وقع أمين الزاوي روايته الأخيرة "طفل البيضة" بجناح منشورات البرزخ وسط عدد كبير من قرائه الذين شاركوه حفل إطلاق روايته الصادرة بالفرنسية. أمين الزاوي يعود من خلال هذا الحديث مع الشروق إلى العلاقة بين كتاب الفرنسية ونظرائهم المعربين في الجزائر، كما عاد الزاوي إلى "المعركة" الأخيرة بين كمال داوود ورشيد بوجدرة. لاحظت كيف اصطف قراؤك خلال يومي البيع بالإهداء.. لماذا يقول بعض الكتاب والنقاد أن المقروئية بالفرنسية في الجزائر تراجعت؟ أمين الزاوي: أنا أعتقد عكس ذلك تماما، فمع وصول وسائل الاتصال الجديدة، وتفاعل الجزائريين على شبكات التواصل الاجتماعي زادت رغبة الجزائري في البحث عن تعلم اللغة الفرنسية والتعامل بها، وهناك مجهود كبير يبذله الشباب لتعلم هذه اللغة، فهم لا يعتمدون على المدرسة في تعلمها، بل على مجهوداتهم الخاصة ويستعملون وسائلهم الخاصة لذلك أيضا، لذا أعتقد بأن قارئ الأدب وبالأساس الرواية هو القارئ بالفرنسية على مستوى الكم والكيف، والقارئ بالفرنسية قارئ مجتهد، يقرأ ويناقش ويسأل، وهو أيضا قارئ متسامح، يقبل الاختلاف ولا يصادر رأي الروائي، وما يحصل من نقاشات حول رواياتي بالفرنسية هي نقاشات من داخل النصوص، وليس بالاستناد على أحكام خارجية أو شفوية، وتنفد الطبعات الأولى لرواياتي في أقل من ثلاثة أشهر وبعضها أعيد طبعه أربع مرات. وما ألاحظه أيضا هو أن القراء الجدد بالفرنسية هم من الشباب، وأيضا هم من تخصصات مهنية ووظيفية مختلفة من أطباء وممرضين ومهندسين وتقنيين وعلميين، وهي ظاهرة طاغية على مشهد القراءة، في حين يبدو لي أن القارئ بالعربية يكون في أغلب الأحيان من العلوم الإنسانية أو من قطاع التعليم وبدرجة قليلة جدا. روايتي "طفل البيضة" (بالفرنسية) L'enfant de L'œuf المنشورة بدار البرزخ حققت رقما قياسيا في مبيعات المعرض، وهي أكثر الروايات مبيعا، في جلسة التوقيع لاحظت أن بعض القراء يجيئون من مدن داخلية بعيدة جدا بغرض اقتنائها، وقد قال لي أحد القراء بأنه قطع سبعمائة كيلومتر للحصول عليها.
هل يمكن أن نقيس نسبة المقروئية في الجزائر بالاعتماد على معرض الكتاب؟ أمين الزاوي: معرض الكتاب عينة يمكن الاستئناس بها لمعرفة ذوق القارئ الجزائري وتوجهاته، وهذا الإقبال اللافت في المعرض يبين بأننا بحاجة إلى خلق آليات جديدة لتوصيل الكتاب والاستثمار فيه، فالكتاب قطاع اقتصادي رابح، ومعرض الكتاب يجب أن يخضع لدراسة علمية دقيقة، وأتمنى لو أن إدارة المعرض بالتعاون مع الجامعة تقوم بتكليف فريق من الباحثين لدراسته ميدانيا من حيث الطلب والعرض والاختيار واللغة والأعمار والجنس... وأعتقد أن دراسة مثل هذه يمكنها أن تطور من المعرض لاحقا وتخلصه من السقوط في الروتين وأيضا تجعل المسؤولين عليه يصلحون ما هو ناقص ويدعمون ما هو إيجابي ويضيفون إليه ما هو ناقص. يجب أن نتجاوز الحديث عن عدد الزوار إلى طبيعة هؤلاء الزوار، لأن معرض الكتاب ليس معرض السيارات أو الفلاحة... إنه معرض يقوم على سلعة مرتبطة بتطوير رأسمال القيّم.
لماذا انحرف النقاش مؤخرا بين الروائيين، خاصة بين داوود وبوجدرة وتعدي حدود المنافسة الإبداعية؟ أمين الزاوي: شخصيا أحب كتابات كمال داوود وأعتبره من الأقلام الجريئة، وفي الوقت نفسه أحب أيضا كتابات رشيد بوجدرة الروائية، فهو قلم عريق، ولكن النقاش ذهب خارج الأدب، وأعتقد أن هذا الخروج المرضي في النقاش سببه غياب فضاءات النقاش الثقافي، وفي تصوري من حق بوجدرة أن لا يحب كتابات كمال داوود وأن ينتقدها، لكن ليس من حقه أن يتهم الكاتب في مساره وفي شخصه. وأتمنى أن نخرج من هذا الحوار اللامجدي والذي يفتت الكتاب ونحن لسنا أكثر من كمشة.
يصر بعض الكتاب باللغة العربية على تخوين الكتاب باللغة الفرنسية، خاصة الأسماء التي ترشح لجوائز أدبية فرنسية. هل هو صراع أجيال؟ أمين الزاوي: لست أدري لماذا حين يحصل كاتب على جائزة من الخليج أو من السعودية لا يتهم، مع ما يمكن أن يقال على من يمنح هذه الجائزة أو تلك، وحين يحصل عليها كاتب من فرنسا يتهم؟ أعتقد أن هناك مرضا ثقافيا جزائريا بامتياز وهي عقدة يحملها بعض المثقفين الذين يكرهون نجاح الجزائري في فرنسا، لقد اتهمت آسيا جبار حين منحت عضوية الأكاديمية الفرنسية وتم تخوينها، واليوم يخون كتاب يسجلون حضورا أدبيا متميزا، ويكتبون نصوصا يقرأها العالم وليس فقط الفرنسيون. واسمحي لي أقول لك بالمثل الشعبي الجزائري: "اللي ما لحقش العنقود يقول عليه حامض"!!
وأخيرا هل تقرأ للكتاب الشباب؟ وهل فعلا نحن في زمن الرواية؟ أمين الزاوي: أتابع بشكل جيد ومتواصل ما يكتب من قبل الأسماء الجديدة بالعربية وبالفرنسية، وقد اقتنيت جميع الروايات التي صدرت بمناسبة المعرض للأسماء الجديدة، وأنا سعيد جدا أن تُنشر أزيد من مائة رواية في هذا الدخول الأدبي، ومتأكد أن من بين هذا الكم توجد أقلام مهمة ونصوص متميزة، والجزائر تحتاج إلى أكثر من هذا العدد، ففرنسا تسجل كل سنة نشر ما بين ستمائة إلى ثمانمائة رواية في الدخول الأدبي ما بين شهر أوت وسبتمبر، ناهيك عن الروايات التي تنشر خلال السنة، ولكن ما هو مطلوب اليوم في الجزائر هو مرافقة هذه الأقلام الجديدة بالنقد وهو عمل الجامعيين، وأيضا احتضانهم من قبل المؤسسات الثقافية من خلال تقديمهم للقراء، ففي غياب كل النقد والحاضنة الثقافية الجادة يظل هؤلاء الكتاب الجدد عرضة للانتحار الإبداعي أو الموت السريع.