لا يختلف اثنان في أنّ السبب الأوّل الذي أجّج عديد الشعوب العربية و ألزمها الخروج إلى الشارع في انتفاضات عارمة بداية من 2011 كان غياب العدل ، و اليوم تفطّنت دول بحكوماتها إلى ضرورة التفاتة نوعية تسير بالعدالة بكل روافدها و المهن المتّصلة بها في طريق صحيح ، ينقيّ هذا القطاع الوازن في مسار مؤسسات و سُلط الدولة من الشوائب و يرسم معالم عمله وفق نظرة شاملة ، تقف عند الشاردة و الواردة فتعكف على الاستقلالية و النزاهة والحوكمة في إدارة القضايا و الفصل بين المتقاضيين . و قد أطلقت الجزائر منذ سنوات مسارا حافلا بإصلاح العدالة الذي شكّل فيه منظومة القضاء العنوان الأبرز لما لهذا الأخير من مسؤولية جسيمة تعكس الصورة الحقيقة للدولة و سير عمل مؤسساتها في كل المجالات و تحت أيّ ظروف. و بعيدا عن قرارات فوقية أو وصاية سلطوية فإنّ عملية بناء القانون ليست مقتصرة على سلطة واحدة و عليه فتحت ورشات ُ الإصلاح الباب واسعا للمهنيين و الخبراء و الجامعيين من أجل الإضافة النوعية ، بل و يخضع موظفو العدالة إلى دورات تكوينية في الخارج في إطار تبادل الخبرات و الإطلاع على تجارب متقدّمة في ذات مجال عملهم ، حيث تربط الجزائر عديد المعاهدات و الاتفاقيات بدول متقدّمة في شأن إصلاحات العدالة . و يأتي الإصلاح المعلن من حرص الدولة الجزائرية على تمكين السلطة القضائية من مكانتها الحقيقية وسط باقي السلطات و المؤسسات التي تحكم و تسيّر شأن البلاد و تسهر عليه ، و وسط جو سياسي و اجتماعي يسوده الحياد و عدم التشويش على أداء موظفي العدالة لاسيما القضاة و أيضا بتلمّس كلّ أسباب المهنية و الاحترافية في إنجاز العمل القضائي. الإرادة السياسية التي ترجمها الدستور الجزائري المعدّل منذ سنة و قد منح مؤسسة العدالة مساحة مهمّة ضمن بنوده و شرح أدائها و مسؤوليتها بعيدا عن مجرد نصوص جوفاء بل و وصلت الإصلاحات إلى ترجمة الإرادة السياسية إلى تمكين العدالة من قانون أساسي و منظومة تشريعية تحتكم إليها في حالات اللبس أو التداخل ، في انتظار إتمام مراحل إقامة المجلس الأعلى للقضاء و تنصيب أعضائه ، فدولة القانون لا تكتمل معالمها و تسمو وظائفها إلّا بتساوي سُلطها أمام القانون بعيدا عن التداخل في الصلاحيات بل بتكامل الأداءات . و خلال افتتاح السنة القضائية لموسم 2021 – 2022 الذي تمّ أمس بالجزائر عبّر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بأنّ ذات الإصلاح إنّما يأتي تحقيقا لالتزاماته أمام الشعب الجزائري من أجل تجسيد التعهدات لتحقيق الإصلاح الشامل و تنفيذ مطالب و طموحات الجزائريين في بروز معالم حقيقية لدولة القانون و ذلك يتأتّى بصورة واضحة لقضاء عادل يكون فيه القضاة مستقلين و أيضا التصدي للمال الفاسد في مؤسسات الدولة و محاربة المروجين له بكل الوسائل القانونية . ف ش