بقلم: خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com أحمد بلباشا يرفض العودة إلى بلده الجزائر، يا للفضيحة! من هو هذا الإنسان الذي يرفض العودة إلى بلده ويفضل جحيم الخارج على شمس بلده ولو كانت حارقة؟ تعرفون أحمد بلباشا، إنه شاب يبلغ من العمر 38 سنة، يعيش منذ سنوات في غوانتانامو، إنه لم يذهب إلى هناك سائحا، وليس ضمن حراس المعتقل ولا من أطبائه (الحقيقة أنني لا أعلم إن كان هناك أطباء أصلا في تلك البقعة) ولا حتى من زبانية بوش الذين سلطهم على نزلاء ذلك المحتشد، بل هو من الجزائريين الذين اصطادتهم المخابرات الأميركية وملأت بهم المعتقل وصارت حكاياتهم على كل لسان. نعم، أحمد بلباشا هذا لما أحس أن هناك احتمالا للتخلص منه ليعود هو وبقية الجزائريين المعتقلين هناك إلى وطنهم الحنون انتفض ورفض أن يركب الرحلة إلى الجزائر. محاميه زكاري كتزنلسون أكد في حوار لصحيفة البايس الإسبانية قبل أيام أن الجزائري بلباشا يرفض مغادرة غوانتانامو إذا كانت أمامه وجهة واحدة هي الجزائر البلد الذي احتضنه صغيرا وكبر فيه، المحامي أكد أن بلباشا ليس مستفيدا من أية معاملة خاصة ومتميزة تجعله يفضل غوانتانامو على بلاده، بل هو يعيش ظروفا سيئة وقاسية للغاية ليس أقلها البقاء 22 ساعة في اليوم داخل زنزانة انفرادية مظلمة. كيف تصفون مثل هذا التصرف من سجين كهذا؟ شاب في مقتبل العمر يرفض العودة إلى بلده، هذا هو الخطأ الأول، ويفضل عليه معتقلا من أسوء ما عرفته بشرية القرن الجديد. هل هو في كامل قواه العقلية حتى يتخذ قرارا مثل هذا؟ شاب يقرر البقاء في الجحيم ويرفض ترحيله إلى بلد ينعم بالديمقراطية في أبهى حللها ويعيش تحت قيادة حكيمة محبوبة لدى كل الناس كبيرهم وصغيرهم نسائهم ورجالهم. لماذا يا أخ أحمد بلباشا ترفض العودة إلى بلدك؟ ربما لأنك حشمان وتستحي أن تطأ قدماك أرضا مطهرة وأنت الذي قضيت سنوات في أسوء مكان في العالم! أنت تعلم أن هذا ليس من شيمنا، لن نرفضك ولن نستحي منك ولن نهرب منك، تأكد من ذلك واطمئن. سنكون أول من يستقبلك أمام باب المعتقل وأنت خارج ولن نتخلى عنك لحظة واحدة حتى تنزل بك الطائرة في مطار العاصمة أو في أي مطار آخر، وإن كنت أفضل أن يُسمح لك بالنزول في بوفاريك حتى لا تتسبب عودتك في ازدحام حركة السير في المطار وفي شوارع العاصمة. لكن تأكد أنك ستكون بين أبناء وطنك الذين لا يمكن أن يتركوك تتيه وحيدا بعد الآن. عليك فقط أن تتراجع عن قرارك المجنون لتكتشف كم يحبك بلدك وكم هو مشتاق لأخذك بالأحضان حتى تتكسر أضلاعك! كل هذا لتتأكد بنفسك أن بلدك لن يتخلى عنك ولا عن أمثالك مهما حصل! بلادك مشتاقة إليك فلا تحرمها لذة استقبالك ورفقاءك ولا تؤجل المناسبة شهورا أو سنوات أخرى، واعلم أن بلادك من فرط تعلقها بك فإنها قررت هي الأخرى أن لا تتركك تغادرها مرة أخرى لتقع بين أيدي الظالمين، لا لن تخرج من بلدك ولن تحصل على جواز سفر ولن يُسمح لك بمقابلة الناس حتى لا تلتقي بالفاسدين منهم فيلعبوا بك مرة أخرى وتخرج فتجد مخابرات أجنبية تتابعك أو تترصك، بلدك أولى بك من كل هؤلاء يا أحمد، فعد إليها والعن الشيطان يا راجل! لعلك نسيت بلدك ولم تعد تذكر أنها من أحسن بلدان الدنيا، فيها الراحة والطمأنينة والاستقرار والأمان والديمقراطية فوق كل ذلك. ماذا تريد أكثر؟ اطلب ما تشاء وستجد أنه متوفر في بلدك، بل حتى لو ركب الشيطان رأسك وقلت مثلا إنك تفضل الحبس والمعيشة المرة وأن هذا هو السبب الذي جعلك تتعلق بغوانتانامو، فلا أعتقد أن بلدك سيبخل عليك بشيء، إنك عزيز عليه وتأكد أنه سيوفر لك ما قد يفوتك هناك وإذا أردت أكثر من ذلك فلن يبخل عليك. نعم ما دمت تفضل معيشة غوانتانامو فتعال وسيوفر لك بلدك نفس الأجواء، زنزانات من كل الأحجام والألوان وظروفا قاسية أو حتى أقسى. بل لعلك لا تعلم أنك ستستفيد الكثير إذا وافقت على العودة وأصررت معها على أن تستفيد من الظروف القاسية، أعلم أن صحف بلدك لا تصل إليك، لكن أود هنا فقك أن أعلمك أن سجون الجزائر صارت منذ سنوات قليلة تخرّج حملة الشهادات بمعدلات معقولة وصاروا يحظون بالتكريم وصار بإمكانهم الآن استعمال الهاتف للاتصال بمن يريدون، وأتوقع أن لا تُحرم في حالتك، أنت القادم من عند الأميركيين، من دورة تتعلم فيها الإنجليزية وتحصل على شهادة، لكن دون أن تفكر في استعمال هذه اللغة خارج الحدود. وإذا كنت من المدمنين على التدخين وتخشى أن تعود إلى الجزائر فلا تجد سجائرك المفضلة، فيسرني أن أنقل إليك بشارة زفتها علينا صحيفة الخبر تقول على لسان مسؤول كبير في القطاع إن الجزائر ستصنّع أول سيجارة غولواز ومارلبورو في يونيو 2008، لك أن تختار بين النوعين وإذا أردت نوعا آخر فلا أعتقد أن القائمين والساهرين على راحة المواطن سيبخلون عليك بإنشاء مصنع جديد ليوفر لك سيجارتك المفضلة! هل رأيت كيف أن جزائرنا الحبيبة وبلدك التي تحاول الابتعاد عنها قد وفرت كل شيء للمواطن الكريم، كل شيء من العيش الكريم ومناصب العمل وضروريات الحياة وكمالياتها، ولم يبق لها شيء آخر تحسن به ظروف معيشة المواطن إلا صناعة الغولواز والمارلبورو. الخبز جزائري والحليب جزائري والبانان جزائري والبطاطا جزائرية والسيارة جزائرية والطيارة جزائرية والإسمنت جزائري والحديد جزائري والميترو جزائري والبورتابل جزائري وكل ما يلبسه الجزائريون جزائري وأعواد الثقاب التي ستشعل بها الغولواز والمارلبورو الجزائري هي الأخرى جزائرية. ستأتي وتكتشف أن الموانئ الجزائرية كلها عاطلة عن العمل، لم تعد البواخر والسفن تحمل إلينا شيئا لأننا ننتج كل شيء، بل حتى شبابنا الغيورون تجدهم يغامرون بحياتهم ويخرجون من تلقاء أنفسهم وسط البحار ليخبروا السفن القادمة أن الجزائر لا تحتاج منهم شيئا. وحتى لا تصاب موانئنا بالركود قررت قيادتنا الحكيمة (أخيرا) أن تتنازل عن هذه المساحات التي لم تعد صالحة لشركة موانئ دبي لعلها تبعث فيها الحياة مجددا. كل أملي أن تصلك هذه الكلمات وتقتنع بها وتعدل عن قرارك المهبول. عد إلى بلدك أيها المغرر بك واستمتع بالحياة في بلد لا ينقص فيه شيء ولا يحتاج شيئا. بلد يسمح لك وأنت جالس في بيتك أو في زنزانتك أن تتابع نشاطات الوزراء وكافة المسؤولين في البلد وتقع على أدق تفاصيل تحركاتهم وتستمع مباشرة من أفواههم إلى تلك التصريحات التي تثلج الصدر يشرحون فيها تفاصيل الاهتمام بحياة المواطن العزيز عليهم. بل يمكنك أيضا أن تتابع صاحب الفخامة وهو يجول ويصول في أرجاء البلد محييا الجماهير ومبتسما لها ثم تراه أيضا غاضبا على وزرائه وولاته وباقي المسؤولين، ترى هؤلاء يستمعون إلى التوبيخات والجمل الغاضبة بكل اهتمام ورحابة صدر لأنهم مطمئنين إلى أن فخامته قلبو ابيض ولا يحمل حقدا عليهم وأن مناصبهم مضمونة مهما حصل ومهما بلغ به الغضب، وهم يعرفون جيدا كيف يعودون إلى عملهم واهتمامهم بالمواطن ويترجموا غضب فخامته عليهم إلى برنامج عمل في الميدان يستفيد منه المواطن بالدرجة الأولى والأخيرة!