الجزائر تؤكد التزامها الراسخ بتعزيز وحدة إفريقيا وخدمة قضاياها    عسلاوي تشارك في أشغال المؤتمر العالمي للعدالة الدستورية    حددنا مدة شهر بغرض منح وقت كاف للراغبين في التسجيل"    المسار الإعلامي الجزائري طويل ومتجذر في التاريخ    هذا جديد آر آلجيري    مقتل الآلاف وعمليات اختطاف في مجازر مروّعة    أنطقتني غزة شعرا يصدح في مواجهة الاحتلال والخذلان    ميسي يتطلّع لمونديال 2026    عملية ناجحة للشرطة بغرداية    ناصري يلتقي رئيس أنغولا    63 عاماً من السيادة الوطنية على الإذاعة والتلفزيون    إشادة بمواقف الجزائر ورئيسها وحرص على التعاون معها    الجزائر حريصة على تعزيز التنسيق حول القضايا الثنائية والقارية    مشاركون في ندوة بالعاصمة:الوسطاء غير المصرفيين حلقة أساسية لتنويع مصادر التمويل    نقص العقار أثّر على عدد السكنات والجانب الفني    "دينامو زغرب" يستعد لشراء عقد بن ناصر من ميلان    سأضحي لأجل الجزائر وأحقّق حُلم جدي    الفرنسيون يتحسّرون على غياب غويري عن مرسيليا    جريح في انحراف سيارة    غياب الضبط يهدد سوق الزيوت الطبيعية    توقيف 25 مجرما خلال مداهمة    اكتشاف محل حجامة ينشط بطريقة غير قانونية    700 عملية دفع مستحقات إلكترونيا    سيدي بلعباس : الشروع قريبا في إعادة الاعتبار للمنطقة الصناعية    "الطيّارة الصفراء" يتوّج بثلاث جوائز في كندا    المهرجانات الثقافية محرّك اقتصادي للمدن المستضيفة    الفكر والإبداع بين جيل الشباب وثورة الذكاء الاصطناعي    "إيتوزا" تعلن عن رحلات خاصة لنقل زوار المعرض الدولي للكتاب    إصابة 31 تلميذا في حادث مرور بوسط مدينة القطار شرق غليزان    الدكتور مصطفى بورزامة: الإعلام الجزائري منبر وطني حرّ وامتداد لمسار النضال    الفلاحة رهان الجزائر نحو السيادة الغذائية    سياسة الجزائر نموذج يحتذى به    اتفاقية تنظم عملية تبادل البيانات    الإعلام الوطني مُطالبٌ بأداء دوره    وزارة السكن تتحرّك لمعالجة الأضرار    مئات الاعتداءات على شبكة الكهرباء بالبليدة    التلقيح ضروري لتفادي المضاعفات الخطيرة    سيلا يفتح أبوابه لجيل جديد    إبراز اهتمام الجزائر بالدبلوماسية الوقائية لإرساء السلام في العالم    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    مراجعة دفتر شروط خدمات النّقل بالحافلات    مباشرة حملات تلقيح موسعة ضد الدفتيريا بالمدارس    ميزانُ الحقِّ لا يُرجَّحُ    ضرورة إدماج مفهوم المرونة الزلزالية    البوليساريو ترفض أية مقاربة خارج إطار الشرعية الدولية    دعوة إلى ضرورة التلقيح لتفادي المضاعفات الخطيرة : توفير مليوني جرعة من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية    الشبيبة تتأهل    الشباب المغربي قادر على كسر حلقة الاستبداد المخزني    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    معيار الصلاة المقبولة    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من غرائب عملية صنع القرار في إسرائيل..
نشر في الشروق اليومي يوم 04 - 08 - 2006

تحت عنوان: "كيف تم اتخاذ القرارات"، كتب ألوف بن (هآرتس 276) أن: "القرار بالخروج إلى عملية عسكرية واسعة في لبنان رداً على اختطاف الجنود بالقرب من "زرعيت" في الثاني عشر من تموز/يوليو، قد اتخذ بسرعة قياسية!!"... كانوا في ضائقة بعد أسبوعين ونصف من اسر جندي في غزة، ودخول الجيش الى هناك.
امين: بقلم د.عزمي بشارة *
واضح أن رد أولمرت وبيرتس السريع نجم عن حكومة جديدة ومحرجة لإثبات ذاتها بسرعة، وحاجة المدنيين اللذين يقفان على رأسها للظهور بمظهر لا يقل عسكرية عن الجنرالات، وواضح ان الخطف في لبنان بعد الخطف في غزة يعني ان تضع الحكومة الإسرائيلية حدا لتدهور قدرتها على الردع. كل هذا قد يفسر المزاج خلف قسوة وسرعة رد الفعل... أما تحوله الى حرب فلا يفسر على هذا النحو، وهو لم يتم برأيي إلا بعد أن اكتشفوا كم اللحظة مواتية دوليا وإقليميا لعمل استراتيجي مفصلي ضد حزب الله، وذلك بعد التشاور مع أميركا التي نقلت لهم أيضا وجهات نظر عربية مؤيدة لضرب المقاومة وعدم تفويت الفرصة...من حيث لا تدري وجدت إسرائيل نفسها في حرب لأن رأي الجيش أن الحرب ضد حزب الله قادمة لا محالة، والتأجيل يعني منح الحزب فرصة أخرى لتقوية ذاته، ولأن أميركا وضعت كما يبدو أولمرت ورئيس أركانه ووزراء خارجيته ودفاعه في صورة موقفها وخطتها الإقليمية وموقف بعض العرب هذه المرة.
منحت أميركا إسرائيل حبلا طويلا لحربها إلى درجة أن نفس المسؤولين الإسرائيليين باتوا يخشون أن تشنق إسرائيل ذاتها بالحبل أوتتعثر به لطوله. ودخلت إسرائيل حربا شاملة ضد المقاومة، ولكن دون خطة حربية شاملة. في حين أنه خلافا لما تعودت وعودت جمهورها، يقف في وجه هجومها خصم لديه استراتيجية دفاع شاملة عكف على إعدادها طيلة ست سنوات، لكي لا تتكرر تجربة 1982، وهذا أصلا مبرر وجوده وبقائه الوحيد كمقاومة بعد الانسحاب، لا يقنع من يختلف معه من اللبنانيين، ولكنه يتكلم لغتهم على الأقل: استراتيجية الدفاع عن لبنان، وليس تحرير فلسطين.
في مساء اليوم نفسه، قدم أولمرت لحكومته خطة لتنفيذ هجوم جوي على منصات إطلاق الصورايخ التابعة لحزب الله (تبين ككلام فارغ فيما بعد)، وعلى رموز الحكومة اللبنانية، وعلى رأسها ميناء بيروت الدولي. وتم إبلاغ الوزراء أن حيفا ستكون معرضة للقصف في المقابل، وأن الحملة العسكرية لن تكون قصيرة. كما تم تفصيل ما يتوقع من ناحية عدد الصواريخ التي ستنزل على إسرائيل، ومن ناحية عدد الضحايا الممكن. وصادقت الحكومة بالإجماع على الخطة. أما أسئلة شمعون بيرس بشأن المرحلة الثانية والثالثة والرابعة، فلم تلق جوابا جديا. وما زال بيرس يقول إما "ان ندخل في حرب شاملة مع حزب الله ونكملها أو نقبل بوقف إطلاق النار والتفاوض وتبادل الأسرى". وهو في الواقع يؤيد الخيار الاول
وفي اليوم الرابع تمت المصادقة على القرار الاستراتيجي الثاني وهو قصف مقر حزب الله في جنوب بيروت... ما يعني قرار المضي في سيناريو الحرب، ولمن لم يقتنع بعد أنها حرب اتضح التحول من مجرد عملية عسكرية إلى سيناريو الحرب الشاملة لحظة قصف مقرات حزب الله في الضاحية الجنوبية. حدث ذلك بعد وقت من التنسيق مع الأميركيين وخلفهم حلفاؤهم العرب.
في هذه الأثناء عقد البرلمان الإسرائيلي جلسة تهريجية للمزايدة الخطابية لا علاقة لها بصنع القرار.
وكان القرار الاستراتيجي الثالث، والذي لم يبحث على أي مستوى، ناهيك عن بحثه على مستوى الرأي العام، هو إدخال القوات البرية إلى جنوب لبنان بهدف تدمير المواقع الأمامية لحزب الله. تم ذلك بعد أن خلفت الحكومة والجيش انطباعا في الأيام الأولى أن الحديث عن عملية تدمير جوية، وليس عن "عودة إلى الوحل اللبناني". لم يحقق سلاح الجو الأهداف المرجوة، وتوسعت العمليات البرية تدريجياً، ثم ضاقت حسب النتائج اللحظية، لا إستراتيجية ولا يحزنون .
وضعت للحرب المكناة حتى الآن رسميا "عملية" أهداف ضبابية طفقت تتغير خلال سير المعارك. وتبين في هذه الأثناء أن كسر قوة حزب الله أمر غير ممكن التحقيق كهدف. ولذلك اكتفى بعد أيام بعض قادة الجيش بالإعلان عن أهداف لا يمكن قياس مدى تحققها وهي "إضعاف حزب الله"!! . وبعد عدة أيام تمت بلورة غطاء سياسي جديد للحملة ألا وهو تنفيذ القرار 1559.
وبحسب الصيغة المحتلنة للأهداف في أجواء "الإجماع الدولي" في دول "جي 8" على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية هي فقط المقدمة لخطوة سياسية دولية لفرض قرار مجلس الأمن 1559، والتي تدعو إلى نزع أسلحة حزب الله ونشر قوات الجيش اللبناني في الجنوب. وأعلنت إسرائيل أنها ستقيم "منطقة عازلة" أو "حزام أمني" في الجهة اللبنانية من الحدود لمنع عودة حزب الله إليه. وقد ألقت هذه الصيغة الجديدة بالمسؤولية على عاتق المجتمع الدولي.
وكتب زئيف شيف (هآرتس 267) تحت عنوان "هل تم تحقيق الأهداف؟"، أنه خلال أيام الحرب بدأت ترد تصريحات لقادة وضباط كبار خلقت انطباعاً بأن أهداف إسرائيل من الحرب تتغير، وأنها ليست واضحة بما فيه الكفاية. ويقول أنه بعد أسبوعين من الحرب ما زالت إسرائيل بعيدة عن حسم المعركة ولم يتم إنجاز الأهداف الرئيسية.
وحرب "الاستنزاف" التي يشنها حزب الله على إسرائيل تتواصل بدون توقف، ولا إشارة لانخفاض في الهجمات الصاروخية على إسرائيل بمعدل 80-100 صاروخ يومياً. كما يقول أنه بالرغم من الضربات الشديدة الجوية والبرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي، لم تتعرض قدرات الحزب العسكرية لضربة فعلية، ولا يزال الدافع القتالي موجودا. ومقاتلو حزب الله يقاتلون ولا يهربون. غالبية قيادته لم تمس، كما لم تتعرض المنظومة اللوجستية لإصابة، حيث لا يزال لديه مخزون كبير من الصواريخ بضمنها صواريخ بعيدة المدى.
وتحت عنوان "هل فشل الجيش" يشير عاموس هرئيل (هآرتس 27)، أن ضباط المنطقة الشمالية كانوا قد حذروا بأن الوضع الأمني على طول الحدود "أصبح لا يطاق" ويحمل "بذور الاختطاف القادم". وأن الحكومة تجاهلت هذه التحذيرات. وفي المقابل يشير إلى أن الجيش لم يتوحد على نفس النبرة، حيث قال بعض كبار الضباط في الاستخبارات والوحدات العملياتية أن تهديد الصواريخ غير حقيقي، وأن أفضل علاج لها هو تركها تصدأ في المخازن!
ويضيف أنه قد تجلى نقص خطير في المعلومات الإستخبارية، بما فيه النقص في المعلومات بشأن وصول صواريخ إيرانية إلى حزب الله أتاحت قصف البارجة الحربية قبالة شواطئ بيروت، كما أن قوات الجيش الإسرائيلي التي تعمل مقابل مواقع لحزب الله فوجئت من حجم المنظومة الدفاعية والهجومية التي قام ببنائها بالقرب من الحدود.
وفي المقابل تدعي الإستخبارات العسكرية أنه تم تحويل معلومات واسعة بهذا الشأن إلى الجيش الذي ينقل هذه المعلومات إلى الوحدات العاملة ميدانياً، بحيث بدا بعض القادة مذهولين مما شاهدوه في مارون الرأس وبنت جبيل!! وفي إجابة على السؤال " إلى أين؟"، يقول إن أعضاء من قيادة هيئة الأركان العامة اعترفوا له قبل يوم من نشر المقال، أن بإمكان نصر الله مواصلة إطلاق الصواريخ أياماً طويلة. بل إن بعضهم ذهب هذا الأسبوع إلى تأكيد الحاجة إلى خطوات سياسية مكثفة، ترافق عمليات القوات البرية وتتيح إنهائها بسرعة، قبل الدخول إلى القرى وتجنب وقوع إصابات كبيرة.
وعلاوة على ذلك، فإن بعض الخبراء نصح الأجهزة الأمنية بتقليص الأهداف المعلنة للحرب! وفي هذه الحالة يبقى أمام إسرائيل مشكلتان أساسيتان، الأولى تقوية الحكومة اللبنانية من خلال توجيه ضربة قوية لحزب الله، تضاف الى قائمة الأهداف التي لم تنجز، أما الثانية فهي التوصل إلى تسوية سياسية تمنع إيران من إعادة تسليح حزب الله بعد انتهاء الحرب استعداداً لمواجهات قادمة. ولا شك لدينا أن الدبلوماسية الأميركية تكيف نفسها بموجب الوضع العسكري الإسرائيلي، فتترجم "إنجازاته" سياسيا وتهب لنجدته وقت ضيقه. وفي سياق تقوية الحكومة اللبنانية يفطن ميرون بنبنشتي (هآرتس 267) الى التناقض الغريب ويتساءل "كيف يمكن لأناس جديين شرعنة تدمير دولة بادعاء أن ذلك يساعد حكومتها؟". الجواب طبعا عند حكومة لبنان ورأيها العام.
بعد معركة بنت جبيل استمرت هآرتس (كلمة العدد 277) في تحديد الهدف بأنه المس الحقيقي والفعلي بحزب الله لغرض تقوية النظام السياسي في لبنان، الذي يرفض أن يكون رهينة بيد إيران وسوريا كأمر ضروري وحيوي لاستقرار وثبات أي ترتيب أمني يتم التوصل إليه، إضافة إلى قوة متعددة الجنسيات. واتهمت الصحيفة القيادة السياسية وقيادة الجيش أنها لا تفهم ما تفهمه الولايات المتحدة ويفهمه الجمهور أن وقفا مبكرا لإطلاق النار لا يجدي نفعا وأن عليها الاستمرار في القتال دون عقدة حرب لبنان... الأجواء في الصحافة وفي أوساط الجمهور هي أجواء أميركية حربجية للغاية.
وتتشابه الأفكار الأميركية والشارعية الإسرائيلية مع بعض الأفكار العربية المعادية للمقاومة، والتي ترى في الحرب فرصتها لتنفيذ مهمة التخلص منها دون ان "تتسخ" أيديها. وفي نفس اليوم في "هآرتس" ناقش زئيف شيف زميله يوئيل ماركوس الذي كتب قبل يوم واحد في نفس الصحيفة ان الجيش يجب ان ينتصر ولكن تبين انه جيش غني وغبي. يؤكد شيف ان الخيار الوحيد امام الجيش الإسرائيلي هو الانتصار في الحرب على حزب الله. ويقول: "إسرائيل لم تختر هذا الحرب، ولكن منذ أن تدهورت إليها وصلت إلى مفترق طرق استراتيجي". ويدعي شيف أن السلام مع الأردن ومصر سيتضرر ولن يكون هنالك من يوقع على اتفاق سلام مع إسرائيل في المستقبل إذا لم تهزم حزب الله في المعركة.
في معاريف في نفس اليوم 277، أي بعد معركة بنت جبيل، كتب أمنون دنكنر ودان مرجليت، وهما صحافيان شبه رسميين، يتصرف كل منهما على حدة كأن وظيفته أن يشرح كيف يفترض أن تدار الدولة وكيف تخاض الحرب وكيف يتم الانتصار دون إثارة الشفقة، أما سوية فيخرج مقالهما كأنه القاسم المشترك الأعظم لكافة عقد الغرور والتبجح والاعتقاد بدونية الآخر في الشخصية الإسرائيلية العنصرية. عنوان المقال : "تصميم اكبر مشاعر اقل". يمجد الكاتبان عظمة التحمل والجلد عند النفس الإسرائيلية ضد العدو، ولكن هذا التضخيم لقوة تحمل مقتل بضعة جنود، وهذه المفاجأة من العدو القاسي "الذي يقتل لنا جنودا"، يدل على عكس التحمل. وقد يجد القارئ المستغرب من عبثية الوضع نفسه متسائلا: أين يوجد عدو كهذا يقتل جنودا في الحرب؟ يجب أن تكون إسلاميا وقاسيا بلا رحمة لكي تقتل الجنود...فقط في إسرائيل يمكن سماع وقراءة هذا التمسكن والتظلم والإصرار على الشفقة الذاتية عند من شردوا 750 الف إنسان وقتلوا 600 وشوهوا الآلاف، وسدوا أفق مستقبل مئات الآلاف. ومع ذلك يكتب هؤلاء "علينا أن نقسي قلوبنا"، كأنها كانت رؤوفة عطوفة إلى أن قتل لهم عشرة جنود في معركة، و"ألا يخاطر الجيش بحياة الجنود"، و"أن يتم تدمير القرى والمدن بالطائرات قبل إرسال الجنود إليها"...ويسمى هذا قوة احتمال!! وانضم إليهما في يوم 287 رئيس تحرير "يديعوت أحرونوت" رافي جينات داعيا إلى هدم كل شيء حتى "لا يجرح شاب من جولاني". وقد وجدت دعوتهما آذانا صاغية عند السياسيين الذين يحتاجون إلى تملق الجمهور، فقام حاييم رامون، الذي يواجه تهمة التحرش الجنسي، بتبني الدعوة فورا في اجتماع المجلس الوزاري المصغر في اليوم التالي. لا بد هنا من تذكر كلينتون الذي قصف أفغانستان والسودان، فورا بعد فضيحة مونيكا لفينسكي، وذلك دون أن يكون هنالك سبب بين لقصف السودان. هكذا دفع بعض السودانيين حياتهم ثمنا لانحرافاته المشهورة. أما رامون فيجب أن يمنحه تفوق دولته الجوي قدرة على تحويل انحرافاته إلى قتل لبنانيين. كما تبناها إيلي يشاي رئيس قائمة شاس الذي دعا إلى عدم دخول أية قرية قبل "تحويلها إلى صندوق من رمل". وهو تعبير إبداعي خلاق من وحي عالم حركة شاس وعوباديا يوسف الثقافي.
ونصل إلى المرحلة الرابعة من عملية صنع القرار، إذ تنشر يديعوت أحرونوت 287 أن رايس قد خلفت وراءها طاقما للعمل مع القيادة الإسرائيلية لإعداد تسوية تشمل قوة متعددة الجنسيات ( بتنسيق مع إسرائيل قبل بلير) تتسلم قطاعا ضيقا في جنوب لبنان وتبادل الأسرى الإسرائيليين بأقل ثمن ممكن. (لاحظ أنه عندما وصلنا إلى الأسرى وصلنا الى التبادل رغم كل شيء!!) ونزع سلاح حزب الله، لا أقل!! أما من سيقوم بمهمة نزع السلاح فذلك أمر آخر. هنا يتم تعديل القرار والهدف مرة أخرى من خلال فحص التقدم العسكري ثم فحص الوضع السياسي اللبناني والعربي والإقليمي مع الأميركان، وهذا يعني مرة أخرى أن الحرب أميركية في كل جانب من جوانبها، وبالتأكيد في كيفية إنهائها وتحديد المكتسبات.
بحسب صحف يوم 287 ظهرت في جلسة الحكومة المصغرة يوم 277 خلافات سياسية- أمنية بين الموساد والمخابرات العسكرية. حول "ماهية الضربة التي تلقاها حزب الله حتى الآن". اتفق الاثنان حسبما جاء في الصحيفة "أن حزب الله ضعف" نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان. يرى مئير دجان والموساد بأنَّ حزب الله يستطيع الاستمرار بالحرب حتى وقت طويل في المستوى الحالي. في حين تدعي الاستخبارات العسكرية أن "الحزب تلقى ضربة قاسية أكثر بكثير مما يقيم الموساد".
وقرر المجلس الوزاري المصغر، السياسي- الأمني، مواصلة العملية العسكرية بشكلها الحالي، وعدم توسيعها، ولكن تمت المصادقة على توصيات أجهزة الأمن بتجنيد واسع للاحتياط من أجل "إنعاشه"و "إعداده لأي تطورات محتملة" (أي توسيع العملية)، وبهذا تبنى المجلس بشكل معدل توصيات أجهزة الأمن! طالبت قيادة الجيش بالتجنيد واسع النطاق للاحتياط من اجل عملية عسكرية أرضية تستمر شهرين، ل"طرد حزب الله من منطقة جنوب الليطاني"، ولكن بعض الوزراء عارضوا توسيع العملية الأرضية.
وقرر الاجتماع أن أي توسيع للعملية العسكرية أو تفعيل القوات المجندة منوط بمصادقة إضافية من المجلس. (حسب هآرتس جاء هذا القرار من أجل عدم استفزاز سوريا، وتؤكد ذلك يديعوت أحرونوت الجمعة 287)، كان إجماع بين الوزراء على فعل كل ما أمكن لتجنب المواجهة مع سوريا. وقال أولمرت أنه لا يريد أن يفتح جبهة ثالثة. كانت هنالك إذا أهمية للردع السوري في عملية صنع القرار حول الزج بفرقتين في اجتياح بري.
وبرأينا فإن تجنيد فرقتي احتياط على الحدود هو تهديد بالاجتياح إذا لم يتم إيجاد آلية دولية/ لبنانية لتنفيذ القرار 1559. ويتضمن ذلك من وجهة نظر إسرائيل انتشار الجيش اللبناني و/أو قوة دولية في قطاع ضيق على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. أما كيف سينزع هؤلاء سلاح المقاومة، فهذه مسألة نظرية وقضية طويلة ليس لإسرائيل ولا لقوات دولية إجابة عليها خارج نطاق الحرب. وتقول الحكومة اللبنانية أنها كتسوية لا بد أن تمر عبر إعادة مزارع شبعا وإعادة الأسرى اللبنانيين، مما يسحب البساط من تحت قدمي تمسك حزب الله بسلاحه. ويبدو لنا أنه لن تكون هنالك تسوية ممكنة بشأن نزع السلاح، أما وجود قوات أجنبية لحلها بالقوة فلن يزيدها إلا تعقيدا...وهذا الخيار وتعقيداته وارد بالنسبة لأميركا، إلا إذا كان القرار حولها مجرد سلم للنزول عن الشجرة ووقف إطلاق النار، قبل محاولة لترسيم القطاع العازل الحدودي. من أجل ذلك يفترض أن تكون إسرائيل وأميركا قد اقتنعتا أن المهمة العسكرية قد فشلت. وهما لم تقتنعا بعد.
* عضو البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي- الناصرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.