إحباط محاولات إدخال أزيد من 7 قناطير من الكيف المعالج من المغرب    التأكيد على السعي للتوفيق بين عالم التكوين وسوق العمل    احتضان اللقاءات الأفرو- أوروبية ال7 للمحضرين القضائيين "    عامان على الإبادة.. المقاومة غاية وهدف    لا مناص من استئناف المبادرات والمساعي بل وتعزيزها    اصطدام سيارة بشاحنة يخلف 6 مصابين    توقع سقوط أمطار رعدية    قسنطينة : قوات الشرطة توقف عصابة إجرامية    الاعتراف بدولة فلسطين "خطوة نوعية" نحو إنهاء الاحتلال    الفريق أول شنقريحة يشيد بالعمل البطولي لحماة الوطن    دعم المبادرات الرامية إلى صون الذاكرة الوطنية    إيطاليا ترسل سفينة حربية لمساعدة أسطول الصمود العالمي    مكاسب هامة حققتها الجزائر في التحوّل الرقمي الصحي    قطاع الفلاحة بحاجة إلى وضع تصوّر جديد    5 ملايير دولار عقود استثمارية للجزائر في "إيتياف 2025"    الجزائر دولة معروفة بمواقفها والتزامها بالسلم واحترام الشعوب    تعليمات لاستكمال القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية لموظفي الصحة    مدرسة الاستقلال وبداية بناء الهوية    سكيكدة تتذكّر البطل زيغود يوسف    جمال بلماضي يتوقع أياما جميلة ل"الخضر"    تسعة جزائريين في موعد مصر    جسر موسيقي بين التراث الأندلسي والروح الروسية    إدراج العروض بالمؤسسات التربوية والثقافية لترسيخ التراث المحكي    نشيد " قسماً " سيدوّي مرة أخرى في سماء لوس أنجلس    عملية جراحية لعلاج تشوّه خَلقي نادر    دورة تكوينية حول حقوق الطفل    اختتام مبادرة توزيع الأدوات المدرسية    هذه قائمة الفائزين بجوائز الكرة الذهبية 2025    العرب دون ذهب.. ونجوم عالميون يتألقون    تفكيك عصابة أحياء خطيرة    أزمة الدواء.. النهاية؟    ممثل الجبهة الشعبية بالجزائر: الجزائر أول من اعترف بدولة فلسطين وموقفها ثابت في دعم القضية    وزير العدل: استضافة الجزائر للقاءات الأفرو-أوروبية للمحضرين القضائيين تأكيد لمكانتها الدولية    إحياء الذكرى ال 69 لاستشهاده بولايتي قسنطينة وسكيكدة : زيغود يوسف كان مدرسة في الوطنية والوفاء لقيم نوفمبر    المهرجان الدولي للمالوف: مزج موسيقي سوري وروسي في السهرة الرابعة    انضمام الجزائر كعضو ملاحظ وحيد إلى الآيبا: البرلمان العربي يهنئ المجلس الشعبي الوطني    الإجماع الدولي هو "أبلغ رد على أوهام الاحتلال الإسرائيلي"    "الجزائر تستلم شهادة النضج 3 من "الصحة العالمية" أكتوبر القادم    الحكومة نجحت في كسب رهان الدخول الاجتماعي.    الجزائر تواجه فلسطين ودياً    دعوة للغوص في أعماق النفس    العداء "جمال سجاتي": أنا سعيد بميداليتي الفضية وهدفي الذهب في الألعاب الأولمبية 2028    تصفيات مونديال 2026 (الجولة 9 - مجموعة 7) : وهران تستعد لمباراة الصومال - الجزائر    كيف تدمر الحروب الغربية حضارة الشرق الأوسط؟    الصيدلية المركزية للمستشفيات: نحو ارتفاع مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية بأزيد من 25 بالمائة في 2026    صناعة صيدلانية: ضرورة مضاعفة الجهود لإدماج الابتكار والرقمنة في الانظمة الصحية الوطنية    ارتفاع مستمر للدفع عبر الأجهزة الإلكترونية    مهمتنا خدمة المواطن..    هذا جديد إذاعة القرآن    وزيرة الثقافة والفنون تشرف على اجتماعين لدراسة واقع السينما الجزائرية    سحر الموسيقى التركية يلقي بظلاله في ثالث سهرة للمهرجان الدولي للمالوف    ضرورة وضع المواطن في صميم اهتمامات القطاع    المشاريع المنجمية الكبرى ستخلق الثروة ومناصب الشغل    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدى "صناعة الإنسان" وضجيج الأمكنة!
خالد سالم السالم

في إحدى المدن العربية، قرأت على أحد أسوارها عبارة "الإنسان قبل المكان"، والتفتُّ حولي بعدها فلم أجد غير الجمادات تُسجل حضورا قوياً وباهرا، وضاع الإنسان المقصود في زحام المكان بين أضخم سوق وأطول برج وأعلى فندق، وحتى أكبر حقيبة وأضخم طبق في العالم، وتوارى الشاعِر والعالِم والمُثقف والمُبدِع والكاتِب والفنَّان عن الأنظار. لقد توارى المُنجَز الإنساني تماماً واختفى خلف أطنان الحديد والإسمنت، وهي حالة عامة، لا تخص مدينة عربية بعينها، بل يشهدها ويئن من تبعاتها بشكلٍ أو بآخر كل قُطرٍ عربي.
الإنسان إجمالاً، إما غائب أو مُغيَّب عن صُلب التنمية، والتركيز ينصب دائماً على صناعة أشياء هامشية، تقل في أهميتها عن "صناعة الإنسان"؛ أهم المصادر والثروات قيمة وأنفس الأصول وأدومها أثرا، لقد أضحى بناء فندق أو شق طريق أو تسمية شارع جديد يمثل قمّة ما نصبو إليه حضاريا. إننا نتكلم عن تنمية مستدامة وعن حضارة آتية، وننسى أهم أركانها وشروطها -على توافره- وهو الإنسان؛ العنصر الرئيس والمنتج الحقيقي لأي حضارة، إلى أن وصلنا عربياً إلى حالة تثير الشفقة، فأصبحنا نستورد حتى الإنسان "الآخَر" ليصنع ويكتب ويرسم ويخطط ويبني نيابةً عنّا، بل حتى ليلعب كرة القدم ويركض باسمنا في المسابقات الدولية!
وحتى في الجانب اللغوي "صناعة الكلام"، وهي أفخر صناعات العرب على الإطلاق، أصبحنا نتعلم العربية، رمز ثقافتنا الأول ولغة ديننا، ونبحث عن أعلى الدرجات العلمية فيها من جامعات ومعاهد غربية على يد مستشرقين أعاجِم! ولا أعتقد أن هناك مؤشرا على مدى انحدار مستوانا الحضاري أكثر وضوحاً من هذا!
لقد أتينا بلا شك أمراً إِذا، ولا أدري ما الذي يمنع أمتنا من الإبداع العلمي والتقدم، أهو خلل جيني أم علة نفسية أم سلوكية تأبى التطوّر وتكافح التعلم والإنتاج، فعند الإمعان والتأمل في تاريخنا، نجد أن أغلب الذين أسسوا مجموعة من أهم العلوم والفنون في حضارتنا هم من غير العرب، ف«سيبويه» أسس النحو أساس العربية، و«الجرجاني» كان أباً لعلم البلاغة والبيان و«البخاري» و«النسائي» و«البيهقي» برعوا في جمع السنة النبوية المطهرة، والإمام «الذهبي» أبدع في التراجم والسَّيِر، و«محمد بن جرير الطبري» كان إماماً للمفسرين والمؤرخين، أما في العلوم والطب، فحدث ولا حرج، فأمثال «الخوارزمي» و«الفارابي» و«ابن سينا» و«أبو بكر الرازي» وغيرهم كُثر، أكثر من أن يحصيهم هذا المقال، فهل انشغل العرب منذ ذلك الوقت بصراعات دائمة ومماحكات غير مجدية تتعلق بالسلطة والسياسة والمال وزهدوا في العِلم والإنتاج، ليتفرغ لها غير العرب من المسلمين! ولا يزال «المتنبي» وهو أفضل من يمثل الشخصية العربية على مر العصور شاهداً ليروي لنا كيف فقدنا أهم رموز أدبنا في صراع سياسي تافه!
إن الحاضر لا يزال امتدادا للماضي، فالعربي المعاصر الذي يتباهى بالآلة اليابانية والحياكة الإنجليزية، هو نفسه العربي القديم في تباهيه بالمُهَنَّد (سيف الهند) وصنائع الروم والفرس!
عربي اليوم لا يختلف كثيراً عن عربي الأمس في موقفه من الإنتاج، وإن اختلفت الأزمان والأسباب.
التاريخ لا يسر كثيرا، ولا أعتقد أن الحاضر أفضل حالاً، لأن الإنسان لا يزال، كاستثمار، في آخر الاهتمامات. اليوم، دولة صغيرة مثل سنغافورة، توازي مساحتها تقريباً مساحة البحرين، دخلها القومي السنوي وحدها يساوي تقريباً دخل خمس دول عربية مجتمعة، أما هولندا، الدولة التي تبلغ مساحتها نصف مساحة الأردن أو أقل، ففاز 17 من مواطنيها بجائزة «نوبل» في فروع الكيمياء والفيزياء والاقتصاد، وكان نصيب الدولة العبرية 5 جوائز في فرعي الكيمياء والاقتصاد، آخر هذه الجوائز كان من نصيب «عادا يوناث»، من معهد «وايزمان» للعلوم، في فرع الكيمياء لهذا العام، أما نصيب العرب مجتمعين من جوائز «نوبل» في الفروع نفسها فلم يتجاوز -إلى الآن الرقم 1 (للعالِم «أحمد زويل» بالجنسية الأمريكية، وسُجَّل الإنجاز لمصر مناصفة مع الدولة مانحة الجنسية)، أما على صعيد الإنتاجية، فالنتائج مُحبطة، فمتوسط إنتاجية الموظف العام في دولة عربية مثل مصر يتراوح بين 30 و45‏ دقيقة يوميا، أي أن كل موظف يخصص ما متوسطه 8 بالمائة فقط من ساعات العمل الرسمي للإنتاج، بينما يخصص الموظف في الدول المتقدمة صناعياً‏ 70 إلى 85 بالمائة من ساعات عمله للإنتاج الفعلي!
لقد أهملنا أنفسنا وأمتنا بإهمال العِلم وتطبيقاته في الصناعة والحياة، ولم نرفع من شأنه، فلم يرتفع شأننا، وأصبحنا نراوح حضارياً بين الصفر وما دونه، حتى بتنا عالة على العالَم، نقف على هامش الحضارة، نستهلك كل شيء، من الإبرة إلى الصاروخ، ولا نُنتِجُ للعالَم إلا صخباً وضجيجاً.. فمتى نُوقِف الضجيج، ونُسمِع العالَم شَدْو حضارتنا واستثماراتنا الإنسانية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.