صدر تقرير الأممالمتحدة الذي يثبت ويقدّم أدلة دامغة على ارتكاب 2سرائيل "2بادة جماعية" في غزّة، ما ينهي كل النقاشات القانونية المشتعلة داخل 2سرائيل وخارجها. والقضية المحورية حالياً بعد قمّة الدوحة العربية الإسلامية، كيف يمكن وقف ال2بادة الجماعية تلك وحماية الشعب الفلسطيني ب2جراءات ملموسة، وغزّة تحترق. غزّة، التي عمرها ألف عام، تعيش لحظتها الأخيرة، تُدمَّر الأبراج والخيم التي تُؤوي النازحين، والمباني التي تضمّ وحدات سكنية ومؤسّسات عامّة، وجامعات ومدارس تنهار كلّها كأوراق من دخان ودهان، وتهرب العائلات البائسة وسط الأنقاض في محاولة إنقاذ بعض ممتلكاتها في ثماني دقائق، هي المدّة التي يحدّدها جيش الاحتلال للإخلاء. ولنا أن نتصوّر شكل الرحلة، والأمر أشبه بزلزال أفرغ المدينة من كلّ شيء مادّياً ونفسياً. جاء أسبوع ال2بادة هذا في غزّة بعد الغارة الفجّة التي استهدفت قادة حركة حماس في قطر، واستدعت عقد القمة، وصدور بيانات التضامن مع الدوحة وال2دانات الدولية للهجوم العدواني الذي طاول دورها الرئيس في الوساطة والمفاوضات، و2نهاء الحرب. لكن من دون عقوبات أو 2جراءات مُعلَنة دولية، غير تنديدات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، واصفاً الوضع بأنه "غير مقبول سياسياً وأخلاقياً وقانونياً". شكل العدوان على الدوحة منعطفاً خطيراً، وكشف تضارباً عميقاً بين الحسابات الأمنية ال2سرائيلية والمصالح الاستراتيجية الأميركية في الخليج مع ذلك، نجحت القمّة في حشد قادة في الشرق الأوسط والعالم ال2سلامي ليُظهروا تضامنهم مع قطر (سادس دولة في المنطقة تتعرّض لقصف إسرائيلي خلال عامَين)، والوقوف ضدّ العدوان، على الرغم من الجدل في أوساطٍ كثيرة، بشأن اختبار قدرة العرب والمسلمين على ابتكار حلول لقضاياهم وتعزيز دفاعاتهم. وهي قممٌ لا تبني في الغالب شيئاً، تكرّر المادة نفسها. وليس الأمر في حاجةٍ 2لى مفرداتٍ 2ضافية ل2ثراء تاريخ المعاناة مع حماقات رئيس الوزراء ال2سرائيلي بنيامين نتنياهو، وتصريحات وزير حربه، يسرائيل كاتس، بفتح "أبواب جهنم"، التي أدّت 2لى تجاوز كلّ الحدود بصور من إرهاب الدولة. لذلك، قادة المنطقة ملزمون بإعادة النظر في خطاباتهم ومواجهة شؤونهم في بعض الافتراضات الراسخة في مواجهة التهديدات الخارجية المتزايدة. ومن ثم، يجب 2يقاف 2سرائيل التي تتصرّف كيفما تشاء، وهي تتحرّك نحو غزّة في احتلال جديد رغم الاستنكار العالمي. ومع أهمية كل الجهود المتزايدة للاعتراف القانوني بالدولة الفلسطينية، والزخم الدولي للمبادرة الفرنسية السعودية، يجب أن تكون الأولوية الفعلية وقف الحرب و2نهاء المجازر، وأن التحرّك الفعّال يتطلّب ضغطاً دولياً وعربياً حقيقياً، ووقفاً فورياً ل2راقة الدماء، فلا يمكن 2قامة الدولة 2ذا كان سكّانها يُقتلون ويخضعون للتطهير العرقي ل2جبارهم على الفرار من دون أي ضمان للسلامة. أمّهات يحملن أطفالهن، وكبار السن يدعمهم أقاربهم، وأطفال يحملون حقائبهم فوق رؤوسهم ويتركون كل شيء خلفهم، ليس لديهم شيء على الإطلاق… لا مال ولا ملابس ولا ماء ولا غذاء، معظمهم يتقدّمون في نزوح قسري، من دون أن يعرفوا إلى أين يتوجّهون. يسعى الاحتلال إلى محو فكرة العودة مادياً ونفسياً و2عادة الإعمار، ويضرب كل ما تمثله غزّة المحتملة، المدينة الوحيدة التي لا تزال قائمةً وتحتفظ بقيمها الاقتصادية وال2دارية رغم تدميرها الجزئي. لدى العالم الآن تقرير يثبت صحة الاتهامات والتساؤلات التي طرحت في مايو/ أيار 2024، التي أقرّتها أغلبية أعضاء محكمة العدل الدولية لمنع خطر الإبادة الجماعية، ويدحض حجج إسرائيل الماضية في تدمير الجماعة. وترى لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان أن أفعال إسرائيل تطابق تعريف الجريمة، ما يفتح النقاش داخل الجمعية العامة في دورتها العادية، وفي مؤتمر حلّ الدولتَين الذي يعقد اليوم الاثنين (22 سبتمبر) في نيويورك حول تطبيق الفروض التي عرضتها القمّة في المسألة لفلسطينية. ويسعى المشروع إلى جعل دول الخليج ضامنة إقليمياً للسلام الموعود، ما يضغط على الولاياتالمتحدة لتعديل موقفها، خصوصاً في ظلّ مصالحها الاستراتيجية مع المنطقة واتفاقيات أبراهام. يواجه هذا المشروع رفضاً من نتنياهو، وهو يصرّ على خوض حرب أهدافها صارت واضحة رغم مخاطر العزلة الدبلوماسية والدولية. والضربة على الدوحة شكّلت منعطفاً خطيراً، وكشفت تضارباً عميقاً بين الحسابات الأمنية ال2سرائيلية والمصالح الاستراتيجية الأميركية في الخليج، ما يُنذر بمزيد من التصعيد، و2ن لم تنجح واشنطن في 2عادة التوازن مع شركائها الخليجيين، ف2نها قد تجد نفسها معزولةً عن تحوّلات 2قليمية تتسارع لصالح قوى غيرغربية. صدور التقرير ونشره يعنيان أن جميع الدول ملزمة بوضع حدّ لهذه الجريمة، وتقع مسؤولية هذه الاستنتاجات على عاتق الذين اجتمعوا في الدوحة، كما على قضاة محكمتي العدل والجنائية الدوليَّتَين، الذين لا تزال تحقيقاتهم مستمرّة. وقد تسهم النقاشات بين الدول الأعضاء في الأممالمتحدة في تزخيم المساعي التي تستعدّ خلالها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وبلجيكا وأستراليا للاعتراف بدولة فلسطين. وتأمل هذه الدول أن تسهم حركتها هذه في زيادة الضغوط على ال2سرائيليين لوقف الحرب. المهم أن يدرك القادة مسؤولياتهم الجديدة بسرعة لتجنب الكارثة والتحلّي بالرؤية اللازمة مع عدم وضوح البوصلة، ولا سيّما عند مؤيدي الإدارة الأميركية القائمة، التي تهتم أولاً بإسرائيل بطريقة لم تعد غامضة، فتفقد احترام العالم لها. هذا يحدث هنا وفي أوروبا، حيث تجسّد اعتقاد بأن التحالف مع الرئيس دونالد ترامب أقرب إلى خدعةٍ منه إلى حقيقة حيّة، وما يشهده العالم كلّه هو التفكّك المتسارع للنظام العالمي القديم ما بعد العام 1945. مع صدور التقرير (ونشره) يثبت أن إسرائيل لم تمتثل لأيّ من مطالب محكمة العدل الدولية، على العكس تستمرّ في جرائمها، ويمكن للمجتمع الدولي تجاوز الفيتو الأميركي باستخدام قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 377، المعروف بقرار "الاتحاد من أجل السلام"، وينصّ على "أن تنظر الجمعية فوراً بهدف تقديم توصيات مناسبة إلى أعضاء مجلس الأمن لاتخاذ تدابير حمائية للمدنيين، بما في ذلك حالة خرق السلم أو عمل عدواني أو استخدام القوة المسلحة عند الضرورة لصون السلم والأمن الدوليين أو استعادتها" (استُخدم هذا القرار في 1956 لنشر قوات مسلحة في سيناء ضدّ 2رادة الفرنسيين والبريطانيين الذين استخدموا حقّ النقض). ويمكن استخدام المبادرة للدعوة إلى قرار يضمن اجراءاتٍ محدّدةً في غزّة، تفويضاً لنشر قوة حماية متعدّدة الجنسيات لحماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات ال2نسانية، والحفاظ على أدلة الجرائم الإسرائيلية. وربّما ينبغي أن يبدأ الأمر بنشر قوة بحرية لحماية أسطول الحرية العالمي لضمان وصوله، وهو يضم أعضاءً في البرلمان الأوروبي، وهو ليس بمنأى عن الهجمات، وحدث ذلك مرّات منذ العام 2010. 2نها مفارقة، عامان من حرب الإبادة الجماعية في غزّة لم تكسر قبضة المطبّعين وشلل مجلس الأمن، ولم تبادر الدول العربية ضدّ 2سرائيل. وإلى متى سيظلّ الفلسطينيون يموتون، وبلا طعام أو دواء أو مأوى؟ لقد حان الوقت ليتّحد العالم من أجل فلسطين ومنع إسرائيل من مواصلة تصعيدها. العربي الجديد