في ملتقى افتتحه الأمين العام لوزارة الدفاع: تنويه بدور الجزائر في مواجهة التحديات الراهنة لإفريقيا    رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية الكونغو: الجزائر تشهد تطورا على كافة المستويات    بلعابد يُعلن عن دخول مرحلة جديدة لترقية الرياضة المدرسية: رفع الحجم الساعي لمادة التربية البدنية بداية من الموسم المقبل    معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط : اتفاقية لتسويق المنتجات الجزائرية للتخصصات الكيمياوية بموريتانيا    مريم بن مولود : المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية    وزير التجارة يستقبل رئيس غرفة قطر: بحث فرص تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين    السفير الفلسطيني فايز أبوعيطة يؤكد: الجزائر تتصدر المعركة السياسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية    وزير الداخلية يؤكد من خنشلة: الرئيس يعمل على تغيير الأوضاع وتحصين البلاد    سطيف: حجز 383 غراما من الكوكايين و11 ألف قرص مهلوس    وزير الاتصال محمد لعقاب من جامعة الوادي: الصحافة كانت مرافقة للثورة في المقاومة ضد الاستعمار    زيدان يحدد موقفه النهائي من تدريب بايرن ميونخ    "حماس" تبلغ الوسطاء القطريين والمصريين بالموافقة على مقترحهم بشأن وقف إطلاق النار في غزة    توقيع بروتوكول إطار للتعاون البرلماني    تعزيز المرافقة النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة    سريع الحروش ثالث النازلين: نجم هنشير تومغني رسميا في جهوي قسنطينة الأول    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    حقوقيون يدعّمون المعتقلين المناهضين للتطبيع    الحماية المدنية..عيون ساهرة وآذان صاغية لمواجهة أيّ طارئ    الشهداء الفلسطينيون عنوان للتحرّر    تجارب الأفارقة يجب أن تدفع إلى مناهضة الاستعمار حيثما وُجد    وزير السكن والعمران والمدينة،طارق بلعريبي: سنطلق قريبا برنامج جديد للسكن الترقوي العمومي    النخبة الوطنية تنهي المنافسة في المركز الثالث    وفاة المدرب سيزار لويس مينوتي    تعاون أكاديمي بين جامعة الجزائر وجامعة أرجنتينية    تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجزائر وجمهورية كوريا    "هولسيم الجزائر" تركب ألواحا شمسة بموقع الإنتاج    مدير عام جديد لهيئة الرقابة التقنية للأشغال العمومية    50 مصمّمة تعرضن الأزياء الجزائرية.. هذا الخميس    سياسة التشغيل ضمن سياسات التنمية الشاملة في الجزائر    تهيئة مباني جامعة وهران المصنفة ضمن التراث المحمي    "الطيارة الصفراء".. إحياء لذاكرة المرأة الجزائرية    الإتحاد الافريقي يؤكّد دعمه للمصالحة اللّيبية    الأسرى بين جحيم المعتقلات وانبلاج الأمل    "حصى سيدي أحمد".. عندما تتحوّل الحصى إلى أسطورة    بلبشير يبدي استعداده لتمديد بقائه على رأس الفريق    الإطاحة بمروج المهلوسات    تفكيك خمس عصابات مكونة من 34 فردا    حجز 134 كيلوغرام من اللحوم فاسدة    بيتكوفيتش يأمل في عودة عطال قبل تربص جوان    مدرب سانت جيلواز يثني على عمورة ويدافع عنه    سيدي بلعباس.. رهان على إنجاح الإحصاء العام للفلاحة    "نمط إستهلاكي يستهوي الجزائريين    إشادة ب"معطف كبير الحجم" الفلسطينيّ    المرصد العربي لحقوق الإنسان: إجتياح جيش الإحتلال الصهيوني لرفح "جريمة بحق الإنسانية"    الصناعات الصيدلانية : الإنتاج المحلي يلبي أزيد من 70 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    وزير الصحة يشرف على آخر لقاء لفائدة بعثة حج موسم 2024    دراجات/طواف الجزائر-2024/: عودة نادي مولودية الجزائر للمشاركة في المنافسة بعد غياب طويل    500 موقع للترويج لدعاية المخزن    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    في دورته التاسعة.. "الفن موروث ثقافي حافظ للذاكرة" شعار الرواق الوطني للفنون التشكيلية    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الامام ابن باديس يتحدث عن كرامات الأولياء
من عبق الذاكرة
نشر في الشروق اليومي يوم 03 - 09 - 2009

في كل جمعة، تقتطف لكم الشروق من -مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير-، وهي وقفات الإمام ابن باديس (رحمه الله) مع الكتاب العزيز كان ينشرها في "الشهاب"؛ تقتطف عيون المقالات و(كلها كذلك) تذكيرا بتراث الإمام رحمه الله، الذي أصبح مجهولا أو مهجورا أو كالمهجور في بلدنا، ولتدبّر آيات الله، كي نعيشَ في رحاب الذكر الحكيم!
*
*
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (سورة مريم: 97
*
*
سبب النزول، ووعد السابقين
*
*
كان السابقون الأولون من المؤمنين أول الإسلام بمكة مبغوضين من أهل مكة المشركين، مهجورين منهم مزهودا فيهم. ومن أشدّ الآلام على النفس وأشقّها أن يعيش الإنسان بين قومه مبغوضا مهجورا مزهودا فيه، خصوصا مثل تلك النفوس الحية الأبية. فأنزل الله هذه الآية تأنيسا لأولئك السادة ووعدا لهم بأن تلك الحالة لا تدوم، وأنه سيجعل لهم ودًّا فيصيرون محبوبين مرغوبا فيهم. وقد حقق الله وعده فكان أولئك النفر بعدُ السادة المقدمين من أقوامهم وعشائرهم لسبقهم وفضلهم، وكانوا -وهم قادة الجيوش في الفتوحات الإسلامية- المحبوبين هم وجيوشهم، المرغوب فيهم من الأمم التي فتحوها، لعدلهم ورحمتهم ورفعهم لنِير الاستعباد الديني والدنيوي الذي كانت تئنّ تحته تلك الأمم، وأثبت التاريخ أن بعض الأمم الأجنبية دعتهم إلى إنقاذها من أيدي رؤسائها، فكانت هذه الآية من آيات الإعجاز بالإعلام بما يتحقق في الاستقبال مما هو كالمحال في الحال، فكان على وفق ما قال.
*
*
عموم الوعد لعموم اللفظ
*
*
الإيمان -وهو التصديق الصادق المثمر للأعمال- والأعمال الصالحة -وهي المستقيمة المبنيّة على ذلك الإيمان- هما اللذان جعلهما الله سببا في تحقيق جعل هذا الودّ لما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا). فيعمّ ذلك كل أهل الإيمان والعمل الصالح. وهم أولياء الله و(إن أولياؤه إلا المتقون).
*
*
سبب الود وسبب الجعل
*
*
تُكْسَب مودة الناس بأسباب متعارفة بينهم، منها القربة ومنها الصداقة، ومنها صنائع المعروف ومآثر الإحسان. أما هذا الود الذي وعد الله به الذين آمنوا وعملوا الصالحات فسببه جعل من الله له في قلوب العباد لهم دون تودّد منهم ولا توقف على تلك الأسباب فيودهم من لم يكن بينه وبينهم علاقة نسب أو صداقة ولا وصل إليه منهم معروف فهذا نوع من الودّ خاصّ يكرمهم الله به وينعم عليهم به الرحمان من جملة نعمه التي يحدثها ويجدّدها لهم زيادة على ما يقتضيه الإيمان والعمل الصالح -ومنه الإحسان- من مودّة القلوب. أما سبب هذا الجعل والوضع والإيجاد من الله لهذا الود والإكرام فهو الإيمان والعمل الصالح، وهما سبب لإكرامات كثيرة من الله تعالى. هذا لجعل للود منهما.
*
*
بشارة وتثبيت
*
*
في الآية من سبب نزولها بشارة لدعاة الحق وأنصار السنة ومرشدي الأمم عندما يقومون بدعوة القرآن في عشائرهم ويلقون منهم النفور والإعراض والبغض والإنكار، ويجدون أنفسهم غرباء بينهم، يعاديهم من كانوا أحبابهم ويقاطعهم أقرب الناس قرابة إليهم، ويصبح يؤذيهم من كان يحميهم ويدافع عنهم.
*
في الآية بشارة لهم بأن تلك الحالة لا تدوم، وأنهم سيكون لهم على كلمة الحق مؤيدون وفي الله محبون، وسيكون لهم ود في القلوب ممن يعرفون وممن لا يعرفون. وفيها أيضا تثبيت لهم في تلك الغربة، ووحشة الانفراد بما يكون لهم من أنس الود وأي ود هو. ود من يكون من جعل الرحمن.
*
*
دفع إشكال
*
*
الآية منظور فيها إلى مجموع الذين آمنوا وعملوا الصالحات وغالبهم، فلا يشكل علينا أن منهم من يموت في غربة الحق قبل أن يكون له على الحق أنصاره، ومنهم من يموت غير معروف من الناس. كما أن الود الذي يجعل لهم، غير منظور فيه للعموم، فلا يشكل ببغض من يبغضهم تعصبا لهوى أو تقليدا لضال، أو حرصا على منفعة ومحافظة على جاه أو منصب أو مال.
*
*
تفسير نبوي
*
*
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: »إن الله إذا أحبَّ عبدا دعا جبريل فقال: إني أحبّ فلانا فأحِبَّه، فيحبّه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.
*
وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل. ثم ينادي (جبريل) في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضونه. ثم توضع له البغضاء في الأرض. رواه بهذا اللفظ مسلم ورواه البخاري وغيرهما. وزاد الطبراني: »ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)
*
فارتبط الحديث بالآية بزيادة الطبراني. وبيَّن النبي (صلى الله عليه وسلم) بقراءة الآية أن هذا القبول الذي يجعل لمن أحبّه الله في أهل الأرض -والمراد بهم من يعرفونه منهم- هو نوع الود المذكور في الآية، وبين أن أهل القبول في الأرض محبوبون في أهل السماء قبل أهل الأرض، وبيَّن أن سبب ذلك القبول هو محبّة الله لهم، فمن أحبّهم حبَّبهم لعباده. ولما كان سبب القبول محبّة الله لهم بيَّن (صلى الله عليه وآله وسلم) أن بغض الله سبب في بغض الخلق لهم إذا ما تسبب عنه أحد الضدَّين يتسبب عن الآخر ضده. ولما كانت محبة الله مسببة عن الإيمان والعمل الصالح فبغض الله مسبب عن ضدهما، إذ ما تسبب عنه أحد الضدين يتسبب عن ضده الضد الآخر. وكما كان ذلك الود والقبول يكون شيئا زائدا على ما تقتضيه أسباب الود بين الناس، كذلك تكون هذه البغضاء التي يهين الله بها ويعاقب من يشاء زيادة على ما تقتضيه أسباب البغضاء بينهم، فيكون هذا الذي وضعت له البغضاء -والعياذ بالله- مبغوضا حتى ممن لم يكن منه إليه شيء من أسباب البغض.
*
*
تبيين وتعيين
*
*
قد يكون الأتباع والمحبون والراغبون لأهل الحق ولأهل الباطل لأئمة الهدى ولرؤوس الضلال لدعاة الاتباع ولدعاة الابتداع. ولكن أهل المحبة من الله والود والقبول من العباد هم أهل الحق وأئمة الهدى ودعاة الاتباع للكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالحون، لا لأنفسهم والتحزب لهم وجلب النفع لهم، والذي يعينهم لهذه الكرامة دون غيرهم هو اتباعهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) في سيرته ودعوته
*
وما كانت دعوته إلا للقرآن وبالقرآن دون أن يسأل على ذلك من أجر. وهذا لأن الودَّ والقبول عند العباد مسببان عن محبّة الله للعبد، ومحبة الله لا تكون إلا للمتبعين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) [آل عمران: 31].
*
فكرامة الود والقبول إنما هي للمتبعين له (صلى الله عليه وآله وسلم) فأما غيرهم فما يكون لهم من قبول عند أمثالهم فهو فتنة وبلاء عليهم.
*
*
إرشاد
*
*
أفادت الآية الكريمة والحديث الشريف أن على المسلم أن يتمسَّك بالإيمان والعمل الصالح والاتباع للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولو كان في قوم انفرد بينهم بذلك وحده. ولا يستوحش من انفراده بينهم. فحسبه رضى الله ومحبته وكفى بهما أنسا، وليثق بأنه -إن صدق- ومدَّ الله في عمره يكون له ود وقبول في عباد الله، وأنس بمن يحبّهم ويحبونه لله، وتلك المحبة النافعة الدائمة والصلة المتينة الجامعة التي تجمع بين أهلها في الدنيا والآخرة.
*
جعلنا الله والمسلمين من العاملين له المتحابين فيه.
*
الشهاب - ربيع الثاني 1354/ 3 جويلية 1935.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.