تحلّ سنة 2014 وهي تحمل في طياتها جوا من الضبابية والغموض لم يسبق للبلاد وأن عاشت على وقعه منذ الاستقلال، فالانسداد السياسي أصبح سيد الموقف، والترقب توسعت قاعدته وبات انشغالا حتى على مستوى دهاليز الحكم. والأغرب من كل ذلك أن البلاد وهي على بعد أسبوعين فقط من استدعاء الهيئة الناخبة لأهم استحقاق، لا تزال رهينة انبلاج الخيط الأبيض من الخيط الأسود. ويمكن اختزال المشهد السياسي إلى غاية اليوم الأول من العام الجديد، بالمثل الجزائري السائر "ديرو عرسي وأنا غائب". فمن يقرأ ما يكتب في الصحف، ويتابع ما يبث في القنوات التلفزيونية، يعتقد وكأنه أمام سيناريو فيلم من دون أبطال. فالجزائريون ملوا من ضجيج الجعجعة، لكنهم لم يروا طحينا. فأنصار الرئيس بوتفليقة لم يتوقفوا عن الترويج للعهدة الرابعة بمناسبة وبدونها، لكن الجزائريين لم يسمعوا من المعني كلاما، أو يقفوا على كل ما يشير إلى إمكانية خوضه سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو يدفع بمرشح عنه بالوكالة، وإن كان الاحتمال الثاني يبدو الأقرب إلى المنطق، في نظر المتتبعين، بالنظر إلى القرارات والإجراءات الثورية التي قام بها منذ عودته من رحلته العلاجية في فرنسا. وحتى أنصار الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، علي بن فليس، أقاموا المهرجانات ونصّبوا لجان المساندة والدعم، واجتهدوا في توجيه المناشدات، غير أن المعني الأول لم يخرج عن صمته ليقول للجزائريين إنه سيخوض السباق، بالرغم من المواعيد الكثيرة التي أطلقها وانقضى زمانها.. وكل ما قيل بهذا الخصوص مجرد تسريبات من محيط مرشح رئاسيات 2004، الذي يبدو أنه يكون قد استفاد من تجاربه السابقة ويسعى لتوظيفها في ما هو قادم. وبينما يرفض رئيس حكومة الإصلاحات، مولود حمروش، التموقع في مشهد الرئاسيات، بحسب ما نُسب إليه، ويصر على أن عودته للواجهة مرهونة بوجود مناخ ملائم يضمن تنظيم انتخابات ذات مصداقية، برغم المناشدات التي وصلته من أنصاره لخوض سباق الاستحقاق المقبل، يلوح في الأفق شعاع أمل لدى عبد المالك سلال، مستغلا سياسة ملء الفراغ، الذي خلفه غياب الرئيس بوتفليقة، من خلال الزيارات الميدانية التي قادته إلى 38 ولاية.. فالرجل أصبح يتصرّف وكأنه الرئيس المقبل، في خطاباته وحتى في نزوله أحيانا للاحتفال على طريقته الخاصة مع المواطنين، كما حصل مؤخرا في زيارتيه الأخيرتين إلى كل من الطارف وقالمة. في الدول المعروفة بعراقتها في الديمقراطية، السباق نحو الانتخابات الرئاسية عادة ما ينطلق مبكّرا، وفرسان هذا السباق يعرفون عادة قبل موعد الاستحقاق بسنة على الأقل، لأن عملية الفرز تبدأ على مستوى الأحزاب، قبل أن تنتقل إلى انتخابات الرئاسة، وهذا من شأنه أن يساعد الناخب على بلورة موقف مبني على معطيات واقعية ومدروسة من هذا المترشح أو ذاك. غير أن هذه الممارسة يبدو أنها غائبة عن الحالة الجزائرية، فعلى بعد ثلاثة أشهر من الاستحقاق الرئاسي، لا تزال الصحافة تتحدث عن "مشاريع مرشحين"، وليس عن مرشحين، فأي مصداقية لانتخابات بحجم رئاسيات لم يتعرف فيها الناخبون على فرسان السباق؟ أم أن صناع القرار يعدّون العدّة للدّفع ب "رئيس معلّب".