حققت الجامعة الجزائرية نقلة نوعية في مجال الابتكار وريادة الأعمال. وقد أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أنها "في الطريق الصواب، كونها لأول مرة تساهم في خلق الثروة ودعم الاقتصاد"، عكس ما كان عليه الأمر في السابق، حيث "كان الطالب يدخل الجامعة للحصول على شهادة، يقوي بعدها صفوف البطالين". أحصت الحكومة في إطار تطوير اقتصاد المعرفة والابتكار، نتائج إيجابية على أرض الواقع، لاسيما في الوسط الجامعي، إذ سجلت مناقشة ما يفوق 2400 مشروع ضمن إطار جهاز شهادة- مؤسسة ناشئة/ شهادة براءة اختراع، منها 734 مشروعا في طريق التحويل إلى مؤسسة مصغرة و854 طلبا للحصول على براءة اختراع. وبهدف تنمية التكوين المقاولاتي عند الطلبة، تم إنشاء 102 فرع و4 مراكز لتنمية المقاولاتية و17 دارا للذكاء الاصطناعي و96 حاضنة مؤسسات جامعية و71 مركزًا لدعم التكنولوجيا والابتكار. ويسمح هذا بالتثمين الاقتصادي لمنتجات البحث المبتكرة، على غرار وضع أول تصميم نموذجي للسيارة الكهربائية الجزائرية.أما في إطار تحسين نوعية البحث العلمي، فقد سجلت الجامعة الجزائرية ارتفاعا في عدد فرق البحث، بحيث أنشئت 8 فروع حديثة، تضاف ل63 فرقة بحث مختلطة، و1.779 مخبر بحث، منها 118 جديدة، مما سمح بتجسيد 184 مشروع بحث ذي أثر اجتماعي واقتصادي. هذا التطور اللافت في عدد فرق البحث، سمح كذلك بإطلاق 203 مشروع في إطار البرامج الوطنية للبحث، تتعلق بالأمن الغذائي (4) والأمن الطاقوي (51) وصحة المواطن (6) من مجموعة 7.101 مشروع بحث تم إطلاقه. وتعكس هذه الوتيرة المتسارعة للتطور الذي تعرفه الجامعة الجزائرية في هذا المجال، المجهودات التي تقوم بها القطاعات ذات الصلة والإجراءات المتخذة، كالعمل التوعوي والندوات والأبواب المفتوحة التي مست الآلاف من الطلبة وكذا إنشاء العديد من المنصات الرقمية الخدماتية، وكذا فضاءات توطين المؤسسات الناشئة داخل الجامعات. ومن أجل تعميق هذا المسعى، اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات كمواصلة وضع الإطار القانوني والتنظيمي لهذا المجال، وكذا حزمة التسهيلات الإدارية والتحفيزات الجبائية وغير الجبائية لتحفيز البحث وتطوير المؤسسات والاستثمار في رؤوس أموال المؤسسات الناشئة. فتطوير الجامعة وجعلها قاطرة للنمو ومحركا للاقتصاد الوطني، يدخل في صلب اهتمامات رئيس الجمهورية، الذي خصص 11 التزاما من ضمن التزاماته 54 لفائدة التعليم العالي والبحث العلمي. ويسمح استحداث مكاتب الدراسات على مستوى الجامعات بإنتاج الثروة وتقديم الخبرات والدراسات التي يتطلبها الاقتصاد الوطني، من خلال تحويل الابتكار والرأسمال المعرفي إلى منتوج وخدمة قابلة للتسويق. كما يجعل الجامعة الجزائرية مؤسسة ابتكار وإبداع، تساهم، بحسب خبراء، في تحقيق أهداف "الجزائر الجديدة" و«إحداث القطيعة" مع السياسات السابقة وتصبح قاطرة لتجسيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وتحرص الحكومة، تنفيذا لالتزامات الرئيس، على إيجاد توازن بين التعليم والبحث العلمي والابتكار، حتى يكون المتخرج من الجامعة الجزائرية والمدارس والمعاهد الوطنية، مواطنا منتجا قادرا على مواكبة متطلبات البلاد والمساهمة في التنمية الاقتصادية. الباحث بوثلجة ل "الشعب": الجامعة مركز النخب ومنبع المشاريع الإبداعية يعتقد الباحث والمهتم بالشؤون الوطنية والدولية عبد الرحمان بوثلجة، في حديثه ل "الشعب"، أن الجامعة الجزائرية بإمكانها أن تنجح في هذا الدور، فهي ظلت لسنوات مركز صنع النخب ومنبع الأفكار والمشاريع الإبداعية، واليوم هي بصدد التحول لتساهم في تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأشار إلى أن الجامعة الجزائرية خرّجت الملايين من حملة الشهادات المختلفة في كل التخصصات، وبالتالي كانت خزان الكوادر والإطارات التي تحتاجها الإدارات والمؤسسات، وحاليا يطمح في أن تساهم الجامعة في بناء اقتصاد جديد مبني على المعرفة كبديل للاقتصاد المبني على عائدات تصدير المحروقات، موضحا أنه هذا يتأتى بتكاتف الجهود بين مختلف الفاعلين، لاسيما المؤسسات الجامعية والمؤسسات الاقتصادية. قرارات مشجعة.. أكد بوثلجة أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تشجع الجامعات على إبرام اتفاقيات شراكة مع القطاع الاقتصادي، مبنية على مبدإ رابح- رابح. ولأجل هذا، أعطت تعليمات بفتح المجال للاقتصاديين للتقرب من الجامعات والمشاركة في نشاطاتها، وتم استحداث هياكل جديدة مهمتها الربط بين الجامعة والمؤسسات والإدارات، بل حتى منحتهم صفة عضو لجنة التخرج للمذكرات المنجزة في إطار القرار الوزاري 1275 شهادة جامعية- مؤسسة ناشئة. وأبرز بوثلجة، أن تحديد المحاور الاستراتيجية الكبرى للبحث في الأمن الغذائي والطاقوي والصحة، وجعل بعض منح البحث موجهة خصيصا لهذه الميادين، يبين إرادة الدولة في جعل الجامعة فعليا في خدمة الاقتصاد والمجتمع، مشيرا إلى تسجيل عدة مشاريع ونتائج مرحلية، يمكن أن تتطور وتصبح أكثرا نضجا وقابلة للتطبيق في المستقبل. أما في الميادين الأخرى، فاقترح المتحدث أن تكون البحوث في التخصصات العلمية التطبيقية وتندرج في إطار مشاريع ذات اهتمام محلي، في مختلف القطاعات وحسب كل منطقة جغرافية وحاجياتها، ويجب أن يتم تشجيع هذا التوجه ودعمه بمختلف الطرق، سواء على الأمدين القصير أو الطويل، لأن نتائج بعض البحوث المفيدة قد تتطلب الكثير من الجهد والوقت. أما بخصوص قرار إنشاء دور الذكاء الاصطناعي، فقال إنها ستساعد أصحاب الأفكار الإبداعية والاختراعات والابتكارات، من طلبة وباحثين، في تحويل أعمالهم إلى مؤسسات ناشئة توجد بالفعل في الميدان وتساهم في تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية، وليس الإنشاء من أجل الإنشاء وفتح هياكل جديدة وتخصيص لها مقرات ونفقات إضافية. الباحث سعيد نميش: دعم البحث العلمي يسرّع الانتقال التكنولوجي بدوره الباحث سعيد نميش والأستاذ بكلية الهندسة الكهربائية بجامعة سيدي بلعباس، أرجع النجاحات وبراءات الاختراع المسجلة على مستوى الجامعة الجزائرية، إلى تحفيز الطلبة والباحثين من طرف مدير مخابر البحث كمسؤول أول، إضافة إلى السلطات الوصية كرئاسة الجامعة ووزارة التعليم العالي التي تبنت سياسة وسنت قوانين تحفز الباحثين على الابتكار، نذكر على سبيل المثال المشاريع الوطنية للبحث العلمي والتي توفر ميزانيات معتبرة وتحفيزات مالية للأساتذة الباحثين. وأكد نميش، أن الابتكارات والبحوث العلمية تمنح الجامعة الجزائرية قيمة مضافة، تكمن في تحسين ترتيبها عالميا والزيادة من مقروئيتها والرقي بسمعتها. فالجامعة غير المنتجة للابتكار، لا يمكنها تكوين طالب جامعي خلاق للثروة، مثلما قال. كما تساهم الابتكارات في تنمية الاقتصاد، بتحولها إلى مؤسسات ناشئة خلاقة للثروة ممتصة للبطالة. وذكر نميش، أن معظم المؤسسات الاقتصادية للقطاع العام تتوجه إلى دعم البحث العلمي، من خلال تخصيص ميزانيات معتبرة وتوجيه البحث لما يخدم أهدافها الاقتصادية.