شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    سوريا: اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في سوريا    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    معالجة 40 ألف شكوى من طرف هيئة وسيط الجمهورية    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    اجتماع الحكومة تبحث إصلاح قطاع التأمينات    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهد على ''اغتيال'' الكتاب الديني في الجزائر (2)
نشر في الشروق اليومي يوم 28 - 07 - 2007


ثالثا: مناقشة النقطة الثالثة:
3- وجود قائمة رسمية صادرة من طرف اللّجنة الوطنية للرخص والتفتيش للمديرية الفرعية للمطبوعات وإحياء التراث الإسلامي.
أ- فمن الوجه القانوني: إذا كانت تصريحات مسؤولي الإدارة صحيحة وصادقة بوجود قائمة رسمية، فأين هي هذه القائمة الشبح التي لم يستطع أحد من مستوردي الكتب الإطلاع عليها؟! وكيف تكون هناك قائمة رسمية ولم يتم المصادقة عليها من قبل سلطات وهيئات عليا رسمية تخول لها سلطة القانون ذلك؟
إذ المعمول به قانونا أنّ كل مرسوم رئاسي صادر من السلطة الرئاسية أو تشريع برلماني صادر من السلطة التشريعية حتى يصبح ساري المفعول لا بد له من أن ينشر في الجريدة الرسمية وهذا ما هو منعدم تماما في موضوعنا هذا. أمّا إذا كان قرار المنع صادر عن لجان وزارتي الثقافة والشؤون الدينية فلا يكسب صفة الإلزامية إلا بعد صدوره في الجريدة الرسمية أو نشره وتعليقه في ذات المؤسسة بغرض الإعلان والإعلام وهذا ما لم يتم العمل به. حيث ما صرح لي به شخصيا مسؤول بالوزارة – إن صح تصريحه- أنّ القائمة مصادق عليها من طرف رئيس الحكومة السابق، ولكن السؤال المطروح كيف لم تنشر هذه القائمة في الجريدة الرسمية إذ كل القرارات المصادق عليها من طرف رئيس الحكومة ترتقي إلى مراسيم حكومية، ولم تنشر حتى في وسائل الإعلام الوطني أو أضعف الحالات في المقرات والمكاتب الخاصة برخص وتفتيش الكتب حتى يتسنى لمستوردي الكتب المتعاملين مع الإدارة معرفة الكتب الممنوعة بصفة واضحة ورسمية، أم هو عمل غير مشروع يسوده ظلام حالك أصبح اتجاها ومنهجا لإدارتنا الموقرة؟ وأين شفافية ووضوح إدارتنا وهي تمثل هيئة رسمية وزارية للدولة الجزائرية؟ ولصالح من تمنع هذه الكتب الدينية التعليمية؟ كما أنّ العالم أصبح قرية صغيرة قريبة المسافات عن طريق شبكة الأنترنت يمكن للباحث أو من يهمه الأمر الحصول على مراجع مختلفة دون إذن من أي جهة كانت ومنه فإنّ الإدارة لايمكنها أن تمارس الرقابة في اقتناء هذه الكتب من الأنترنت، فما المراد من منعها إذن؟.
ب- ومن الوجه العلمي: ليس من العقل في شيء أن تمنع كتب علمية بحتة في جميع المجالات تحت أي سلطان كان فالعلم و العلماء لا تحدهم حدود ولا تمنعهم سدود خاصة إذا كان في ما ينفع العباد والبلاد. ثمّ إنّي لأعجب كيف أضحى اليوم بعض النصارى في الغرب أعلم بحقيقة الإسلام أكثر من الخرافيين المنتسبين إليه والذين يعملون على تشويهه ومحاربته حيث قال الكاتب الأمريكي ستودار لوثروب (lothrop stoddard) متحدّثا عن واقع المسلمين:" أما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة سجفا من الخرافات وقشورا من الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات وكثر عديد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسبحات ويوهمون النّاس بالباطل والشبهات ويرغبونهم في الحجّ إلى قبور الأولياء ويزيّنون للنّاس التماس الشفاعة من دفناء القبور. وغابت عن النّاس فضائل القرآن. فصار يشرب الخمر والأفيون في كلّ مكان وانتشرت الرذائل وهتكت ستر الحرمات على غير خشية ولا استحياء. ونال مكة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحجّ المقدس الذي فرضه النبي على من استطاعه ضربا من المستهزءات. وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين هبطوا مهبطا بعيد القرار فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدهي الإسلام لغضب وأطلق اللعنة على من استحقّها كما يلعن المرتدّون وعبدة الأوثان". فقلت متعجبا: هل أصبح النّصراني الكافر أعلم بالإسلام وبالتوحيد من بعض طوائف المسلمين؟ وعلى دراية تامة بأن أصل الدين الإسلامي قائم على التوحيد وأن الدعوة للحجّ إلى قبور الأولياء والتماس الشفاعة عندهم منافية تماما له وأنّها من الشرك الذي يقع فيه المرتدّون من عبدة الأوثان. فكيف لشواذ أمتنا اعتقاد ذلك ومحاولة إدراجه ضمن الإسلام الصحيح؟. وما الضعف والانحطاط الذي أصاب الخلافة العثمانية إلا بسبب الفساد العقائدي المتمثل في التصوف الفاحش الذي عرفه الحكم وأجهزة الدولة وتسليطه قهرا وظلما على الشعوب وذلك حسب ما ذكره بعض المؤرخين. ثمّ إن الغرب ليسعد بانتشار التصوف في العالم الإسلامي لأنّه يضمن له البقاء والرخاء، والمتمعن في تاريخ الأمة الإسلامية يلمس حقيقة لا مفر منها وهي أنّ الغرب كان يدعم الفرق الضالة والعلمانيين على حساب أصحاب الدين الصحيح لحماية مصالحه، ولا عجب في ذلك فإن الجاهل يفعل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه. وكم يعجبني معنى قول شيخ السلفية في الجزائر الشيخ البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه: أن أمريكا يدها في الظهران ورجلها في طهران وعينها في وهران، واللبيب يدرك حقيقة القاعدة في بلاد المغرب التي ما هي إلا عنوانا لكتاب مضمونه يسعى لتجسيد مخطط الغرب.
ج- أمّا من الوجه السياسي: فالظاهر أنّ القائمة ليس لها أي مصداقية سياسية أو قانونية إذ هي محل غموض وهذا ما يزرع الحقد والكراهية وفقدان الثقة في نفوس المتعاملين مع الإدارة، كما يماطلونهم بالشهر بل و أكثر من الشهر من أجل تحصيل رخصة من الوزارة لاستيراد كتب دينية من تأليف علماء ربانيين يتمتعون بكل مواصفات التأليف، وفي المقابل يرخص لمستوردي الكتب التعليمية الأخرى من وزارة الثقافة في ظرف يوم أو يومين بعضها قبيحة المحتوى وتحمل أفكار هدامة واستضمارية وتمس فعلا بثوابت الأمّة. فما المراد والهدف من هذا كله؟ هل أصبح الدين الإسلامي الذي هو ثابت من ثوابت الدولة الجزائرية عدو يجب محاربته وتحريفه حسب ما يخدم مصالحنا السياسية والدنيوية لا كما شرعه ربنا؟ أم أفكار وقوانين أعدائنا صارت هي الحق والمنهج الذي يجب اتباعه؟
رابعا مناقشة النقطة الرابعة
4- اللجنة المختصة تشترط أن يكون محتوى الكتاب موافق لسياسة البلد، متوفر على كل مواصفات التأليف و معايير النشر.
أ- فمن الوجه القانوني: الإسلام هو دين الدولة الجزائرية وهذا ما يثبته الدستور الجزائري، والسياسة جزء لا يتجزأ من الدين، وهل من العقل والمنطق أن يصبح الجزء أعم من الكل؟ ومن أعلم النّاس بالإسلام وسياسة النّاس العلماء أم من؟ أمّا فيما يخص مواصفات التأليف ومعايير النشر فإن كتب العلماء الذين سبق ذكرهم لا تفتقر إلى ذلك بل مؤلفوها من أمهر النّاس وأتقنهم لهذه الحرفة والصناعة.
ب- ومن الوجه العلمي: فإنّ جميع الكتب التي ألفها علماءنا الأفاضل غنية من الناحية العلمية والشرعية فمحتواها ممّا شرعه الله جلّ وعز في كتابه العزيز الحكيم وعلى لسان نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم من غير تشويه ولا تبديل و لا تحريف للدين ومن غير شبه ولا تدليس إذ هم أأمن الخلق على ذلك، و فهمهم للكتاب والسنة على فهم سلف الأمّة وهم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام الجيل الأول الذي اصطفاه الله على خلقه ورضي الله عنهم ورضوا عنه ولا يصلح آخر هذه الأمّة إلا بما صلح به أولها وكيف تقوم لنا قائمة أو تستقيم لنا أمور ونحن أبعد الخلق عمّا كان عليه سلفنا ونطمع أن نجني الخير في اتباع سنن من قبلنا من اليهود والنصارى وهم في كل شبر يمكرون بنا أليس اتباعنا لهم دليل سذاجة وضعف عقولنا وقلة حيلتنا، وأين نحن من قول النبي عليه الصلاة والسلام ''العلماء ورثة الأنبياء'' فالأنبياء والعلماء لا يورثون الدرهم والدينار ولكن يورثون العلم والأدب بما يرضي رب الأرباب الواحد الصمد.
- فمن شبه أعضاء اللّجنة التي يحاولون ترويجها لكسب المصداقية فيما يفعلونه قولهم إنّ الجزائر ليست بحاجة إلى علم وفتاوى علماء غير جزائريين إشارة إلى علماء الحجاز خاصة، فقلت: منذ متى أصبحت الإقليمية في مجال العلم؟ فبالأمس القريب كان شيخنا البشير الإبراهيمي معلما ومدرسا لمشايخ الحجاز وهم يشهدون لشيخنا بهذا الفضل وقبله إمامنا مالك وغيرهما وكرسي الشيخ أبو بكر الجزائري في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام و هو من ريح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يشهد على ذلك، وليتهم كانوا إقليميون بحق لكنهم يروجون كتب المنحرفين من دعاة المسلمين بشهادة علمائنا الكبار، ولو طردنا هذا المنطق لقلنا يجب منع كل الكتب التعليمية الأخرى في جميع الميادين من علم نفس وأدب وشعر وفلسفة...إلخ لغير الجزائريين، أليس حقيقة منطقكم توحي إلى ذلك؟ والعجب في ذلك أنّ تطاول هؤلاء الشواذ بلغ حتى كبار علماء الجزائر بما فيهم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكم أعجبني في هذا الباب رد شيخنا وأبينا عبد الرحمان شيبان على بعض المغرضين الذين اتهموا جمعية العلماء المسلمين أنّهم كانوا اندماجيين، فكان جوابه حفظه الله وأطال عمره على كل خير كافيا شافيا حيث قال ما معناه: أنّه لم يكن أعضاء جمعية العلماء المسلمين من دعاة الإدماج أبدا وإنما افتراه عليهم من لم يفهم كلامهم لقلة علمه وسوء فهمه مستدلا بعدة أقوال لعلمائنا في الباب.
إنّ كل عاقل يدرك من كلام علمائنا أنّ الدعوة الصحيحة هي الدعوة القائمة على عقيدة ومنهج صحيحين كما يؤكده محدث العصر الشيخ الألباني رحمة الله عليه على وجوب الالتزام بدعوة التصفية والتربية والمقصود من كلامه تصفية وتنقية الدين من جميع الخرافات والبدع والشرك التي تعمل على إفساده وتربية النّاس عليه بالكلمة الطيبة لقوله جلّ وعلا: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن" وهذا نفسه نهج جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فقد كان برنامجها قائم على حتمية إخراج الكفر والشرك من البلاد قبل إخراج الكفار والمشركين منها، و يدل على ذلك أنّ الجمعية كانت تعلم الدين واللغة العربية لأنّهما شيئان متلازمان، وتدعو إليهما، وترغب فيهما، وتعمل على تطهير الدين مما علق به من خرافات- وبدع- والعودة به إلى نقاوته الأولى- وإلى سماحته في العقائد- والعبادات – لأن هذا العمل يدخل في الإصلاح والسلفية الذي كانت تبشر به جمعية العلماء باعتبارها صاحبة دعوة إصلاحية سلفية. من كتاب الدكتور تركي رابح عمامرة بعنوان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ص 105.
ج- أمّا من الوجه السياسي: المفروض أنّ الدولة القوية تعتمد في مخططاتها في مختلف المجالات على العلماء المحنكين في جميع الميادين وكل حسب اختصاصه وبرعاته في الميدان الذي يتقنه ويتفنن فيه''فكل ميسر لما خلق له'' كما قال رسول أمتنا عليه الصلاة والسلام لأنّهم أكثر النّاس فهما ودراية بشؤون وأحوال الدنيا والآخرة عن باقي الخلق وهم أكثر نضجا وأبلغ عقولا وأسلم منطقا من سواهم، ولكن الظاهر في منطق إدارتنا المحترمة الرأس الصغير أحق من الرأس الكبير في تسيير شؤون الأمّة والعمل على سياستها.
خامسا: مناقشة النقطة الخامسة:
5- الاستناد على مذهب الإمام مالك كمعيار للتمحيص و اتخاذه كأصل مما لا نقاش فيه وهذا ضمن تصريح معالي الوزير في جريدة الخبر ليوم 13مارس من العام الجاري.
أ- فمن الوجه القانوني: لا أختلف مع إدارتنا على هذا الأصل فالإمام مالك رحمة الله عليه كان إمام المغرب والمشرق وكان إمام مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمدينة وكان لا يفتى وإمامنا فيها، فعقيدته عقيدة المصطفى عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح وعلمه حظي بالقبول في جميع أقطار العالم الإسلامي، وقانونيا الدولة الجزائرية وكل أجهزتها الرسمية تقر بذلك.
ب- ومن الوجه العلمي: إن عقيدة الإمام مالك كعقيدة الأئمة الباقين المهتدين أبي حنيفة والشافعي وأحمد، فأئمتنا جميعا لم يختلفوا في مسائل العقيدة، وإنّما اختلافهم كان في بعض مسائل الفقه وكلهم يحذر من التعصب إذا كان مخالفا للنصوص الشرعية، والإمام مالك رحمة الله عليه هو القائل ''كل يؤخذ من قوله ويرد إلاّ صاحب هذا القبر'' إشارة إلى قبر رسول لله عليه الصلاة والسلام، ونحن على عقيدة الأئمة الأربعة قولا وعملا بإذن الله جل وعلا، فامتداد عقيدتنا كامتداد عقيدة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لهم، ولكن ما علمناه وما صرح به سعادة الوزير في جريدة الخبر بتاريخ 13 مارس أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف قامت بإقصاء أئمة سنيين ومتمكنين في علم الشر ع بحجة أنّهم اختلفوا مع الإدارة في مسألة الدرس قبل الجمعة وحمل العصا على المنبر أثناء الخطبة وقد ورد فيه عن الإمام مالك وابن شهاب في الاستذكار والمدونة الكبرى بأنّه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كبرهم، وقال مالك إنّه يستحب اتخاذ العصا على المنبر، و المستحب يثاب فاعله ولا يأثم تاركه، وأبقت على أئمة يسبلون الثياب ويحلقون اللحى والإمام مالك في موطئه يقول بوجوب إعفاء اللحية وحف الشارب في كتاب الشعر باب السنة في الشعر رقم(1716) و ذم إسبال الثياب كما روى في موطئه في كتاب اللباس باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه أنّه مذموم على كل حال غير جائز، فكيف يقصى من لم يقع في الذنب ويقرّ من وقع فيه بحجة الامتثال لمذهب مالك رحمة الله عليه وهو بريء من ذلك؟. علما أنّ المستوى العلمي للمقرين أضعف بكثير من مستوى المقصين بدليل أنّ الفريق الأول من الأئمة أغلبهم أصحاب شهادات عليا جامعية أو معاهد في أصول الدين معتبرة والفريق الثاني أغلبهم من خريجي الزوايا علمهم يقتصر على حفظ القرآن وبعض علوم الآلة من غير تفقه في فنون الدين وأصوله، فأين العدل والإنصاف في هذا؟ أليس الدعوة إلى الله هي كبش الفداء في كل هذا؟ أم أنّ منطق إدارتنا اليوم أصبح ينطبق عليه قول أحمد المقريزي ''البضاعة الرديئة تطرد البضاعة النفيسة من السوق'' أم أصبح المجال مفتوح لأصحاب خبز الذل والهوان على أصحاب الثوابت والالتزام؟ وحتى الكتب الممنوعة من طرف إدارتنا الموقرة أغلبها لعلماء سنة أكابر وطلبة علم نجباء من الجزائر والدول الإسلامية الأخرى و هم على عقيدة الإمام مالك والأئمة الأعلام الثلاثة الباقين، والكتب التي رخصت أغلبها لفرق إسلامية ضالة خاصة منها الصوفية التي يضللها إمامنا مالك وجمعية علماء المسلمين الجزائريين على رأسهم الإمام ''ابن باديس'' ورخصت أيضا كتب لمؤلفين أصحاب فكر إسلامي أبعد ما يكون عن الكتاب والسنة، فهل لإدارتنا أن تخجل من عملها شيئا قليلا؟
- ثمّ كيف بمعالي الوزير يصرح في جريدة الخبر لنفس اليوم قائلا: إنّ العلماء الذين أفتوا لهؤلاء بحمل السلاح، هم من أفتوا بضرورة الكف عن استعماله، وفي اعتقادي أصحاب فتوى حمل السلاح هم الإرهابيون. قلت: لقد استعمل معالي الوزير كلمة"العلماء" محلاة بالألف واللام وكأنّه يشير إلى العلماء الربانيين، ولو استعمل كلمة "علماء من حمل السلاح" لكان هذا هو اللائق، فالعلماء حقا على الحق أما من افتى ويفتي بحمل السلاح على المسلمين فهو على الباطل. فهل عندكم سعادة الوزير أن الحق يصير باطلا؟! وهل في مفهومكم سعادة الوزير يمكن تجزئة المجتمع الإسلامي؟ فكيف بقولكم أما أخطر الكتب التي ألغيناها فهي تلك المتعلقة بالفتاوى والتي منها ما يحمل مسائل وفتاوى فصل فيها لمجتمعات تختلف عن مجتمعنا؟ وهل لكم سعادة الوزير أن تذكروا لنا اسم عالم رباني واحد ممن ذكرناهم أفتى بالخروج على أئمة المسلمين وعامتهم وحمل السلاح عليهم؟
- فهذه المسألة قد بينها لنا علماءنا قديما وحديثا فمثل هذا العمل لا يصدر إلا من الفرق الضالة ''كالخوارج'' التي استغلها عبد الله بن سبأ اليهودي في فتنة مقتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه قديما ولا زال يستغلها أحفاده من''الماسونية ''حديثا وذلك بترويج فكر وشبهة ''الهجرة والتكفير'' لإضعاف واستنزاف قوى الدول العربية والإسلامية، وتاريخ الدولة الأموية والعباسية ودول المغرب عندنا أكبر برهان على ذلك والدماء التي سالت والأعراض التي انتهكت بسبب فتن الخروج والقتال بين المسلمين''المحرم شرعا'' أكثر من الدماء والأعراض التي طالتها أيدي الغدر والمكر من أعداء المسلمين، والعلماء الربانيين الذين أعرفهم والعالم الإسلامي كله يعرفهم أفتوا بعدم جواز الخروج على الحكام المسلمين كما جاء في عقيدة الإمام ''الطحاوي'' وأن لا نخرج على أئمتنا وإن جاروا وظلموا، والخطأ صادر من الذين لا يفهمون ولا يستجيبون لصيحات وفتاوى العلماء الربانيين من أجل إرضاء شبههم وشهواتهم وليس للعلماء تقصير في ذلك.
ج- أمّا من الوجه السياسي: إنّ المتأمل في واقع الدعوة إلى اللّه في بلدنا يلمس تراجعا واضحا في مسيرتها وما ذلك إلا بسبب السياسة المنتهجة من طرف إدارتنا الموقرة فبعدما انتهت من تقليص عدد الدعاة السنيين بحجة محاربة الإرهاب وتجفيف المنابع التي تغذيه وطمعا منها بأن يأخذ التيار الصوفي حظا كبيرا في صفوف الجزائريين بعدما أصبحت الوزارة تعج بأصحاب هذا التيار الآن انتقلت إلى التضييق على الكتاب الذي هو كالماء بالنسبة للسمك في الدعوة إلى الله، فأقول: والله إنّ الشباب الجزائري الذي يذوق ويلات الانحراف والزيغ لا يرضى أن يدين الله بالخرافات التي تدعو الصوفية إليها. ولكن على اللبيب أن يتفطن لمقصد هذه السياسة المشبوهة إذ هو تجسيد لمشروع الغرب في إجهاض الدعوة إلى الله و يظهر ذلك جليا في خطاب زعيم فرنسا سنة 1991 بعد دراسة متفحصة للدعوة في الجزائر- وعدم امتثالنا لنصائح العلماء الربانين بأن الغرب يريد استدراجنا بمشروع الحزبية- حيث قال: '' إن ّالدعوة في الجزائر عبارة على جنين في بطن أمه لا بد من إجهاضه قبل تسعة أشهر'' وكيف لا يتسنى له ذلك ومن بيننا من يحب ويعبد فرنسا والغرب أكثر من أبنائهم، ويتجلى ذلك في مذكرات ديغول بعد أمر وقف إطلاق النّار بين فرنسا والجزائريين في 19 مارس 1962 قوله "إنّني أهدف إلى استقلال الجزائر لأنّه قد أصبح أمرا محتوما، ولكي أفرغ شحنة الكفاح المسلح عملت على تربية بعض العناصر في عهد الاستعمار وجعلتها في الحزب والإدارة والجيش ...إلخ، وهذه العناصر تخدم فرنسا أكثر من الفرنسيين و بذلك أصبح استعمار فرنسا للجزائر كما كان وأكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.