تشكّل الفلاحة العائلية حوالي 80٪ من الفلاحة بالجزائر. وتبذل الحكومة الجزائرية جهوداً مضنية في سبيل دعم الفلاحة الأسرية المستديمة، إذ تواصل الدولة سياسة دعم تشييد سكنات ريفية لائقة، كما توفر متطلبات حياة كريمة للأسر الريفية، هذه الأخيرة تردّ جميل الحكومة بسلّة غذاء آمنة تدعم الأسواق المحلية وتسهم في تعزيز مخططات الحكومة لتحقيق الاكتفاء الغذائي، خاصة في ظل قرارات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون الشجاعة والرامية لتطوير الأداء الفلاحي والاعتناء بالفلاّح على وجه الخصوص. بمزرعة بيته الصغير بأعالي جبال البويرة، يتوارى مصطفى بين سيقان نبتة الذرّة الصفراء العالية المحيطة بالمزرعة التي وإن بدت صغيرة في مساحتها، إلا أنّ إنتاجها وفير؛ فمصطفى لم يقصد سوق الخضر بالمدينة طيلة فترة نضج منتجات مزرعته، التي تجاور منزلا شُيّد بفضل الدعم الذي تلقّاه من طرف الحكومة ضمن برنامج السكن الريفي. يروي مصطفى ل «الشعب » كيف تخلّى عن المدينة وعن العمل في أحد مصانع الخواص والتحق بالرّيف في السنوات الأخيرة، مشمّرا عن ساعديه ليخدم الأرض برفقة أهله. فالعادة لدى سكان الريف أن تكون العائلة أول سند في الفلاحة، فدور المرأة الريفية في تحضير البذور والحفاظ عليها لا يقل أهميّة عن دور الفلاّح في تجهيز التربة وقيادة العتاد الفلاحي. ويقول مصطفى، لم يعد هناك فرق بين الريف والمدينة، فكل شيء متوفر من كهرباء وغاز طبيعي وحتى شبكة الانترنت، كما لم تعد تعاني المناطق الريفية من ارتفاع في معدلات فقر الدخل، بفضل تجربة الجزائر الرائدة في دعم الفلاحة في الأرياف والدخل الذي صارت تدرّه الزراعة المدعمة بجميع أنواع القروض التي تضمن للفلاّح وفرة في البذور والأسمدة طيلة الموسم الفلاحي. وعلى ذكر الدعم الحكومي للفلاحة الأسرية بالجزائر، تقرّ منظمة الأمم المتحدّة للأغذية والزراعة بتجربة الجزائر الناجحة في مجال تطوير الفلاحة الأسرية. كما تدعو المنظمة الأممية إلى "نقل التجربة الجزائرية إلى عديد الدول التي لا تزال في حاجة إلى الدعم التقني والمرافقة في مجال الفلاحة". ولم يأت اعتراف الهيئة الأممية من فراغ، فما تبذله الحكومة الجزائرية في دعم الفلاحة الأسرية، خصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة، وفي ظل الجزائر الجديدة تعززّ بتوجيهات الرئيس تبّون لدعم الفلاّح والأسر الريفية، ورفع العراقيل البيروقراطية عن الراغبين في العودة للريف واستفادتهم من سكنات ريفية بعد أن أسقط شرط الحيازة وعقد الملكية للاستفادة من الدعم الذي يبلغ مليون دينار جزائري ببعض ولايات جنوبنا الكبير، فيما يبلغ بولايات الشمال 700 ألف دينار جزائري. وبالإضافة للسكن الريفي، تسهر الحكومة، منذ تولي الرئيس تبّون سدّة الحكم، على تعزيز مكانة المرأة الريفية، حيث التزم الرئيس "بمواصلة العمل على التمكين الاقتصادي للمرأة وتحسين وضعها وإنشاء آليات لتعزيز المقاولاتية النسوية، لاسيما في المناطق الريفية". واتخذ الرئيس عبد المجيد تبّون، الذي يعول على الفلاحة لفك الارتباط بعائدات المحروقات، عديد القرارات التاريخية لفائدة الفلاحّين، كالقرار الأخير الذي أمر فيه بتعويض الفلاحين المتضررين من الجفاف ودعمهم بالبذور والأسمدة مجانا، في سابقة أثلجت صدور الفلاّحين برفقة عائلاتهم. الفلاحة العائلية تشكل 80٪ من الفلاحة بالجزائر من جهته، أسهب ل «الشعب » رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أحمد يزيد حمبلي في الحديث عن تاريخ الفلاحة العائلية في الجزائر، التي تشكل 80٪ من الفلاحة الجزائرية بشكل عام، مشيدا بهذا التصنيف الفلاحي الذي سمح للفلاحة الجزائرية بمقاومة كل التقلبات والأزمات الاقتصادية التي عصفت بعديد الدول، مشيرا إلى أن الجزائر عرفت استقرارا في أمنها الغذائي، مذكّرا بالاستقرار الذي شهدته الأسواق الجزائرية خلال فترة الأزمة الصحيّة، بفضل المنتجات المحليّة من إنتاج الفلاحة الجزائرية. وأكد أحمد يزيد حمبلي، أن المنظومة الفلاحية في الجزائر تعتمد على الفلاّح وعائلته التي تربطه بأرضه علاقة وثيقة، موضحا أن الأرض تعطي لمن يخدمها، فالفلاحة في الأرياف تنبني على علاقة حب الفلاّح لأرضه، وهي أقوى من أي مصلحة ربحية أو تجارية قد تربط الإنسان بالأرض، وقال حمبلي "بالرغم من الغلاء الذي شهدته بعض المدخلات على الفلاحة، إلاّ أن العائلة الفلاحية لم تتخل عن أرضها، والفضل يعود لوجود رابط بين الأرض الفلاحية والأسرة التي تعتمد عليها كمصدر دخل وحيد". وأضاف رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن الفلاّح الجزائري يمتلك بطاقة فلاّح لكن الصفة يحملها معه جميع أفراد عائلته الذين يساعدونه في أعماله الفلاحية، وهو ما يعكس تمسك الأسر الجزائرية بأرضها، ما سمح ببلوغ قطاع الفلاحة نسبة 14,7٪ من الناتج الوطني الخام، وارتقى بالجزائر إلى مصف الدول الرائدة في الأمن الغذائي، خاصة بعد أن وضع المؤشر العالمي للأمن الغذائي الجزائر في المركز الأول بالقارة الإفريقية وفي مكانة متقدمة عالميا. ودعا حمبلي إلى تثمين وتأمين الفلاحة العائلية من أجل أن تكون فلاحة مستدامة وضمانا حقيقيا للأمن الغذائي، مشيرا إلى أن الاستثمارات الكبيرة في الفلاحة ضروريةو لكن لا يمكن التعويل عليها بمفردها، فأصحاب هذه الاستثمارات يبحثون عن الربح وبالإمكان أن يغيروا من نشاطهم الفلاحي أو أن يتخلّوا عنه، في حين أن الفلاحة العائلية يبقى فيها الفلاّح متمسكا بأرضه، بغض النظر عن حجم الإنتاج أو الربح للموسم الفلاحي. وأضاف رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن هذا ما يبرز الدور الحقيقي وأهمية الفلاحة العائلية في استقرار الأسواق وتحقيق الأمن الغذائي، وهو ما تدعمه منظمة الأمم المتحدّة للأغذية والزراعة "فاو" بعديد البرامج والخطط من أجل استقرار الساكنة بالأرياف. برامج النهوض بمناطق الظل ساهم في دعم الفلاحة العائلية وذكر أحمد يزيد حمبلي، أن العديد من المنتجات الغذائية بالجزائر مصدرها الوحيد الفلاحة العائلية، خاصة بعض الفواكه الموسمية مثل "التين، التين الشوكي.." وأنواع أخرى من الخضروات التي لا توفرها سوى العائلة الفلاحية وبعض المناطق بأرياف الجزائر، وتضمن تمويل الأسواق المحليّة. وأشاد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، ببرامج الدعم التي أمر بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون لفائدة مناطق الظل، والتي بلغ صداها إلى أبعد من التنمية الريفية، خاصة برنامج تعميم الكهرباء الريفية وتعبيد الطرق وغاز المدينة الذي بلغ أرياف الجزائر في قمم الجبال، وهو ما ساهم في تثبيت الساكنة بهذه المناطق والعودة إلى نظام حياتهم الفلاحي، الذي يعتمد على الإنتاج واستهلاك ما تنتجه أراضيهم. ويرى رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أحمد يزيد حمبلي، أن اهتمام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون بالمرأة الريفية نابع من قناعاته، أنّ عماد الأسرة الفلاحية هي المرأة التي بدورها أبانت عن قدراتها في مقارعة الرجال في الميدان الفلاحي، حيث أصبحت تعمل جنبا إلى جنب مع الفلاح، ولنا في هذا أمثلة عديدة، يقول حمبلي. وأضاف محدثنا، أن المرأة الريفية هي صمام أمان الفلاحة العائلية ودورها يبرز أكثر في أعمال الفلاحة المنزلية، من توفير للحليب وصناعة الأجبان وتجفيف الفواكه والخضروات. وذكّر حمبلي ببرامج تنمية أعدّت خصيصا للمرأة الريفية بالجزائر، كما أن الحكومة لا تفوت فرصة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الريفية المصادف ل15 أكتوبر من كل سنة، أين تُبرز الدور المحوري الذي يلعبنه في نجاح المشاريع الفلاحية المصغرة، خاصة وأن الجزائر تحصي أزيد من 60 ألف فلاّحة تحوز على البطاقة المهنية. وأشار حمبلي، أن هناك عدة دورات تكوينية لفائدة المرأة الريفية، كما أن الدولة سهرت على توفير برامج دعم لهنّ بالوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية، وكل هذا من أجل تحقيق عدة أهداف، من أهمّها الأمن الغذائي عن طريق الفلاحة الأسرية، مشيرا إلى أن تربية الأبقار التي تعرف وتيرة متسارعة هي المشاريع الكبرى، إلاّ أن المشاريع الصغيرة لهذا الصنف من التربية الحيوانية يرتكز على الفلاحة العائلية بنسبة تفوق 80٪. بنك البذور تقليد متوارث لدى العائلات الفلاحية أكد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن منتجات الفلاحة العائلية تشكل فرصة لولوج الأسواق العالمية، من خلال جودتها وبعض الأصناف النادرة، وهو ما استدعى تثمينه ببرنامج أعدته الدولة الجزائرية لمرافقة المنتجين المحلييّن كوسم المنتجات البيولوجية ومنح علامات الجودة، مشيرا إلى أن الفلاحة العائلية تلعب دورا كبيرا في توريث جينات البذور والسلالات الحيوانية. وأضاف حمبلي، أن الدولة وبحكم توجهها نحو إنشاء بنك البذور، لم تهمل الدور الأساسي للفلاحة العائلية في هذا التحدّي، والذي أعلنت فيه الحكومة عن الشروع في تشييد صوامع تخزين البذور خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير. ويرى رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة أحمد يزيد حمبلي، أن بنك الجينات سيترسخ لدى الفلاحين الجزائريين كفكرة أو نظام عمل، خاصة وأنه تقليد متوراث قبل شروع الحكومة في تشييد صوامع تخزين البذور، فتوارث العائلات الفلاحية لبذور وسلالات حيوانية عن الأجداد والحفاظ عليها يعتبر من أكبر مظاهر بنك الجينات الراسخة في التقاليد الفلاحية بالجزائر. في ذات السياق، أوضح حمبلي أن للفلاحة العائلية دور كبير تثمنه الحكومة في الحفاظ على الموروث اللاماّدي، من خلال محافظة الأسر الريفية على العديد من طرق تحضير أنواع من المنتجات الفلاحية، وطرق الحفاظ على جودة بعض الأغذية دون استعمال الوسائل التكنولوجية المستهلكة للطاقة اليوم، وهو ما يؤهل الفلاحة العائلية لتبوإ مكانة استراتيجية في معادلة الأمن الغذائي. من جانب آخر، أكدّ رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة، أن الدولة خصصت برامج كبيرة لدعم النشاطات الفلاحية الصغيرة أو الفلاحة العائلية، خاصة في صنف التربية الحيوانية، بالإضافة إلى العمل الكبير الذي تسهر عليه فيما يخص تكوين المرأة الريفية في ميدان استخلاص الزيوت النباتية بالمناطق الجبلية، مشيرا إلى التعاونية التي أنشئت في كل من عنابة والطارف للمرأة الريفية في استخلاص الزيوت النباتية، واستفادتهن من عدة دورات تكوينية مع شركاء ألمان لتطوير التقنيات المستعملة في هذا المجال. وأضاف محدثنا، أن هناك عدة مجالات تتلقى فيها المرأة الريفية تكوينا متواصلا، كمجال صناعة الأجبان أو صناعة الصابون التقليدي وغيرها من النشاطات التي تعتمد على الفلاحة في توفير المواد الأولية.