اللقاء يعكس التزام الدولة بإعطاء الأولوية لمسألة التشغيل    وقوع 3.223 حادث مرور في الجزائر، بين جانفي وأكتوبر    الجزائر تدشن المعهد الإفريقي للتكوين المهني ببومرداس    أصحاب المناورات لن يتمكنوا من إيقاف مسيرة الجزائر الجديدة    المباراة المفصلية لكأس العرب بين الجزائري والعراقي    توقيف 5 أشخاص وحجز750 مليون مزورة    انتخاب الجزائر لمدة سنتين باللجنة الدائمة لحقوق المؤلف    الأدب الجزائري باللسان الفرنسي..!؟    هذا برنامج مباريات الدور ال16    BOIKII بميناء الجزائر    عطّاف يلتقي غروسي    الخطّ الأصفر.. حدود الموت    أسعار الخضر تلتهب عبر الأسواق    غزوة ترامب الفنزويلية    إشادة لبنانية بالدور الجزائري    نحن بحاجة إلى الطب النبيل لا إلى الطب البديل..    الجزائر وجهة استثمارية صاعدة في منطقة المتوسط    استحداث شبكة خبراء لاعتماد المنتجات الرقمية    الجزائر لا تتلقى الدروس من أحد    لا تعاطف مع المحبوسين في قضايا ترويج المخدرات    تنظيم صالون للحمضيات قريبا    جهود لتسوية الاعتراضات المسجلة    مسار الزراعات الاستراتيجية تحت المراقبة    احتياطات الأدوية والمستلزمات الطبية تتراجع إلى مستويات الكارثية    الرئيس الصحراوي يطالب الاتحاد الأوروبي بالكف عن التحايل    أبو جزر يحتفي بإسعاد الجماهير الفلسطينية    نخوض كل لقاء كأنه نهائي    بلغالي سعيد بمستوياته مع نادي هيلاس فيرونا    عرقاب يلتقي نائب رئيس البنك الدولي    نحو إطلاق مصنع صيدال بعُمان    هذا برنامج مباريات الخضر في مونديال 2026    حجز 100 كغ من اللحوم الفاسدة    الجزائر تؤكد التزامها بحرية ممارسة الشعائر الدينية وحماية أماكن العبادة    كأس العرب فيفا قطر 2025 / الجزائر- العراق:"الخضر" على بعد نقطة واحدة من الدور ربع النهائي    وزير الشؤون الدينية ووالي ولاية الجزائر يعاينان مشاريع ترميم معالم دينية وتاريخية بالعاصمة    انتخاب الجزائر نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة لحقوق المؤلف بالويبو للفترة 2026-2027    توقيع بيان لتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الجزائر والوكالة الدولية للطاقة الذرية    بلمهدي يشرف على اجتماع لمتابعة الرقمنة بقطاع الأوقاف    المؤتمر الإفريقي للمؤسسات موعدا سنويا هاما للتعاون البيني    ثورة التحرير الجزائرية تشكل نموذجا ملهما لحركات التحرر    سفارة النمسا في الجزائر توجه رسالة مؤثرة للجماهير الرياضية    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    الفرقاني.. 9 سنوات من الغياب    المفتاح تمثّل الجزائر    منحة السفر تُصرف مرّة سنوياً    رئيس الجمهورية يعزّي..    ناصري وبوغالي يعزّيان    نظام أجور خاص لحماية القضاة من الإغراء والتأثير    وزير المجاهدين يكرّم المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد    الكتابة مرآة المجتمع وسؤال المرحلة    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    أقرها رئيس الجمهورية.. إجراء عملية القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حج إضافية    صور من الحب والإيثار بين المهاجرين والأنصار    أفضل ما تدعو به لإزالة الألم والوجع وطلب الشفاء    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    قرعة الحجّ الثانية اليوم    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرف والحرفيون بمدينة الجزائر 1700 - 1830
نشر في الشعب يوم 30 - 06 - 2021

سلّطت الباحثة المرحومة عائشة غطاس الضوء في أطروحة دكتوراة دولة في التاريخ الحديث بعنوان "الحرف والحرفيون بمدينة الجزائر 1700-1830 مقاربة إجتماعية - اقتصادية"، على موضوع مهم يتعلّق بالتنظيمات الحرفية بمدينة الجزائر في العهد العثماني، والشرائح الاجتماعية التي أسهمت في ذلك، حيث طرحت مجموعة من الأسئلة تتعلّق بخصائص النسيج الاجتماعي لمجتمع مدينة الجزائر، وآليات تسيير مجتمع المدينة وكذا ملامح التنظيم الحرفي وهل تميز بتقاليد راسخة في توريث الحرفة في العائلة الواحدة؟ وطبيعة العلاقة بين السلطة والتنظيمات الحرفية والتوجهات الاقتصادية للمدينة ووضع الحرفيين المادي.
تقول الباحثة، إن اختيارها لمدينة الجزائر كان لاعتبارات عدة بحكم التحوّلات العميقة التي شهدتها المدينة، فابتداء من 1519 أصبحت إحدى المدن المتوسطية الهامة وتؤدي دور الجبهة الغربية المتقدمة في الصراع الإسلامي - المسيحي، كما عرفت المدينة إزدهارا إقتصاديا غير معهود.
وتضيف، أن تحديد الفضاء الزمني لم يكن اعتباطيا إذ ظلّت الفترة الممتدة من مطلع القرن ال18، إلى أواخره إحدى الحلقات الغامضة في شتى الجوانب لكونها لم تحظ بدراسة متخصّصة، وأنها أرادت من خلال اختيار موضوع شريحة الحرفيين وهي شريحة هامة في المجتمع رسم صورة عن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية لمجتمع مدينة الجزائر من مطلع القرن ال18 إلى غاية الصدمة الإستعمارية عام 1830.
إن الهدف المتوخى هو البحث في القوى الإقتصادية وبمدينة الجزائر، أي دراسة ما كان يسمى وقتذاك الجماعات وهو مصطلح أطلق على التجمعات المهنية، وعلى التجمعات البرانية أيضا. البرانية وهي التنظيمات التي ضمّت العناصر الوافدة على مدينة الجزائر من المناطق الداخلية، فالدراسة لا تستثني أيّة جماعة ساهمت في الإنتاج أم في الخدمات.
وتسعى الدراسة إلى تسليط الضوء على دور النشاط الحرفي والتجاري بمجتمع مدينة الجزائر من جهة، وعلى الأوضاع المادية لشريحة الحرفيين من جهة أخرى.
قسّمت الدراسة إلى أربعة أقسام، الأول بعنوان مجتمع المدينة والمخصّص للفضاء الذي تعيش فيه شريحة الحرفيين محل الإهتمام، ونشأة المدينة وتطوّرها وضمّ هذا القسم ثلاثة فصول تناولت التركيبة السكانية بهدف الوقوف عند التركيبة الداخلية لإعطاء صورة عن النسيج الإجتماعي، حيث تطرّقت إلى الحضر والعنصر التركي ومكوناته، والكراغلة والدخلاء "العناصر الوافدة"، والتنظيم الإجتماعي الساري على هذه الأخيرة، والحديث عن أهل الذمّة.
أسواق وسويقات وفنادق ورحبات
في حين تطرّق القسم الثاني للبنية الحرفية بوجه خاص، حيث شكّل عدد الحرف إحدى المسائل الهامة التي تعكس أهمية البنية الحرفية بالمدينة، وتناولت غطاس وراثية الحرفة والاختيارات الحرفية في الأسرة الواحدة، وانتقلت للبحث في طبيعة العلاقة بين السلطة والتنظيمات الحرفية والعلاقات بين الجماعات لإبراز الجماعة كإطار للاندماج والالتحام والتآزر والتضامن.
وخصّص الفصل الثالث للنظام الضريبي الذي خضعت له التنظيمات الحرفية، وجغرافية النشاطات الحرفية، حيث تطرّقت الباحثة إلى طبيعة التوزع الطوبوغرافي للأسواق من حيث نظام التخصّص، وتوقفت عند مختلف المنشآت ذات الطابع الإقتصادي والتجاري من أسواق وسويقات وفنادق ورحبات وكلها مؤشرات عن طبيعة النشاط الإقتصادي بالمدينة، كما أولت عناية خاصة إلى تركيبة فئة الحرفيين، إذ بحثت في الشرائح التي ينتمي إليها هؤلاء الحرفيون من حضر، أتراك، برانية ومن خلال ذلك تناولت دور الجيش في التنظيمات الحرفية.
أما الفصل الرابع والأخير فقد أفرد للحياة اليومية بهدف البحث في خصائص نمط حياة الحرفيين والممارسات والسلوكات الإجتماعية التي ميّزت هذه الشريحة، بالإضافة إلى دراسة الثروات ومستويات المعيشة، ولقياس الوضع المادي لشريحة الحرفيين تناولت عائشة غطاس الثروة وتوزيعها عند شرائح أخرى وفي العالم الحرفي بوجه عام، وعلى مستوى الجماعة بوجه خاص، واستيراتيجية المصاهرات ودور الحرفة في توجيهها.
سجّلات المحاكم الشرعية ومذكرات الزهار
وفي هذه الدراسة القيّمة اعتمدت الباحثة على رصيد من الوثائق العثمانية، وسلسلة سجلات المحاكم الشرعية ومذكرات الحاج أحمد الشريف الزهار نقيب أشراف الجزائر، ومخطوط نادر بعنوان: "هذا قانون على أسواق مدينة الجزائر"، وكذا دفاتر بيت المال وسجلات البايلك.
أظهرت الدراسة، أن المدينة تمتّعت بمؤسسات تنظيمية وتسييرية في غاية الأهمية، وكان لها بالغ الأثر في ضبط سير الحياة اليومية بما في ذلك التنظيمات الحرفية، فالعنصر المحلي بما في ذلك الأندلسي أسهم إسهاما فعليا في تسيير المدينة، وخضع التسيير لأشراف مجموعة واسعة من الموظفين الحضريين بمهام معينة ومحدّدة.
وعلى ضوء المعطيات الإحصائية المتعلقة بالبنية الحرفية خلصت الباحثة إلى أن المدينة إشتملت على أغلب ما تحتاج إليه من منتوجات وخدمات مختلفة، وتشير إلى أنه رغم صعوبة التمييز بين الجماعات التي عنيت بالإنتاج وتلك التي عنيت بالتسويق، لأن بعضها قام بالعملين معا، إلا أنه يمكن التمييز بين ثلاث أصناف من الجماعات الحرفية المتخصّصة من حيث وظيفتها، فهناك جماعات متخصّصة في الإنتاج وجماعات متخصّصة في الخدمات وأخرى في التسويق، حيث خلصت إلى وجود 99 حرفة والمتعلقة بأصحاب الحرف الذين تظهرهم سجلات المحاكم الشرعية ودفاتر بيت المال.
مميزات الحفاظ على التقاليد الموروثة
في المقابل، أكدت الدراسة أن مبدأ توريث الحرفة في الأسرة الواحدة لم يكن ثابتا، بل تميزت الاختيارات الحرفية في الأسرة الواحدة بنزعتين بارزتين أولهما الحرفة أو الصنعة تكاد تكون متوارثة في كل الأسر الحرفية التي توّلت أمانة الصنعة، وتشير إلى أن الوصول إلى أعلى سلم في هرم التنظيم الحرفي يعود إلى اكتساب مهارة ودراية وتقاليد حرفية، لذا حرصت تلك الأسر على العمل لاستمراريتها على امتداد عدة أجيال في الأسرة الواحدة، وهي ظاهرة بارزة في الحرف المعتبرة والمريحة كالعطارة والحرارة والقزازة، الصفارة والدباغة.
وثانيهما تنويع الاختيارات المهنية، حيث يلاحظ تباينا كبيرا بين النشاطات الممارسة في الأسرة الواحدة من حيث موقعها الجغرافي وطبيعتها، فإحدى مميزات المجتمع الحرفي هي الحفاظ على التقاليد الموروثة في صنعة معينة مع تفتحها على صنائع أخرى، تقول عائشة غطاس.
وتضيف أنه من الملامح التي تبدو بارزة في التنظيم الحرفي الدقة في تقسيم العمل، فالجماعة الواحدة تفرّعت إلى عدة جماعات، وما عرفته مدينة الجزائر كان شبيها بما كان سائدا في المغرب الأقصى، لاسيما في النمط الفاسي، حيث كانت كل حرفة أو صنعة تحتمي بولي، لكن الجماعات الحرفية لم تصطبغ بالصبغة الدينية، كما وجدت ضمن كل جماعة هيئة كبار الحرفة من المعلمين.
تدخّل السلطة في ضبط الأسعار
وتشير الدراسة فيما يتعلّق بطبيعة العلاقة بين السلطة والتنظيمات الحرفية إلى رقابة السلطة الدائمة وتدخّلها الواضح في قضايا التسعيرة وغيرها، لاسيما تحديد الحد الأدنى للأسعار لتفادي حدوث أزمات التمويل بالمدينة، وإلى غاية منتصف القرن ال19 فإن أسعار مختلف البضائع ومواد الإستهلاك، وأسعار الخدمات كانت محددة ومراقبة من طرف أعلى السلطات باعتبارها من قضايا السلطة الهامة.
أما التوجهات الإقتصادية للمدينة فكانت صنعة الحرارة أي الحرير أكثر فروع الإنتاج إزدهارا ورواجا، وأبرزت المعطيات الإحصائية، أن هناك تفوقا واضحا للنشاط التجاري ولحرف الخدمات بالمدينة، مبيّنة إسهام جل الشرائح الإجتماعية في الحياة الحرفية بالمدينة وفي شتى المجالات.
وأظهرت الدراسة، أيضا أن الصنائع الراقية كادت تكون مقصورة على حضر المدينة، أما حرف الخدمات المتواضعة فقد تركت للعناصر الوافدة.
ومن أشهر العائلات في صناعة الحرير وإحتكار هذه الصنعة عائلة بوعينين، وعائلة ابن المليح في العطارة وعائلة المسطول في صنعة السراجة، عائلة حمادوش وصنعة الدباغة، وغيرها فاختيار الصنعة في العائلات الثرية إختيار إستراتيجي، فهناك توجّه نحو الصنائع المربحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.