شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    محروقات : سوناطراك توقع مذكرة تعاون مع الشركة العمانية أوكيو للاستكشاف والانتاج    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فيلم "بنك الأهداف" يفتتح العروض السينمائية لبرنامج "تحيا فلسطين"    ورقلة /شهر التراث : إبراز أهمية تثمين التراث المعماري لكل من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    الشمول المالي: الجزائر حققت "نتائج مشجعة" في مجال الخدمات المالية والتغطية البنكية    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    "الأمير عبد القادر...العالم العارف" موضوع ملتقى وطني    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    رابطة قسنطينة: «لوناب» و «الصاص» بنفس الريتم    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    قراءة حداثية للقرآن وتكييف زماني للتفاسير: هكذا وظفت جمعية العلماء التعليم المسجدي لتهذيب المجتمع    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    سوريا: اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في سوريا    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    معالجة 40 ألف شكوى من طرف هيئة وسيط الجمهورية    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    اجتماع الحكومة تبحث إصلاح قطاع التأمينات    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تنقذ الصين العالم من أزمته المالية؟
موازين القوى تتغير والكفة قد تميل إلى العملاق النائم..

لم تكن الأزمة الاقتصادية العالمية مفاجأة لذوي الاختصاص والمراقبين الذين حذّروا من الوقوع في هذه الأزمة سنين قبل وقوعها، وقد عصفت الأزمة بالنظام الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى الاقتصاديات في العالم، إذ يمثل اقتصادها أكثر من 30 % من حصة العالم، وبما أن العالم قرية صغيرة فقد طالت تبعات الهزّة المالية معظم دول العالم، هذا إذا لم تكن جلّها، حيث ضربت الأزمة اقتصاديات دولية وأفلست شركات عملاقة وإزاء هذه الأزمة ارتفعت أصواتٌ عالمية تنادي بالحلول للخروج من هذا المأزق الذي عصف بالعالم بأسره.
عُدّت الكثير من الأسباب التي أدت إلى بروز الأزمة المالية العالمية؛ من أسعار الفائدة إلى مسألة الرهن العقاري، مرورا بالاقتراض الفاحش لمؤسسات وهمية وانتهاء بمصيبة جعلت الأزمة أكثر ضراوة وتوجيها نحو الانهيار، ألا وهي مسألة فقدان الثقة، والمفاجأة كانت من أوروبا عندما دعت صحيفة غربية إلى تغيير النظام التقليدي العالمي والاستنجاد بالنظام الاقتصادي الإسلامي، ففي افتتاحية مجلة "تشالينجز"، كتب «بوفيس فانسون» رئيس تحريرها موضوعا تحت عنوان "البابا أو القرآن؟"، أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية، وتساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ وتابع قائلا "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود، بالنظر إلى الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي وموازنتها بالأسباب التي أنتجت هذه الأزمة، سيلاحظ أن الإسلام ونظامه الاقتصادي هو الحل الأمثل لها.
يرى بعض المراقبين الاقتصاديين أن الأزمة المالية العالمية بحاجة ماسة إلى حلول جريئة لمعالجتها باعتبار أن العالم بحاجة إلى قرارات تاريخية مبدعة للخروج بأسرع وقت من شبح الكساد والفوضى، وفي إطار وضع الحلول ووضع الخطط تبرز مجموعة من الجهات الحكومية والشخصيات العالمية التي تساهم في تعزيز وتنفيذ سياسات جديدة مرنة وفعالة وسريعة وغير تقليدية، من الشخصيات المميزة التي تسعى لتنفيذ خطط جديدة وخلاقة يبرز اسم «صموئيل سلوم» رئيس المجلس اللوجستي العالمي، حيث يرى «سلوم» أن ثورة الحاويات الحديدية في النصف الثاني من القرن الماضي. غيرت وجه التجارة الخارجية في العالم وهي تصلح نموذجا لوضع خطط شجاعة ومبدعة للخروج من الأزمة العالمية. ويدعو «سلوم» إلى إستراتيجية عالمية جديدة تقوم على مبدأ مشابه، أي تغيير المفاهيم السائدة واستبدال الآليات الاقتصادية والمالية والصناعية بأخرى جديدة. وهذا يعني تغيير النظام المالي الوهمي الذي رسم لمصلحة مجموعة من النخبة الرأسمالية بغض النظر عن مصالح القاعدة العريضة من البشر. وجوهر الدعوة الجديدة في تغيير النظام تقوم على توفير تريليونات الدولارات عبر توفير الكلف اللوجيستية ونقل خبرات العالم المتقدم الصناعية إلى العالم النامي بإقامة وسائل إنتاج صناعية وبنى تحتية مرنة جديدة في هذه البلدان. وهذا النقل سوف يقوم بإشراف وائتلاف مجموعات مالية وصناعية وتكنولوجية وجهات تأمين عالمية، لتأمين البيئة اللازمة لهذا الانتقال، وبشراكة بين القطاعات الحكومية والخاصة، وسيؤدي ذلك إلى توفير هائل في تكلفة الإنتاج كما سيؤدي إلى نقل الخبرات والتقنيات الجديدة إلى العالم النامي وتوفير عدد هائل من فرص العمل ورفع القوة الشرائية في الأسواق الناشئة. وسيكون بوسع العالم النامي عبر هذه الإستراتيجية، تصدير السلع المصنعة إلى أسواق الدول المتقدمة، كما أنه سيقيم علاقات وشراكات عمل دائمة بين الأسواق المتقدمة والناشئة. وفي وقت ما ستكون الشراكة الجديدة حلا لتكامل قوى العمل والإنتاج ومنع الوقوع في أزمات مالية واقتصادية جديدة، بعد كسر احتكار تمركز الثروة على الطريقة الرأسمالية الحالية التي أنتجت أزمات مالية واجتماعية متلاحقة منذ بديات العصر الرأسمالي.
يقول بعض المراقبين أن مفتاح حل الأزمة المالية التي يمر بها النظام المصرفي في الدول الغربية قد يكون بيد الصين التي تمتلك احتياطيات من العملة الصعبة تتجاوز تريليوني دولار، والأمر ببساطة أن الدول الغربية بحاجة إلى المال لإنقاذ نظامها المصرفي والصين تملك المال المطلوب وبالتالي قد تكون المصدر المناسب لهذا المال، ورغم أن الاقتصاديين الصينيين يعلنون أن الصين على استعداد للقيام بواجبها في حل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، لكنها لن تقوم إصدار شيكات على بياض للدول الغربية حيث يتركز اهتمام المسؤولين الصينيين على حل مشاكل الصين الداخلية مثل تفادي احتمال تباطؤ نموها الاقتصادي. وحتى إذا قبلت الصين بحل هذه الأزمة فإنه يرجح أن يكون ذلك مترافقا بسلسلة طويلة من الشروط. وكانت الصين قد تمكنت خلال الأعوام القليلة الماضية من مراكمة احتياطيات هائلة من العملة الصعبة مستفيدة من نمو صادراتها بمعدلات كبيرة. فقد أشارت آخر الإحصاءات التي نشرت مؤخرا إلى أن هذه الاحتياطيات تجاوزت 1.9 تريليون دولار أي حوالي 1900 مليار دولار، وكتب مدير معهد بيترسون للاقتصاد العالمي ومقره الولايات المتحدة في صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية مؤخرا أنه يمكن الولايات المتحدة طلب قرض من الصين وقال "يمكن للصين تقديم قرض بقيمة 500 مليار دولار للحكومة الأمريكية لإنقاذ نظامها المالي"، ويقوم الصينيون عمليا بمساعدة الاقتصاد الأمريكي منذ عدة سنوات عن طريق شراء الديون الحكومية الأمريكية وهو ما ساعد الحكومة الأمريكية على الإنفاق أكثر مما تسمح بها إمكاناتها، وأشار «زهاو اكسيجون» نائب رئيس جامعة ريمين الصينية في بكين، إلى أن الصين "تقوم بمساعدة الاقتصاد الأمريكي عمليا وأنه من الممكن أن تستمر بذلك". لكن «زهاو» أشار إلى أن الصين غير قادرة على تحمل كل عبء حل هذه الأزمة وأن على الاقتصاديات الصاعدة الأخرى مثل روسيا والهند والبرازيل المشاركة في تحمل هذا العبء. كما أن الأمر يتعلق أيضا بوجود الإرادة السياسية لدى القيادة الصينية واستعدادها لوضع الأزمة المالية العالمية على رأس أولوياتها واهتماماتها، ويبدو أن القيادة الصينية تستبعد ذلك إذ صرح عدد من المسؤولين الصينيين بأن على الحكومات الغربية إيجاد حلول لمشاكلها المالية، وهو ما أكده نائب رئيس البنك المركزي الصيني، «يي جانج» خلال مشاركته لاجتماعات مجموعة العشرين في العاصمة الأمريكية واشنطن عندما صرح بأن "على البنك الدولي الطلب من الدول الغنية تحمل مسؤولياتها وضمان استقرار الاقتصاد العالمي"، كما أعلن رئيس الوزراء الصيني «ون جياباو» بأن الصين على استعداد لتحمل واجبها في استقرار النظام المالي العالمي لكن دون تحمل أعباء الأزمة الحالية كونها غير مسؤولة عنها، وأشار إلى أن اهتمام حكومته ينصب على " إدارة شؤونها الخاصة بطريقة سليمة" خلال اتصال رئيس وزراء بريطانيا «جوردون براون» به الأسبوع الماضي، ورغم امتلاك الصين لهذا الاحتياطي الهائل من العملات الصعبة فإنها ما تزال بلدا ناميا وتواجه العديد من المشاكل التي تتطلب إيجاد حلول لها، ومن بين هذه المشاكل ضعف مداخيل الأرياف في الصين والذين يشكلون أكثر من نصف سكان الصين حيث أعلنت الحكومة الصينية أنها بصدد مضاعفتها خلال الأعوام ال12 المقبلة، كما أن الاقتصاد الصيني قد يواجه بعض المشاكل مثل تراجع معدلات النمو الاقتصادي وهو ما أشار إليه الخبير الاقتصادي الصيني المستقل، «اندي اكسيي» بقوله أنه رغم عدم تأثر الصين بالأزمة المالية الحالية لكن على الحكومة الصينية البحث عن أسواق أخرى في العالم للحفاظ على نموها الاقتصادي في المستقبل. وأضاف أن على الصين أن تلعب دورا اكبرا في توزيع الثروة في الدول النامية. وحتى لو كانت الصين راغبة في المساهمة في حل الأزمة الحالية فإنها ستضع سلسلة طويلة من الشروط للقيام بذلك. من بين الشروط التي ستضعها الصين مثلا عدم وضع قيود على قيامها بشراء أصول شركات أمريكية كما حدث في الماضي. كما أن بعض المراقبين لا يستبعدون أن تضع الصين بعض الشروط السياسية على الولايات المتحدة مقابل المساعدة في حل هذه الأزمة حيث تعارض الصين مثلا صفقة الأسلحة أمريكية الأخيرة لتايوان بقيمة 6.5 مليار دولار. وقد أشار «ويللي ليام»، المدرس في الجامعة الصينية في هونج كونج، إلى أن موازين القوى في العالم تتغير والصينيون يشعرون بالارتياح إزاء هذا التغير دون المبالغة في الإعلان عن ذلك كما يرون أن الأزمة الحالية تؤكد سلامة نموذجهم الاقتصادي.
البحث عن حصانة لمنع تجدد انهيار المصارف
انهارت العديد من المصارف الغربية أو جرى تأميمها جزئيا أو كليا أو ما يزال في غرفة الإنعاش، ولم تكن ترليونات الدولارات التي ضختها الحكومات في عروق النظام المالي أكثر من محاولة لوقف النزيف. غير أن هذه المبالغ الخيالية لن تكون وحدها كافية لحماية عافية هذا النظام على المدى الطويل. وحتى وقت كتابة هذه السطور هناك ساسة وخبراء ماليون ورجال أعمال يجتمعون للتباحث في هذه القضية شديدة التعقيد التي طال أثرها العالم بأسره غير أن ما لا يمكن الجدل فيه مهما اختلفنا بشأنها هو أنه من غير المسموح به أبداً السماح بأن تتهاوى المصارف ثانية لأنها تشكل القلب النابض لأي اقتصاد كما أن النقاد الذين يجادلون بأن التدخل الحكومي يناقض المبادئ الجوهرية للرأسمالية غير محقين في هذا الطرح لأن أحداً يجب ألا يناقش فيما إذا كان من المفترض إنقاذ الموجودين في بيت يحترق أم لا. وحسب بعض المحللين الاقتصاديين لم يكن من المفترض أن تقف الحكومة الأمريكية جانبا وهي ترى بنك «ليمان براذر» يعلن إفلاسه كما كان من المتوجب على الحكومة البريطانية أن تتحرك بسرعة أكبر لإنقاذ بنك «نورثيرن روك»لأن ذلك ربما كان له أن يمنع حدوث حالة الذعر. إن أي قاموس سيضع تعريفا للمصرف على أنه مؤسسة يستثمر الناس والشركات فيها أموالهم أو يقترضون منها المال أو يصرفونه بعملات أجنبية، صحيح أن هذا الوصف ما يزال ينطبق على الأعمال الأساسية للكثير من المصارف، غير أن المصارف أصبحت بمرور الزمن أقل تحفظا في تعاملاتها وحتى وقت قريب جدا كانت المصارف تعمل بلا هوادة لتسويق قروضها وبطاقاتها الائتمانية لعملاء بالكاد يستطيعون سداد هذه القروض وتستثمر أموالهم في أعمال عالية المخاطر، بل إن بعض المصارف عمل على توسيع نطاق أعمالها بحيث أصبح بالكاد ممكناً تسميتها مصارف،. وربما يكون الوقت قد حان لأن تعيد تنظيم عملياتها وتعود لأدوارها المصرفية التقليدية ، وحين نأخذ بالاعتبار أن الشرارة الأولى لهذا الاضطراب كانت أزمة الديون دون الممتازة، فإن العودة للأصول تعني ضرورة أن تلتزم المصارف بأحكام الإقراض السابقة التي تقول إن القروض تعطى فقط للعملاء ذوي الجدارة الائتمانية مقابل ضمانات مناسبة أو خطط أعمال
الحفاظ على السيولة ومعاودة الإقراض
يجب على المصارف أن تستبقي لديها بمعدلات قوية من السيولة لمواجهة الحالات الشبيهة بتلك التي نعيشها حالياً حيث ترفض المصارف توفير القروض لبعضها بعضاً ولعل من المفيد هنا أن تجعل الحكومات تقديم خطط الإنقاذ المالي مشروطاً بعودة الإقراض بين المصارف إلى حالته الطبيعية كما يجب على المصارف أن تضمن احتفاظها برسملة كافية تمكنها من تحمل الخسائر غير المتوقعة دون الحاجة لاتخاذ قرارات متسرعة بزيادة رساميلها ولتحقيق هذه الغاية يتعين على الجهات الدولية الناظمة لعمل المصارف أن تتفق على تعريف مصطلح "الشريحة الأولى من رأس المال" وهي قدرة المصرف على تحمل خسائر مستقبلية بناء على معدل رأسماله المساهم إلى أصوله المحسوبة تبعاً للمخاطر ، كما يجب ألا توفر المصارف القروض لبعضها بعضاً وحسب بل وللأفراد والشركات من ذوي الجدارة الائتمانية، والاقتصاديات لن تزدهر ما لم يعد النقد يسيل في عروقها، وعلى سبيل المثال، تعاني صناعة السيارات الأمريكية نتيجة عدم حصول الناس على تمويل لشراء السيارات، كما يتعين على المصارف أن تنقل أسعار الفائدة المخفضة إلى عملائها ليتمكنوا من شراء البيوت أو إعادة تمويل بيوتهم . وهذا الأمر يعتبر شرطاً مسبقاً ليستعيد سوق الإسكان عافيته
الرقابة والتنظيم
في كل قطاع اقتصادي هناك أوجه نقص ونسبة صغيرة من الفاسدين، وقطاع المصارف والتمويل ليس استثناء ولهذا يجب إصدار القوانين اللازمة لمحاسبة المسؤولين في الصناعة المصرفية عن الممارسات الفاسدة أو التقاعس عن أداء الواجب، إن مديري المصارف التي تتطلب الآن تدخلا حكوميا لإنقاذها يجب تغييرهم كشرط لتقديم خطط الإنقاذ، كما أن مسؤولي المصارف الذين خضعوا لضغوط المنافسة في السباق مع منافسيهم فتورطوا في مغامرات خطرة تجب مساءلتهم لمعرفة مدى تورطهم في هذه الأصول السامة وإن تبين أنهم مذنبون فتجب معاقبتهم ليكون ذلك رادعا لغيرهم، على السلطات التشريعية أن تكون أكثر صرامة وأن تضع أنظمة شديدة الوضوح لتضع حدا لمستويات الاقتراض التي يمكن لأي مؤسسة أن تستخدمه في عملياتها الاستثمارية بالقياس إلى رساميلها. ويتعين على المدققين الماليين أن يكونوا شديدي الحرص والدقة في أداء عملهم كما تجب معاقبة وكالات التصنيف الائتماني لإعطائها تصنيفات عالية مضللة لاستثمارات مشكوك فيها. وهذا الواقع هو ما يعبر عنه صديقي وعضو الكونجرس الأمريكي السابق، «بول فيندلي» بالقول إن هناك "قصورا إجراميا في التشريعات المصرفية" وهذا ما أوافقه عليه تماما.
الأزمة الاقتصادية تكشف عيوب الرأسمالية
امتدت تداعيات الأزمة المالية وحدّتها لتطول القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، ومن المعلوم أن الرأسمالية كانت منهجا اقتصاديا ووسيلة عيش للناس ورخائهم بعد الكساد الكبير عام 1929. بيد أنها تجاوزت نظرية «آدم سميث» في النظام الرأسمالي وأصبحت أسلوبا للتحكم والهيمنة والفساد، فقد زادت ثروة الأغنياء على حساب لقمة عيش الفقراء، وذلك لأن الاقتصاد العالمي صار يدار من قبل الرأسماليين الليبراليين بعقد صفقات وهمية وبمبالغ خيالية من خلال قاعات التداول لأدوات المشتقات المالية في الأسواق على حساب تعزيز النمو والازدهار في الاقتصاد.فقد بلغ سوق التعامل في هذه المشتقات حسب التقارير الأولية 55 تريليون دولار، ويعادل هذا المبلغ أكثر من ضعفي الناتج القومي الإجمالي للدول الصناعية السبع المشاركة في حلول الأزمة المالية العالمية. كما أن الانفلات الرأسمالي بعد انهيار الفكر الاقتصادي الاشتراكي أصبح من سمات العصر الحديث ومنهجا اقتصاديا جديدا للرأسماليين الجدد الذين كرسوا سياسة القطب الاقتصادي الواحد.ناهيك عن سياسة الاحتواء الاقتصادي والهيمنة على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وسن التشريعات والأنظمة المالية للدول الصناعية ودول العالم الثالث، غير أن تداعيات الأزمة المالية كشفت عيوب نظام القطب الواحد وعدم قدرته على تحليل أسباب الأزمة الحقيقية واستنباط الحلول الجذرية للخروج من مأزقها وتداعياتها المستقبلية.فهو الآن أمام تغييرات جذرية ضرورية لتصحيح مسار النظام الاقتصادي العالمي. وهذا يستدعي دعوة المجتمع الدولي بكافة مستوياته الاقتصادية إلى مؤتمر دولي يتولى بناء نظام مالي ديمقراطي عالمي على أسس ومعايير جديدة لإعادة التوازن الطبيعي بين النظام المالي والاقتصاد الحقيقي على غرار مؤتمر "بريتون وودز" الذي أدى إلى تكوين صندوق النقد والبنك الدوليين من أجل الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم. ويصار إلى عقد هذا المؤتمر الدولي الطارئ في مقر صندوق النقد أو البنك الدولي، على أن يتم دمقرطة هاتين المؤسستين العالميتين بحيث يعاد لهما كامل الصلاحيات القانونية والإدارية بعيدا عن الهيمنة العالمية. ومن ثم القيام باستحداث الأسس والمعايير الضرورية من تشريعات وقوانين تنظيمية للقطاع المالي والمصرفي وتوحيد معايير الشفافية والمحاسبة الدولية ومراقبة تطبيقها وتحويل البنوك والصناديق الاستثمارية والسيادية إلى مؤسسات مصرفية تقبل الودائع وتخضع لأنظمة البنوك المركزية لكل دولة. وخلاصة الأمر، إن المعاضدة الدولية لعقد مثل هذه المؤتمرات العالمية يعتبر تحولا ديمقراطيا في النظام الاقتصادي العالمي ومؤسساته الدولية بما يساعد على بسط القواعد والأنظمة الدولية الملزمة لجميع الدول وانتهاء التدمير الخلاٌق الذي قاده الليبراليون الجدد وذلك بتحرير رؤوس الأموال المرتبطة بمشاريع متعثرة ومفلسة والانتقال إلى القطاعات الاقتصادية المنتجة.
7 حلول لمواجهة الأزمة العالمية
حدد المستشار الاقتصادي السعودي «فواز العلمي» 7 حلول لمواجهة تداعيات الأحداث العالمية ومواجهة الأزمات الاقتصادية الحادة. ورأى «العلمي» أن الإقليم الخليجي يعتبر جزءا لا يتجزأ من القرية الكونية ومن ثم فلسنا بمنأى عن تداعيات تلك الأحداث، ولخص الحلول في دعوة وزراء البترول والاقتصاد والمالية في الدول الخليجية لدراسة مدى تأثير انهيار الأسواق المالية والعقارية والانكماش الاقتصادي العالمي المتوقع على دول المجلس ووضع الحلول الحاسمة في موعد أقصاه أسبوع من تاريخه، وتكوين فريق عمل من وزراء المالية والاقتصاد والتجارة ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية لمعالجة الأزمات المحلية بشكل فوري، والمسارعة في إنشاء المخزون الاستراتيجي الغذائي المحلي للوفاء بمتطلبات الأسواق الخليجية خلال المرحلة الحرجة القادمة التي قد تستمر لعدة أعوام. كما تتضمن هذه الحلول -وفقا للمستشار الاقتصادي السعودي- دعوة مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية لاستثمار أرصدتها ومدخراتها في الأسواق المالية المحلية وحثها على توجيه جزء من سيولتها النقدية لمعالجة النزيف الحاد في الأسواق المالية الخليجية، والبدء الفوري في تطبيق مبادئ الشفافية والإفصاح والاستشراف في الأسواق المالية الخليجية، ومنح مجلس الشورى صلاحية استدعاء رؤساء الشركات المساهمة ومجالس إداراتها ومساءلتهم حول أوضاع الشركات المالية والتمويلية ومشاريعهم المستقبلية، وحث الأجهزة الحكومية التنفيذية على مساندة قطاع الأعمال بكافة فئاته وتسهيل مهامه وتطوير قدراته وبناء طاقاته. ويرى «العلمي» أن هذه الخطوات السبع قد توقف النزيف المزمن في أسواقنا المالية إذا توفرت لدينا القناعة بأن الخطر يتربص بنا، ولكنه لن يؤلمنا بقدر استعدادنا لمواجهته والحد من أضراره. وكما كما يقال إن العقل السليم في الجسم السليم، فإن السوق السليم يعتبر مرآة صادقة للاقتصاد السليم. ولا شك في أن تشبيه الأسواق المالية العالمية بالعقل العليل الذي يئن تحت وطأة الاقتصاد العالمي المريض لا يخالف الحقيقة والواقع الذي تعيشه في هذه المرحلة الحرجة دول العالم قاطبة بمختلف سياساتها الاقتصادية وخططها التنموية. إلا أن الدول التي استثمرت مدخراتها في بناء قدراتها الذاتية وبادرت في تأمين الأدوية الناجعة لمعالجة الأزمات الاقتصادية العالمية المريضة، نجحت بجدارة في الحد من نزيف قيمة أسواقها المالية العليلة.
ولتفادي الآثار السلبية المحيطة بالأسواق المالية الخليجية وتطعيم اقتصادياتها المحلية ضد عدوى الأمراض العالمية المحدقة بها، فيجب أولاً الاقتناع بأن الإقليم الخليجي يعتبر جزءا لا يتجزأ من هذه القرية الكونية، وأننا لسنا بمنأى عن تداعيات الأحداث العالمية بحلوها ومرّها، بل قد تتأثر بهذه التداعيات بشكل أكبر من غيرها لاعتماد تجارتها الخارجية بنسبة %70 على سلعة النفط الوحيدة، ومنه فإن الحل يستدعي دعوة وزراء البترول والاقتصاد والمالية في الدول الخليجية لعقد اجتماعات عاجلة ومكثفة، على غرار ما تم في جميع الدول والأقاليم الأخرى، لدراسة مدى تأثير انهيار الأسواق المالية والعقارية والانكماش الاقتصادي العالمي المتوقع على دول المجلس ووضع الحلول الحاسمة لها في موعد أقصاه أسبوع من تاريخه. ونظراً لأن الأزمة الراهنة قد تؤدي إلى انكماش اقتصادي عالمي مؤلم يمهد الطريق إلى تقليص الطلب العالمي على النفط ومشتقاته وانخفاض أسعاره بشكل كبير كما حدث في الأيام الماضية ليصل إلى حوالي نصف ما كان عليه قبل أشهر معدودة، مما يجعل الدول الخليجية أكثر عرضة للضرر الجسيم جراء الانكماش الاقتصادي العالمي المرتقب. كما دعا المستشار الاقتصادي السعودي «فواز العلمي» إلى تكوين فريق عمل من وزراء المالية والاقتصاد والتجارة ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية لمعالجة الأزمات المالية والاقتصادية المحلية بشكل فوري من خلال عقد الاجتماعات اليومية والدورية لوضع خطط إستراتيجية محكمة لمعالجة النزيف المتأزم والمزمن في الأسواق المالية المحلية ورفع التقارير والحلول الناجعة في غضون أسبوع من تاريخه للمجلس الاقتصادي الأعلى لاتخاذ القرارات الحاسمة والناجعة. إلى جانب المسارعة في إنشاء المخزون الاستراتيجي الغذائي المحلي للوفاء بمتطلبات الأسواق الخليجية خلال المرحلة الحرجة القادمة التي قد تستمر لعدة أعوام، على أن يصاحب ذلك إبرام اتفاقات طويلة المدى مع الدول الزراعية الصديقة بضمان اللجان الثنائية المشتركة وتحت مظلة البنك الإسلامي للتنمية، وذلك تحسباً لتداعيات الكساد الاقتصادي العالمي الذي عادة ما يصاحبه انخفاض في الدعم الزراعي وتراجع كميات السلع الغذائية الأساسية المعروضة، والتي سوف تتزامن مع تقليص الإنتاج الغذائي العالمي، وازدياد حدة البطالة في الدول المنتجة للغذاء. دعوة مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية إلى استثمار أرصدتها ومدخراتها في الأسواق المالية المحلية وحثها على توجيه جزء من سيولتها النقدية لمعالجة النزيف الحاد في الأسواق المالية الخليجية، وأن يصاحب هذه الخطوات إصدار القرارات اللازمة بالسماح للشركات بالمساهمة في إعادة شراء أسهمها من السوق لما في ذلك من تعزيز للثقة لدى المؤسسين والمساهمين على حد سواء. البدء الفوري بتطبيق مبادئ الشفافية والإفصاح والاستشراف في الأسواق المالية الخليجية لإعادة اكتساب الثقة المفقودة لدى المتعاملين مع هذه الأسواق والمساهمين فيها. ولتحقيق الهدف المنشود، فإنه من الواجب مطالبة جميع لجان التدقيق المتواجدة في مجالس إدارة البنوك والشركات المساهمة والمؤسسات المالية والاستثمارية والتمويلية بالإعلان عن نتائج أعمالها واستخدام وسائل المساءلة ومقاضاة المسؤولين والبت في أحكامها بشكل فوري وحاسم. وهذا يعني تقديم كشوف حسابات كبار موظفي هذه المؤسسات والشركات والبنوك والإبلاغ الفوري عن التجاوزات وتحديد المسؤوليات، على أن يصاحب ذلك فتح باب النقد البناء لتعديل الأنظمة المالية وتنظيم المحافظ الاستثمارية والمعاملات التمويلية في مجال الأسهم والعقار والمشاريع الاقتصادية.منح مجلس الشورى الصلاحيات اللازمة لاستدعاء رؤساء الشركات المساهمة ومجالس إداراتها ومساءلتهم حول أوضاع شركاتهم المالية والتمويلية ومشاريعهم المستقبلية ومكافآتهم السنوية، وذلك بالتزامن مع صدور الميزانيات السنوية لهذه الشركات والمؤسسات. وهذا يعني تكثيف المتابعة والرقابة والتدقيق على كافة القطاعات الإنتاجية والاستثمارية الحيوية ومساندة الأجهزة الرقابية الحكومية في مهامها الدورية. حث الأجهزة الحكومية التنفيذية على مساندة قطاع الأعمال بكافة فئاته وتسهيل مهامه وتطوير قدراته وبناء طاقاته، من خلال القضاء على الروتين الممل والبيروقراطية العقيمة التي تؤدي إلى تأجيل البت في المعاملات الرسمية والتمادي في غض النظر عن التسيب والتكاسل والمحسوبية. وأن تقوم الأجهزة التنفيذية بتطبيق الأنظمة بشقيها الرقابي والعلاجي الناجع وإيجاد الحلول الحاسمة للمواضيع المعلقة، مثل البت فوراً في حسم قضايا الأوراق المالية والشيكات المرتجعة والكمبيالات المتأخرة والمسيرات المعلقة والشركات المتعثرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.