في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشعوذون وخرائط مغربية للبحث عن الكنوز في تيسمسيلت
نشر في الشروق اليومي يوم 21 - 05 - 2007

كنوز تعود إلى الحقبة الرومانية، دفنت منذ عصور خلت بقرى تيسمسيلت مترامية الأطراف، أطبق عليها الجن وفرض عليها سلطانه، باتت هدفا لأناس أرهقهم اللهاث وراء الثراء الفاحش بأية طريقة كانت، حتى وإن كان ذلك على حساب التعاليم الشرعية والأعراف الاجتماعية، حيث باتت المنطقة مقصدا للكثير من المشعوذين أتوا من مختلف ربوع الجزائر العميقة مرفوقين بخرائط أو ما يطلق عليه "بالمطلب" لدى المشعوذين، الذين يستعينون بالجن من أجل تحديد مكان الكنوز المخبأة بدقة، إذ حصلوا عليها بمبالغ باهظة من طرف مغاربة "خبراء" في عالم السحر والشعوذة، لكن سرعان ما "انقلب السحر على الساحر" ليقع ما لم يكن في الحسبان،
فالعديد من الأشخاص قضوا لأنهم لم يحسنوا التعامل مع هذا "الحارس" الذي يدافع بشراسة عن الكنوز أو ما يطلق عليه الشارع التيسمسيلتي "بالقلل" التي يعتبرها ملكا له ولا مجال للإنسي أن يقاسمه إياها..‮.‬ فضولنا في اكتشاف هذا العالم المليء بالتناقضات جعلنا نخوض رحلة محفوفة بالمخاطر ومليئة بالمفاجآت، لا لشيء إلا لنقف على حقيقة ما يدور بقرى تيسمسيلت التي صارت مزارا للمشعوذين من ربوع الوطن قصد التنقيب عن الكنوز. تنقلنا إلى بلدية سيدي العنتري (40 كلم عن تيسمسيلت)، هاته المنطقة التي باتت "محجا" لأولئك الباحثين عن الكنوز، واتخذوها مركزا لمباشرة مشروع "الثراء"، ذاقت الويل على يد الجماعات الإرهابية في العشرية السوداء، إلا أنها بقت صامدة بفضل يقظة سكانها الذين فضلوا التسلح ومقارعة ألوية الموت على أن يتركوا الساحة خالية لأولئك الذين ملؤوا أرجاء المنطقة ذعرا ورعبا، وكم كان الثمن غاليا، العديد من المجازر الجماعية والحواجز المزيفة، التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، أما المعاناة الكبرى التي ورثها السكان ولا يزالون يتجرعونها بمرارة إلى حد الساعة فهي سجلات الحالة المدنية التي أتلفت نظرا لتعرض مقر البلدية إلى الحرق مرتين، سنتي 1994 و1995، على التوالي من طرف الجماعات الارهابية، لتبدأ رحلة المعاناة مع استخراج الوثائق الإدارية، كل المنغصات تجمّعت وتحالفت لتعكّر صفو حياة السكان، لكن ذلك لم يثن عزمهم في بدئ مشوار حياة جديد، خصوصا بعد استتباب الأمن بالمنطقة، ولعل أبرز دليل على ذلك أولئك الشباب الذين أضفوا حركية على المنطقة ويحملون بين ظهرانيهم مواهب كروية ساهمت في احتلال النادي المحلي لمراتب مشرفة، "الشروق" التقت ببعضهم في غمرة التحضير لمباراة حاسمة مع نادي ثنية الحد، فعلى الرغم من أن التحقيق الذي كنا بصدد إنجازه حول ظاهرة التنقيب عن الكنوز بالمنطقة تزامن مع عملية الاقتراع لاختيار نواب البرلمان، إلا أن الكل كان غير مكترث بالانتخابات وما تفرزه لصالح فلان أو علاّن، فقد انتحرت آمال شباب المنطقة على أسوار أولئك المعلقة صورهم على الجدران الذين لم يظفروا من عندهم إلا بالوعود الكاذبة "...لا نراهم إلا عند قرب المواعيد الانتخابية، ببدلاتهم الأنيقة، يوزعون الوعود يمنة وشمالا، وما إن تطأ أقدامهم البرلمان حتى يضربون انشغالاتنا عرض الحائط، فليذهبوا‮ وانتخاباتهم‮ إلى‮ الجحيم‮... مباراة‮ سطيف‮ مع‮ الفيصلي‮ أهم‮ لدي‮ بكثير‮ من‮ صداع‮ الرأس‮ هذا‮"‬،‮ هكذا‮ عبر‮ لنا‮ أحد‮ الشباب‮ الغاضبين‮ بنبرة‮ مليئة‮ بالسخط‮ والتذمر‮.‬
سيدي العنتري.. لم تعد "كابول" بعد استباب الأمن بها، إذ أضحى السكان يستفيقون على غرباء انتظموا في جماعات على متن سيارات نفعية وأخرى سياحية، مدججين بمختلف وسائل الحفر التقليدية كالفؤوس والرفشات، ظاهرهم يقول بأنهم صيادون نظرا للبنادق التي يحملونها، لكن يخفون وراء‮ تلك‮ الوجوه‮ رغبة‮ جامحة‮ لنبش‮ الكنوز‮ الواقعة‮ بالقرى‮ التابعة‮ للبلدية‮.‬
"‬قرية‮ الصنابرة‮".. التي‮ نكّل‮ بها‮ الإرهاب‮ وعبثت‮ بها‮ أيادي‮ المشعوذين‮!‬
على بعد 10 كلم وبين تضاريس جبلية ومسالك وعرة تقع "قرية الصنابرة" التابعة إداريا لبلدية سيدي العنتري، أين وقّعت جماعات الموت مجزرتها المروعة في حق أكثر من 130 شخص، 23 ديسمبر 1997، يوم أسود وراعد حمل الموت لأهالي القرية العزل، لم ولن يمحى من ذاكرة سكان المنطقة‮ الذين‮ لا‮ يزالون‮ يذكرون‮ همجية‮ الإرهابيين‮ الذين‮ سرقوا‮ منهم‮ الحياة‮ والأمل‮ في‮ غد‮ مشرق،‮ آلة‮ الموت‮ لم‮ تترك‮ شيئا‮ في‮ طريقها‮ إلا‮ وأذاقته‮ شتى‮ فنون‮ التقتيل‮ والتنكيل‮..‬ التوقيت السادسة مساء، المكان الشارع الرئيسي لبلدية سيدي العنتري، انطلقنا والوجهة "الصنابرة" على متن سيارة من نوع "بيجو 505" أبدى صاحبها تعاونا كبيرا معنا، لم أجازف في التنقل بمفردي إلى ذلك المكان الموحش، بل رافقني اثنان من شباب المنطقة، انطلقنا وإحساس بالخوف يتملكنا، لم يفلح أحد مرافقينا في تبديده على الرغم من روحه المرحة، أول محطة لنا ونحن نشق طريقنا "دوار أولاد قويدر" الآهل بالسكان، سحرنا ذلك الديكور الأخضر المترامي على جنبات الطريق، الناس هناك يمارسون حياتهم بصورة طبيعية من خلال فلاحة الأرض وتربية المواشي، وغير بعيد عن المكان تتراءى للعيان تلك البيوت البلاستيكية "بدوار الحشم" وتلك المواشي التي تتنعم بالكلأ، وصلنا إلى "قدال" وأول ملاحظة استوقفتنا علامات الحذر واليقظة التي ارتسمت على محيا أفراد الحرس البلدي الذين توزعوا على المرتفعات ناصبين فيها مراكز للحراسة‮.‬
ودّعنا الطريق المعبد لنسلك طريقا فرعيا مليئا بالمنعرجات وسط الغابة الموحشة، خلنا أنفسنا في بادئ الأمر أننا ظللنا الطريق، لكن سرعان ما بدأت تظهر أمامنا مشاهد الخراب والدمار التي رسمتها ألوية الموت، ركنا السيارة وواصلنا المسير مشيا على الأقدام، وكم كانت دهشتنا كبيرة ونحن نلج القرية التي أضحت نسيا منسيا، لم يبق منها إلا بقايا بيوت حوصرت بأكوام التراب والحجارة، وما حزّ في أنفسنا تلك المدرسة التي تتوسط القرية، لم يبق منها إلا الجدران وعبارات البراءة التي خطت بأناملها شعارات وطنية، ولم تكن تدري أنها ستكون يوما لقمة‮ سائغة‮ في‮ جوف‮ المتعطشين‮ لإراقة‮ دم‮ العزل‮ ".. تحيا‮ العراق‮.." هاته‮ العبارة‮ التي‮ رسخت‮ في‮ أذهاننا،‮ وكأن‮ كاتبها‮ استشرف‮ مستقبل‮ هذا‮ البلد‮ الشقيق‮ الذي‮ لم‮ يجف‮ به‮ حمام‮ الدم‮ بعد‮.‬
أما العبثية هاته المرة وقعتها أيادي المشعوذين في حق مقبرة "الصنابرة"، إذ عاثت فيها نبشا وحفرا باحثة عن كنوز تعود إلى العصور الغابرة، آثار انتهاك حرمة الأموات كانت واضحة، قبران تم حفرهما يقعان بمحاذاة ضريح يتوسط المقبرة وضعت بجانبه بقايا أحد القبور، إذ تم انتشال رفات الأموات منه بعد نبشه وقاموا باستخراج كفن، ألواح وعظام... ونحن في غمرة التقاط الصور حتى فاجأتنا أصوات تتعالى تستفسر عن سبب مجيئنا، لقد ظنّوا بأننا من أولئك المشعوذين الذين أبلغوا عنهم في وقت سابق فرقة الدرك الوطني بلرجام، فسرعان ما انتقل الخبر بسرعة البرق لأفراد الحرس البلدي ب "قدال" الذين كانوا في أحد مواقع الحراسة البعيدة عن المنطقة، وما كان منا إلا أن نعود أدراجنا بخفي حنين ونغادر المكان، امتطينا السيارة ونحن نحمد الله على نجاتنا، كون أن السكان الذين يرعون الأغنام بالقرب من المنطقة مسلحون وبإمكانهم إطلاق النار علينا في أية لحظة، ليتم توقيفنا من قبل أحد أعوان الحرس البلدي الذي قدمنا له أنفسنا وطبيعة مهمتنا، ليسمح لنا بالمرور، وهنا تنفس سائق السيارة الصعداء، وعرف أن مهمته مع "الشروق" انتهت بسلام.
10 كلم‮ مشيا‮ على‮ الأقدام‮ والمفاجأة‮ حصن‮ روماني‮ وجرّة‮ بسعة‮ قنطارين
الفضول المعرفي لأحد الباحثين بسيدي العنتري ورغبته في اكتشاف الوجه المخفي لها جعلته يبحث في تاريخها، ليقف على بعض الحقائق التي يجهلها السواد الأعظم من السكان، فالعديد من الآثار لا تزال شاهدة على الإمبراطورية الرومانية التي اتخذت من المرتفعات قلاعا وحصونا لتأمين نفسها، تقول الروايات إن كنوزا مدفونة في الأرض التي شيدت عليها، طلبنا من الباحث مساعدتنا فلم يتردد، بل وتنقل معنا لنقف على مواقع أثرية تعود إلى الفترة الرومانية بقينا مذهولين حيالها، حدّدنا موعدا وشغف الاطلاع يعترينا، وبالفعل انطلقنا في مغامرتنا، سلكنا طريق "أولاد بن شهرة" غير المعبد ذي المسالك الوعرة، ونحن نمشي أحسسنا بوحشة المكان الذي بدا خاليا على عروشه، فلا أثر للمركبات ولا للسكان، إلا أن هذا الشعور سرعان ما تبدد لنشاهد قوافل من النساء والأطفال تنحدر من "الدوار" الذي احتضن مقاومة الأمير عبد القادر، حيث لا تزال الرسالة التي تحض أهالي المنطقة على جهاد المستعمر الفرنسي وسيف قائد المقاومة محفوظة عند أحد أعيان المنطقة وهو "الحاج صحراوي" الذي بلغ من العمر عتيا، وجهة هاته القوافل كانت ضريح "سيدي مومن" الكائن بالقرية المجاورة "اولاد رابح" والذي يحتوي على مدرسة لتعليم القرآن الكريم، تقصده هاته العائلات كل جمعة من أجل الظفر ب "بركاته"، هو اعتقاد راسخ لديهم ولن يتمكن أي أحد من نزعه من مخيلتهم، واصلنا مسيرتنا ونحن مشدوهون أمام تلك "البانوراما" الطبيعية التي تسلب الأنظار، تسلقنا أحد التضاريس الجبلية لنقف على أحد المرتفعات المتاخمة لتراب ولاية تيارت الذي شيد على أرضه حصن روماني، وبالضبط عند "دوار الهنايش"، هذا المكان الذي يطلق عليه السكان اسم "الضرسة" بات يسيل لعاب المشعوذين من أجل التنقيب على الكنوز الرومانية المخبأة، حيث عرف العديد من عمليات الحفر التي اختفت آثارها‮ بفعل‮ الحشيش‮ الذي‮ غطى‮ أرجاء‮ المكان.
وغير بعيد عن الحصن الروماني هناك قناة للمياه تحت الأرض بطول 1 كيلومتر كان يستخدمها الرومان من أجل تزويد إحدى القلاع الملكية بالمياه، بعد أن نال منا التعب والعطش أخذنا قسطا من الراحة لشرب الماء منها ورحنا نقلب أنظارنا ذات اليمين وذات الشمال، ونتأمل في تلك البساتين المنتشرة بالمكان وذلك الديكور الجميل الذي رسمته تلك الينابيع المنهمرة من المرتفعات، لكن ما حز في أنفسنا تلك البيوت التي هجرها سكانها فارين بجلودهم من جماعات الموت، تاركين وراءهم مزارعهم وبساتينهم مصدر رزقهم الوحيد، دخلنا أحد البيوت المهجورة، وكم كانت مفاجأتنا كبيرة داخل فناء هذا البيت عثرنا على جرة رومانية تسع لقنطارين من الحبوب، بعض الروايات تقول بأنها كانت بها مادة صفراء يرجح أن تكون من الذهب، وعلى الرغم من التقلبات المناخية إلا أن الجرّة بقيت محافظة على تماسكها ولم تصب حتى بتشققات، وهو ما يوحي بالإبداع‮ الذي‮ كان‮ يميز‮ الحضارة‮ الرومانية‮ سواء‮ في‮ تشييد‮ القلاع‮ والحصون‮ أو‮ في‮ صنع‮ المعدات‮ والأدوات‮ المستخدمة‮ في‮ الحروب‮.
‮فرقة‮ الدرك‮ بلرجام‮ تحبط‮ محاولتين‮ لنبش‮ القبور‮ بحثا‮ عن‮ الكنوز
أكد قائد فرقة الدرك بلرجام المساعد الأول "قادة ورنوغي" الذي أبدى تعاونا كبيرا مع "الشروق اليومي"، أن فرقته تمكنت من وضع حد لنشاط جماعتين كانتا تقومان بنبش القبور، وذلك في عمليتين منفصلتين قامت بهما، حيث تكللت الدوريات المكثفة التي كانت تقوم بها عبر مختلف المناطق التي تدخل في إطار اختصاصها، من رصد تحركات بعض المشعوذين بالاستعانة ببلاغات المواطنين، أول عملية كانت بتاريخ 12 فيفري 2007 "بعين الذيب" بمقبرة باب البكوش التي تبعد حوالى 20 كلم عن لرجام، حيث تم توقيف 6 أشخاص ضبطوا متلبسين وبحوزتهم معدات حفر تتمثل في فؤوس ورفشات، "الشروق" انتقلت رفقة فرقة الدرك على متن سيارة الدفع الرباعي من أجل معاينة المكان الذي تعرض للنبش من قبل أولئك المهوسين بعالم الكنوز، سلكنا الطريق المؤدي إلى "القواسم"، وسط حيرة المارة الذين اختلط عليهم الحابل بالنابل وراحوا يطرحون استفهامات لم يلقوا لها إجابة، حول طبيعة مهمتنا مع الدرك، مستبعدين فرضية إلقاء القبض علينا، الطريق التي سرنا معها تصلح لكل شيء إلا لسير المركبات، فما إن خرجنا من مقر فرقة الدرك حتى وجدنا أنفسنا نسير على الحفر والنتوءات، فبمجرد سقوط زخات من المطر تتحول هاته الطريق إلى برك‮ ومستنقعات،‮ أحدهم‮ نصحنا‮ معلقا‮ بامتطاء‮ "‬زورق‮" في‮ فصل‮ الشتاء‮ للإبحار‮ بين‮ أحياء‮ لرجام،‮ نظرا‮ للسياسة‮ العرجاء‮ التي‮ تطبع‮ عملية‮ التسيير‮...‬
على طول الطريق الرابط ما بين "لرجام" و"القواسم" تنتشر بصورة ملفتة ثكنات الجيش ومفارز الحرس البلدي، خصوصا وأن المنطقة ظلت لوقت غير بعيد معقلا للجماعات الإرهابية، وصلنا إلى "عين الذيب" التي تعرضت مقبرتها للنبش تحيط بها غابة كثيفة وغير محروسة، وهنا تطرح العديد من الاستفهامات بخصوص أولئك الذين يجازفون بحياتهم من أجل البحث عن أشياء مجهولة، أما العملية الثانية فتمت بتاريخ 12 مارس 2007 خلصت إلى توقيف 7 أشخاص بمنطقة "الصنابرة" كانوا على متن سيارة من نوع "إكسبريس" يقودهم احد المشعوذين الذي كان إماما سابقا بضواحي ولاية تيارت، وقد تم تقديمهم إلى العدالة بتهمة تكوين جمعية أشرار وانتهاك حرمة الأموات، إلا أن ما يبعث على القلق في المسألة برمتها هو فرضية وجود أسلحة وذخيرة حربية بالإضافة إلى أموال طائلة دفنتها إحدى الجماعات الإرهابية بالمنطقة المذكورة آنفا، فبعد أن ضيقت مصالح‮ الأمن‮ على‮ نشاطها‮ فقدت‮ على‮ إثرها‮ العديد‮ من‮ عناصرها،‮ وهو‮ ما‮ جعل‮ فرقة‮ الدرك‮ بلرجام‮ تكثف‮ من‮ دورياتها‮ بالمنطقة‮ لرصد‮ كل‮ التحركات‮ المشبوهة‮.
قصص‮ غريبة‮ لأشخاص‮ ودّعوا‮ حياة‮ الغبن‮ وآخرون‮ راحوا‮ ضحية‮ الجن
يتداول الشارع التيسمسيلتي قصصا غريبة لأناس لم يكونوا يحوزون على درهم ولا دينار، بين عشية وضحاها طلّقوا للأبد حياة البؤس والشقاء ودخلوا عالم الثراء من بابه الواسع، ففتحوا محلات لبيع المجوهرات وشيّدوا فيلات فاخرة ناهيك عن السيارات الفارهة، أحدهم صرح ل "الشروق اليومي" بأن احد أقربائه الذي كان يقطن بإحدى القرى المعزولة التابعة إداريا لبلدية سيدي العنتري انتقل من حياة الغبن إلى حياة البذخ والترف، فأبوه الذي كان يزاول نشاط الفلاحة بتقليب أرضه كالمعتاد تفاجأ ب "قلة" مليئة بالذهب تساوي قيمتها عشرات الملايين، لكنه للأسف! لم تعمر فرحته بها طويلا، فسرعان ما أجهز عليه الجن الذي كان يحرسها فأصيب الأب بمس منه ازدادت حالته الصحية تدهورا على إثرها، حيث عجز الأطباء عن تشخيص مرضه ليلفظ على إثرها أنفاسه الأخيرة، لينعم بعده الأولاد بالكنز. إلا أن القصة الأكثر دراماتيكية لحد الآن والتي لا يزال التيسمسيلتيون يذكرونها هي لأحد الشباب الذي قضى ليلة زفافه بسبب مشروع التنقيب على إحدى "القلل" الذي أقحم فيه دون علمه، حيث انتقم منه الجن مباشرة ولم يترك له فرصة التنعم بحليها وأساورها.
حكاية أخرى لا تقل إيلاما عن سابقتها حدثت منذ أيام بضواحي برج بونعامة لشخص أزهقت روحه على يد عصابة من المشعوذين ليقدم دمه قربانا للجن الذي كان يحرس أحد الكنوز، وهو ما يشير بأن ظاهرة التنقيب على "القلل" أخذت بعدا خطيرا، سيما من قبل عديمي الضمير الذين قفزوا على كل التعاليم الشرعية، وباتوا يُشركون أشخاصا ليسوا على دراية بخبايا هذا العالم الخفي المليء بالمتناقضات، خصوصا وأن بعض المشعوذين يلجؤون إلى طريقة "الضغط" على الجني من أجل حمله عنوة على تبيان مكان الكنوز، مما يؤدي به إلى التحايل والكذب، وهو ما كلف العديد من‮ الأشخاص‮ حياتهم،‮ ناهيك‮ عن‮ المضار‮ الصحية‮ كالإصابة‮ بالشلل‮ النصفي،‮ فقدان‮ البصر‮ والذاكرة‮ نتيجة‮ المس‮ من‮ الجن‮.‬ ومن الناحية الشرعية، وحسب شيخ الإسلام "ابن تيمية" فإن "الساحر والشيطان قرينان التقيا على معصية الله، وإذا نظرت إلى وجه الساحر تبين لك صحة ما ذكرت، حيث تجد ظلمة الكف مسدولة على وجهه كأنها غمامة سوداء"، فالتنقيب عن الكنوز يعتمد على السحر بالدرجة الأولى للولوج في عالم الجن، وهو من الموبقات السبع التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باجتنابها، وسرعان ما يتبدد هذا السحر أمام الرقية الشرعية قال تعالى: "...واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين‮ ببابل‮ هاروت‮ وماروت‮..." الآية‮ 102‮ سورة‮ البقرة‮.‬
‮خرائط‮ تأتي‮ من‮ المغرب،‮ زئبق‮ مشع‮ وأشياء‮ أخرى‮.. للكشف‮ عن‮ مكان‮ "‬القلل‮"
يبدو أن هوس التنقيب عن الكنوز أو "القلُل" تعدى حدود البلاد إلى الدول المجاورة، سيما المغرب التي أصبحت مركزا لتزويد مشعوذي الجزائر بالخرائط التي تدل عن مكان الكنوز المخبأة بدقة، حيث دخلوا في تبادل للخبرات في هذا المجال، إذ استفاد المشعوذون المحليون من خبرة نظرائهم المغاربة لأجل تعيين مكان "القلل" من جهة وتركيع الجن الذي يحرسها وصرف نظره عنها لتسهيل عملية الحفر، ويتم الاستعانة بما يسمى ب "المطلب" وهو عبارة عن خريطة يرسم معالمها الجن بدقة للتدليل على مكان الكنوز، حيث يستخدم المشعوذون بعض كتب السحر النادرة التي تقدم الطلاسم والتعاويذ التي يجب أن يتقيد بها الباحث عن الكنوز، وحسب أحد المطلعين على فحوى بعضها، أن أحد الكتب أفرد بابا كاملا للكنوز معنونا ب "الباب الرابع في استخراج معادن الذهب والفضة" وبالضبط في الصفحة 33، حيث يقدم المؤلف الطريقة التي تسهل عملية التنقيب على الكنوز عن طريق فضلات الأبقار اليابسة وفوقها العظام وإيقاد النار، كما يشير كذلك المؤلف إلى أقاليم في بلاد الروم والمغرب ويخصها بأنواع من المعادن الموجودة على أرضها دون سواها، مادة كيميائية محظورة وهي الزئبق المشع ذي اللون الأحمر يستخدم في التنقيب عن‮ الكنوز،‮ حيث‮ أصبح‮ صعب‮ المنال‮ من‮ قبل‮ السحرة‮ هؤلاء‮ الذين‮ يدفعون‮ أموالا‮ باهظة‮ من‮ أجل‮ الحصول‮ عليه،‮ إذ‮ يستخدمونه‮ في‮ استحضار‮ الجن‮ وتركيعه‮ لينفذ‮ مطالبهم‮.‬ تركنا سيدي العنتري التي أسرتنا ب "بانوراميتها" الطبيعية، وودّعنا سكانها المضيافين الذين استشاطوا غضبا من التصرفات التي باتت تصدر من أولئك المشعوذين الذين لم يقدسوا حتى حرمة الأموات، معبرين عن استيائهم العميق جراء الصورة القاتمة التي رسمت عنهم، وأنهم يتبرؤون‮ من‮ أمثال‮ هؤلاء‮ الذين‮ انتهكوا‮ حرمة‮ الشرع،‮ بيد‮ أنهم‮ طالبوا‮ السلطات‮ المحلية‮ بالالتفات‮ إلى‮ شباب‮ المنطقة‮ الذين‮ أرخت‮ عليهم‮ البطالة‮ سدولها‮ المظلمة‮.‬
مبعوث‮ "‬الشروق‮" إلى‮ تيسمسيلت‮: محمد‮ حمادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.