إلى اليوم كانت مناقشاتي مع حمار الحكيم أشبه ماتكون بالصراعات السياسية التي تنعدم فيها النية الحسنة، على الأقل من طرف واحد، من طرف رجل السياسة الذي تسيطر على فكره قاعدة منظِّر الفكر السياسي في العصر الحديث ماكيافيل في كتابه الأمير والذي خلاصته: »الغاية تبرر الوسيلة«. ولا أخفي على القارئ الكريم أنني، وإن لم أكن سياسيا، فقد سلكت معه مسلك السياسيين، وراوغته مراوغة السياسيين، وابتززته أحيانا ابتزاز السياسيين، الذين تتأجج أطماعهم، وتتوق أنفسهم لتحقيق أهدافهم السياسية بأي ثمن، ولو كان ذلك ، وبالطبع، على حساب القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية. لقد كان الحمار، وكما وصف مجتمَعَه بني الحمير: صادق النية، مخلصا، يقول ما يؤمن به، دون مواربة ودون محاولة تحقيق غاية أياً كانت... ولقد كنتُ، وكأي فرد من بني البشر: مداريا مجاملا، غير صريح، أبتغي النجاة على حساب الموقف والمبدأ، لأن الغاية هي السلامة بأي ثمن... جاء الحمار المسكين من مصر، هربا من الحياة السياسية التي أصبحت مقرفة، لدرجة أن المفاهيم الوطنية والفكرية، قد خططوا لمسخها وإفراغها من محتواها الوطني أو الفكري... جاء للجزائر اليوم، وكان قد زارها سابقا، إذ حلّ ضيفا على الأديب المرحوم أحمد رضا حوحو بعد الحرب العالمية الثانية... يوم كان العمل الوطني له أساليبه ورجاله... وغير الوطني يحتكره المستعمر ومن يدور معه... وعاد اليوم إلى الجزائر، آملا أن يجد الجو خصبا لمناقشات فكرية وسياسية تكون متنفسا له للتعبير عن آرائه، وتعويضا له عما فقده في مصر من مناقشات فكرية ووطنية أيام توفيق الحكيم. ولقد أحسست في مجيئه إلى الجزائر فائدة ومخاطرة: فائدة لنا أولا؛ وذلك في هذه الدردشات الفكرية والسياسية التي سنجريها معه؛ وفائدة له في تبديل الجو، وإن لم يكن إلى الأحسن المطلق. أما المخاطرة فعلينا وعليه على حد سواء؛ لأن المساحة المتوفرة للحرية الفكرية، والهامش المسموح به لحرية التعبير وإمكانية التعرض للشخصيات أو القيم الدينية أو الاجتماعية التي تعتبر مجالا مقدسا لايجوز المساس به أو التعرض له إلا بالتقدير والتقديس. والحمار الذي شبّ في جو من الحرية في الحركة والتعبير رفقة توفيق الحكيم، هل يمكنه أن يتأقلم في مثل هذه الأجواء الفكرية ياترى؟؟ لأن الحرية في ميدان العمل السياسي والفكري آنذاك، أيام رفقته لتوفيق الحكيم، يعتبران جزءا من الحركة الوطنية في المشرق عامة، وفي مصر بوجه خاص. إن بحث الحمار عن الجو العام للعمل الفكري السياسي بمعايير غير موفورة لدينا، إضافة إلى حساسيتنا المفرطة من أي نشاط أجنبي في الجزائر، يصعبان عليه أن يتأقلم مع وضعنا، لأن كونه حمارا أجنبيا، من السهل أن تلفق له تهمة: العمل غير المسموح به للأجانب، وفيه مساس بالأمن الوطني... فقد نبهته إلى مثل هذه المخاطرة التي يمكن أن ندفع ثمنها معا.