وزير الاتصال يعزي في وفاة المصور الصحفي السابق بوكالة الانباء الجزائرية محرز عمروش    وزير الاتصال يدشّن المقر الجديد لإذاعة الجزائر من بشار وبني عباس: مفخرة إعلامية بمواصفات عصرية    وزارة الصحة تُقيّم تحديات استئصال شلل الأطفال بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية    تنظيم العمرة لموسم 1447ه: نشر قائمة الوكالات السياحية المتحصلة إلى غاية الآن على الترخيص    الجزائر تدين وتستنكر العدوان السافر على إيران    السيد مولى يجري بجنيف محادثات مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية    فرقة "الصنعة" للموسيقى الأندلسية تطفئ شمعتها الأولى بتكريم عميد أساتذة هذا الفن, محمد خزناجي    ألعاب القوى/الدوري الماسي-2025 : مرتبة خامسة للجزائري محمد ياسر تريكي في الوثب الثلاثي بأوسلو    العاب القوى/ذوي الهمم: الجزائري اسكندر جميل عثماني يفوز بسباق 100م (ت13) لملتقى أوسلو للدور الماسي    بكالوريا 2025: مخطط خاص لتأمين مجريات الامتحان    الدول الأعضاء في رابطة أمم جنوب شرق آسيا ترحب بالانضمام القريب للجزائر إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا    حج 2025م/ 1446 : عودة أول فوج من الحجاج إلى وهران    الشيخ القاسمي يدعو إلى نشر خطاب ديني جامع لتعزيز الوحدة الوطنية    العدوان الصهيوني على إيران: موجة غضب وتوعد بالرد "القوي" و "الصارم"    إيران تدعو إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن بعد العدوان الصهيوني على أراضيها    تحيين أزيد من نصف مليون بطاقة "الشفاء" على مستوى الصيدليات المتعاقدة مع هيئات الضمان الاجتماعي    الرابطة الأولى موبيليس (الجولة ال 28): النتائج الكاملة والترتيب    حبوب: انطلاق حملة الحصاد و الدرس عبر الولايات الشمالية و مؤشرات تبشر بمحصول وفير    مؤسسة "اتصالات الجزائر" تنظم حملة وطنية للتبرع بالدم    الجزائر تواصل التزامها بحماية حقوق الطفل    مداحي: الرقمنة والعصرنة خيار استراتيجي لتسيير المرافق السياحية    المعرض العالمي بأوساكا: عروض فرقة "أروقاس" من جانت تستقطب اهتمام الجمهور الياباني    مراد: تنمية المناطق الحدودية على رأس أولويات الدولة    موسم الاصطياف 2025 والاحتفالات بالذكرى 63 لعيد الاستقلال محور اجتماع للمجلس التنفيذي لولاية الجزائر    مؤسسة صناعات الكوابل ببسكرة: إنتاج 2000 طن سنويا من الكوابل الخاصة بالسكة الحديدية    جامعة "جيلالي اليابس" لسيدي بلعباس: مخبر التصنيع, فضاء جامعي واعد لدعم الابتكار    اختبار مفيد رغم الخسارة    رانييري يرفض تدريب إيطاليا    منصوري تشارك في أشغال الاجتماع الوزاري    الجيش يواصل تجفيف منابع الإرهاب    قافلة الصمود تعكس موقف الجزائر    رفعنا تحدي ضمان التوزيع المنتظم للماء خلال عيد الأضحى    الأسطول الوطني جاهز للإسهام في دعم التجارة الخارجية    قضية الصحراء الغربية تبقى حصريا "مسألة تصفية استعمار"    ولاية الجزائر : مخطط خاص لتأمين امتحان شهادة البكالوريا    الفواكه الموسمية.. لمن استطاع إليها سبيلاً    بنك بريدي قريبا والبرامج التكميلية للولايات في الميزان    الجزائر نموذج للاستدامة الخارجية قاريا    الاحتلال الصهيوني يتعمّد خلق فوضى شاملة في غزّة    الارتقاء بالتعاون الجزائري- الكندي إلى مستوى الحوار السياسي    تطوير شعبة التمور يسمح ببلوغ 500 مليون دولار صادرات    "الطيارة الصفراء" في مهرجان سينلا للسينما الإفريقية    تأكيد على دور الفنانين في بناء الذاكرة    برنامج نوعي وواعد في الدورة الثالثة    تأجيل النهائي بين ناصرية بجاية واتحاد بن عكنون إلى السبت    استقبال مميز لمنتخب كرة السلة 3*×3 لأقل من 21 سنة    ميسي أراح نفسه وبرشلونة    إنجاز مقبرة بحي "رابح سناجقي" نهاية جوان الجاري    رحيل الكاتب الفلسطيني علي بدوان    "كازنوص" يفتح أبوابه للمشتركين من السبت إلى الخميس    فتاوى : أحكام البيع إلى أجل وشروط صحته    اللهم نسألك الثبات على الطاعات    القرآن الكريم…حياة القلوب من الظلمات الى النور    الشروع في إلغاء مقررات الاستفادة من العقار    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    جريمة فرنسية ضد الفكر والإنسانية    حجّاج الجزائر يشرعون في العودة    لماذا سميت أيام التشريق بهذا الاسم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الفكر الوطني إلى تبني الفكر الثوري
نشر في الشعب يوم 25 - 05 - 2020

ما من شك أن هناك اعتقادا ترسخ في أذهان الكثيرين من أن انبعاث حركة الوطنية في الجزائر تعود إلى عشرينيات القرن الماضي.
و يربط البعض ذلك بنضالات الأمير خالد نجل الأمير عبد القادر الذي أسس في 1913 حزب الشباب الجزائري ، و بصرخته الشهيرة في وجه المحتلين بعد مؤتمر فرساي في 1919عندما قال : إنهم يتهمونك بالتحريض على الثورة لأنك تكتب: أن الفقراء يموتون جوعا .. ولكنني أقول لهم إنه علينا أن نكون فوضويين و حتى بولشيفيين و ضد فرنسا ووطنيين ..
وفي اعتقادي الخاص أن هذه النظرة التي تحصر بداية الوعي بالوطنية الجزائرية بحركة الأمير خالد تعد قاصرة ، بل و مجحفة في حق الفكر الوطني و لمختلف المقاومات الشعبية ال 46 التي عمت الجزائر شمالا و جنوبا ، شرقا و غربا منذ الاحتلال الفرنسي البغيض لبلادنا التي رسخت فكر المقاومة ضد المحتل ، و من ثمة أظهرت وعيا وطنيا بضرورة محاربة الاستعمار بجميع الطرق و الأشكال ، ومن بينها المقاومة التي قادها الأمير عبد القادر الذي أعاد التأسيس للدولة الجزائرية بمفهومها الوطني .
لقد عملت فرنسا منذ احتلالها للوطن على طمسِ الهوية الوطنية بكل أبعادها من خلال محاربتها للغة العربية و تجهيل الشعب الجزائري و محاربة الدين الإسلامي و الشخصية الجزائرية و الثقافة الوطنية بكل مكوناتها .
و تعترف المصادر الفرنسية نفسها بهذا الواقع
.فالجنرال dumas يعترف كما أورده perVillé guy في كتابه : «الطلبة الجزائريون في الجامعات الفرنسية 1880 – 1962» أن فرنسا عمدت منذ احتلالها للجزائر على انتهاج سياسة التجهيل وسط الشعب الجزائري .
و يوضح أن التعليم الابتدائي كان منتشرا في الجزائر قبل الاحتلال ، حيث كانت نسبة المتعلمين في المدن 40 في المائة ، بينما يذكر حمدان خوجة في كتابه «المرآة» ص 245 الذي ترجمه الدكتور العربي الزبيري أن الجنرال كلوزيل قام بتهديم محلاتٍ كان يُطلق عليها «القيصرية» تبيع الكتب التي هي أدواتُ حضارة و تنير طريق الإنسان المثقف .
مزاعم ادخال الحضارة الى افريقيا
و بما أن الفرنسيين كانوا يزعمون إِدخال الحضارة لإفريقيا، فلماذا وقع إذن تهديم هذا المصدر الذي كان يعطي العلم و المعرفة في جميع الميادين ؟
و يوضح الكاتب الفرنسي السالف الذكر perVillé guy مرة أخرى أن سياسة التجهيل تلك أدت إلى تفشي الأمية وسط الشعب الجزائري بحيث وصلت عام 1948 إلى 90 بالمائة ، و لم تتراجع سوى بنسبة 86.3 بالمائة مع اندلاع الثورة في 1954 .
فقد أقدمت سلطات الاحتلال على غلق المدارس و الكتاتيب و الزوايا التي كانت تُقدِّم تعليما مجانيا للجزائريين خاصة في المدن و العديد من القرى.
و يذكر توكفيل و هو أحد عتاة المثقفين الفرنسيين المهوسين بالفكر الاستعماري، و كان وزيرا لخارجية فرنسا بقوله: «لقد تركنا المدارس عرضة للاندثار و ألغينا الكتاتيب أي المدارس القرآنية حتى جعلنا السكان المسلمين أكثر جهلا و توحشا مما كانوا عليه قبل أن يتعرفوا علينا «.
و يوضح أن الهدف الرئيسي من كل ذلك هو جعل الأهالي أي الجزائريين يعيشون أجواء القرون الوسطى .
و قد كانت نتيجة ذلك أنه مع اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 فإن وضع التعليم للجزائريين كان كارثيا .
فإذا كان مجموع الطلبة الجامعيين خلال الموسم الجامعي 1953 – 1954 هو 5000 طالب بجامعة الجزائر التي كانت الجامعة الوحيدة آنذاك بالوطن، فإن نسبة عدد الطلبة الجزائريين كانت لا تتعدي 10 بالمائة فقط ، أي 513 طالب حسبما أورده الدكتور عمار هلال في كتابه المعنون ب: «نشاط الطلبة الجزائريين إبان حرب التحرير 1954» ، يضاف لهم 1400 طالب بالجامعات الفرنسية .و لم يزد هذا العدد خلال الموسم الجامعي 1955 1956 عن 684 طالب .
إذا كانت نسبة التعليم الجامعي للطالبات الآن مرتفعة بحيث تتجاوز عدد الطلبة الذكور في العديد من التخصصات و الفروع، فإن الأرقام كانت سوداوية خلال فترة الاحتلال.ففي التعليم الابتدائي كانت هناك فتاة واحدة فقط من بين 4 تلاميذ في المدن، و تكاد تكون منعدمة في القرى.
وفي التعليم الثانوي يُلاَحَظُ أن من بين 6 إلى 7 طلبة توجد طالبة واحدة، في حين أنه لا توجد سوى طالبة واحدة من بين 20 طالبا جامعيا في الجزائر، و 10 طالبات من بين 200 طالب في الجامعات الفرنسية.
و أود أن أذكركم أن الجنوب الجزائري برمته لم تكن توجد فيه أية ثانوية إلى غاية استعادة الاستقلال، بل إن مدينة سكيكدة الساحلية بالشرق الجزائري لم تكن توجد بها أية مدرسة ابتدائية للجزائريين إلى غاية عام 1914 ،و هي نفس السنة التي لم يكن يوجد بها بالجزائر كلها سوى طبيب واحد من أصل جزائري بالرغم من مضي خمسة أعوام على تأسيس جامعة الجزائر ومرور84 سنة على الاحتلال .
فقد كان عدد قليل من الجزائريين يتمكنون من الوصول للتعليم العالي، ناهيكم أن بعض التخصصات العلمية اعتبرت حكرا على المستوطنين وحدهم ، إذ لم يكن باستطاعة حتى أبناء الفئات المحظوظة والمحسوبة على فرنسا من قياد و أعوان الاستعمار الدراسة في عدة تخصصات ، كما أن الترقيات العسكرية لذوي الأصول الجزائرية كانت لا تتعدى في غالب الأحيان رتبة ملازم أو رقيب ..
و قد ذكر لي الدكتور العربي الزبيري واقعة حدثت له شخصيا له تنم عن ميز عنصري رهيب كان يُمارَسُ ضد التلاميذ الجزائريين ، فأثناء دراسته الابتدائية كان الأول في قسمه مما جعل معلمه يحرمه من نيل الجائزة التي كانت من حقه ويسلمها لتلميذة فرنسية لم تكن من أوائل التلاميذ حتى لا يُقال بأن الجزائريين أذكياء أو متفوقين في الدراسة على أبناء المعمرين .
ثم إن مدير تلك المدرسة التي كان يدرس بها طرده لا لشيء، إلا لكونه كان يدرس العربية في مدرسة أخرى تابعة لجمعية العلماء.
الثامن ماي منعرج في المسار التحرري
لقد ولَّدتْ هذه الممارسات البغيضة فكرا وطنيا مستنيرا قبل أن تتحول لاحقا خصوصا عقب مجازر ماي 1945 إلى تيار ثوري جارف وسط مختلف شرائح المجتمع الجزائري و خصوصا في الوسط الطلابي و لدى طلبة الثانويات، ناهيكم عن طلبة التعليم الحر الذي كانت ترعاه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أقامت العديد من المؤسسات التعليمية و التربوية التي كانت تراهن عليها لإحداث الوعي و التغيير لدى الشعب الجزائري .
و أود أن أورد لكم هنا نصا للشيخ البشير الإبراهيمي رحمه عن هذه الوطنية التي يصفها الإبراهيمي بالوطنية العلمية، إذ يقول:
« إن الوطنية العلمية بالقطر الجزائري هي أساس الوطنية الحقيقية، و هي التوجه الصحيح للأمة الجزائرية، فغايتها الأساسية هي تصحيح ميلاد الاتحاد الذي كان تعبيرا عن الانضمام للثورة و الإيمان بأهدافها « .
و لاشك أن ميلاد العديد من التنظيمات الطلابية التي تبنت الفكر الوطني منذ مطلع القرن العشرين هي تجسيد واضح و جلي لهذا الفكر الذي تعزز بميلاد المنظمة الخاصة في نهاية الأربعينيات ثم بزوغ جبهة التحرير الوطني عام 1954 عبر مضامين الفلسفة الثورية التي تضمنها بيان أول نوفمبر الذي اعتنق مبدأ الكفاح الثوري المسلح وسيلة جوهرية لاستعادة الاستقلال و تحقيق مشروع استعادة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية.
و بهذا الصدد فإنه يجد ربي أن أذكركم أن أول تنظيم طلابي خاص بالطلبة الجزائريين تم تأسيسه عام 1919 بموجب القانون الفرنسي لعام 1901 و هو «جمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا « الذي جاء تعبيرا عن وعيٍ وطني رافضٍ للممارسات العنصرية التي انتهجتها «جمعية الطلبة الفرنسيين» ، و هي تنظيمٌ طلابي فرنسي تأسس بالجزائر عام 1885 ، حيث قام هذا التنظيم العنصري بطرد الطلبة الجزائريين من صفوفه، مع العلم أن أول تنظيم طلابي فرنسي كان قد تشكل بفرنسا عام 1877 .
و الواقع أن ذلك التنظيم الطلابي الجزائري كان قد سبق ميلاد نجم شمال إفريقيا و حزب الشعب الذي تبنى فكرة استعادة الاستقلال بأعوام ،و هو مؤشر على ميلاد وعي كبير في صفوف الطلبة باعتبارهم النواة الأساسية لكل تغيير ثوري منشود.
و قد برز هذا التوجه بقوة خصوصا مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث تبنى عددٌ من الطلبة فكرة المطالبة بالحرية و استعادة الاستقلال ، و راحوا يُحركون الوسط الطلابي نحو هذا الاتجاه و من بينهم الأمين دباغين و شوقي مصطفاي .
و مع مخلفات المجازر الرهيبة التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري في ماي 1945 ازدادت وهج الروح الوطنية ،ثم تأججت الروح الثورية لدى الفئة الطلابية خصوصا بعد سلسلة الاعتقالات التي طالت مناضلي حزب الشعب و نفي مصالي الحاج، و بسبب عمليات القمع التي طالت عددا من السياسيين .
و من هنا نسجل ميلاد المنظمة الخاصة التي تبنت الفكر الثوري كبديل للحلول السياسية التي كانت سائدة من قبل.
الجزء (1)
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.