كان قطاع السينما، في السنوات الأخيرة، ضمن الملفات التي طالها الفساد وعرفت فضائح بالجملة، في مقابل ذلك، بقيت عجلة هذه الصناعة متوقفة في البلاد، فيما يحاول الشباب وأصحاب المبادرات المستقلة المرافعة باسم الجزائر في المحافل الدولية. بعث استحداث حقيبة الصناعة السينماتوغرافية بعد الانتخابات الرئاسية ولأول مرة في تاريخ البلاد أملا في إعادة ترتيب القطاع وإمكانية بعث بوادر صناعة حقيقة في هذا المجال. غير أن الأحداث التي جاءت بعدها جعلت من هذا الأمل مثل "سراب بقيعة". ورث يوسف سحايري ملفات شائكة ومعقدة في هذا القطاع. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مصالح المتفشية المالية تحقق في المركز الجزائري لتطوير السينما، عاد النقاش إلى الواجهة حول "الفساد السينمائي"، بتضخيم الفواتير وأفلام تم تمويلها ولم تر النور، إضافة إلى أفلام الإنتاج المشترك. لم يتمكن يوسف سحايري من بسط نفوذه وغاب عن المشهد. فبعد ظهوره لأول مرة في مجلس الوزراء استقبل مرتين أو ثلاثا المهنيين أثناء الورشات التي فتحها حول إعادة ترتيب القطاع وتغيير قانون السينما وتقديم مشروع للحكومة يعمل على دمج المؤسسات السينمائية في البلاد في المركز الجزائري للسينما، الذي رشح راشيدي لرئاسته. وكان يأمل في إعادة بعث مركز "الكاييك" في بداية الاستقلال، لكن رفض المشروع من طرف الحكومة. وتزامن ذلك مع دخول سحايري منطقة الظل واستحواذ بن دودة على صلاحياته، بحيث صارت تنوب عنه في اللقاءات حتى تلك التي تعنى بقطاعه، "استقبال تقنيي السينما ولجنة "الفداتيك" واستقبال جعفر قاسم وفريقه". في 2020، قاد أيضا فيلم أحمد باي المنتجة سميرة حاج جيلاني إلى سجن القليعة، حيث تتواجد رهن الحبس المؤقت بتهم تتعلق بالفساد، فيما تبقى قضية فيلم العربي بن مهيدي عالقة في أروقة وزارة المجاهدين، التي عملت على إعادة إطلاق مسابقة فيلم زيغود يوسف، الذي كان هو أيضا موضوع جدل بين الوزير الأسبق عز الدين ميهوبي وصاحب العمل الدكتور أحسن تليلاني. المشهد الرسمي تميز أيضا بنقاش فرضه فيلم "الأخوات" ليمينة بن فيقي، الذي دعمته الجزائر، لكن المخرجة تنكرت للبلد، ولم يحمل أفيش الفيلم حتى اسم البلد الذي دعمه، فيما يبقى الفيلم الذي ينتظر عرضه الأول بالجزائر رهن تحقيقات خبراء لجنة مفتشية المالية وتدقيق الحسابات بالمركز الجزائري لتطوير السينما. من جهة أخرى، ربما ساعدت كورونا الوزيرة بن دودة على توقيف وإرجاء المهرجانات السينمائية، وخاصة وهران وعنابة، وهذا بعد حديثها عن إعادة النظر في دفتر شروط المهرجانات وطريقة تعيين المحافظين. الأرقام التي تحدثت عنها بن دودة مهولة.. 12 مليارا "ديون مهرجان وهران". واعتبرت بن دودة أن سياسة "عفى الله عما سلف" يجب أن يعاد النظر فيها، لكنها حتى الآن لم تفرج بعد عن نتائج وتقارير المهنيين ولا عن بنود دفتر الشرط الجديد ولا عن مساعي إعادة النظر في قانون الإنتاج السينمائي. هذا إلى جانب إقرار قانون المالية ل2021 إمكانية إعادة قاعات السينما لوصاية وزارة الثقافة، حتى وإن كان الحديث عن قاعات السينما يشكل ترفا في النقاش الدائر، لأنها مغلقة على طول العام في ظل توقف عجلة الإنتاج. وفي مقابل مشهد رسمي بائس للفن السابع في البلاد، تألقت الأفلام الجزائرية في الخارج، الموقعة في أغلبها بأسماء شابة تحاول أن تصنع بصمتها بإمكانياتها الخاصة، والبحث عن بدائل لتمويل أعمالها. وفي هذا الإطار، عرفت مثلا الطبعة التاسعة لمهرجان الفيلم الفرنسي- العربي "نوازي لو سيك" بباريس (فرنسا) مشاركة جزائرية معتبرة، بمشاركة عشرة أعمال دفعة واحدة. إلى جانب تتويجات حققتها السينما الشابة في المهرجانات التي نظمت على قلتها، بسبب جائحة كورونا، منها مهرجان القدس والجزيرة الوثائقية ومهرجان غوتنبرغ للأفلام الوثائقية ومهرجان "دا" السينمائي ببرشلونة. في نفس السنة، واصلت المخرجة مونيا مدور التألق وصناعة الجدل، حيث تألق فيلمها "بابيشا" في جوائز السيزار الفرنسية لسنة 2020، حيث حصد العمل جائزتين في حفل توزيع الجوائز في طبعتها ال45 لعام 2020، وهي جائزة أفضل أول فيلم وجائزة أحسن ممثلة واعدة، التي عادت للنجمة لينا خودري. خلال هذه السنة، قدم أيضا المخرج التلفزيوني، جعفر قاسم، أول تجربة طويلة له بفيلم "هليوبوليس"، الذي رشحته الجزائر لدخول مسابقة الأفلام المرشحة للأوسكار. المشهد السينمائي في البلاد، تميز أيضا بمحاولة المهنيين تنظيم صفوفهم تنظيمات مهنية، على غرار تجمّع تقنيي السينما والسمعي البصري، وتنظيم المنتجين الذين عقدوا جمعيتهم العمومية، وطالبوا بتنظيم أفضل للمهنة. وبالموازاة مع ذلك، كان للإغلاق الذي فرضه وباء كورونا بعض الإيجابية في الدفع بعدد من الشباب إلى إطلاق مبادرات افتراضية في السينما، على غرار مهرجان الفيلم المنزلي، الذي صار تجربة رائدة في الوطن العربي، وصفحة "تحيا سينما" و"نديرو سينما" و"أرشيف السينما" و"كاين سينما".. وغيرها من الصفحات التي أعات الفن السابع إلى الواجهة في زمن الكورونا.