البنك الدولي : إدراج الجزائر ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل    متخصصة في الاقتصاد الطاقوي..عرقاب يستقبل البروفيسور ليلى شنتوف الباحثة الجزائرية    في مجال الإسعافات الأولية..تكوين أزيد من 170 ألف مواطن خلال السنوات الاخيرة    تصعيد الضغط على المخزن من أجل وقف استقبال سفن الإبادة الصهيونية في الموانئ المغربية    الفريق أول السعيد شنقريحة يترأس حفل تكريم أشبال الأمة المتفوقين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط    تجارة : تكثيف الرقابة على المواد الغذائية وشروط السلامة الصحية عبر الوطن    وزارة التربية تعلن عن تغيير مقر إيداع ملفات المصادقة على الوثائق المدرسية    تفكيك شبكة إجرامية وضبط أكثر من 178 ألف كبسولة مهلوسة بالجلفة    13 وفاة و504 إصابة خلال 48 ساعة بسبب حوادث المرور والغرق والتقلبات الجوية    إبداعات تشكيلية تضيء جدران المتحف الوطني للفنون الجميلة    سكيكدة: موسم التخفيضات الصيفية يثير إقبال المتسوقين    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60430 شهيدا و148722 مصابا    البطولة الإفريقية للمحليين-2024: المنتخب الوطني يحل بكمبالا    بوغالي يهنئ الفريق الوطني لكرة السلة بفوزه بلقب البطولة العربية    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر2025): ستة اختصاصات رياضية تخوض منافسات اليوم السابع لتحقيق المزيد من الميداليات    منظمة التعاون الإسلامي تثمن عزم كندا ومالطا الاعتراف بدولة فلسطين    ناصري يُطلق نداءً لوقف إبادة الفلسطينيين    بودن يدعو إلى إعادة التوازن لمنظومة العلاقات الدولية    الموت جوعاً يحصد أرواح أطفال غزّة    واضح يُشدّد على التعريف أكثر بمفهوم المقاول الذاتي    هذا جديد جامع الجزائر    هذه تفاصيل عطلة الأمومة..    منصب أممي لبن جامع    بحث مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية    مشروع استراتيجي يدعم إنتاج الغاز الطبيعي في الجزائر    زيارة عون إلى الجزائر كانت ناجحة بكل المعايير    ثقل دبلوماسي ودور محوري في حل النزاعات    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    تحذير من كارثة صحية في مخيمات النّزوح بدارفور    قمع متواصل وتشهير منظّم لتشويه سمعة الإعلاميين في المغرب    الإعلان عن حاملي المشاريع المبتكرة    مشاريع واعدة في قطاع التربية بتلمسان    قطاع غزّة على شفا المجاعة    النخبة الوطنية أمام رهان التألق في كل الرياضات    "فخّ" الجمال يهدد عيون الجزائريات    ارتداء لثام النيلة.. سرّ أهل تندوف    إلياس سليماني رئيسٌ جديدٌ ل"الموك"    جدارية تذكارية تخلّد "الأحد الأسود"    المكتبة المتنقلة تُنعش الفضاء الثقافي    "الكلمة".. عرضٌ مسرحيّ يُوقظ الوعي في الشارع العنابي    المهاجم بلحوسيني يغادر "السياسي" إلى "بلوزداد"    البنك الدولي يدرج الجزائر مجددا ضمن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل    جانت : قصر الميزان تيغورفيت أحد المعالم الأثرية والسياحية البارزة في المنطقة    تمديد أجل إيداع وثائق استيراد وسائل التجهيز والتسيير إلى غاية 15 أغسطس الجاري    وهران:" ليلة المتاحف " تصنع سهرة بنكهة مميزة    مجزرة جديدة في غزة: 86 شهيدًا بينهم 71 من منتظري المساعدات    استذكار مواقف أيقونة النضال والتحرر    بللو يؤكّد الدور الاستراتيجي لمركزي البحث    رئيس لجنة تنسيق اللجان يشيد بالتنظيم المحكم    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لست وحدك يا سهيل !
نشر في الشروق اليومي يوم 16 - 08 - 2006

كتبت قبل سنوات عن رئيس ومؤسس حركة مجتمع السلم محفوظ نحناح الذي حرمه النظام من ورقة تثبت أنه شارك في ثورة التحرير، ولما توفي قالوا لنا إنهم منحوه وسام مجاهد وتغنوا لنا بوطنيته، واستذكرت حينها المقولة الشعبية »لمّا كان حيا كان يشتاق تمرة وعندما مات علقوا له عرجونا«، وأنا الآن لا أريد أن أكرر هذا الكلام عن رجل أرى أنه لا يقل أهمية عن نحناح، مع فارق أساسي وهو أن ما ينقص هذا الرجل ليس وسام الأثير ولا شهادة النضال فتلك المسائل هي آخر اهتماماته حسب علمي.
خضير‮ بوقايلة
kbougaila@gmail.‬com
لم أستأذن الرجل لأكتب عنه، ولا يهمّني إن كان يرفض أو يوافق.. فما أفعله أراه واجبا ربما تخلّفت عنه، كما أنني أرى أن المعني بالأمر لا يهمّه الآن أن يحمل عرجون التمر على كتفه أو يعلّق على شاهد قبره، فالرجل لم يعد قادرا على أكل التمر ولا راغبا في تذوّق طعمه، لأن‮ الحلاوة‮ صارت‮ عنده‮ مرارة‮.‬
ولمن لا يعرف الرجل أقول إن اسمه الكامل هو سهيل زرقين الخالدي، رجل عرفته من كتاباته في الثمانينيات وبداية التسعينيات في صحيفة الشعب التي غادرتها بعد أن تحزّبت وتعرّفت عليه بعد ذلك والتقينا وافترقنا ثم التقينا وافترقنا في ظروف معينة. لكن السنوات القليلة التي عرفته فيها كانت كافية لأقتنع أن الرجل لا يستحق أن يُحرم من تذوّق تمرة كان هو نفسه زاهدا فيها. ولعل عشرات المثقفين والكتاب والصحافيين عندنا يعرفون سهيل الخالدي أكثر بكثير مني، لكن ذلك لا يمنعني من الكلام عنه ولو كان كلاما مبتورا أو غير لائق بمقام الرجل.
اسألوا جميع من تعاقب على منصب رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين، واسألوا مدير التلفزيون ومدير الإذاعة ورئيس وأعضاء الجمعيات الثقافية الأخرى، واسألوا رئيس وأعضاء جمعية الدفاع عن اللغة العربية، واسألوا رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للغة العربية، واسألوا من شئتم من رؤساء تحرير الصحف السابقين واللاحقين، واسألوا وزراء ودبلوماسيين سابقين ولاحقين، اسألوا هؤلاء وآخرين عن سهيل الخالدي وستجدون أنهم يعرفونه وسيحدثونكم عن أشياء طيبة فيه. سيحدثونكم عن مثقف ناضل ولا يزال من أجل أن تسترجع الجزائر هوية ضائعة ومن أجل أن تبقى الجزائر تدور في فلكها الحضاري الطبيعي. ناضل من أجل ذلك أيام هواري بومدين عندما كان يكتب في المجاهد الأسبوعي، وناضل من أجل ذلك طيلة تنقلاته في الدول العربية والخليجية واستمر على نفس النهج عندما عاد إلى الجزائر التي اختارها ليختم فيها مشواره المهني الحافل.
سهيل الخالدي لم يعرفه فقط مثقفو الجزائر، بل هو معروف في أوساط مثقفين عرب كثيرين. وهو يقول عن نفسه إنه لو أراد أن يستغل معارفه العديدة لخدمة مصالحه الشخصية لكان له ما أراد، لكنه اختار طريقا آخر، وليس لنا إلا أن نحترم قراره ولا نناقشه فيه. كانت لي معه نقاشات كثيرة وجدل كبير حول المرحلة البومدينية ثم حول أحقية بوتفليقة في تولي سدة الحكم، وكان يستميت دفاعا عن الرجل ويرى أنه الأجدر بقيادة السفينة الجزائرية في هذه المرحلة. ولم يتوقف عند تأييد بوتفليقة، بل كان له دور فعال في لجان الدعم الانتخابي وصياغة برنامجه، وعمل أيضا ضمن لجان المصالحة واستمر مؤيدا لتولي مرشح الإجماع الوطني فترة رئاسية ثانية، ولا أخاله الآن من موقعه إلا داعما لفكرة بقائه في الحكم إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. ومع ذلك فلم يسارع إلى مزاحمة الذباب الملتف حول العسل (حتى لا أقول شيئا آخر)، بل كان يرى أنه أدى واجبه النضالي وخدم مبادئه وليس عليه بعد ذلك إلا أن ينسحب في انتظار خوض معركة أخرى. لم يرد سهيل أن يفعل مثل ما فعلته الأحزاب والجمعيات والتنظيمات الأخرى التي ساندت بوتفليقة وساومته من أجل دعمه، وكان لها ما أرادت من مناصب وأموال ومكانة، ولو كان ذلك‮ على‮ حساب‮ الشعب‮ ومصالحه‮ الحيوية،‮ وكلنا‮ يعلم‮ جيدا‮ أن‮ المناصب‮ والاستفادات‮ تذهب‮ أولا‮ إلى‮ المؤيدين‮ والمساندين‮ وإذا‮ بقي‮ منها‮ شيء‮ فإنه‮ يذهب‮ إلى‮ باقي‮ الشعب‮ بعد‮ مساومته‮.‬
تسألون إن كان سهيل استفاد شيئا من دعمه ووقوفه إلى صف بوتفليقة وأردّ بالإيجاب طبعا. سهيل سخّر عمره لخدمة بلد لا يزال يتأرجح بين هذه الضفة وتلك، وكان من أوائل الداعمين لبوتفليقة لأنه يعتقد أنه أحسن من يرسي السفينة في ميناء العروبة ويحبط المؤامرات المحيطة بالبلد،‮ والتجربة‮ علمتنا‮ أن‮ كل‮ من‮ يساند‮ ويدعم‮ لا‮ بد‮ أن‮ يستفيد،‮ وسهيل‮ لا‮ يمكن‮ أن‮ يشكل‮ استثناء‮.‬
نعم، سهيل الخالدي استفاد ونال جزاء حبه للجزائر ودعمه لبوتفليقة وسياساته. تريدون أن تعرفوا ماذا استفاد؟ لن أسأله إن كان يوافق على ذكر هذه الاستفادات للرأي العام، بل أبدأ مباشرة في تعداد أهمها.
- الوظيفة: عُرض على سهيل أن يكون وزيرا للثقافة أو سفيرا للجزائر في أي بلد عربي يختاره أو مستشارا في رئاسة الجمهورية أو عضوا في مجلس الأمة فاختار أن يبقى بطالا دون عمل ودون راتب ودون أي امتياز مادي. - السكن: خُيِّر سهيل بين فيلا في إقامة الدولة بنادي الصنوبر أو موريتي أو مسكن فردي بسيط غير بعيد عن مقر الرئاسة أو قطعة أرض في بوشاوي أو شقة في أي مكان يختار، فاختار أن يقيم في باب الزوار حتى يبقى قريبا من مطار هواري بومدين، الرئيس الذي كانت له معه ذكريات خاصة‮.‬
نعم، سهيل الخالدي اختار أن يقضي خريف عمره وحيدا في مأوى العجزة بباب الزوار. حكى لي عندما زرته قبل أيام في المأوى أنه صار يعيش داخل مأوى نسبة كبيرة من رواده من المختلين عقليا، وكأنه سئم من نفاق الأسوياء. قال لي أيضا إنه عندما أصيب بوعكة صحية أوصاه الطبيب باستعمال حقن الأنسولين لمدة معينة، وعندما انقضت المدة المعيّنة بقي محتارا إن كان سيواصل هذا العلاج أم يتوقف، ولا بد من رأي الطبيب، وعندما أراد معرفة رأي الطبيب قيل له »إننا في فصل العطلة الصيفية والأطباء المتخصصين القادرين على علاجك مجانا ذهبوا في عطلة«. فهمت منه أيضا أنه مضطر إلى اتباع حمية غذائية تناسب تطور حالته الصحية، غير أن المأوى الذي يوجد فيه يوفر له وجبات عادية مثله مثل جميع الموجودين هناك ولا أحد يسأل بعد ذلك إن كان أكل أم ظل جائعا. سألته إن كان يريد أن أحضر له شيئا معينا فكان رده وفيا لما دأب عليه من أنفة وشهامة وعفة نفس. قال لي أيضا إن وزير التضامن ولد عباس زاره ووعده خيرا، أي أن يجد له سكنا لائقا في أقرب وقت، ثم علمت أن هذه الزيارة كانت من وقت غير قريب وكانت الزيارة الأولى والأخيرة، وقلت في نفسي لعل الوزير يحضر لسهيل مفاجأة بناء على تعليمات وبرنامج‮ فخامة‮ رئيس‮ الجمهورية،‮ وأتمنى‮ بدوري‮ أن‮ يظل‮ قلب‮ سهيل‮ الذي‮ ضعُف‮ واسعا‮ حتى‮ يتحمل‮ هذه‮ المفاجأة‮ مثلما‮ تحمل‮ مفاجآت‮ كثيرة‮ سابقة‮.‬
الله‮ معك‮ يا‮ سهيل‮!‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.