الرئيس اللبناني يزور جامع الجزائر    تجارة: السيد زيتوني يشدد على ضرورة تعزيز آليات التوزيع لضمان تموين السوق    ممارسة حق تقرير المصير تشكل "الحل العادل والتوافقي" لحل النزاع في الصحراء الغربية    بطولة العالم للسباحة 2025: الجزائري جواد صيود ينهي سباق 200 متر متنوع في المركز 24    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر - 2025) تنس الطاولة: الجزائرية هنا صادي تنال البرونزية في الفردي    تواصل موجة الحر بجنوب الوطن مع تسجيل ارتفاع الأمواج بعدد من الولايات الساحلية    استثمارات جازي ترتفع    عرقاب.. حشيشي وبختي في اجتماع هام    الوزير الأول يستقبل سفيري باكستان ومصر    مرصد الأمن الغذائي العالمي يؤكد مواجهة غزة "أسوأ" سيناريو مجاعة    ماكرون الدولة الفلسطينية و فرقة حسب الله    الجاهل عدو نفسه (ترامب نموذجاً    تحذير أمني في غزّة    جائزة وطنية للإبتكار المدرسي    بودن يشارك في مؤتمر بسويسرا    بوقرة يستهدف اللقب القاري..    من يدرّب اتحاد الجزائر؟    توقيع عقود المرحلة الأولى من إنجاز مشروع بلدنا    شرطة المدية تطيح بشبكة إجرامية    والي بجاية يتفقد مشاريع ويستعجل استلامها    عربات التين الشوكي تغزو الشوارع    بوجدرة يفتح النار على مُمجّدي الاستعمار    تيسير المعاني باختيار الألفاظ ليس إهانة لها بل وفاء لجوهرها    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    الألعاب الإفريقية المدرسية/الجزائر2025: المصارعة تعزز حصيلة الجزائر من الميداليات في ختام منافساتها    جئت للجزائر بشغف كبير وسأغادرها بإعجاب أكبر    توقرت : توقف شخص في قضية حيازة وترويج المخدرات    مجلة "الشرطة" تحتفي بالذكرى ال63 لتأسيس الشرطة الجزائرية    ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 2 بالمائة    رئيس الجمهورية يجري محادثات ثنائية مع نظيره اللبناني    مؤتمر حل الدولتين: الجزائر ترافع مجددا من أجل منح العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    استئناف الرحلات نحو بيروت اعتبارا من 14 أوت المقبل    رؤية استراتيجية لتعميق التعاون مع الدول الأوروبية    الرئيس تبون يتلقى دعوة من نظيره الألماني    الشرطة الجزائرية تحذر من مشاركة الصورة الشخصية مع الغرباء    تمديد استثنائي لآجال إيداع الحسابات الاجتماعية للشركات التجارية    جعل ولاية تمنراست قطبا طبيا بامتياز    تنصيب نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمّع "صيدال"    هدفي العودة إلى المنتخب والمشاركة في "الكان"    "كيرا كوميدي" تعد بسهرة فنية مميزة    "قراءة في احتفال" تملأ فراغ أطفال البليدة    "الشيطان يرتدي برادا 2".. عودة الثلاثي الذهبي    المصارعة الجزائرية تحصد الذهب    ندوة حول تطهير العقار الفلاحي    مولودية الجزائر تلتقي الباجي التونسي وديا    تمنراست: سيشرع في الأيام القادمة في الإجراءات المتعلقة بفتح مصالح المستشفى الجديد بسعة 240 سرير    الجزائر العاصمة : ندوة علمية حول ديناميكية الساحل الجزائري وعلاقته بالمواقع الأثرية    حجز 7 دراجات "جات سكي" بوهران    ضبط 2938 مؤثر عقلي    معالجة 501 قضية    المجاهد والكاتب والروائي الكبير، رشيد بوجدرة:الكتّاب الممجدون للاستعمار "ظاهرة ظرفية" آيلة إلى الزوال    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    هذه توجيهات وزير الثقافة والفنون    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشِّعْرُ لِحِوَارٍ بَيْنَ الحَضَارَاتِ - الجزء الأخير
مُحَمَّد حِلْمِي الرِّيشَة*

الشِّعْرُ الْيَوْمَ أَكْثَرُ انْفِتَاحًا وَسَعْيًا لِتَأْصِيلِ التَّفَاعُلِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ النُّوَاةُ الدَّقِيقَةُ وَالصِّحِّيَّةُ لِلْحَدَاثَةِ، تَسْتَدْعِي بِالضَّرُورَةِ اسْتِنْطَاقَ الْخِطَابِ الشِّعْرِي مِنْ دَاخِلِهِ، وَالَّذِي يَسْتَتْبِعُ مَنَاهِجَ جَدِيدَةٍ لِخِطَابٍ شِعْرِيٍّ عَرَبِيٍّ حَدِيثٍ بِكُلِّ مُكَوِّنَاتِهِ الثَّقَافِيَّةِ، يَتَّسِمُ بِالْحَدَاثَةِ مَنْهَجًا وَأُسْلُوبًا، وَلَيْسَ زَمَنًا مَفْتُوحًا عَلَى بَقِيَّةِ الثَّقَافَاتِ وَالْحَضَارَاتِ المُتَكَامِلَةِ مَعْرِفِيًّا مَعَ الذَّاكِرَةِ الْكَوْنِيَّةِ، مِنْ خِلاَلِ التَّلاَقُحِ الْيَوْمِي، وَهذَا لاَ يَتَعَارَضُ مَعَ الْخُصُوصِيَّةِ، وَاعْتِزَازِنَا بِثَقَافَاتِنَا وَتُرَاثِنَا، فَنُغَيِّرُ وَنَتَغَيَّرُ، وَنُؤَثِّرُ وَنَتَأَثَّرُ، خُصُوصًا الآنَ، فِي عَالَمٍ يُرِيدُ لَنَا أَنْ نُصَنَّفَ كَدُعَاةِ انْغِلاَقٍ وَمُنَاصِرِي إِرْهَابٍ.
مِنَ الصَّعْبِ تَكْوِينُ الذَّاكِرَةِ الشِّعْرِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ بَعِيدًا عَنِ الْقَلَقِ المَعْرِفِي وَالصِّرَاعَاتِ الْفِكْرِيَّةِ الْحَاصِلَةِ، كَوْنُهَا تَجْتَهِدُ لِتُقَدِّمَ تَوَاصُلاً جَدِيدًا مُخَالِفًا، وَمُكَمِّلاً لِلْحَدَاثَاتِ المُحَايِثَةِ لَهَا، حَيْثُ "الشِّعْرُ لُغَةٌ عَالَمِيَّةٌ، سِحْرِيٌّ لِكُلِّ الأَزْمِنَةِ، يَقُودُنَا إِلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ"، كَمَا يَقُولُ الشَّاعِرُ بُودْلِيرْ، ضَمِيرُ فَرَنْسَا الشِّعْرِي.
حِينَ تَبْلُغُ أَيَّةُ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ دَرَجَةً كَافِيَةً مِنَ التَّقَدُّمِ، بِحَيْثُ يُصْبِحُ لِحَرْفِهَا مُخْتَلَفُ الإِيحَاءَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْعَاطِفِيَّةِ، يَلْتَقِطُهَا الشَّاعِرُ وَيَنْظُمُهَا بِإِيقَاعٍ وَبِنَاءٍ لمؤرخ لقطة بعد لقطة ولفظة لفظة، وَهذَا الشِّعْرُ، بِكُلِّ أَزْمِنَتِهِ، لُغَةٌ كَوْنِيَّةٌ جَدِيدَةٌ مُبْتَكَرَةٌ، غَيْرُ مُنْحَازَةٍ إلاَّ لِعَدَالَةِ مَنْهَجِهَا، لاَ تَنَاقُضَ صِدَامِيّ، وَلاَ تَنَازُلاَتٍ تُغَيِّرُ مَلاَحِمَ النُّشُوءِ وَلاَ جُوعَ وَلاَ طُغْيَانَ، بَلْ تَلاَقُحٌ وَتَوَاصُلٌ وَتَكَامُلٌ بِاعْتِبَارَاتِهِ نِظَامًا مُتَمَيِّزًا، وَالشِّعْرِيَّةُ شَاهِدٌ أَوَّلُ لِلتَّفْكِيرِ بِاللُّغَةِ، تَمْتَلِكُ مَقْدِرَةً عَلَى التَّهْذِيبِ وَالتَّقَارُبِ، وَتَجَاوُزِ عَرْقَلَةِ بِنَاءِ الْقَوْلِ مَعَ الْحِفَاظِ عَلَى قِيمَةِ مَا هُوَ طَرِيقَةُ التَّعْبِيرِ بِوَصْفِهِ كَائِنٌ فَرْدٌ، وَهَيْئَةٌ، وَمُوَلِّدُ مُثُلٍ عُلْيَا، وَكُلُّهَا أَسْبَابٌ مُمْكِنَةٌ تَنْقُلُ أَفْكَارًا خَاصَّةً مِنْ رَائِدٍ اجْتِمَاعِيٍّ (المُبْدِع) يُرْسِلُهَا إِلَى آخَرِينَ بِغَايَةِ التَّأَثُّرِ عَبْرَ الإِبْدَاعِ، وَيُعْطِي فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ الإِطَارَ الاجْتِمَاعِيَّ لِحِوَارٍ يَكُونُ الإِنْسَانُ مَدَارَهُ وَقَضَايَا حَرَاكِهِ.
الشِّعْرُ، كَحَامِلٍ وَتَوَاصُلٍ حَضَارِيٍّ يَفْتَرِضُ وُجُودَ تَعَدُّدِيَّةٍ نَوْعِيَّةٍ وَكَوْنِيَّةٍ، تَتَمَثَّلُ بِكُلِّ مُتَكَلِّمٍ وُجُودَ آخَرٍ يَتَوَجَّهُ إِلِيْهِ مَهْمَا تَكُنْ هُوِيَّتُهُ أَوْ سِمَاتُهُ وَنَمَطِيَّتِهِ، لأَنَّ الشِّعْرَ إِحْسَاسٌ جَمْعِيٌّ مُتَّقِدٌ وَمُتَدَاوَلٌ.
نَحْتَاجُ المُوسِيقَى الْكَوْنِيَّةَ لِتَنَاغُمِ الشِّعْرِ كَتَوَاصُلٍ أَبْعَدَ مِنْ حُدُودِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنْ الدَّهْشَةِ بِلُغَةٍ مَحْسُوسَةٍ نَقْلاً لِفِعْلٍ أَوْ حَدَثٍ، أَمَّا جَوْهَرُ المَعْنَى، فَبِأَطْيَافِهِ غَيْرِ المَحْدُودَةِ لِحَيَوِيَّتِهِ مِنْ خِلاَلِ التَّبَادُلِ وَالمُحَاوَرَةِ. هذَا هُوَ، عُمُومًا، الإِطَارُ العَامُّ لِلشِّعْرِ بِتَعَافِيهِ النَّفْسِيِ وَسَيْرُورَتِهِ التَّارِيخِيَّةِ مِنْ تَفَاعُلِ الإِنْسَانِ بِالْكَوْنِ ونَجَاحِهِ فِي صِيَاغَاتِهَا الْخَلاَّقَةِ. هذِهِ التَّحَوُّلاَتُ جَاءَتْ مِنْ كَمٍّ زَمَنِيٍّ انْمَازَ بِتَحَوُّلاَتٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ عَامَّةٍ وَسِيَاسِيَّةٍ، مُفْسِحةٍ المَجَالَ لِتَجْدِيدِ البُنْيَةِ الْخَطَابِيَّةِ الْوَظِيفِيَّةِ لِلشِّعْرِ، مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مُنَاظَرَةٌ لِلْحَيَاةِ نَفْسِهَا.
خُصُوصِيَّةُ الشِّعْرِ الْعَرَبِيِّ، إِذَا كَانَتْ كَوْنِيَّةُ الشِّعْرِ إِنْسَانِيَّةً شُمُولِيَّةً، جَاءَتْ عَلَى نَمَطٍ مُوسِيقِيٍّ مَفْهُومٍ عَالَمِيًّا كَلُغَةٍ وَرَاءَ، أَوْ فَوْقَ مَنْطُوقَةٍ، يَتَبَادَلُ الصَّدَى وَالإِيقَاعُ بِالْحَرَاكِ، وَيُمَثِّلُ قَضِيَّةً كَوْنِيَّةً مِنْ رُؤْيَةٍ فَرْدِيَّةٍ. هذَا هَاجِسُ حِوَارِ الْحَضَارَاتِ تَحْدِيدًا، مَرْكَزُهَا الشَّاعِرُ، مَعَ دَاعِمَاتٍ تَتَمَثَّلُ فِي التَّوَاصُلِ مَعَ الآتِي مِنَ الآخَرِ مَطْبُوعًا أَوْ مَرْئِيًّا بِشَكْلٍ حَيَوِيٍّ، وَتِلْكَ مَعَايِيرُ الْحَدَاثَةِ بِشَكْلٍ مَا، وَقَدْ تَأَسَّسَتْ عَلَى مُخْتَلَفِ التَّجَارُبِ الْكَوْنِيَّةِ لِلْمُغَامَرَةِ الشِّعْرِيَّةِ الإِبْدَاعِيَّةِ. مِنْ هُنَا الْقَوْلُ: إِنَّ الْحَدَاثَةَ بِالمَعْنَى المُطْلَقِ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ غِذَاءً مُنْعِشًا لِرُوحِ المُبْدِعِ. مِنَ المُسَلَّمِ بِهِ أَنَّ الشِّعْرِيَّةَ الْعَرَبِيَّةَ تُعَانِي، وَلاَ تَتَمَكَّنُ، أَحْيَانًا، مِنْ مُحَايَثَةِ الْكَثِيرِ مِنْ مُتَغَيِّرَاتِ الْحَدَاثَةِ وَتَطْبِيقَاتِهَا خَوْفًا مِنْ إِرْبَاكِ التَّعَاطِي مَعَ مَظَنَّةِ التَّأْوِيلِ، وَالتَّقَوْقُعِ، وَالتَّكْرَارِ. إِنَّهَا تَخْضَعُ لِلإيْدُولُوجْيَا المُصَدَّرَةِ عَالَمِيًّا إِلَيْهَا كَظَاهِرَةٍ لِلتَّجَاذُبِ الْحَدَاثِي، وَهذَا يُخَالِفُ رُوحَ المَعْنَى الْحَدَاثَوِي، حَيْثُ هِيَ فِي مُجْمَلِ دِينَامِيَّتِهَا أَبْعَدُ مَا تَكُونُ عَنِ التَّمَاهِي بِاِلإيْدُولُوجْيَا. الأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ مَعَ الْحَدَاثَةِ وَالتَّطْوِيرِ بَعِيدًا عَنْ كُلِّ مَنْهَجٍ يَجْنَحُ إِلَى تَأْطِيرِ تَبْشِيرِهَا أَوْ تَكْرَارِ مَقُولاَتِهَا، بِحَيْثُ تُلْغِي التَّفَرُّدَ وَالنَّكْهَةَ الذَّاتِيَّةَ كَلُغَةٍ عَالِيَةِ التَّوَاصُلِ وَعَالَمِيَّةِ المَنْهَجِ، تُعِيدُ التَّرْكِيزَ عَلَى الاتِّصَالِ المُبَاشِرِ بِالآخَرِ عَبْرَ النَّصِّ، مِنْ خِلاَلِ عَمَلِيَّتَيِّ الإِرْسَالِ وَالتَّلَقِّي مَا يَسْتَدْعِي جُمْلَةَ شُرُوطٍ مِنْهَا:
- إِذَا اعْتُبِرَ الْخِطَابُ الشِعْرِيُّ تَعْبِيرًا عَنْ وَعْيِ أُمَّةٍ مِنَ الأَمَمِ، فَإِنَّ كُلَّ وَعْيٍ هُوَ وَعْيٌ شِعْرِيٌّ بِلُغَةِ عَصْرِهِ.
- قِرَاءَةُ أَيِّ فِكْرٍ لِشَعْبٍ مِنَ الشُّعُوبِ لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُحَايِدَةً، بَلْ هُوَ رَغْبَةٌ فِي الاكْتِشَافِ وَإِعَادَةِ إِنْتَاجِ الْوَعْيِ.
- النَّصُّ الشِّعْرِيُّ لَهُ مُسْتَوَيَانِ مِنَ الْقِرَاءَةِ؛ أُمَمِيٌّ وَذَاتِيٌّ مُتَعَدِّدُ الْقِرَاءَاتِ.
- المَزِيدُ مِنَ التَّرْكِيزِ عَلَى الاتِّصَالِ النَّصِّيِّ، وَتَفْعِيلُ المُنَاقَشَاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ التَّذَوُّقِ وَالاسْتِيعَابِ.
- التَّرْكِيزُ عَلَى التَّرْبِيَةِ الْجَمَالِيَّةِ لِلُّغَةِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلاَمَ تَعْبِيرٌ مُطْلَقٌ مُطِلٌّ عَلَى المُتَغَيِّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقَنِيَّةِ الاتِّصَالِيَّةِ.
- التَّحْدِيثُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُسْقَطًا مِنْ خَارِجِ الظَّاهِرَةِ الشِّعْرِيَّةِ، إِنَّمَا هُوَ تَوْصِيفٌ شِعْرِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الشِّعْرَ ضَمِيرُ الإِبْدَاعِ بِشَتَّى مُسْتَوَيَاتِهِ ذَاتِ الْبُعْدُ الأَخْلاَقِي المَفْتُوحِ عَلَى أَمْنِ الآخَرِ، وَخَيْرِ الْكُلِّ، دُونَ تَصَوُّرٍ نِهَائِيٍّ جَاهِزٍ، أَوْ مَنْطُوقٍ مَفْرُوضٍ مِنْ خَارِجِ الظَّاهِرَةِ ذَاتِهَا.
- الْعَمَلُ عَلَى انْفِتَاحِ المَوْضُوعِي المُوَازِي لِتَرْجَمَةِ إِبدَاعَاتِنَا، عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ عَصْرُ الْعَوْلَمَةِ، لِتَرْجَمَةِ الاتِّصَالِ وَالمُثَاقَفَةِ الَّذِي يَحْمِلُ اخْتِلاَفًا جَدَلِيًّا صِحِّيًّا فِي حَيَاةِ الْبَشَرِ، وَزَوَالِ الْحُدُودِ عَبْرَ الاتِّصَالِ الرَّقَمِيِّ، وَالشَّبَكَاتِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ.
الصُّورَةُ الشِّعْرِيَّةُ، بَدْءًا مِنَ المُخَيَّلَةِ، مُلْتَبِسَةٌ بِشَكْلِ التَّوْصِيلِ وَالتَّدَاخُلِ كَحَقِيقَةٍ افْتِرَاضِيَّةٍ، ضِمْنَ مَنْظُومَةٍ يَسْتَهْلِكُهَا الإِنْسَانُ المُعَاصِرُ خَارِجَ سِيَاقِ إِنْتَاجِهَا بِمَعْزِلٍ عَنْ وِجْهَةِ وَمَوْقِفِ الَّذِي أَنْتَجَهَا، وَهِيَ بِهذَا المَعْنَى، لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حِيَادِيَّةً مَهْمَا فَرَضَتْ مِنْ وَهْمِ التَّطَابُقِ الحَرْفِيِّ مَعَ الوَاقِعِ، وَهذَا يَجْعَلُ مِنَ الصَّعْبِ الاحْتِفَاظَ بِذَاكِرَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى تَكْثِيفِهَا وَتَحْلِيلِهَا، مِنْ أَجْلِ إِعَادَةِ إِنْتَاجِهَا، وَتَحْدِيدِ مَوْقِفٍ نَقْدِيٍّ مِنْهَا، وَفِي ذلِكَ إِضَاءَةٌ مُهِمَّةٌ لِحَقِيقَةِ الاغْتِرَابِ الحَاصِلِ بَيْنَ المُثَقَّفِ فِي العَالَمِ الثَّالِثِ مَعَ الشَّرْطِ الثَّقَافِيِّ الكَوْنِيِّ، الَّذِي يَحْتَفِي بِهِ صُنَّاعُ الثَّقَافَةِ الغَرْبِيِّينَ، وَيُصَدِّرُونَهُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ نِهَائِيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ حَقَائِقَ كَوْنِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ وَمُنْجَزَةِ القِيمَةِ، إِنَّمَا الأَدَبُ عُمُومًا كَفَاعِلِيَّةٍ، وَالشِّعْرُ بِالذَّاتِ، يُظْهِرُ الخُصُوصِيَّةَ الثَّقَافِيَّةَ لِلْمُبْدِعِ، مِنْ حَيْثُ اقْتِرَابِهِ أَوِ اغْتِرَابِهِ عَنْ ثَقَافَةِ وَجَمَالِيَّاتِ مَا بَعْدَ الحَدَاثَةِ المُسَيْطِرَةِ، بِفِعْلِ وَسَائِلِ الاتِّصَالِ الحَدِيثَةِ، وَمِنْ هُنَا، فَمِنَ المُفِيدِ وَالضَّرُورِيِّ الاهْتِمَامُ بِالقِرَاءَةِ التَّطْبِيقِيَّةِ لآدَابِنَا، لِخَلْقِ رُؤًى عَرَبِيَّةٍ، لاَ رُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ مُعَادَلَةٌ صَعْبَةٌ لَدَى الطَّرَفَينِ غَرْبًا وَشَرْقًا.
اليَوْمَ الغَرْبُ عُمُومًا، يَتَطَلَّعُ إِلَى مَعْرِفَةِ العَرَبِ وَالعَالَمِ العَرَبِيِّ، وَهُنَا الأَدَبُ قَدْ يُوَفِّرُ وَصْفًا أَكْثَرَ دِقَّةً وَعُمْقًا مِنْ كُتُبِ التَّارِيخِ وَالسِّيَاسَةِ، لكِنَّ المُشْكِلَةَ تَكْمُنُ فِي تَحْيِيدِ البُعْدِ الإِبْدَاعِيِّ العَرَبِيِّ الخَلاَّقِ، وَالَّذِي يُسَاهِمُ بِشَكْلٍ حَقِيقِيٍّ فِي الأَعْمَالِ الكِلاَسِيكِيَّةِ الَّتِي أَنْتَجَتْهَا البَشَرِيَّةُ، وَالتَرْكِيزُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ البَعْضَ مِمَّنْ يُرِيدُ إِظْهَارَ العَرَبِ كَمُحْتَرِفِي عُنْفٍ، وَهُنَا يَكْمُنُ الدَّوْرُ الخَلاَّقُ لِلشِّعْرِ كَحِرْفَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ التَّوْصِيلِ الإِبْدَاعِيِّ، تَشْرَحُ مَوْرُوثَنَا وَفِكْرَتَنَا حَوْلَ الأَنَا وَالآخَرِ. بِبَسَاطَةٍ يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ المَوْقِعَ الَّذِي طَوَّرَ العَرَبُ أَنْفُسَهُمْ فِيهِ لِلِّحَاقِ بِالحَدَاثَةِ، وَمَا بَعْدَ الحَدَاثَةِ، هُوَ الحَيِّزُ المَعْنِيُّ بِالآدَابِ وَالفُنُونِ، الَّتِي نَجِدُ فِيهَا مَلاَمِحَ حَدَاثِيَّةً، وَمَا بَعْدَ حَدَاثِيَّةٍ، عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ مَفْهُومَ "مَا بَعْدَ حَدَاثِيٍّ"، هُوَ تَجَاوُرُ المُتَنَاقِضَاتِ، بِتَحَوُّلِهِ مِنْ مَقُولاَتِ الاتِّهَامَاتِ وَالنَّفْيِ المُتَبَادَلِ إِلَى الإِيجَابِيَّةِ بِمَدْلُولاَتِهَا كَحِوَارٍ مَفْتُوحٍ بَحْثًا عَنْ مَخْرَجٍ يُحَقِّقُ المُعَادَلَةَ الكَوْنِيَّةَ، لِضَرُورَةِ التَّوَاصُلِ، مَعَ الحِفَاظِ عَلَى الخُصُوصِيَّةِ، وَثَوَابِتِ الهُوُيَّةِ الشِّعْرِيَّةِ وَالتُّرَاثِ.
لِنَتْرُكَ الإِبْدَاعَ يَتَوَهَّجُ مِنَ الدَّاخِلِ دُونَ إِمْلاَءَاتٍ، فَهُوَ سَوْفَ يَتَفَوَّقُ عَلَى ذَاتِهِ بِاتِّجَاهِ التَّجْرِبَةِ الحُرَّةِ الحَيَّةِ ذَاتِ الإِشْعَاعِ الكُلِّيِّ لِلتَّعْبِيرِ وَالمُجْتَمَعِ وَالكَوْنِ، وَهُنَا الشِّعْرِيَّةُ العَرَبِيَّةُ لَيْسَتْ بِمَعْزِلٍ عَنِ الإِبْدَاعِ الإِنْسَانِيِّ، بَلْ فِي خِضَمِّهِ كَتَوَاصُلٍ حَسَّاسٍ، وَحَامِلٍ لِمَشْرُوعِ المُغَايَرَةِ وَالتَّقَارُبِ المُعَاصِرِ، عَكَسَ دَوْرَ السِّيَاسَاتِ الَّتِي أَثْبَتَتْ فَشَلَ مَشْرُوعِهَا التَّضَامُنِيِّ. هُوَ دَوْرُ المَشْرُوعِ الثَّقَافِيِّ عُمُومًا، وَالشِّعْرِيِّ خُصُوصًا، وَهُوَ دَعْوَةٌ لأَنْ تَكُونَ الشِّعْرِيَّةُ وُجُودًا مُتَمَاسِكًا فَعَّالاً، لَهُ نَكْهَةٌ وَمِزَاجٌ مُمَيَّزٌ مَشْرُوطٌ بِبَدَاهَةِ الإِبْدَاعِ وَتَسَامِي تَجْرِبَتِهِ، لاَ لِكَيْ يُؤَبِّدَ لَحْظَتَهُ عَلَى الأَْرْضِ، أَوْ يَسْتَعِيدَ خَيْطَ الرُّوحِ المَقْطُوعِ فَقَطْ، بَلْ يُحَاوِلُ أَكْثَرَ مِنْ هذَا حِينَ يَتَوَحَّدُ فِي صُوَرِ المَاضِي وَالحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ وَأَسْئِلَةِ الكَوْنِ، مَا يَجْعَلُ كُلَّ نَصٍّ شِعْرِيٍّ عَالَمًا حَقِيقِيًّا مُحَمَّلاً بِلَحْظَةِ التَّكْثِيفِ، وَبُؤْرَةَ تَوَتُّرٍ مَشْحُونَةً بِالحَيَاةِ وَهَوَاجِسِهَا الَّتِي تُكَمِّلُ اخْتِلاَفَ الشِّعْرِ نَوْعِيًّا عَمَّا سَبَقَ، فَالعَلاَقَةُ هُنَا مَعْ لُغَةِ الإحْسَاسِ وَلُغَةِ التَّعْبِيرِ تَجَاوُبًا مَعْ طَبِيعَةِ الحَيَاةِ المُتَجَدِّدَةِ الَّتِي يَخُوضُهَا الشِّعْرُ وَالعَالَمُ حَالِيًّا، وَالمُسْتَقْبَلِيَّةِ الَّتِي يَتَهَيَّأُ لَهَا، لِصَالِحِ الإِبْدَاعِ وَالسَّلاَمِ الكَوْنِيِّ فِي الاكْتِشَافِ، وَإِعَادَةِ إِنْتَاجِ الوَعْيِ وَالسَّلاَمِ الكُلِّيِّ.
*شاعر وكاتب ومترجم من فلسطين
هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.