قال الأستاذ الدكتور المغربي مصطفى رمضاني خلال تنشيطه للعدد ال21 لمنتدى المسرح الوطني الجزائري، حول موضوع “بحثا عن الحداثة المسرحية”، أن الحداثة الحق لا وطن لها ولا انتماء، فلا توجد حداثة غربية وأخرى شرقية، وهي موقف خاص نترجمه عبر سلوكاتنا ومواقفنا وممارساتنا الفنية وغير الفنية أيضا. زينة.ب وتابع مصطفى رمضاني خلال اللقاء، أن الحداثة الحق تتجاوز المعيار الزمني ولا تهتم بالأشكال والتجريب التقني، فهي رؤيا شاملة للعملية الإبداعية من حيث مكوناتها الداخلية، ومن تصور أنها موقف فلسفي يطلق عليها هو صفة الرؤيوية بدلا من الفلسفية، مشيرًا أن الحداثة ترتبط بالإبداعات الخاصة لكل فنان ولا ترتبط بما هو عام، إذ يكون المسرحي احتفاليا ولكن عمله لا يكون أصيلا ولا حداثيا، والحداثة جزء من سياق العمل الخاص، كما أن المبدع الواحد قد يكون حداثيا في إبداع ما وقد لا يكون في عمل آخر إذا لم يستجب لشرط الاختراق الذي هو نتيجة رؤيا كما سماها، مضيفا في سياق آخر، أنه لا علاقة بين التجريب والحداثة، فقد يكون التجريب سببا ولكنه ليس جوهريا بدليل أن المتنبي كان في قمة الحداثة ولم يكن تجريبيا، فشعره يخاطب الناس شرقا وغربا بفضل رؤيته الكونية، فهو شعر أصيل ولكنه أيضا حداثي بما يحمله من قيم رؤيوية. وأضاف رمضاني أن الحداثة الحق لا تتعارض مع الأصالة الحق، فهما معا يسعيان إلى تحقيق جوهر الإبداع الذي يكمن في تحقيق الفائدة والمتعة منطلق مبدأ ترسيخ القيم العليا النبيلة، من هنا تلتقي الحداثة مع الأصالة في هذه الغاية الجوهرية، مشيرا أنه لا يقصد مفهوم الأصالة المتداول في الخطابات النقدية العربية التي تبحث عن مسرح عربي متميز بل يعني المسرح الذي يخاطب الإنسان في شموليته بغض النظر عن انتمائه أو هويته، أي بعيدا عن المعايير الجغرافية والتاريخية والإثنية بالمسرح الحداثي هو ذاك الذي يتفاعل مع المتلقي أينما كان، فإذا أحس المتلقي في كل مكان وأي زمن بأن هذا الإبداع كأنه موجه إليه، آنذاك يكون إبداعا حداثيا وأصيلا، وهنا يحضر الاختراق، فالمسرح الحداثي يخترق عاملي الزمن والمكان للتواصل مع الإنسان في إطلاقيته. وفيما يتعلق في ما بعد الحداثة وما بعد الدراما وغيرها، أكد المتحدث ذاته، أنه لا يستوعبها جيدا لأنها غير دقيقة وتتعارض مع المصطلحات الجوهرية، فالحداثة تحمل صيرورتها الدائمة، بمعنى أنها لا تؤمن بالاستقرار والثبات، فهي تملك صفة الاختراق، أي تحمل زمنها المتجدد وإلا لما كانت حداثة حقا، إذن -يضيف الدكتور- إذا كانت كذلك فما حاجتنا إلى ما بعدها ما دام هذا “الما بعد” موجودا ضمنها بالضرورة، أما الدراما فهي دراما بمختلف أشكالها و ما بعدها أو ما قبلها ليس بدراما، إنما هو شيء آخر. وقال الدكتور “إن المضامين عبارة عن نصوص مطروحة في الطريق، وهي معطى متداول ومتغير يأخذ بعده الخاص انطلاقا من الأدوات التي يوظفها المبدع، وهذه الأدوات هي التي تشكل صيغة الإبداع، فإذا ما توافرت لهال شروط التفرد، والأصالة، والمغايرة، واختراق الممكن، وانفصام عن النمطية، فإنها ستدخل باب الحداثة من الباب الواسع، وهذا يفيد من جهة أنه لا مجال لطرح مسألة علاقة الشكل بالمضمون في الخطابات الحداثية، لأن الأساس هو ضرورة ربط آليات الإبداع بالمجتمع استنادا إلى قاعدة التأثر والتأثير، مع التأكيد المسبق على جعل أنا المبدع هي المحرك الأساسي والمشكل الأول لتلك الآليات حتى تحقق صفة الخصوصية والتميز”. ويضيف “من هنا إذن فالحداثة المسرحية كما نتصور ليست حداثة مضامين أو أشكال، بقدر ما هي حداثة رؤية للعالم بالمعنى الذي يحدده كَولدمان، وهي التي تراعي ما نسميه بفرادة التصور ضمن بنيته الكلية الداخلية المتناغمة العناصر، فكما أن المضامين لا تحدد سلفا لتكون تقليدية أو حديثة، فكذلك الأشكال، وإلا فما هو المعيار الذي نستند إليه في هذه الأحكام؟ فكل حكم يبقى موقفا ذاتيا تتحكم فيه مجموعة من الأسباب أو المواقف الخاصة خارج سياق العمل المسرحي، فإذا كانت الحداثة دعوة إلى رفض النمطية والنموذج، فكيف نفسر هذه المواقف التي تعتبر الحداثة حداثة أشكال؟ وما هو الشكل خارج سياق معين ومضمون معين كذلك؟ وهل الأشكال غير إطار لمضامين تعطيها صبغتها الشكلية داخل سياق ما؟ وما الخطاب إلا ذلك التوحد البنيوي بينهما حتى لا نكاد نفرق بين قوة تأثير كل منهما، وأيهما الفاعل والمؤثر في الآخر. فعلاقة الشكل بالمضمون لم تعد قضية خطاب الحداثة بالأساس، لأن ما يمز كل خطاب إبداعي أو نقدي هو أصالة وجهة نظر صاحبها وتميز أسلوبه؛ والأسلوب هو الرجل نفسه كما نعلم، به نتعرف شخصية الكاتب ونميزه عن غيره، ونكتشف حداثته من عدمها. وهذه المسألة من الموضوعات النقدية التي باشرها نقدنا العربي منذ مراحله التأسيسية، وقد أفاض فيه القول أغلب نقادنا القدامى من أمثال الجاحظ وابن قتيبة والجرجاني والحاتمي، وغيرهم ممن اعتبروا بناء العمل في صيغته الكلية ورؤية الكاتب هو ما يستند عليه في مثل هذه الأمور التي تندرج أساسا فيما نسميه بشعرية العمل الفني. وهو ما أكده النقاد المحدثون في الشرق والغرب على حد سواء، وعلى رأسهم شيخ البنيوية سوسور حينما صرح يوما بأن الموضوع ليس هو من يخلق النص، ولكن وجهة النظر هي التي تخلقه”. وينبغي -حسب رمضاني- ونحن ننظر إلى العمل المسرحي، البحث عن مظاهر التفرد فيه وعبقرية الإبداع والإضافة، لأن ذلك هو السبيل إلى خلخلة الثابت والنمطي والمبتذل، وهذا أمر لا يتأتى إلا بالاجتهاد والموهبة، وهما مدخل أساسي لتحقيق شعرية الكتابة، وحين تتحقق تلك الشعرية، يمكن الحديث من ثم عن الحداثة، مضيفا أن المسرح العربي في مرحلة التأسيس، وهو يبحث لنفسه عن موطئ قدم بين التجارب العالمية، وربما كان هذا عاملا في ابتعاده عن الجمهور الذي لم يجد ذاته بعد فيما يقدم له من عروض يبدو كثير منها غريبا عنه. يُذكر أن مصطفى رمضاني دكتور دولة وأستاذ النقد المسرحي بجامعة محمد الأول بوجدة المغرب، مؤلف ومخرج مسرحي، رئيس مختبر للدراسات العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، أشرف وناقش المئات من أطروحات الدكتوراه والماستر في مختلف الجامعات العربية، له حوالي ثلاثون كتابا نقديا، وكتب وأخرج ما يناهز 12 عملا مسرحيا، يشارك في مختلف المؤتمرات العلمية بصفته خبيرا في مجال المسرح والثقافة الشعبية، ونشر أكثر من مائة دراسة علمية حول المسرح بمختلف الدوريات العربية، وهو مدير المهرجان الدولي للمسرح بوجدة.