختام يمكن القول إن ولاية بومرداس قد شكلت الاستثناء من حيث تعقد الظاهرة وتداخلها، فبالاضافة الى مخلفات الأزمة الأمنية التي عصفت بها طيلة أكثر من عشرية ساهمت بشكل أساسي في تغيير خريطة توزيع السكان والتركيبة العمرانية للمدن بإنتشار هذا النوع من التجمعات طلبا للأمن والحماية، كان لزلزال21 ماي 2003 هو الآخر دورا في فرض مزيد من الضغط على السلطات الولائية التي كانت ولا تزال مضطرة الى المعالجة الإدارية والقانونية لأزيد من 17300 شالي منتشر بعدة نقاط بالولاية منها 90 بالمائة من هذه السكنات لم تعد صالحة للسكن وفق تقرير اللجنة التقنية المكلفة من قبل الوالي، إلا أنها لا تزال مستغلة من طرف أشخاص أغلبهم لا يملك قرار الاستفادة وبالتالي تم تصنيفهم في خانة السكن الاجتماعي وهو ما جعل بومرداس تشهد في الفترة الاخيرة عدة احتجاجات تزامنت وتوزيع السكن الاجتماعي، كما اضطرت السلطات المحلية الى هدم حوالي 60 مسكنا منجز بطريقة غير شرعية بحي الكرمة على بعد 5 كلم من مركز الولاية وكلها ضغوطات تضاف الى اشكالية نقص الوعاء العقاري المخصص للمشاريع السكنية المعطلة وأزمة الملكية بالنسبة لصيغة السكن الريفي العالق هو الآخر..