شاعت في المدة الأخيرة بين الجزائريين كلمة "الحرّاقة" وهو اللفظ الشائع للدلالة على المهاجرين السريين، والمرادف لمصطلح "الهاربون بالمراكب"، وقد خلفت محاولات عدد كبير من الشباب الجزائري الهجرة على متن مراكب صيد إلى أوروبا مآسي انفطرت لها قلوب الجزائريين، وزاد الطين بلة انخراط فتيات بعمرالزهور في قوافل الهاربين من البطالة والفقر، بدون علم أوليائهن، ويأتي ذلك في وقت لم تحسم السلطات بعد في أزمة المهاجرين الأفارقة الذين أقاموا "جيتوهات" على الحدود الغربية للبلاد مع المملكة المغربية في انتظار فرصة سانحة للمرور إلى إسبانيا. الصيف ٫٫ الفرصة الذهبية لبارونات الحرقة ومع حلول فصل الصيف من كل عام ، يشرع "الحراقة" الجزائريون في تنظيم أمورهم لحزم أمتعتهم باتجاه أوروبا وبينما يقصد سكان غرب البلاد إسبانيا يفضل سكان الشرق إيطاليا، وبين هذا وذاك يتفق حراقة الشرق والغرب على استعمال مراكب الصيد لبلوغ الضفة الأخرى من البحر، والسبب في تفضيل فصل الصيف يعود إلى أن البحر يكون هادئا، فكثيرا ما جنت أمواج البحر في فصل الشتاء على عشرات الشباب الحالم ب"شمس" أوروبا، ولا يعود إلا المحظوظون منهم في نعوش بعد إنقاذ أجسادهم من أسماك القرش. وتنشط جماعات مهربي الشباب اليائس في المقاهي الشعبية بالأحياء الفقيرة في المدن الساحلية، وتستطيع مشاهدة كيف تتم عملية المفاوضات بين"الزبائن" والوسيط، إذا أكثرت من التردد على هذه الأماكن، وحسب مصادر إعلامية فإن بارونات تهريب البشر يوظفون وسطاء غالبا ما يكونون أشخاصا عاطلين عن العمل أو سائقي أجرة، لاستلام الأموال من الراغبين في الهجرة عبر قوارب الموت، ولا يتلقى "الزبون" الإجابة بالموافقة إلا بعد مدة يتم فيها تحضير قائمة "المحظوظين"، وهنا يجبر الراغب في الهجرة على دفع جزء من المال مسبقا على أن يدفع ما تبقى من المبلغ المتفق عليه لاحقا عندما يحين موعد ركوب البحر، لكن في كثير من الحالات يتعرض"الحراقة" إلى عمليات نصب من طرف وسطاء مغشوشين. رسالة" تبكي الجزائريين وهناك حكايات كثيرة عن أشخاص تمكنوا من "حرق" البحر والوصول سالمين إلى الضفة الأخرى، لكن مآسي الذين فشلوا أكثر، وكان فصل الشتاء الماضي مسرحا لمصرع عشرات الشباب في مقتبل العمر، وقد عثر حراس السواحل على رسائل حزينة كانت عبارة عن صرخات أخيرة لشباب كانوا يصارعون الموت، كرسالة الشاب (م.ك)، والتي وصف فيها اللحظات الأخيرة قبل أن يهيج البحر على قاربهم الصغير، وفي رسالته اعترف بأسف الشاب (م.ك) بأنه لم يأخذ بنصيحة والديه اللذين منعوه من السفر، وطلب ممن يقرأ الرسالة تبليغ سلامه لفتاة اسمها حياة (يبدو أنها خطيبته أو حبيبته) ولم ينس هذا الشاب رغم حاله البائسة من الدعاء للجزائر بمزيد من الازدهار بالقول "تحيا الجزائر". أما الرسالة التي أبكت الجزائريين عن بكرة أبيهم، ونشرتها الصحف على أوسع نطاق فهي رسالة الشاب"لخضر درقواني" التي كتبها فوق ورق علبة سجائر يقول "بسم الله الرحمن والرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد؛ نقول لكم إننا حاولنا الهروب من البلدة، ولكن للأسف الشديد فالبحر هاج علينا بقوة صعبة، تبقون على خير.. أنا السيد درقواني لخضر.. أبي الحبيب، أمي الحبيبة.. تهلاي في روحك ( اهتمي بنفسك) وأبي كذلك وإخواني وأخواتي، اللهم إغفر لنا وارحمنا يا ربّ العالمين.. آه.. اللي ما يديرش الراي(من الذي لا ينتصح).. والله ما راه رابح (والله لن يربح). إلى اللقاء يا أمي وأبي.. أنتما أغلى ما في الدنيا.. وشكرا. ..أنا آسف". "حرّاق" يفضح عنصرية الغرب من جحهته كشف أحد الشباب الذي كان يستعد لمغامرة "الحرقة" على متن قارب صيد باتجاه مدينة ألميريا الإسبانية التي تبعد بحوالي 200 كلم عن شواطئ مدينة وهران، أن "وهران ليست وحدها المدينة الجميلة بل الجزائر كلها جميلة.. لكن الحياة فيها صعبة بل مستحيلة"، مضيفا أنه"فكر مليا قبل أن يتخذ قرار الهدة نحو أوروبا.. لكنه اكتشف أن أبواب الأمل ضيقة جدا أمام شاب طموح مثله يريد أن يتزوج وأن يوفر بعض المال ليعيل عائلته الفقيرة"، وفي الضفة الأخرى، اشتكى "فاروق.ل" وهو طالب جامعي تمكن من مغاردة الجزائر قبل نحو خمس سنوات للعيش في فرنسا من صعوبة الحياة في الغربة، وقال فاروق، "صحيح أنني حصلت على وثائق الإقامة لكنني لا أخفي مدى استيائي من المعاملة التفضيلية التي أعاني منها كمهاجر، فنحن مواطنون من الدرجة الثانية أو الثالثة، أما وضعية الحراقة هنا فهي لا تسر حتى العدو فما بالك بالصديق". نساء حراڤة ومن غرائب حكايات"الهاربون بالمراكب"، هو انخراط فتيات ضمن قوافل المهاجريين على متن قوارب الموت، كما هو الشأن للشقراء مريم ذات ال18 ربيعا وكانت تمتهن الحلاقة بمدينة عنابة، قبل أن تتعرف على شباب يقاسمها نفس أفكار الهجرة إلى أوروبا، لكن أحلامهم توقفت عندما اعترض عناصر حراس السواحل الجزائرية سبيلهم وتم تحويلهم على الحبس المؤقت في انتظار محاكمتهم. وإذا كانت مريم قد فشلت في عبور البحر، فإن سكان مدينة عنابة نهضوا ذات صباح من شهر ديسمبر الماضي على خبر وصول فتيات من حي سيدي سالم المعروف بالمدينة إلى التراب الإيطالي، وكان هذا الخبر محفزا للكثيرين والكثيرات من الشباب لتجريب الحظ في ركوب البحر فوق قوارب الموت.