تكريم رسمي لأشبال الأمة المتفوقين.. إشادة بالعزيمة ووعد بمواصلة الدعم    وزارة التربية تغيّر مكان إيداع ملفات المصادقة لتقريب الخدمة من المواطنين    سكيكدة: موسم التخفيضات الصيفية يثير إقبال المتسوقين    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60430 شهيدا و148722 مصابا    البطولة الإفريقية للمحليين-2024: المنتخب الوطني يحل بكمبالا    بوغالي يهنئ الفريق الوطني لكرة السلة بفوزه بلقب البطولة العربية    منظمة التعاون الإسلامي تثمن عزم كندا ومالطا الاعتراف بدولة فلسطين    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر 2025): السباحون الجزائريون يحصدون 6 ميداليات منها ذهبيتان في ختام المنافسة    بودن يدعو إلى إعادة التوازن لمنظومة العلاقات الدولية    الموت جوعاً يحصد أرواح أطفال غزّة    منصب أممي لبن جامع    واضح يُشدّد على التعريف أكثر بمفهوم المقاول الذاتي    هذا جديد جامع الجزائر    ناصري يُطلق نداءً لوقف إبادة الفلسطينيين    هذه تفاصيل عطلة الأمومة..    أمطار بعدّة ولايات    استكمال صبّ المنحة المدرسية الخاصّة    ثقل دبلوماسي ودور محوري في حل النزاعات    بحث مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية    زيارة عون إلى الجزائر كانت ناجحة بكل المعايير    أهمية بالغة لتثمين الكفاءات الجزائرية المقيمة في الخارج    وهران: الطبعة الثانية للصالون الدولي لطب الأسنان "امداكس" من 18 إلى 20 سبتمبر    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    النخبة الوطنية أمام رهان التألق في كل الرياضات    إلياس سليماني رئيسٌ جديدٌ ل"الموك"    المهاجم بلحوسيني يغادر "السياسي" إلى "بلوزداد"    تحذير من كارثة صحية في مخيمات النّزوح بدارفور    قمع متواصل وتشهير منظّم لتشويه سمعة الإعلاميين في المغرب    مشاريع واعدة في قطاع التربية بتلمسان    الإعلان عن حاملي المشاريع المبتكرة    غريقان في شواطئ الولاية    "فخّ" الجمال يهدد عيون الجزائريات    ارتداء لثام النيلة.. سرّ أهل تندوف    جدارية تذكارية تخلّد "الأحد الأسود"    المكتبة المتنقلة تُنعش الفضاء الثقافي    "الكلمة".. عرضٌ مسرحيّ يُوقظ الوعي في الشارع العنابي    قطاع غزّة على شفا المجاعة    البنك الدولي يدرج الجزائر مجددا ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60332 شهيدا و147643 مصابا    تضامن وطني: استكمال عملية صب المنحة المدرسية الخاصة في آجالها المحددة    جانت : قصر الميزان تيغورفيت أحد المعالم الأثرية والسياحية البارزة في المنطقة    تمديد أجل إيداع وثائق استيراد وسائل التجهيز والتسيير إلى غاية 15 أغسطس الجاري    وهران:" ليلة المتاحف " تصنع سهرة بنكهة مميزة    مجزرة جديدة في غزة: 86 شهيدًا بينهم 71 من منتظري المساعدات    افتتاح صالون دعم الاستثمار    استذكار مواقف أيقونة النضال والتحرر    بللو يؤكّد الدور الاستراتيجي لمركزي البحث    رئيس لجنة تنسيق اللجان يشيد بالتنظيم المحكم    رافد استراتيجي لصون التراث الثقافي الجزائري والإفريقي    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيصل الأحمر يقرأ «نظام التفاهة»
نشر في الشعب يوم 28 - 08 - 2021

نظمت جمعيات الدفاع عن اللغة العربية وتكوين الشباب بالمملكة العربية السعودية ندوة عن طريق المنصة الرقمية (زوم) لمناقشة كتاب نظام التفاهة لمؤلفه الدكتور آلان دونو أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة كيبيك بكندا، حيث شارك في الندوة مجموعة من الدكاترة مثل: د/فيصل الأحمر(الجزائر)، د/أميرة داود كشغري(السعودية)، د/خديجة الصبان(السعودية)، أ/وحيدة ألمي(تونس).
خلال مداخلته في الندوة أشار الدكتور فيصل الأحمر إلى أن الفيلسوف الكندي «آلن دونو» (Alain Deneault) ‏(مواليد 26 سبتمبر 1970) يتناول موضوع تحول التفاهة على نظام la médiocratie يسير قطاعات الحياة العملية العقلية جمعاء؛ أي انه نظام يلامس كل قطاعات الحياة مضيفا أن المصطلح المترجم إلى العربية بنظام التفاهة يحيل على التوسط والنمطية وانعدام معايير التميز le moyen et la moyenne ... هذا المعيار الذي يعكس الخصوصيات ويهدف إلى تحويل الناس كلهم إلى ما يشبه روبوتات عاملة، أو ما يشبه قطيعا لا يخرج واحد منه عن الصف...، وأردف أن المصطلح غذم لا يحيل بالضرورة على الحقارة وان كان لا يخل منها، لأن صفة médiocre تحيل دوما على المتوسط الذي يستطيع أن يأتي بما هو أفضل.
ثم ذكر قول الفيلسوف الكندي آلن دونو في كتابه نظام التفاهة: « إننا اليوم نعيش أوج عصر التفاهة، وإن صور التفاهة أصبحت تحيط بنا من كل صوب، وفي كل شأن، ومجال، أصبحت أكثر من أن تحصى، والتافهون كُثُرٌ من حولنا، يطلون من كل مكان، ويدخلون البيوت عنوة، وما باليد حيلة لطردهم! «، ويضيف: إن التافهين قد حسموا المعركة، جعلوا التفاهة نظامًا يَفرِضُ عليك أن تنخرط في اللعبة، التي لا شأن فيها للاعتبارات الانسانية، ولا لقيم، ومُثل ومبادئ، ومفاهيم عليا، وصارت المصلحة العامة مفهومًا مغلوطًا لمجموع المصالح الخاصة لأفراد، وشركات، والكل يتنافس على الإبداع، والابتكار في التفاهات، وأصبح التافهون اليوم يسيطرون على مجريات الكثير من الأمور في العالم.
وأوضح الدكتور فيصل الأحمر أن أول ما يهمنا في الأجزاء الخاصة بتناوله للنخب هو إصراره على أن التفاهة خطاب نتلبس به أولا... خطاب يتلاعب بنا فيما بعد، ويحول كل ممارساتنا الثقافية إلى نوع من الخيرية التافهة، أو من الحتميات الحضارية التي تتمثل في أوضاع لا يمكن تصور سواها.
مضيفا أن ما يرصده كخطوات لهذا العمل خطوات مثل: تسطيح الثقافة، تسليع المعرفة، والنقد السلبي للمثقف على أنه متخلف ورجعي، وأنه يفضل عدم تحقيق نتائج حسب منطق المؤسسات الرأسمالية التي تحول التنافس على طبيعة تثمينية والنجاح المدعم بالأرقام، فالمثقف في نظام التفاهة فقير متخلف على المستوى الاجتماعي، ومخيف أيضا... فهو «غريب» و»غير واضح» لشذوذه السلوكي الذي قد يكون تخلفه تكنولوجيا وحنينه المستمر إلى أشكال الماضي الرجعية علامة دالة عليه ....
وفي ذات الصدد، قال صاحب «ضمير المتكلم» أن النخبة في عالم نظام التفاهة - حسب دونو - ليست باحثة جادة بل مهرجة تظهر باستمرار على شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي... أما صورة المثقف العاكف على القراءة، البحث وتحصيل المعرفة الدقيقة العميقة فهي صورة سلبية عموما، فبطل هذا العالم الحديث هو النجم التلفزيوني، الشخص الذي يراه الجميع باستمرار ويحاولون التشبه به، حيث يقول دونو ما معناه أن الفضاء الأكاديمي هو المسؤول عن كل هذا، وأن كل شيء يبدأ في الجامعة لأنها هي الصانع الأول للمعايير والقيم... وهي الراعية للقيم... ثم يقول إن الجامعات قد دخلت في البراديغمات النيوليبرالية للربح وللاستثمار... وأن الجامعة قد صارت بين أيدي أصحاب رؤوس الأموال الذين دخلوها مستثمرين في شيء نبيل مثل المعرفة البشرية، ثم تحولوا بسرعة إلى
أصحاب قرار بأشكال ودرجات متفاوتة...المرحلة الثانية لتكريس هذا الوضع هو في نظام تعيين المسؤولين الذين عامة ما يتم تعيينهم حسب درجات الولاء لصاحب العمل وللمسؤول الذي يعينهم،... لهذا فالتافهون هم دوما الأقرب إلى هذه المناصب التي لا تناسب المتميزين وأصحاب روح المبادرة... في مرحلة لاحقة تتطور المعايير، وتتغيّر المفاهيم عند الجميع، فيعينون العاجز مكان المقتدر، ويوصلون المحدود علميا مكان العالم، مع تفضيل التوسط والنمطية في التسيير للتفاهة على القيمة؛ فتنشأ أجيالٌ، لديها شعور راسخ أن التدنّي، والرداءة، هما القاعدة، وغيرُهما استثناء؛ والسبب هو مسخ القدوة التي تتصدر شاشات الإعلام، الذي يشكّل وعي الأجيال، ويؤثر في ثقافتهم، وصناعة سلوكياتهم... في عصر التفاهة صار بعض أنصاف المثقفين المنبهرين بها يستلذون بإنهاء دور المثقف الأكاديمي الجاد؛ لأن الشعبي قد برز، وأخذ مساحته، وصار له منبره على طريقة الإعلام الجماهيري، منبر من لا منبر له؛ فالسوشيال ميديا مبدئيًا نجدها قد اكتسحت كل هؤلاء، فهي طوفان جارف، لا أساس علميا لها، ومعظم ما يقال على شاشاتها تافه، وقد وُصفت بأنها محاولة تأصيل جذر التفاهة، أو البحث عن سببه، وعلته.
وذكر المتحدث أن الملامح العامة لنظام التفاهة: الثقافة الاستهلاكية -الرأسمالية وهيمنة الإعلانات، التلفزيون، الأفلام، والمشاهير. إنهم نوع من المجتمع الاستعراضي كما يسميه «غي دي بور» (Guy Debord) مع تكريس لفكرة الجدة والانقلاب على قيم الماضي، الاستهتار، الخفة العامة التي تطبع كل شيء، الضغط المعنوي على الجميع لأجل تبني هذا النظام من أجل الإندراج في الموضة، أما المرحلة الأخيرة فهي: تكريس خطاب جديد يمهد لهذا الوضع الذي يصبح حتمية يصعب التفكير من خارجها.
مضيفا أنه من الأفكار الهامة فيما يتعلق بالنخب الأكاديمية والتي تفسر أسباب هيمنة التافهين النمطيين وعديمي الكفاءة والتميز على مختلف قطاعات الحياة: فكرة تغير مفهوم العمل وذوبان المهن في الوظائف، لكي يصير العمل مهمة يقوم بها العامل دون أدنى انخراط عاطفي أو عقلي بها. فالعمل مجرد وسيلة للبقاء، ولم يعد فضاء حيويا لتحقيق الذات، ولا تركة عائلية أو ميدانا إبداعيا للتفنن، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يرد الظرف السياسي الباحث عن مواطنين وديعين، والبحث عن المواطن المندرج اجتماعيا و»المعتدل» سياسيا، مواطن لا يشارك في التفكير في مصيره أو يمارس الديمقراطية بل يكتفي بالموافقة من خلال تصويتات عمياء تمنح وكلاءه الحق في التصرف بحرية مطلقة في مصيره.
كما أكد الدكتور فيصل الأحمر أن مسألة الرأي هامة جدا بالنسبة للموضوع، لذا يقف دونو عند ظهور شخصية العالم الحاضر إعلاميا كخبير. خبير هو دوما مرتبط ماليا بالشركات الكبرى التي توظفه أو توكل إليه بمهام تسير في اتجاه مصالحها. خبير غالبا ما يحظى بحضور إعلامي كبير جدا مقارنة بالعالم. العالم الذي يبحث لذات العلم بعيدا عن منطق الفائدة السريعة الكبرى التي تحرك الشركات متعددة الجنسيات. شركات كلمتاها المفتاحيتان هما: الهيمنة والربح. حيث يقول دونو إن الخبير أفضل تجسيد لنظام التفاهة، فهو خادم وفي للسلطة، يضع عقله في خدمتها. على عكس المفهوم الكلاسيكي للنخب المثقفة الملتزمة بقضايا ناطقة بقيم إنسانية تعد المصلحة التجارية نقيضة لها، فالجامعات أصبحت خاضعة للشركات المموّلة كما أسلفنا... وهي بهذا خاضعة لإملاءاتها التي كثيرا ما تكون شرطا لاستمرار السيولة المالية الكبرى. الشركات تريد خبراء يكررون نموذجها الرابح الناجح، ولا تريد مثقفا يعارض ويهدم الأنظمة القائمة بهدف تغيير الأوضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.