- مواقف الجزائر ثابتة إزاء فلسطين والصحراء الغربية بسبب تناغم الموقف الرسمي والشعبي أكد، عبد الرحمن بن شريط، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة الجلفة، أن الدبلوماسية الجزائرية تعمل بكثير من الحنكة والخبرة في تعاملها مع القضايا الدولية من خلال محافظتها على هدوئها وعدم انجرارها وراء الكثير من التحرشات التي تود ادخال الجيش الجزائري في حروب وهمية وانزلاقات لا معنى لها، واصفا إياها ب " الدبلوماسية الأخلاقية والتي تلتزم بالمعاير والاتفاقيات الدولية". وأبرز، ذات المختص في حوار جمعه مع " الجمهورية" الموقف الثابت للجزائر إزاء القضايا العادلة عبر العالم خاصة ما تعلّق بالقضيتين الفلسطينية والصحراوية، مؤكدا، أنه رغم تعاقب الحكومات والرؤساء إلا أن موقف الدولة بقي ثابتا . - كرّست الجزائر منذ استقلالها وفي دساتيرها المتعاقبة عقيدة الحفاظ على بعدها الأمني والإستراتيجي وكذا نصرة القضايا التحررية العادلة في العالم، هل هذا التكريس كاف لدعم دور الجزائر في العلاقات الدولية والإقليمية؟ ^ نعلم جيدا أن العلاقات الدولية والدبلوماسية ليست ثابتة ومستقرة، ومع الأسف هذه العلاقات تطورت بشكل سلبي نحو ما يسمى بنظام التكتلات الإستراتيجية، والمنطقة العربية هي أضعف المناطق في التكتلات، باعتبار أنه ليست هناك أي تكتلات بل بالعكس أصبحت المنطقة ضحية لكثرة الاختراقات الأمنية ذات الطابع الاستراتيجي من طرف قوى مختلفة معروفة كأمريكا، تركيا أصبح لها شأن في المنطقة والصين لأسباب أمنية وعسكرية. وبطبيعة الحال يمكننا القول أن دبلوماسية الجزائر هي دبلوماسية كلاسيكية تقليدية بمعنى أنها تلتزم بالاتفاقات الدولية وتحترمها وكانت دائما وفية لمبادئها واستطاعت بالرغم من كل محاولات زعزعة استقرارها في الداخل وحتى من ناحية التحرشات الخارجية من طرف المغرب والارهاب الذي يمتد في الجنوب الجزائري من ليبيا وغيرها من الدول بسبب السياسات الاستطانية لفرنسا، بالرغم من كل هذا الجزائر راهنت على قوتها العسكرية وتطويرها وتمكّنت في المدة الأخيرة من ابرام صفقات نوعية وامتيازية من ضمنها تلك التي وقعتها مع روسيا الاتحادية، وأصبحت الجزائر تجمع بين ديبلوماسيتها وقوتها العسكرية الدفاعية. - البعد الأمني للجزائر، ضرورة إستراتيجية في مثل هذه الظروف التي تعرفها المنطقة (الساحل ودول الجوار) ؟ ^ بالفعل هو أولوية من الأولويات والدليل على ذلك أن أكبر ميزانية موجّهة للجيش، وأنتم تعلمون أن الجزائر مستهدفة لأسباب عديدة وتسعى دول مثل فرنساوأمريكا للتسابق لاختراق الجزائر أمنيا ومحاولة تنشيط بعض الخلايا النائمة ذات الطابع الإرهابي للمساس باستقرارها، وكل المحاولات باءت بالفشل. وبالرغم من كل المشاكل التي مرّت بها الجزائر خاصة في العشرية السوداء وكذا مرحلة الضعف التي عرفتها في عصر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلا أن الجيش بقي قويا ولم يتأثر بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الداخل، وبقي الجيش يشكل نقطة قوة بالنسبة للجزائر وبطبيعة الحال لا يمكن أن نفصل بين الأمن القومي والأمن المخابراتي والعسكري . - الجزائر كانت ولا تزال تدعو للحوار من أجل حل كل النزاعات بين الدول، هل هذا يكسب المناعة للبعد الأمني أم لابد من عوامل موضوعية أخرى؟ ^ في الحقيقة أنه إلى حد الآن الجزائر تتعامل مع الأزمات خاصة ما تعلّق بالقضية الليبية حيث ركّزت دائما على ضرورة جمع الفرقاء على طاولة الحوار واعتبرت بأن الحل العسكري والمسلح لا يمكن أن يفيد في الأزمة الليبية وكانت دائما تدعو إلى تجنيب أو منع دخول السلاح للجزائر خاصة في الاتفاقيات التي وقعت عليها في إيطاليا وفي ألمانيا وأنه لابد من قطع الطريق أمام المرتزقة وخاصة بعض دول الخليج مثل الإمارات التي كانت وراء تسليح حفتر وإعطائه كل القوة العسكرية لذلك فإن الجزائر بقيت تحافظ على بعد متساو مع الفرقاء حتى مع حفتر الذي تم استضافته في الجزائر. وكان وزير الخارجية الجزائري دائما يسعى لجمع الفرقاء الليبيين ويقدم نفس الخطاب الذي يدعو إلى نبذ الفرقة والابتعاد عن الحل العسكري والجلوس على طاولة الحوار وإخراج كل العناصر الدخيلة على ليبيا مؤكدا على ضرورة أن يكون الحل ليبيا ليبيا. - القضيتان العادلتان الفلسطينية والصحراوية لازالتا تشكلان الركن الركين لسياستنا الخارجية، رغم تعاقب الرؤساء، كيف تنظرون للتطورات في المستقبل؟ ^ بالطبع الجزائر وبرغم تعاقب الرؤساء والحكومات، قضية الصحراء الغربية وفلسطينالمحتلة، ضمانها ليس الدولة أو المؤسسة العسكرية وإنما الشعب بحد ذاته، الرأي العام الجزائري هو رأي عام متفق ويجمع على أن الصحراء الغربية لابد أن تحل مشكلتها بالإحتكام للهيئة الأممية نفس الشيء بالنسبة للقضية الفلسطينية، ويبرز هذا بشكل قوي في تصريح رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون عندما أكد أن فلسطين قضية مقدسة وليس هناك تعبير أعمق من هذا وهو رأي يتناغم مع الشارع الجزائري المعروف بحبه لفلسطين. - المواقف المشرفة للجزائر جلبت لها دوما استفزازات دول استعمارية مازالت تحلم بالعهود البائدة أم أن هناك نوايا أخرى مبيّتة لهذه الدول ؟ ^ في اعتقادي أن النوايا لم تعد مبيتة وأصبحت صريحة وواضحة، اليوم أعداء الجزائر واضحون ومعروفون، فرنسا أثبتت بشكل لا يدعو مجالا للشك بأنها لازالت سجينة لعقليتها الكولونيالية خاصة في مرحلة ساركوزي ثم ماكرون، الجميع لاحظ أن هناك مواقف وتصريحات عدوانية تجاه الجزائر وهناك محاولة لاختراق القرار السيادي للجزائر. ولاشك أن مبدأ تقديم الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر لازال يشكل نقطة خلاف كبيرة والفرنسيون لحد الآن لم يتمكنوا من تجاوز هذه العقبة وهم يصرون على أنهم لا يملكون أي رغبة وليسوا ملزمين بالاعتذار على جرائمهم ضد الشعب الجزائري، بالإضافة إلى المغرب والتي مع الأسف وبتطبيعها مع الكيان الصهيوني صعّبت الوضع بينها وبين الجزائر . - رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أكّد في كل تدخلاته أن الجزائر لا تهرول للتطبيع مع الكيان الصهيوني، كيف تقرأون هرولة بعض الدول لولوج هذا المسار؟ ^ قضية التطبيع كما قال رئيس الجمهورية، هي في الحقيقة هرولة والمقصود بها أن هناك انفلات في قضية التطبيع، كما تمكنت الدولة الصهيونية من اصطياد بعض دول الخليج وما زالت السعودية تتردد خاصة في مرحلة حكم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. أعتقد بأن هناك تسارع وانهيار في جدار الممانعة وظهور تطبيع على أنه أصبح أمرا طبيعيا مما أدى إلى انتقال هذا العدوى إلى منطقة المغرب العربي وبالضبط إلى الجارة المغرب في اتفاقية فكاهية والمضحكة المبكية وهي قضية مقايضة اعتراف المغرب بالكيان الصهيوني مقابل الحصول على مساندة من أمريكا، حيث أعطى ترامب حلما للمغرب التي انساقت وراء التطبيع ودخلت في هذه العلاقة المشبوهة التي أدت إلى حدوث تصدّع داخل الشارع المغربي الذي رفضها جملة وتفصيلا، وازداد النظام المغربي عزلة في عقر داره في حين ازدادت الجزائر تماسكا وموقفا متصلبا لأن الجزائر لا يمكنها أن تسير بنفس المسار الذي سارت فيه المملكة المغربية.