مثلما كانت السبّاقة إلى إقرار التغيير في هرم السلطة قبل ثلاث سنوات، هاهي تونس تمضي في تجربة نموذج مميز للتسوية الديمقراطية بعيداً عن التصعيد والتعقيد، مما يجعلها مثالا يحتذى به في بلدان «الخريف العربي» للخروج من حالات الانسداد والتوتر الذي اتّخذ أشكالا دموية خطيرة. لقد قدم حزب «النهضة» الحاكم بشرعية الصندوق تنازلات هامة وتخلّى عن الحكومة لإفساح الطريق أمام حكومة كفاءات غير متحزّبة في إطار اتفاق مع المعارضة لإنهاء الانتقال إلى الديمقراطية، وبذلك تكون تونس قطعت أشواطا هامة في الخروج من النفق المظلم والوصول إلى بر الأمان، على الرغم مما تعانيه من احتقان سياسي وتراجع اقتصادي وتهديد إرهابي. لقد أثارت التجربة التونسية إعجاب الكثيرين، وأظهرت إيثار الساسة هناك تجاوز المصالح الحزبية الضيقة في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار البلاد. ويعكس اتّفاق التسوية المتوصّل إليه لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد، أن الجميع خرج فائزا في تونس، وبأن النجاح الذي تحقق إلى غاية الآن، يرجع في جزء كبير منه إلى مؤسس حزب «النهضة»، راشد الغنوشي، الذي عمل بجدّ وصدق لصالح التسوية السياسية، فضلا عن الدور الذي لعبته النقابات العمالية التي قادت الحوار بكفاءة عالية وصبر كبير. وتبدو تونس اليوم، بالرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها والتي تثير بعض السخط الاجتماعي وخطر الإرهاب، الذي يحاول بسط غمامته السوداء على البلاد، قريبة من الاستقرار السياسي الذي سيسمح بدفع عجلة التنمية. والأكيد أن النجاحات التي ستحققها لاحقا بالتصديق على الدستور الجديد وإجراء الاستحقاقات في موعدها، سيجعل من تونس نموذجا يحتذى به، خاصة بالنسبة للدول التي تعاني مخاضا عسيرا في الانتقال الديمقراطي.